نودع عام 2024 ونستقبل عامًا جديدًا 2025، داعين الله -عز وجل- أن يكون العام الجديد أقل قسوة فى أحداثه على مستوى المنطقة والبلاد المحيطة بنا، وأن يكون عام سلام واستقرار وتحقيق التنمية.. شهد عام 2024 استمرار المآسى فى غزة والضفة، ودخول جنوب لبنان ميدان الحرب، ثم انفجار الأوضاع فى دمشق، واستمرار الانقسام، والنيران فى السودان، وعدم استقرار الأمور فى ليبيا، مع قابلية الأمور للانفجار فى أى لحظة.. وندخل العام الجديد والموقف فى فلسطين كما هو، خطوات إعلان الهدنة والإفراج عن الرهائن تتعثر، رغم الجهد المصرى الجبار، الهدنة الهشّة فى لبنان تراوح مكانها، ويبدو أن الخطوات التى تليها لن تبدأ حاليًا، أما الأوضاع فى سوريا فهى مفتوحة على كافة الاحتمالات.
وهذا كله يلقى بالعديد من الأعباء علينا فى مصر، على الدولة كلها وعلى المجتمع أيضًا.
على مستوى الدولة، يُحسب لمصر أنها طوال العام وخلال السنوات السابقة حافظت على علاقات متوازنة فى المنطقة وعلى مستوى العالم، فى المنطقة كان الموقف المصرى من أحداث غزة وعمليات الإبادة بها، وطنيًا وإنسانيًا مشرفًا، قدمنا المساعدات لأهالى غزة، عملنا على الوصول إلى تهدئة تحول دون استمرار الغارات على غزة، فضلًا عن أن مصر نجحت فى أن توقف مشروع تهجير الفلسطينيين من غزة ثم الضفة إلى خارج الديار، يعرف العالم أن إجهاض عملية التهجير وتصفية القضية يعود إلى الموقف الذى اتخذته الدولة المصرية، وعلى رأسها الرئيس السيسى، الذى تصدى بصرامة للخطة الإسرائيلية. الإدارة الأمريكية اقتنعت بهذا الموقف، ومَن يراجع كتاب الصحفى الأمريكى بوب وود. ورد «الحرب»، يجد تسجيلًا لذلك الموقف بكثير من التفاصيل.. الشهادة جاءت لمصر وللدنيا من هناك.
فى العام الجديد سوف تبقى الدولة المصرية على موقفها من أنه لا سلام من دون حل الدولتين، ولا بد من العمل على الوصول إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وفق القرارات الدولية المعترف بها من جميع الأطراف.
فى العام الجديد تستمر التحديات الخارجية، بل قد تزداد، سبب ما يجرى فى سوريا وفى لبنان، نتمنى للبلدين الشقيقين السلام والاستقرار، خاصة أن الأزمات التى تحيط بكل منهما عديدة، بعضها يمثل تهديدًا مقيتًا.
داخليًا يمكننا الوقوف عند عدة أمور.. أبرزها أن عام 2025، سوف يشهد المزيد من الخطوات الديمقراطية، ودّعنا عام 2024 بالقرار الرئاسى العفو عن (54) من المحكوم عليهم من أبناء سيناء، والمتوقع أن العام الجديد سوف يشهد توسعًا فى خطوات وقرارات العفو الرئاسية، يمكننا القول إن الرئيس السيسى هو أكثر رؤساء مصر منذ تأسيس الجمهورية الأولى سنة 1953 توسعًا فى استخدام الحق الدستورى بالعفو عن بعض المحكومين، حتى إن الرئيس يتحيّن الفرص لإصدار قرارات العفو، الأعياد والمناسبات الوطنية والدينية والاجتماعية، فى العام الجديد يمكن أن تجد المزيد من القرارات، المعنى والمقصود بقرار العفو الرئاسى أن العقوبة ليست مقصودة لذاتها، وأن هناك قرارات اجتماعية وإنسانية يتوجب فيها العفو، باعتبار أن العفو أمر إلهى فى النهاية، ونتائجه الاجتماعية والإنسانية والسياسية إيجابية للمجتمع وللأسر؛ إذ يخفف عوامل الاحتدام الاجتماعى ويبقى على الاستقرار والهدوء، باختصار يمتص بعض الضغائن.
يزيد من هذا الاحتمال أننا فى عام 2025 بصدد استحقاق دستورى هام وهو إجراء الانتخابات النيابية على مستوى الغرفتين، أى مجلس النواب ومجلس الشيوخ، هذه العملية سوف تؤدى إلى مزيد من النشاط السياسى والاجتماعى، على المستوى الآخر تجرى إعادة ترتيب بعض الأوراق والملفات، هناك عدة أحزاب جديدة تستعد لدخول الساحة، وخوض المعركة الانتخابية، بما يقطع أننا سوف نكون بإجراء منافسة شديدة للفوز بثقة الناخبين، فضلا عن تحقيق بعض الأحزاب تواجدا قويا فى البرلمان، وبالطبع هناك أحزاب تراهن على الفوز بالأغلبية.
