رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

آلام فريد الأطرش


14-1-2025 | 22:36

صورة أرشيفية

طباعة
حوار: ممدوح أبو زيد

فريد الأطرش- ملك العود.. هو أحد أعظم الفنانين فى تاريخ الموسيقى العربية، لأنه كان معجونا بالإبداع منذ صغره على يد أمه الأميرة علياء المنذر التى لقنته أول دروس الموسيقى هو وأخته الفنانة الكبيرة «أسمهان»، وترك بصمة لا تنسى فى الغناء والتلحين والتمثيل.

 

رحل فريد الأطرش عن عالمنا فى 26 ديسمبر 1974، أى قبل أن يشاهد فيلمه الأخير «نغم فى حياتى»، الذى تم عرضه فى دور السينما فى عام 1975، أى بعد وفاته بفترة قصيرة.

 

هنا نقدم لك فى «كنوز المصور» هذا الأسبوع حوارًا نادرًا أُجري مع الفنان الراحل منتصف عام 1974، تزامنًا مع ذكرى رحيله الخمسين، حيث يكشف عن العديد من جوانب حياته الفنية والشخصية والتى آلمته كثيرا.

عندما زرته خلال إقامته السريعة بالقاهرة.. ما كنت أحسب أننى سوف أجده على هذه الصورة الداكنة لنفس متألمة، فهذا الفنان الذى أعطانا منذ أربعين عاما، ويعطينا وسيظل يعطينا أروع الألحان من حقه أن نواسى جراحه ونخفف آلامه.

 

بادرنى بتساؤل: هل يمكن أن أقوم بأول محاولة فى حياتى لكشف ستار الظلم الواقع علىّ؟

 

قلت: طبعا يمكنك.. فأنت واحد لا تنكر جهوده فى ثراء الموسيقى الشرقية لحنا.. وغناء، ولكن ما هى هذه الحوادث التى تبغى كشف الستار عنها؟

 

الحوادث التى أخرجتنى من مصر وأنا على مشارف أن أكون شحاذا. والتى جعلت أصحاب هواية الشائعات يقولون بعدها إن فريد هجر مصر وأنه لن يعود إليها.. وإلى هؤلاء أقول.. إن بلدى هى مصر.. وأن شقيقتى أسمهان مدفونة تحت تراب مصر..وإن فريد الأطرش سيموت فى مصر.. فإذا مت خارجها.. فإن وصيتى هى أن أدفن فى بلدى.. مصر.

 

ثم قال: هناك شائعة تحاول هدمى حاليا.. شائعة أن فريد ترك الفن.. وأصبحت له خمارة ؟

 

الذى أحزننى أننى حرمت من جائزة الدولة التقديرية التى رشحت لها من قِبل المعهد العالى للموسيقى العربية.. لهذا السبب قال فريد الأطرش: لنعد إلى الوراء حيث بداية الأزمات المالية التى أوصلتنى فى النهاية.. إلى أن أكون على “أبواب” الشحاذة..

 

الحكاية الأولى

 

سر أذيعه لأول مرة فى حياتى.. فما كنت أرضى لنفسى ولكبريائى أن أشكو.. فالشكوى لغير الله.. مذلة. ففى عام 1956 كنت قد انتهيت من تصوير فيلم “ودعت حبك” الذى كلفنى أربعين ألف جنيه، بجانب سبعة آلاف أخرى قيمة حملة الدعاية.. وتقرر عرضه يوم 29 أكتوبر. وفعلا عرض فى حفلة الساعة العاشرة.. لكنه رفع من السينما حتى يومنا هذا.. لأن العدوان الثلاثى وقع على مصر، وخسرت كثيرا.. وكان هذا هو سر بيع العمارة التى كنت قد أقمتها لتكون سندى مع الأيام. يومها انطلقت الشائعات تؤكد أنى بعتها بل وخسرتها على مائدة “القمار”.

 

الحكاية الثانية

 

ارتبطت معى الإذاعة بعقد مقابل 1100 جنيه لكل نصف ساعة غناء تشمل أجر الكلمة.. أجر الفرقة الموسيقية.. أجر قائد الفرقة.. أجر الكورس.. ثم أجرى كملحن ومطرب ثم نصيب مصلحة الضرائب.. ترى كم يتبقى لى بعد هذا.. ومع ذلك فإننى منذ خمسة وعشرين عاما لم أتقاض من الإذاعة مليما واحدا.. والسبب كما يقولون إن أجرى مرتفع! خمسة وعشرون عاما كنت مجبرا فيها على التبرع بألحانى وأغنياتى للإذاعة بالمجان لأن أساس انتشار أى مطرب لا بد أن يكون من خلال إذاعة القاهرة التى بدأت معها منذ أول يوم عندما غنيت لها.. ياريتنى طير وأنا أطير حواليك.. مطرح ماتروح ياعيونى عليك..

