رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الجيش المصرى.. أسطورة القوة وعنوان السيادة فى الجمهورية الجديدة


16-1-2025 | 17:19

صورة أرشيفية

طباعة
تحقيق: منار عصام

يعد الجيش المصرى عماد الأمن القومى وركيزة الاستقرار للدولة المصرية عبر التاريخ. وفى ظل التحديات الإقليمية والدولية الراهنة، تمكنت القيادة السياسية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسى من صياغة رؤية شاملة ومتكاملة لتطوير القوات المسلحة، لتصبح أقوى الجيوش العربية، وتصعد إلى المركز التاسع عالميًا عام ٢٠٢٠ وفق تصنيف «جلوبال فاير باور».

 

تضمنت هذه الرؤية محاور متعددة، أبرزها التنوع غير المسبوق فى مصادر التسليح، تحديث نظم التدريب، وتطوير الصناعات العسكرية المحلية. فمن الطائرات الأمريكية «إف-١٦» إلى المقاتلات الروسية «ميج ٢٩»، والفرنسية رافال، والغواصات الألمانية الحديثة، أصبح الجيش المصرى نموذجًا للتطور العسكري.

فور تولى الرئيس السيسى مسئولية إدارة البلاد شرع فى عملية انفتاح عسكرى فى نظم التسليح، كما يوضح اللواء أركان حرب دكتور سمير فرج الخبير الاستراتيجى مدير إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة الأسبق ومحافظ الأقصر الأسبق، فبعد أن ظلت القوات المسلحة لمدة 30 عاما تعتمد بشكل كبير على السلاح الغربى وتحديدا للولايات المتحدة الأمريكية، بدأت فى إضافة قطع بحرية من فرنسا مثل الميسترال بجانب الطائرات الرافال الفرنسية أيضا، فضلا عن إضافة عدد من الفرقاطات من كل من إيطاليا وروسيا بجانب أحدث الغواصات من ألمانيا وعدد من طائرات الـ ميج 29 الروسية إضافة إلى عدد من الطائرات الموجهة بدون طيار الصينية.

 

لم تتوقف جهود الدولة فى ملف التسليح عند الاعتماد على استقدام سلاح متطور من الخارج فقط، بل اتجهت لتطوير المصانع الحربية المصرية والتى لم تشهد تطويرا منذ إنشائها خلال عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وهو ما قام به الراحل الفريق محمد العصار خلال توليه حقيبة الإنتاج الحربي، إذ قام بجهود مضنية لتطوير وتحديث نظم التصنيع داخل كافة المصانع الحربية حتى تكون مواكبة لأحدث نظم التصنيع العسكرى على مستوى العالم.

 

يرى فرج أيضا أن نظم التدريب داخل القوات المسلحة شهدت تطورا كبيرا، آخرها انتقال الكلية الحربية من مقرها القديم بمصر الجديدة إلى مقرها الحالى بالقيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة والتى تم إنشاؤها وفقا لأحدث النظم التكنولوجية المتطورة التى تساعد على الارتقاء بعملية تأهيل وتدريب طلبة الكليات العسكرية لتخريج دفعات جديدة من الضباط المتميزين والمؤهلين للعمل على أحدث نظم التسليح، إضافة إلى حصولهم على مؤهلات مدنية تناسب تخصصهم لصقل مهاراتهم وتسليحهم بكافة المؤهلات العلمية التى يحتاجونها، مع التوسع فى التدريبات المشتركة مع كبرى الجيوش العالمية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والجيش الروسى وعدد من جيوش منطقة الخليج، مما انعكس على تصنيف الجيش المصرى عالميا ليحتل المركز 14 عالميا من أصل 145 دولة والأول عربيا وإفريقيا والثانى بالشرق الأوسط.

 

وتوسعت القوات المسلحة مؤخرا فى الاعتماد على المؤهلات العليا بين مجنديها خاصة الذين يتعاملون مع الأسلحة المتطورة فنجد أن طقم الدبابة M1A1 كمثال عبارة عن مهندسين يقضون فترة التجنيد وذلك ليكونوا قادرين على استيعاب التكنولوجيات المتطورة التى تتمتع بها تلك الدبابة.

