رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

2025 «هنكمل المشوار»

16-1-2025 | 16:52
طباعة

فى البداية، كل سنة والمصريون - جميعاً - طيبون بمناسبة العام الجديد، وندعو الله فى مفتتح 2025 أن تكون سنة خير وأمن واستقرار على الأمة العربية والعالم أجمع فى مشارق الأرض ومغاربها، فقد أرهقت 2024 وما سبقها من سنوات عجاف، البشرية بالأوبئة الفتاكة، والصراعات الطاحنة، والحروب المدمرة، مما جعل الدول والشعوب تتحمل -من الضغوط الصعبة، والمضاعفات الشديدة - ما لا طاقة لها به على المستويات كافة من الاقتصاد إلى السياسة، ومن الصحة إلى الطاقة، ومن الغذاء إلى الأمن القومى، لدرجة أن ارتفاع معدلات التضخم والغلاء كان العامل المشترك بين مختلف العواصم، سواء فى الدول المتقدمة أو النامية، وتسعى الحكومات ويأمل المواطنون فى شتى البلدان أن تكون السنة الجديدة نهاية العسر، ودخول مرحلة اليسر، وسبحان مبدل الأحوال، ومغيرها من حال إلى حال، وما ذلك على الله بعزيز.

 

صحيح أن الكثير من الخبراء الاقتصاديين، والمحللين الماليين حول العالم يسرفون فى توقعاتهم بأن يكون 2025 أكثر صعوبة من العام السابق على المستوى الاقتصادى فى ظل ارتفاع معدلات الدين العالمى لأكثر من 323 تريليون دولار، وأنه قابل للزيادة فى ظل التوترات التجارية خصوصا بين الولايات المتحدة والصين بحكم أنهما أكبر اقتصادين على المستوى الدولى، وستنعكس أية مضاعفات لهذا الصراع على باقى الاقتصادات غربا وشرقا، وحتى أوروبا ليست فى مأمن من الأزمات الاقتصادية خلال العام الجديد، وعلى سبيل المثال نجد أن هناك عدم يقين فى السياسات الاقتصادية سواء فى فرنسا أو ألمانيا فى أعقاب استقالة ميشال بارنييه رئيس الوزراء الفرنسى ثم انهيار الائتلاف الحكومى فى برلين بسبب الموازنة، فضلا عن تراجع معدلات النمو الاقتصادى، كما أن استمرار اضطرابات سلاسل الإمداد نتيجة للصراعات والحروب التى تنتقل كالقطط المشتعلة من منطقة إلى أخرى، وبالطبع منطقة الشرق الأوسط صاحبة النصيب الأكبر منها بسبب المؤامرات الإسرائيلية المتواصلة على مختلف دولها، بالإضافة إلى صراع عدة قوى خارجية لأن يكون لها موضع قدم فيها.

 

ولا ننكر أننا كمصريين شعباً ودولة لسنا بمعزل عما يحدث فى العالم أو حولنا من واقع مأزوم اقتصاديا على مستوى العالم، وغائم إقليميا تحت وطأة اشتعال الأحداث، وتأجج الجبهات، لكن فى الوقت نفسه من الإنصاف أن نعترف أنه ليس العام الأصعب فى مسيرة البلاد والعباد، فقد هزمنا ما هو أخطر، وانتصرنا على ما هو أشرس، ودفتر أحوال الأعوام الماضية مليء بقصص البطولة، وروايات الانتصارات فى مواطن عديدة، وقضايا كثيرة لأن العزيمة الشعبية قوية، والإرادة الرئاسية صلبة، والرغبة الحكومية صادقة، وما إن تكاتفت هذه المحاور إلا وأصبح عبور المستحيلات سهلا وميسورا بشرط التخطيط الجيد، والتنفيذ المحكم.

 

وانطلاقا من أن الذكرى تنفع المؤمنين، وسيرا على نهج التعلم من دروس الماضى، أعود بالذكرى إلى الوراء لأعوام سابقة أثبت فيها الشعب المصرى العظيم والمؤسسات الوطنية الراسخة كالجبال أننا على قدر التحدى رغم التنبؤات المتشائمة من خبراء الأبراج، والتوقعات المحبطة من المحللين الاقتصاديين والسياسيين، ففى عام 2013 ظن المرجفون فى المدينة وحلفاؤهم من المتربصين فى الخارج أن المصريين دخلوا النفق الإخوانى المظلم، وتاهوا فى غيابات مؤامرة أخونة البلاد، وضرب هوية الوطن، لكن بوحدة الصف، وإصرار المواطنين، وبمساندة القوات المسلحة سقط حكم المرشد بثورة 30 يونيو العظيمة، وإنقاذ مصر من مخطط الأخونة الذى كانت الجماعة الإرهابية تحلم بفرضه على مدى نصف قرن، فتحولت أحلامها إلى كوابيس مزعجة بقرار 3 يوليو الفارق فى مسيرة الوطن بمشاركة كل القوى الوطنية، ثم جاء 2014 وانتخاب الرئيس السيسى لتنطلق دولة 30 يونيو فى مرحلة التنمية الشاملة بكل المجالات بمنظومة متناغمة من المشروعات القومية غيرت شكل الحياة فى مصر لأن يد البناء والتعمير امتدت لجميع القطاعات من الإسكان إلى الطرق، ومن الزراعة إلى الصناعة مرورا بملفى الصحة والتعليم، مع مبادرات رئاسية غير مسبوقة عالجت الخلل، وجبرت الفجوة فى كل الخدمات من «حياة كريمة» إلى «100 مليون صحة» وصولا إلى مبادرة «بداية جديدة لبناء الإنسان المصرى».

