فى ظل التحديات البيئية والاقتصادية المتزايدة، يشكل الأمن المائى قضية حيوية لمستقبل مصر، التى تعتمد بشكل شبه كامل على نهر النيل لتلبية احتياجاتها المائية. ويمثل النيل حوالى 97فى المائة من الموارد المائية المتاحة فى مصر، إلا أن التحديات التى تواجه هذا المورد الحيوى أصبحت أكثر تعقيدًا مع التزايد السريع فى عدد السكان، والتغيرات المناخية التى تؤثر على كميات المياه المتدفقة، فضلًا عن الضغوط الإقليمية المتعلقة بمشاريع السدود مثل سد النهضة الإثيوبى.
ومع التوقعات باستمرار الانخفاض ليصل إلى أقل من 500 متر مكعب بحلول عام 2025، فإن الوضع يتطلب تحركات عاجلة على جميع المستويات. وتعمل مصر على تعزيز موقفها المائى من خلال مجموعة من الجهود القوية على المدى القريب والمستقبلى وتسعى الدولة إلى تنفيذ مشاريع كبرى لتحلية مياه البحر، مثل مجمعات التحلية الجديدة على الساحل الشمالى والبحر الأحمر، وتوسيع نطاق معالجة مياه الصرف الصحى وإعادة استخدامها، بما فى ذلك مشروع محطة بحر البقر، الذى يُعد الأكبر من نوعه عالميًا. بالإضافة إلى ذلك، تعمل مصر على تطوير نظم الرى الحديثة لترشيد استهلاك المياه فى الزراعة، وتشجيع زراعة المحاصيل الأقل استهلاكًا للمياه.
الملفات السابقة وغيرها تحدث عنها الدكتور أسامة سلامة، خبير الموارد المائية، فى السطور التالية.
مع بداية 2025، إلى أى مدى تؤثر الزيادة السكانية على نصيب الفرد من المياه فى مصر؟
الزيادة السكانية فى مصر تؤدى إلى تقليل نصيب الفرد من المياه، لأن زيادة عدد السكان تزيد من الطلب على الموارد المائية، مما يؤدى إلى ضغط كبير على المصادر المتاحة ويؤدى إلى تقليل الكمية المتوفرة لكل فرد، فمثلاً عندما كان عدد سكان مصر 55 مليون نسمة كان نصيب الفرد من المياه المتجددة 1000 متر مكعب وهو حد الفقر المائى، ومع تضاعف عدد السكان إلى حوالى 110 ملايين نسمة يكون متوسط نصيب الفرد من المياه المتجددة فى حدود 500 متر مكعب من المياه سنويًا وهو حد «الندرة المطلقة».
وما أبرز التحديات التى تواجه مصر فى 2025؟
التحديات التى تواجهها مصر فى 2025 وما بعدها، هى تحديات مستمرة ومتزايدة طالما استمرت أسبابها، والتى تتمثل فى الزيادة السكانية والرغبة فى توفير الأمن الغذائى مع زيادة الطلب للنمو الاقتصادى، ويمكن تلخيص التحديات التى تؤثر على تأمين مصر لمواردها المائية فى زيادة الطلب على المياه فى جميع القطاعات، مما يزيد الضغط على الموارد المائية المتاحة. بالإضافة إلى تحديات التلوث للموارد المائية السطحية والخزان الجوفى بالدلتا، وكذلك تأثير تغير المناخ على أنماط هطول الأمطار وتواتر الجفاف، مما يؤدى إلى تقلب فى توافر المياه.
نضيف إلى ذلك تحديًا آخر فى غاية الأهمية وهو التحدى الخارجى والذى يتمثل فى بناء دول المنابع لمنشآت على النهر دون اتفاق مشترك ملزم، وعلاوة على ذلك هناك تحدٍ يتمثل فى التحديث الهيكلى والإدارى لأنشطة قطاع المياه وما يتطلبه من ميزانيات وتكنولوجيا وبناء قدرات للعاملين.
وهناك تحد يتمثل فى جانب آخر وهو عدم قدرة استراتيجيات إدارة الطلب لمستخدمى المياه الرئيسيين على ترشيد وتوفير المياه بالقدر المأمول، وأهم تحدٍ هو مشكلة تفتت الملكية الزراعية فى الأراضى القديمة والتى تؤدى إلى عدم استخدام الموارد المائية برشد وكفاءة مما يؤثر بالسلب على الإنتاجية المائية.
وكيف يمكن تعزيز التعاون مع دول حوض النيل لضمان توزيع عادل للمياه؟
تحقيق هذا الأمر يتطلب مجموعة من الخطوات الاستراتيجية التى يمكن أن تساهم فى بناء ثقة متبادلة وضمان الإدارة المستدامة لموارد المياه، منها العمل على صياغة وتوقيع اتفاقيات قانونية جديدة أو تطوير الاتفاقيات الحالية لتكون شاملة وملزمة لجميع دول حوض النيل، مما يضمن التوزيع العادل والاستخدام المستدام للمياه، فضلاً عن تعزيز الحوار الدبلوماسى المستمر بين الدول المتشاطئة لتعزيز التعاون والتفاهم المتبادل، مثل إنشاء مشروعات تنموية مشتركة مثل محطات توليد الطاقة ومشاريع للرى، مما يعزز من الشراكة الاستراتيجية بين هذه الدول.