 

وقال “الأطرش” بعد استراحة التقط فيها أنفاسه: هذا عن الإذاعة.. وهو نفس الأمر بالنسبة للتليفزيون الذى لم يتعاقد معى إطلاقا! كذلك الحال مع مؤسسة السينما.. تعاقدوا معى على بطولة فيلم “زمان ياحب” والتاريخ كان عام 1967.. وانتهى الفيلم بعد عشرات من العراقيل وعرض عام 1973، ست سنوات منعنى فيها العقد أن أرتبط مع فيلم آخر. ولهذا تجدنى أرخص من أى فنان آخر بمقدار الزمن مع أننى أتقاضى فى الفيلم 25000 جنيه.

 

ترى.. هل يعتقد السينمائيون أيضا أن أجرى باهظ! وإذا كان هذا هو تصورهم.. فهل سألوا أنفسهم أولا: كم بلغ دخلهم من وراء أفلامى بالعملة الصعبة.. الجواب سيجدونه بعشرات الألوف! وهل سألوا أنفسهم.. من الذى روج للهجة المصرية فى كل بقاع المنطقة العربية خاصة فى شمال إفريقيا!

 

هذه حكاية ثانية عناصرها كما أسلفت.. ليس لى مورد من الإذاعة.. ليس لى مورد من التليفزيون.. السينما لا تفى أبدا بالتزاماتى.

 

ولكن.. يقال إن لدى دخلا من الأسطوانات.. والأفلام القديمة وما شابه.. إذن فلنحكِ الحكاية الثالثة..

 

الحكاية الثالثة

 

هى حكاية الضرائب معى، لقد طالبونى بمبلغ 120 ألف جنيه.. تركونى عدة سنوات ثم ألزمونى جزافا بهذا المبلغ.. وبعد أخذ وردّ وكلام وحديث اتفق على أن أدفع شهريا خمسة آلاف جنيه، ولم يكن فى استطاعتى أن أدفع فوضعوا أيديهم على الدخل الباقى لى وهو رصيدى من الأفلام القديمة ومن الأسطوانات.

 

وهكذا وجدت نفسى.. بعد عمر طويل من العطاء الموسيقى، والغناء.. على أبواب الشحاذة.

 

ولجأت إلى مسئول كبير أعطانى أذنه وسمعنى بحنان وأصدر أوامره بأن تتعاون معى الإذاعة والتليفزيون، وحتى الآن لم يتصل بى أحد.. ولم أستطع مرة أخرى.. أن أذل نفسى بالسؤال خاصة بعد أن ذهبت إلى عبد الحميد يونس بناء على موعد أعطاه لى للتفاهم على عمل.. وذهبت إليه، وظللت فترة طويلة بمكتبه ثم اعتذر لى موظفو مكتبه فى أدب شديد بأنه لن يأتى اليوم.. وخرجت مهيض الجناح لأننى أعلم قدر نفسى..

 

كان طبيعيا بعد هذا أن أضرب فى أرض الله الواسعة سعيا للرزق، وكان طبيعيا أكثر أن يكون وجودى فى بيروت.

 

وقال فريد الأطرش: عندما اجتمع فى بيروت.. بالكازينو أكثر من عشرين من أعمدة المسئولين عن السياحة فى العالم، سألنى عادل طاهر وكيل وزارة السياحة المصرية: لماذا لم نقم بمثل هذا المشروع بمصر؟ وكانت إجابتى له إننى لم أكن أمتلك مالا أستطيع من خلاله القيام بمثل هذا المشروع فى بلدى المحبوب.

 

وأحب أن أضيف أنا.. بتساؤل: ما هو العيب فى أن أقوم بمثل هذا المشروع.. أوليس كبار النجوم فى العالم على مختلف ألوانهم يقومون بمثل هذه المشاريع.. ينسج كروسبى.. وفرانك سيناترا وغيرهما.

 

إننى بعد هذا أبكى عمرى.. أبكى جهدى أبكى عرقى.. أبكى أغنياتى التى تردد بألسنة روسية وتركية وإنجليزية.. أبكى موسيقاى التى يغنيها فنانون عالميون فيعزفونها كانديكو ماسياس.. أبكى بدايتى مع الإذاعة التى كانت نقلة جديدة للأغنية المصرية حيث ابتعدت بها عن التطريب التركى والتطويل الممل.. فى النهاية.. أنا فريد الأطرش.. أبكى فريد الأطرش.

 

ما كان يجب أن تكون هذه هى صورة واحد من عمالقة الفن فى مصر.. ما كان يجب أن تكون صورته داكنة مملوءة بالمعاناة!

 

نشر فى يوليو سنة 1974