 

ويؤكد فرج أن المراكز البحثية العسكرية المصرية دائما ما تتابع عن كثب ما وصلت إليه أساليب القتال ونظم التسليح على مستوى العالم من أجل العمل على تطوير ومواكبة تلك القدرات لتظل القوات المسلحة المصرية قوية وقادرة على التعامل مع مختلف التحديات.

 

أهمية التسليح

 

كانت أهمية تسليح وتطوير قدرات الجيش المصرى حاضرة وبقوة فى تاريخ مصر الحديث، كما يوضح اللواء أركان حرب محمد قشقوش المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وذلك منذ عصر محمد على مرورا بالمحطات الرئيسية وصولا لثورة يوليو 1952 والتى كان من ضمن أهدافها الستة الرئيسية، إقامة جيش وطنى قوى، مؤكدا أنه حتى الآن تظل تلك الرسالة ثابتة وتمر بمراحل ثابتة تتناسب مع تصاعد أو تغير الموقف الإقليمى والدولى.

 

وترتبط جاهزية القوات المسلحة بعدة محاور أهمها وجود قوة بشرية للدولة تسمح ببناء قوة عسكرية دون إرهاق اقتصادي، فإذا كانت الدولة تمتلك قوة بشرية محدودة كان سيؤدى ذلك لإقامة قوة عسكرية لفترات محددة فقط نظرا لاعتمادها على نظام التعبئة مثل جيش الدفاع الإسرائيلي، إلا أن الدول التى تمتلك قوة بشرية مناسبة تستطيع أن تعبئ 1: 1.5 فى المائة قوة عسكرية عاملة دون إرهاق اقتصادي، وتعد مصر من ضمن هذه الدول، إذ إن القوة البشرية العاملة فى الجيش المصرى هى قوة كافية وهو مؤشر مدرج بالمراجع والكتب الدولية المهتمة بهذا الشأن.

يشير قشقوش إلى أن تلك القوة تحتاج إلى التسلح الذى دائما ما يرتبط بالعقيدة القتالية والسياسية للدولة، وتوجد بعض الدول المحدودة على مستوى العالم التى تقوم بتصنيع السلاح وتحقيق الاكتفاء الذاتى منه، أما غالبية الدول فتمتلك نظما عسكرية متطورة وتستكملها من نماذج أخرى على نفس القدر من التطور، وتمتلك مصر قدرا مميزا من التصنيع العسكرى المحلى بجانب التعاون الاستراتيجى مع الولايات المتحدة الأمريكية فى تصنيع العديد من العتاد العسكرى مثل الدبابة M1A1 ابرامز، وكذا مع دول عديدة مثل إسبانيا وإيطاليا وكوريا الجنوبية.

 

ويبين أن عملية تدريب القوى البشرية على استخدام تلك النظم التسليحية المتطورة أمر هام وضرورى لامتلاك قوات مسلحة قادرة ومميزة، وهو ما تنفذه القوات المسلحة المصرية على كافة مستوياتها، إضافة إلى التعاون التدريبى مع جيوش العالم مثل تدريبات النجم الساطع مع الولايات المتحدة الأمريكية والتدريبات العسكرية الروسية المصرية المشتركة وغيرها من التدريبات المشتركة التى تعمل على تبادل الخبرات وصقل مهارة الضباط وضباط الصف والجنود فى استخدام الأسلحة المتطورة ووفقا لأحدث التكتيكات العالمية.