 

وهنا تحضرنى عبارة مأثورة “كل مرة أنظر فيها إلى الماضى أتيقن أننى كنت محاربا قويا”، وهى تجسد جيداً حال المصريين، فقد تغلبوا فى الأعوام السابقة على قائمة طويلة من التحديات خاصة من 2014 وحتى 2024، وأخطرها كانت مخططات إسقاط الدولة تارة بالعمليات الإرهابية الخسيسة لنشر الفوضى وضرب الأمن والاستقرار وتخويف المستثمرين، وتارة بصناعة الشائعات الهدامة والأكاذيب المغرضة وحروب الجيلين الرابع والخامس للتأثير فى الروح المعنوية، ونشر الإحباط، والتقليل من الإنجازات رغم تتابعها، وإفساد الفرحة بالنجاحات رغم تعددها، لكن قوة الوعى، وصلابة الهمة، كانت دائما حاضرة لا تغيب، ويقظة لا تصمت، وخلال هذه السنوات وحتى 2022 واصلت الدولة حربها الضروس ضد الإرهاب فى سيناء وعلى جميع الاتجاهات حتى اقتلاع جذور هذه التنظيمات المتطرفة والجماعات التكفيرية التى تآمرت بليل على أرض الفيروز، لكن أبطالنا فى القوات المسلحة، ورجالنا فى الشرطة كانوا لهم بالمرصاد فداء للوطن، وتحملا للمهمة المقدسة فى حماية الأمن القومى، ودفع هؤلاء البواسل الثمن غاليا من أرواحهم الطاهرة، ودمائهم الزكية عن طيب خاطر لينعم المصريون بالأمن والاستقرار، ويتدبر كل من يفكر فى المساس بالتراب الوطنى لأن مصيره المحتوم الخسران المبين، والهزيمة المنكرة، والتاريخ حافل بالعبر والحكايات الموثقة، والأدلة الثابتة.

 

وبفضل الله أولا، وقوة تحمل المصريين سيعبر الوطن كل المطبات، ويتجاوز جميع الصعوبات فى العام الجديد، وفى مقدمتها المشكلة الاقتصادية الناجمة عن ظروف ومتغيرات عالمية كما تخطينا ما هو أشد وطأة خلال تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى، الذى كان بمثابة الدواء المر الذى لابد من تجرعه بصبر وهدوء أعصاب من أجل التعافى التدريجى، وتقوية بنية اقتصادنا الوطنى حتى يكون قادرا على الصمود وقت الضرورة، والثبات فى مواجهة الصدمات، ورغم تحذيرات الخبراء فى الداخل والخارج من الإقدام على هذه السياسات الإصلاحية حتى لا ينتهز أهل الشر وأذرعهم الإعلامية الفرصة لإثارة غضب الشارع المصرى بدس السم فى العسل بحجة أن الناس لن تستطيع تحمل فاتورته، إلا أن رهان الرئيس عبدالفتاح السيسى كان على بطولة الشعب المصرى، وثقته بلا حدود فى الوعى المجتمعى، وقد كان ولا يزال المواطنون عند حسن ظن الرئيس، فسطروا ملحمة شهدت بها الكثير من المؤسسات الدولية مع تراجع البطالة ومعدل التضخم، وزيادة الناتج المحلى الإجمالى.

