أعمال تطوير مستمرة ومتتابعة تشهدها قناة السويس، وبعد نجاح جهود هيئة قناة السويس خلال أزمة السفينة Ever Given، تم التعجيل والإسراع فى خطط تطوير وتعميق المجرى الملاحى فى القطاع الجنوبى للقناة، ويضمن مشروع التطوير، رفع كفاءة القناة وتصنيفها العالمى ويحافظ على مكانتها الملاحية الرائدة، تتضمن الخطة إنشاء قناة ازدواجية بمنطقة البحيرات، وهو ما أعلن عنه الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، مؤكدًا على نجاح التشغيل التجريبى لمشروع ازدواج قناة السويس فى منطقة البحيرات المرة الصغرى، ضمن مشروع تطوير القطاع الجنوبى للقناة، وذلك بعبور سفينتين من المجرى الملاحى الجديد للقناة بعد انتهاء أعمال التكريك بالمشروع من الكيلو متر 122 ترقيم قناة إلى الكيلو متر 132 ترقيم قناة، مما يؤكد حدوث انطلاقة فى هذا المرفق الحيوى فى العام الجديد، صحيح قناة السويس تأثرت بشدة بسبب الصراع الإقليمى، لكن التجارب السابقة تؤكد أن أية تحديات أو عوائق تنتهى، وبالتالى لابد من مواصلة الإنجاز.
حركة الملاحة بالقناة، شهدت عبور كلٍ من سفينة الصب FU XING HAI والسفينة SUVARI BEY من منطقة ازدواج القناة بالبحيرات المرة الصغرى بالمجرى الجديد للقناة خلال رحلتهما ضمن القافلة المتجهة جنوبًا، وذلك بالتوازى مع عبور4 سفن من الناحية الشرقية للقناة الأصلية وهى سفينة الحاويات MATHILDE SCHULTE، والسفينة متعددة الأغراض COSCO SHIPPING TENG Da وسفينة الصب YANGTZE ALPHA والسفينة RUI FU Cheng.
الهيئة اتخذت العديد من الإجراءات لضمان نجاح عملية التشغيل التجريبى، بداية من تجهيز المجرى الجديد بالشمندورات والتجهيزات الملاحية اللازمة بموقع المشروع، بالإضافة إلى تعيين قاطرتين مصاحبتين للتأمين الملاحى ومجموعة من أكفأ مرشدى القناة لإرشاد السفن فى المجرى الجديد لمشروع الازدواج، وذلك بعد قيامهم بمعاينة موقع المشروع، وعمل مناورة تجريبية بأكاديمية التدريب البحرى والمحاكاة على العبور الآمن.
مشروع تطوير القطاع الجنوبى بشقيه، يعد نقلة نوعية كبيرة ستساهم فى تعزيز الأمان الملاحى بالقناة وتقليل تأثيرات التيارات المائية والهوائية على السفن العابرة، لافتًا إلى أن ما سيحققه مشروع ازدواج القناة فى منطقة البحيرات المرة الصغرى من مزايا ملاحية عديدة، تتمثل فى زيادة مساحة الازدواج 10 كيلو مترات تُضاف لقناة السويس الجديدة، ليصبح طولها 82 كيلو مترًا بدلاً من 72 كيلو مترًا، سيساهم فى زيادة الطاقة الاستيعابية للقناة بمعدل 6 إلى 8 سفن إضافية يوميًا، فضلاً عن زيادة القدرة على التعامل مع حالات الطوارئ المحتملة.
وقد وجه رئيس الهيئة بالتنسيق المشترك بين إدارة التحركات بالهيئة وشعبة المساحة البحرية بالقوات البحرية المصرية، لإصدار الخرائط الملاحية الجديدة للقناة بعد إضافة الجزء المزدوج الجديد بطول 10 كيلو مترات من الكيلو متر 122 ترقيم قناة إلى الكيلو متر 132 ترقيم قناة بمنطقة بالبحيرات المرة الصغرى، على أن يتم التشغيل الفعلى بمنطقة الازدواج فور إصدار الخرائط الجديدة.
وفى هذا السياق، أوضح د. على الإدريسى، الخبير الاقتصادى، أن قناة السويس تعتبر واحدة من أهم المصادر الدولارية للاقتصاد المصرى، بل وتعول الدولة المصرية عليها الكثير كمصدر رئيسى ومهم من مصادر النقد الأجنبى، منوهًا بأن هيئة قناة السويس دائمًا ما تقوم باتخاذ العديد من الإجراءات المرتبطة بتطوير قناة السويس، وذلك للعمل على زيادة القدرة الاستيعابية للقناة من السفن التجارية المختلفة وخلق نوع من أنواع التعزيزات للأمن الملاحى المصرى، لا سيما وأن قناة السويس تسيطر على نسبة ليست بالقليلة من التجارة الدولى.