مع المعركة الانتخابية، من المتوقع بروز وجوه وأسماء جديدة فى العمل العام، الأجيال الشابة التى عمل الرئيس السيسى على تمكينها منذ سنة 2014، سوف يكون لها حضور فى هذه المعركة، وكذلك الحال بالنسبة للمرأة والأقباط وسائر الفئات التى هُمِّشت طويلًا.
كانت الدولة هى التى دعت إلى الحوار الوطنى منذ سنة 2022، واستجاب الرئيس لكل مطالب ومخرجات الحوار، والمعنى هنا أن الدولة فى أعلى مستويات لديها انفتاح على الآراء والأفكار الجديدة، وتنحاز الدولة إلى جانب الحريات وتوسيع مساحة العفو، إلا على مَن رفع السلاح وتلوثت يداه بدماء المصريين، وتوافق أطراف الحوار جميعًا على ذلك، لا مكان لدعاة الإرهاب.
تأتى المعركة الانتخابية فى أجواء عاصفة بالمنطقة، أكدت للجميع أنه لا بديل عن الدولة الوطنية/ المدنية الحديثة، ومن ثمّ فإن دعاة الهدم والفوضى لن يكون لهم مكان فى ذلك المشهد، وكذلك أعداء الدولة الوطنية من حيث الكينونة والوجود، هذا هو الدرس الذهبى فى المنطقة العربية منذ سنة 2011، لا بديل عن الدولة الوطنية/ المدنية، سقطت الدول التى لم تحترم المعيار الوطنى والمدنى.
وإذا كانت الدولة الوطنية المدنية هى الحل وهى الأمل، فهذه الدولة لها أركان أساسية يجب الحفاظ عليها.
الركن الأول: هو مؤسسات الدولة أو ما يطلق عليه «الدولة العميقة»، الانهيار الذى وقع فى سوريا يوم 8 ديسمبر، أحد أسبابه عدم وجود «الدولة العميقة»، أعرف أن دعاة الفوضى، شوّهوا دور هذه المؤسسات، لأن الدولة الحقيقية تتصدى للهدم وللفوضى ومن ثم للإرهاب، ولذا فإننا فى سنة 2025 يجب أن نحافظ ونواصل الاهتمام بهذه المؤسسات، زيارات الرئيس السيسى ولقاءاته المستمرة إلى عدد من هذه المؤسسات ومتابعة التطوير والتحديث الإدارى تعكس هذا الوعى المتميز بدور هذه المؤسسات.. والحق أن المؤسسات المصرية حفظت الدولة فى أصعب الأوقات، سنة 1967 نموذجًا، لحظة اغتيال الرئيس السادات نموذجًا آخر، فضلًا عن مواجهة موجة الإرهاب عدة مرات، آخرها سنة 2013، التى احتشد فيها الإرهابيون من مختلف أنحاء العالم.
راجع أداء المؤسسات (السيادية) والمؤسسات الحديثة، سوف تجد فارقًا كبيرًا، عامًا بعد عام، الإجراءات الروتينية المعقدة ثم التعامل معها وتفكيكها. مضى إلى غير رجعة الزمن الذى كان يقف المواطن فى طوابير عدة أيام ليستخرج بطاقة الرقم القومى أو جواز السفر، الآن كل ذلك يتم فى أقل من ساعة.
تطوير المؤسسات والحفاظ عليها يسير على قدم وساق، الرئيس يتابع ذلك بنفسه، رئيس الحكومة لا يتوانى، مجلس النواب يصدر تشريعات عديدة للتيسير على المواطن وتعديل بعض القوانين التى تقادمت، بما يخدم مصلحة المواطن يمنح المؤسسات كفاءة فى مواجهة المشاكل التى يتعرض لها المجتمع والفرد.
قبل عشر سنوات كانت هناك حملة مغرضة تتهم المجتمع المصرى والشارع بالتحرش، وبفضل كفاءة المؤسسات المعنية من الجانب الأمنى وجانب الوعى والإعلام والرعاية الاجتماعية؛ تلاشت تماما تلك الظاهرة، على الأقل تراجعت إلى الحدود الدنيا، المجتمع يراقب، والقانون يطبق على الجميع بصرامة.