كما أرى ضرورة تأسيس مراكز بحثية مشتركة لدراسة الوضع الهيدرولوجى للنيل، وبالإضافة إلى ذلك يجب تحفيز الاستثمارات المتبادلة فى المشاريع التنموية المتعلقة بالمياه والزراعة، وهناك مجالات كثيرة أخرى للتعاون مثل تعزيز المشاركات المجتمعية وتبادل المعلومات.
وما تأثير التغيرات المناخية على حصة مصر من مياه النيل؟
مشكلة المياه فى مصر مرتبطة بعوامل متعددة ومتشابكة تتجاوز التغيرات المناخية، لتشمل النمو السكانى، والنزاعات الإقليمية، والمشكلات والتحديات الإدارية، ولا توجد حلول سحرية لمشكلة المياه فى مصر، لكن يجب اتباع نهج شامل ومتكامل لمعالجة هذه المشكلة، وعلى أى حال تشكل التغيرات المناخية تهديدًا حقيقيًا لحصة مصر من مياه النيل، حيث يؤدى ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار إلى عدة تأثيرات سلبية، منها تقلّب تدفقات مياه النيل، كما أن تغير أنماط هطول الأمطار قد يؤدى إلى فترات جفاف أطول وأكثر شدة، إضافة إلى ذلك يهدد ارتفاع منسوب سطح البحر المناطق الساحلية فى مصر، مما قد يؤدى إلى تملح الأراضى الزراعية وتلوث المياه الجوفية.
وكيف ترى استراتيجية مصر 2037 لإدارة الموارد المائية، وهل تعتقد أنها كافية لمواجهة التحديات الراهنة، وما الأولويات التى يجب التركيز عليها فيها لتحقيق استدامة الموارد المائية؟
تعتبر استراتيجية مصر 2037 أداة مهمة لإدارة الموارد المائية لتأمين مستقبل المياه فى ظل تحديات كبيرة تواجهها مصر فى مجال المياه، مثل الزيادة السكانية، وتغير المناخ، والنزاعات الإقليمية على المياه، والاستراتيجية بها نقاط قوة، فهى شاملة لجوانب متعددة من إدارة المياه، بدءًا من تحسين كفاءة استخدام المياه وحتى تطوير مصادر مائية جديدة، كما تركز على التكنولوجيا وتحقيق التنمية المستدامة فى قطاع المياه، من خلال تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
ورغم ذلك تواجه الاستراتيجية تحديات كبيرة جدًا مثل التمويل، حيث تتطلب تنفيذ الاستراتيجية استثمارات ضخمة، وقد تواجه تحديات فى تأمين التمويل اللازم، كما يتطلب تنفيذها تعاونًا وثيقًا بين مختلف الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدنى، وقد تواجه تحديات فى التنسيق والتنفيذ، إضافة إلى ذلك قد تتطلب التغيرات السريعة فى الظروف البيئية والاجتماعية والاقتصادية تعديلات مستمرة فى الاستراتيجية.
فى رأيك، هل خطط الحكومة فى تطوير شبكات الرى وإعادة تدوير المياه تسير فى الاتجاه الصحيح؟
خطط الحكومة لتطوير شبكات الرى وإعادة تدوير المياه تمثل خطوة إيجابية فى الاتجاه الصحيح، ولكن لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، يجب مواصلة الجهود وتجاوز التحديات التى تواجهها ومن الصعب إعطاء تقييم لهذه الخطط فى الوقت الحالى، ويمكن القول إن هناك جهودًا مبذولة لتحسين إدارة الموارد المائية، ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من الوقت لتقييم نتائج هذه الجهود على المدى الطويل ولتحقيق أقصى استفادة من هذه الخطط، يجب التركيز على التقييم الدورى لأداء هذه المشاريع وتحديد نقاط القوة والضعف. والاستثمار فى البحث العلمى لتطوير تقنيات جديدة لترشيد استهلاك المياه. كما يجب التنسيق بين مختلف القطاعات الحكومية المعنية بإدارة الموارد المائية.