وأضاف «الإدريسى»، أن أعمال التطوير والازدواج تصب بشكل مباشر فى مصلحة زيادة تنافسية قناة السويس مع غيرها من القنوات والمعابر الأخرى، مشيرًا إلى أن تلك التطويرات تعود بالنفع على زيادة الإيرادات الدولارية الناتجة عن زيادة معدل عبور السفن اليومى فى القناة، بالإضافة إلى تقديم منافع أيضًا لحركة التجارة الدولية عبر تقليل تكاليف اللوجستيات والنقل البحرى من خلال تقليل زمن عبور السفن بالقناة، وهو الأمر الذى يُعد أحد محاولات إنعاش حركة التجارة الدولية التى تأثرت الفترة الماضية، جراء الصدمات والأزمات المتتالية فى ظل التوترات الجيوسياسية التى تمر بها المنطقة.
وعن التسهيلات التى يمكن أن تقدمها الهيئة لزيادة حركة الملاحة بالقناة، لفت «الإدريسى» الانتباه إلى أن هناك بالفعل حزمة من الحوافز التى تقدمها الهيئة بشكل مستمر لشركات الشحن والتجارة العالمية للسفن العابرة عبر القناة، ولكن دائمًا ما تصطدم تلك الحوافز بالتوترات العسكرية والأمنية التى تمر بها المنطقة، متابعًا أن تلك التوترات دائمًا ما يكون لها تأثير أكبر من تأثير أى حوافز يتم تقديمها، وبالرغم من أن الدولة المصرية تبذل جهودًا مضنية للتأكيد على أمن حركة الملاحة داخل قناة السويس، إلا أن أعمال التصعيد المستمر من جانب جماعة أنصار الحوثى باليمن ضد إسرائيل جراء الجرائم التى ترتكبها إسرائيل فى الحرب على قطاع غزة ولبنان ومؤخرًا سوريا، يكون لها انعكاسات ملموسة على حركة الملاحة، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين.
وأكد «الإدريسى» على أن إيرادات قناة السويس خلال العام الحالى، انخفضت بنسبة 70فى المائة طبقا لتقديرات صندوق النقد الدولى، بسبب التوترات السابق ذكرها، مشددًا على أن كافة الجهود التى تقوم بها الدولة المصرية فى تطوير قناة السويس، تهدف إلى تقليل ومواجهة تلك الخسائر، خاصة أن إيرادات قناة السويس عام 2023 بلغت 9.5 مليار دولار ومن المتوقع أن تنخفض هذا العام لتصل إلى 5.5 مليار دولار، وبالتالى فالدولة المصرية تكبدت خسائر ضخمة جراء تلك التوترات.
وسلط «الإدريسى» الضوء على أن هناك أيضًا مشروعات موازية تقوم بها الدولة للاستفادة من حركة الملاحة العالمية التى تمر عبر قناة السويس، منها مشروع قطار البضائع الكهربائى السريع الذى سيربط موانئ البحر الأحمر وتحديدًا العين السخنه بموانئ البحر المتوسط بمنطقة العالمين، إلا أن تلك المشاريع لها جدوى اقتصادية بعيدة المدى عن ما هى عليه حاليًا.
وفى سياق متصل، أكد الدكتور حمدى برغوت، الخبير فى النقل الدولى بالأكاديمية العربية للنقل البحرى، على أنه كان هناك صعوبة دائمًا فى عمليات ازدواج منطقة البحيرات والتى كانت تستخدم فيما مضى كمكان انتظار للسفن، وذلك لتنسيق أعمال المرور بين قوافل الشمال والجنوب للسفن التى تمر عبر المجرى الملاحى لقناة السويس، لذلك كان لا بد من القيام بأعمال تكريك وحفر كبيرة جدًا من أجل تجهيز بحيرة التمساح، حتى تكون قادرة على استيعاب مرور السفن بها بشكل مزدوج بدلاً من كونها منطقة انتظار للسفن فقط، الأمر الذى يعد وقتًا مضافًا يزيد من تكاليف الشحن على الشركات، وبالتالى تنعكس أيضًا على أسعار السلع التى ترتفع أمام المستهلك فى الأخير.