 

تصنيف الجيوش

 

يؤكد قشقوش أن كافة المراكز البحثية الكبرى فى الشأن العسكرى دائما ما تصنف الجيوش وفقا للعوامل السابق ذكرها ودائما ما تجمع تلك المراكز على تصنيف مصر فى المراكز بين 9 والـ 15 على مستوى العالم والأولى عربيا وإفريقيا وفى مقدمة جيوش منطقة الشرق الأوسط، لافتا إلى أن الخبرات القتالية السابقة للجيوش أيضا عامل أساسى يساهم فى إعطاء ثقل على أرض الواقع لأى قوات عسكرية، فنجد القوات المسلحة المصرية تمتلك سجلا حافلا من الخبرات القتالية التى يدرس منها إلى الآن فى المعاهد والكليات العسكرية على مستوى العالم مثل تكتيكات القتال المصرية التى حققت بها النصر خلال حرب أكتوبر 1973.

 

يضرب قشقوش المثل بما قامت به القوات البحرية المصرية فى21 أكتوبر 1967 من إغراق المدمرة إيلات وهى أكبر القطع البحرية فى جيش الاحتلال الإسرائيلى فى ذلك الوقت باستخدام 2 زورق صواريخ لا يقارن حجمهما بحجم المدمرات، مما يبرهن على الاستخدام المحترف للمقاتلين المصريين بالقوات البحرية لكافة الوسائل المتاحة لهم فى ذلك الوقت، وغيرها من الأمثلة الكثيرة التى سطرت اسم الجيش المصرى بحروف من نور فى سجلات التاريخ العسكرى.

 

كما سلط قشقوش الضوء على أن قوام القوات المسلحة المصرية عبارة عن قوات برية وبحرية وجوية ودفاع جوى الأمر، الذى يتطلب عمليات تنسيقية كبيرة جدا بين تلك الأفرع، لذلك نجد أن القيادة السياسية الحالية قد أنشأت قيادة استراتيجية «الأوكتاجون» على أحدث مستوى فى العاصمة الإدارية الجديدة، حيث يتم استخدام أحدث نظم القيادة والسيطرة وأكثرها تطورا لمواكبة التطور التكنولوجى العالمى فى مجالات الأمن السيبرانى والتقني، لافتا إلى أن القوى العسكرية تعتبر أحد أضلاع قوى الدولة الشاملة التى توفر وتكفل الحماية والتأمين للأمن القومى المصرى من أى أخطار أو تحديات تهدده، مضيفا أن الدولة المصرية هو واحدة من دول قليلة حول العالم التى تتمتع بعناصر هامة من عناصر القوى الشاملة.

 

واختتم حديثه مؤكدا أن الجيش المصرى ليس قويا فقط بل هو جيش وطنى قوى يعمل فقط لحماية الدولة ومقدراتها ومكتسبات شعبها وأمنها القومى ولكل المصريين أن يفخروا بأن لديهم جيشا وطنيا قويا قادرا على حماية البلاد.

 

توقع التحديات

 

فى سياق متصل، يوضح اللواء عادل العمدة المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية أن القيادة السياسية المصرية منذ عام 2014 كانت لديها القدرة على استشراف المستقبل وتوقع التحديات الإقليمية والدولية التى يمر بها العالم حاليا، وذلك من خلال 3 محاور وهى تحديد المشكلة التى تعانى منها قطاعات الدولة المختلفة، وتحديد العلاج المناسب لتلافى كل تلك التركة الثقيلة من المشاكل، وآخرها والأهم هو توفر الإرادة السياسية القوية لتنفيذ ذلك العلاج، وهو الأمر الذى كان غير متوفر فى مصر لعقود طويلة مضت.

 

وأشار العمدة إلى أنه تم تطبيق ذلك النهج على القوات المسلحة المصرية من خلال توجيه الرئيس السيسى للقوات المسلحة بتنفيذ مناورة استراتيجية فى أكتوبر 2014 بمشاركة كافة أفرع الجيش المصرى، وتمكن من خلال تلك المناورة الوقوف على نقاط القوة وكذلك النقاط المطلوب التركيز عليها، وعلى الفور شرعت القيادة العامة للقوات المسلحة فى تنفيذ خطط تطوير ورفع كفاءة فى كافة أفرع القوات المسلحة المصرية، وخير دليل على ذلك التنوع فى مصادر التسليح مثل الميسترال والطائرات الرافال وغيرها من الأنظمة التسليحية المتطورة.