الركن الآخر فى الدولة هو المواطن نفسه، وهذا يضعنا فى قلب المشروع الوطنى المصرى، الذى نتبناه منذ سنة 2014، فى جانب التنمية المستدامة، والحق أن الدولة أولت هذا الجانب اهتمامًا كبيرًا، لدينا مشروع «حياة كريمة» الذى يصل إلى 58 مليون مواطن ومواطنة، فى مختلف أنحاء مصر، شمالًا وجنوبًا.. إلى جوار ذلك هناك المشروع الضخم للقضاء على العشوائيات، والذى كنا قد أوشكنا على التصالح فى وجود العشوائيات ومنحها المشروعية الكاملة، لكن تم اقتحام هذا الملف، وتأسيس أحياء سكنية جديدة تستوعب هؤلاء الذين ألقت بهم ظروف الحياة فى أتون العشوائيات وظلوا بها عدة عقود دون إجراء حاسم لمساعدتهم.
غير ذلك لدينا مشروعات البنية الأساسية من تأسيس المدن الذكية، أكثر من عشرين مدينة، والاتجاه نحو الصحراء شرقا وغربًا، حتى صارت مساحة المعمور 14 فى المائة من مساحة مصر، بعد أن كانت 6 فى المائة فقط، هذه السياسة مستمرة ومتواصلة.
البعض اختزل عملية التنمية فى بناء الجسور والطرق، لكن هذه الطرق ليست إلا وسائل وأدوات الوصول إلى المدن والمجتمعات الجديدة وتسهيل حركة الانتقال داخل البلاد.. عملية التنمية والمشروعات التأسيسية مستمرة، باختصار البناء مستمر ويتواصل، هناك إصرار على ذلك لدى الدولة، ولدينا العديد من المشروعات سوف تُفتتح هذا العام الجديد مثل المتحف الكبير، وقد وجه الرئيس الدعوات لعدد من زعماء العالم للمشاركة فى ذلك الحدث الضخم، المتحف الكبير إضافة حضارية تقدمها مصر للعالم وللإنسانية كلها.
إلى جوار ذلك سوف يبدأ مشروع المونوريل العمل خلال هذا العام، دخل المشروع المسافة من مسجد المشير طنطاوى إلى العاصمة الإدارية التشغيل التجريبى منذ شهر أكتوبر، وهذا يعنى أنه يمكن أن يدخل الخدمة أبريل أو مايو القادم.
ويستمر العمل فى المرحلة الرابعة أو الخط الرابع من مشروع مترو الأنفاق، عدا مشروع المترو بالإسكندرية، وفى كل محافظة ومدينة مشاريع خاصة بها لتقديم المزيد من الخدمات للمواطن.
وفيما يخص الأزمة الاقتصادية، تستمر وتتواصل إجراءات الحماية الاجتماعية التى تستخدمها الدولة بخصوص الفئات المحرومة وغيرها، سوف تبدأ برفع قيمة المعاشات ودراسة زيادة الحد الأدنى للمرتبات، لن تترك الدولة مواطنًا فى حالة من الفقر أو الاحتياج. لقد نجحنا فى قطاع الصحة ونواصل المسيرة فى مختلف القطاعات والجوانب.
2025 فى جانب منه هو عام جنى الثمار، ثمار عشر سنوات متواصلة من الجهد والعمل فى الجانب السياسى أو التنموى.. سياسيًا استقرت الدولة ونجحت فى مواجهة الإرهاب، ولذا فإن هامش الحريات والعمل المدنى سوف يزداد ويتسع، الدولة هى أشد تحمسًا لذلك وتقدم التسهيلات فى هذا الصدد، سواء بالإجراءات التى يتخذها الرئيس شخصيًا أو الحكومة فى مجال التنمية يستمر الجهد وتتواصل المشاريع.
التحديات الكبرى يمكن أن تأتينا من خارج الحدود، سنة 2024 شهدت انخفاض عوائد قناة السويس بنسبة 60 فى المائة بسبب الحروب فى المنطقة.. من اليمن إلى غزة، ونحن نسعى للحدّ من الحروب، لكن مع وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، قد تهدأ الأمور وقد تنفجر، خاصة إذا لم يتم العمل بجد على بناء الدولة الفلسطينية والاعتراف بها، وقد أثار ترامب مخاوف الكثيرين ببعض تصريحاته فى هذا الصدد.
لكن أيًّا كان الأمر، إذا كانت لدينا مؤسسات قوية وإرادة سياسية وهذا موجود مع وعى مجتمعى بالمخاطر التى تحيط بنا، فسوف نعبر كل ذلك.
إذا كانت الأحداث أكدت أن الدولة الوطنية هى الملاذ الآمن لنا، الدرس الآخر أن الدول تنهار، حين يقع التفكك داخلها، لذا لا بد من التماسك الوطنى والتلاحم الحقيقى بين الدولة وقوى المجتمع المختلفة، وهذا ما حدث فى 30 يونيو 2013، وهو ما يجب أن نتمسك به ونحرص عليه.