وماذا عن دور التكنولوجيا الحديثة فى تحسين إدارة الموارد المائية؟
تلعب التكنولوجيا الحديثة دورًا حاسمًا فى مواجهة التحديات المتزايدة فى مجال إدارة الموارد المائية، من خلال الاستثمار فى هذه التكنولوجيات وتطبيقها بشكل فعال، فعلى سبيل المثال تستخدم الأقمار الصناعية لتصوير مساحات واسعة ورصد التغيرات فى الأنهار والبحيرات والمناطق الزراعية، مما يساعد فى تقدير كميات المياه المتاحة وتحديد المناطق التى تعانى من الجفاف أو الفيضانات، كما توضع أجهزة المراقبة فى الأنهار والبحيرات والخزانات لقياس مستويات المياه وجودتها ودرجة الحرارة وغيرها من المعايير الهامة، كذلك تستخدم أنظمة المعلومات الجغرافية لجمع وتحليل البيانات الجغرافية المتعلقة بالمياه، مما يساعد فى اتخاذ قرارات أفضل بشأن إدارة الموارد المائية، وأيضًا تستخدم التكنولوجيا الحديثة فى تطوير تقنيات جديدة لمعالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها فى الزراعة والصناعة، مما يزيد من كفاءة استخدام المياه. بالإضافة إلى ذلك تستخدم النماذج الحاسوبية للتنبؤ بتدفق المياه فى الأنهار وتوقع الفيضانات والجفاف، مما يساعد فى اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة. ومجال التكنولوجيا الحديثة فى مجال المياه لا يتوقف عن الجديد.
وكيف يمكن تحسين تقنيات الرى لتقليل الفاقد من المياه وزيادة كفاءة الاستخدام، وهل يمكن أن يلعب التحول نحو الزراعة الذكية دورًا كبيرًا فى المستقبل المائى والزراعى لمصر؟
تحسين تقنيات الرى والتحول نحو الزراعة الذكية أمران ضروريان لتحقيق الأمن الغذائى والحفاظ على الموارد المائية، ومن خلال الاستثمار فى هذه التقنيات وتوفير الدعم للمزارعين، يمكننا تحقيق مستقبل زراعى مستدام، وهناك العديد من التقنيات الحديثة التى يمكن تطبيقها لتحسين كفاءة استخدام المياه فى الزراعة، ومن أهمها الرى بالتنقيط والذى يقلل من البخر والهدر والرى بالرش الدقيق وأنظمة الرى الذكية التى تعتمد على أجهزة استشعار لقياس رطوبة التربة واحتياجات المحاصيل من المياه، مما يسمح بتحديد كمية المياه المطلوبة بدقة وتوقيت الرى المناسب.
أما عن دور الزراعة الذكية فى المستقبل المائى والزراعى، فالزراعة الذكية هى مفهوم يشمل استخدام التكنولوجيا الحديثة لتحسين الإنتاج الزراعى مع الحفاظ على الموارد الطبيعية، وتلعب الزراعة الذكية دورًا حيويًا فى المستقبل المائى والزراعى، من خلال استخدام أنظمة الرى الذكية وأجهزة الاستشعار، يمكن تحديد احتياجات المحاصيل من المياه بدقة وتقليل الهدر، كما تساعد الزراعة الذكية على زيادة الإنتاج الزراعى من خلال توفير الظروف المثالية لنمو النباتات.
وتساهم الزراعة الذكية فى تقليل التلوث وتدهور التربة، مما يساعد على الحفاظ على البيئة، ويمكن للزراعة الذكية أن تساعد المزارعين على التكيف مع التغيرات المناخية من خلال استخدام أصناف مقاومة للجفاف وتقنيات الزراعة المحافظة على التربة.
وعلى الرغم من هذه الفوائد للزراعة الذكية فهناك التحديات التى تواجه تطبيق هذه التقنيات، مثل تكلفة تطبيق هذه التقنيات والتى تكون عالية بالنسبة للصغار والمزارعين متوسطى الدخل، كما يفتقر بعض المزارعين إلى الوعى الكافى بأهمية هذه التقنيات وكيفية استخدامها، هذا إلى جانب أن بعض المناطق تحتاج إلى تطوير البنية التحتية لتسهيل تطبيق هذه التقنيات.
وهل هناك إجراءات فورية يمكن أن تتخذها الحكومة لتجنب أى أزمات مياه محتملة؟
الحكومة بالفعل تقوم بعدد من الإجراءات الفورية فى ظل ما تواجهه مصر من تحديات كبيرة فى مجال إدارة الموارد المائية، وهناك مجموعة من الإجراءات تساعد على تجنب أزمات المياه المحتملة وتعزيز الأمن المائى على المدى الطويل، مثل التقييم الشامل للموارد المائية، وكذلك الرصد المستمر باستخدام التقنيات الحديثة وتشجيع الزراعة الذكية ومعالجة مياه الصرف الصحى ومياه الصرف الزراعى وتجميع مياه الأمطار والتوسع فى مياه التحلية والاستثمار فى البنية التحتية وبناء قدرات الجهاز الإدارى فى مجال موارد المياه، بالإضافة إلى تطبيق القوانين والتشريعات بصورة صارمة، فضلاً عن ضرورة إصدار تشريع ما لحل مشكلة تفتت الملكية الزراعية، وكذا العمل على تطبيق مفهوم الإنتاجية المائية كأحد أهم أدوات تقييم المشروعات المائية والزراعية.