 

بالإضافة إلى المشاركة فى معرض الصناعات الدفاعية ايدكس الذى تم تنظيمه لأول مرة على أرض مصر 2012 وذلك للتأكيد على تطوير القدرات التصنيعية العسكرية فى مصر، فضلا عن إكساب المصنع المصرى والمقاتل المصرى خبرات من خلال استعراض المنتجات العسكرية المتطورة من مختلف دول العالم والتى لها باع طويل فى التصنيع العسكرى، بجانب إعادة اشتراك القوات المصرية فى العديد من التدريبات المشتركة الدولية مثل تدريبات النجم الساطع الذى كان متوقفا منذ عام 2007 ليعود مرة أخرى بمشاركة مصرية قوية فى 2017 بجانب الخبرات القتالية المكتسبة من خلال الحرب على الإرهاب التى مرت بأربع مراحل بداية من العملية سيناء وحق الشهيد والعملية الشاملة.

 

ويشيد العمدة بفكر الرئيس السيسى فى التنويع الكبير فى مصادر تسليح الجيش المصرى وذلك بما يضمن الحفاظ على أعلى درجات الجاهزية للقوات، وفى عام 2020 نفذت القوات المسلحة المصرية المناورة قادر 2020 والتى حملت رسائل طمأنة وتأكيد على تعزيز الدولة المصرية لقدراتها القتالية، وظهر ذلك جليا من خلال تدشين قاعدة برنيس العسكرية لزيادة قدرات الممانعة فى تلك المنطقة من حدودنا والتى تواجه تحديات متصاعدة فى العمق الجنوبى للبحر الأحمر، بجانب تدشين قاعدة جرجوب العسكرية فى الاتجاه الاستراتيجى الشمالى الغربى وذلك خلال المناورة قادر التى أكدت على قدرة القوات المسلحة على تنفيذ كافة المهام فى مختلف الاتجاهات وحفظ الأمن القومى وتلبية متطلباته على كافة الاتجاهات الاستراتيجية للدولة.

 

المقاتل المصرى

 

يوضح العمدة أن المقاتل المصرى يمر بمنظومة تدريبية محددة وتمر بمراحل تطور تتناسب طرديا مع تطور نظم التسليح، واستشهد بذلك على تدريب المقاتل المصرى على العمل على حاملة المروحيات الميسترال والتى يتطلب برنامجها التدريبى عاما وفق الجانب الفرنسى إلا أن المقاتل المصرى تمكن من إنجاز كافة البرامج التدريبية الخاصة بالميسترال فى 120 يوما فقط، مما يبرهن على القدرة الاستيعابية الكبيرة والحالة الذهنية العالية للمقاتل المصرى سواء كان ضابطا أو صف ضابط أو جنديا.

 

ويلفت إلى أن الرئيس السيسى يحرص أيضا على التعاقد على أى منظومة تسليحية جديدة على نقل وتوطين تلك الصناعة والتكنولوجية محليا داخل المصانع الحربية أو الترسانات البحرية، وذلك حتى نصل فى يوم من الأيام للقدرة الكاملة لتصنيع السلاح المتطور والراقى الذى يحتاجه المقاتل المصرى أسوة بالدول المتقدمة فى هذا الصدد، وهو ما أكده الرئيس السيسى خلال أحد لقاءاته قائلا «العفى محدش يقدر ياكل لقمته».

 

ويشدد العمدة على أن القوة العسكرية المصرية حاليا تعكس حرية القرار السياسى للدولة، بالإضافة إلى قدرة الدولة على مقاومة التحديات التى تمر بها المنطقة عبر مختلف الاتجاهات الاستراتيجية للدولة، كما يؤكد على وعى الشعب المصرى وإدراكه بالمسئولية تجاه التحديات التى تمر حوله وإيمانه بضرورة تسليح وتطوير قدرات الجيش المصرى، مضيفا أن القوات المسلحة المصرية وطنية ومن صلب الشعب المصرى وتحظى بكامل تأييد المصريين دائما وعلى مر العصور.