 

وقد أثبتت الأيام صحة قرار الإصلاح الاقتصادى خصوصا مع تتابع الأزمات من جائحة كورونا التى قطعت ما اتصل من سلاسل الإمداد إلى حبس حركة السفر والطيران والسياحة والاستثمار، وأعقبتها مباشرة الحرب الروسية الأوكرانية التى أوقفت سريان مجرى تجارة الحبوب خصوصا القمح بحكم أن موسكو وكييف تستأثران بأكثر من ثلث إنتاجه محليا، ثم الحرب الإسرائيلية الغاشمة على غزة ولبنان واليمن وسوريا، فتوالت التوابع على الاقتصاد الوطنى لكنه امتص كل هذه الأزمات الطاحنة نظرا للتعافى بأمصال الإصلاح الاقتصادى الشافية، وهنا من المعلوم بالضرورة أن أهل الشر لن يتوقفوا عن مخططاتهم الحاقدة على الدولة المصرية، ومحاولة تشكيك المواطنين فى قدراتنا الاقتصادية، وخاصة من ثغرة الدين الخارجى، والترويج عن عمد أن 2025 سيكون أكثر عسرا بزعم فاتورة الديون المستحقة شديدة الوطأة بهدف إثارة الذعر والقلق، وهم كاذبون، فها هو رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى يطمئن المصريين بالتأكيد على سداد نحو 7 مليارات دولار من الديون المستحقة خلال شهرى نوفمبر وديسمبر الماضيين، ليصل إجمالى ما تم سداده خلال عام 2024 إلى 38.7 مليار دولار، وذلك كان يُمثل تحديًا كبيرًا للدولة، والمبلغ المستحق خلال 2025 سيكون أقل مما تم سداده من سابقه، وبصريح العبارة ليس لدينا أية مشكلة فى سداد ما علينا من التزامات، ولم تتخلف القاهرة يوما عن سداد تلك المستحقات رغم التوترات الإقليمية المستمرة التى تتسبب فى انخفاض حاد فى عائدات قناة السويس وفقا لتعبير «إيفانا فلادكوفا هولار»، رئيسة بعثة صندوق النقد الدولى إلى مصر.

 

والأمر المؤكد أن الدولة المصرية فى 2025 ستواصل مشوار التنمية والبناء الشامل فى كل الملفات تنفيذا للتوجيهات الرئاسية الحاسمة بامتلاك القدرة الشاملة للدولة لأنها السبيل الوحيد لردع أى تفكير فى الاعتداء على الوطن، بداية من تحسين مستوى معيشة المواطنين، والاستمرار فى دعم الصناعة، وفتح الأبواب أمام الاستثمار، ومساندة القطاع الزراعى، والاهتمام بالسياحة، وتسريع الخطى فى ملف الحريات وحقوق الإنسان، ومواصلة تحديث وتطوير القدرات التسليحية لقواتنا المسلحة صمام الأمان، ودرع الوطن وسيفه، مع رفع كفاءة المنظومة الأمنية للحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، وإفساد أية مخططات تخريبية أو دعوات هدامة تقودها الأذرع الإعلامية والميليشيات الإلكترونية لأهل الشر المتربصين بمسيرة الوطن مع سبق الإصرار والترصد، وهم واهمون، يعيشون فى هلاوس الماضى، وضلالات الحاضر، فقد فقدوا ظهيرهم الشعبى إلى الأبد، وعقارب الساعة لا ترجع أبدا إلى الخلف.

 

ومنعا للقيل والقال، وكثرة السؤال، لا أقول إنه لا وجود للمشكلات، ولا مجال للأخطاء، فجل من لا يخطئ، ومن الطبيعى أن تكون هناك بعض السياسات التى لم تؤت ثمارها، وبعض المسئولين الذين جانبهم الصواب فى أداء مهامهم، لكن لا يختلف أحد على أن القيادة السياسية تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتصويب المسيرة، وتصحيح الاتجاه الحكومى، وبالفعل ترجم رئيس الوزراء هذه التوجيهات الرئاسية بلغة الأفعال قبل أيام قليلة من الدخول إلى العام الجديد عندما أكد فى آخر اجتماع لحكومته فى 2024 باستمرار جهود مختلف أجهزة وجهات الدولة المعنية فيما يتعلق بحوكمة وضبط بنود الإنفاق الاستثمارى، بما يسهم فى إتاحة الفرصة بشكل أكبر أمام مؤسسات القطاع الخاص لزيادة نسب معدلات مشاركته فى العديد من الأنشطة الاقتصادية، هذا فضلا عن مساهمة هذه الإجراءات فى ضبط الأداء المالى للموازنة العامة للدولة، ثم عقد اجتماع موسع فى نفس اليوم مع ثلة من المستثمرين فى القطاعات المختلفة، لاستعراض التحديات التى تواجه القطاع الخاص وطرح رؤاهم للتحرك فى مختلف القطاعات خلال 2025، ويحسب لرئيس الوزراء شجاعته عندما قال نصا “من خلال التجربة أصبح لدى الدولة قناعة بأن القطاع الخاص هو الأجدر على الإدارة والتشغيل نظرًا لخبرته الكبيرة فى هذا الشأن”، هذا ليس عيبا لأن هدف كل الأطراف هو مصلحة المواطن المصرى.

حمى الله مصر وشعبها وقيادتها ومؤسساتها الوطنية من كل سوء.