ويرى «حمدى»، أهمية تطوير وازدواج منطقة البحيرات تتمثل فى انخفاض التكلفة اليومية للسفينة، وهو مصطلح علمى معروف، حيث كانت تبلغ التكلفة اليومية لسفن الشحن الضخمة التى تمر عبر قناة السويس 150 ألف دولار يوميًا أى أن الثانية الواحدة بـ2 دولار تقريبًا، وهو مبلغ تتكلفه شركات الشحن وتسعى دائمًا للبحث عن أقصر الطرق لمرور السفن لتخفيض تلك التكاليف المالية الكبيرة، منوهًا بأنه كان يصل الفاصل الزمنى بين السفينة والأخرى فى القافلة الواحدة إلى 15 دقيقة وتسير السفن داخل القناة بسرعة تصل إلى 13:14 كم / ساعة، ليصبح متوسط زمن عبور السفينة بقناة السويس قرابة الـ12 ساعة، وفى حال اضطرت -وفقًا لنظام الملاحة غير المزدوج قبل تطوير منطقة البحيرات - للانتظار إلى 10 ساعات سيصل زمن عبور تلك السفينة 22 ساعة، بما يصل تكلفته إلى 150 ألف دولار، وهنا تظهر أهمية ازدواج منطقة البحيرات لتقليل زمن عبور السفن بالقناة، ومن ثم انخفاض تكاليف تشغيل السفن اليومية.
وأشار «حمدى» إلى أن التطوير سيساهم فى استهداف نوع معين من السفن الأقل حجمًا، والتى كانت تضطر إلى الوصول فقط للبحر الأحمر ونقل بضائعها من ميناء السخنة إلى ميناء الإسكندرية برًا، لأن حجم البضائع لا تستدعى تكاليف العبور الكبيرة فى القناة، ولكن هذا التطوير فى ازدواج منطقة البحيرات فى قناة السويس سيساهم فى إدخال هذا النوع من السفن إلى المرور بالمجرى الملاحى للقناة، موضحًا أنه كلما زاد عدد السفن والرحلات المارة بالقناة زاد الدخل الإجمالى للقناة مع تقليل مجهود العبور الذى كان يتطلب من الهيئة توفير 4 مرشدين موزعين كالآتى، مرشد فى منطقة الانتظار فى منطقة شمال بورسعيد، ومرشد من ميناء بورسعيد وحتى بحيرة التمساح منتصف المجرى الملاحى للقناة، ومرشد من الإسماعيلية وحتى آخر القناة والمعروفة باسم ميناء الخروج، ومرشد أخير يصطحب السفينة من ميناء الخروج وحتى منارة البوغاز خارج قناة السويس، ولكن بعد التطوير من الممكن أن تقوم الهيئة بإجراء تعديل بالاكتفاء فقط بثلاثة مرشدين بدلاً من أربعة، الأمر الذى سيوفر من تكاليف تشغيل القناة على الهيئة.
وشدد «حمدى» على أن كافة أعمال الازدواج والتطوير داخل المجرى الملاحى لقناة السويس، تستهدف تقليل زمن العبور الكلى للسفن عبر القناة من 22 ساعة لتصل إلى 11 ساعة، وكذا القضاء على زمن الانتظار بمنطقة البحيرات وزيادة الطاقة الاستيعابية للقناة لتصل إلى 97 سفينة بدلاً من 49 سفينة.
وأكد «حمدى» على أن التطوير الِأخير، أدى وظيفة الازدواج الكامل للقناة، وذلك عن طريق القضاء الكامل على زمن الانتظار بالقناة، بدلًا من التكلفة الكبيرة للازدواج الفعلى لكامل المجرى الملاحى، والذى لن يكون له جدوى اقتصادية فى ظل حجم التجارة العالمى خلال العقود المقبلة.
بدوره، أكد المهندس عماد إسحاق، رئيس مجلس إدارة شركتى القناة للإنشاءات البحرية والأعمال الهندسية البورسعيدية التابعتين لهيئة قناة السويس، على أن نجاح التشغيل التجريبى لازدواج قناة السويس فى البحيرات المرة الصغرى بعبور سفينتين بالمجرى الجديد للقناة خلال رحلتهما ضمن القافلة المتجهة جنوبًا، وذلك بالتوازى مع عبور 4 سفن من الناحية الشرقية للقناة الأصلية، يُعد حدثًا مهمًا فى تاريخ قناة السويس، ولا يقل هذا المشروع أهميةً عن مختلف التطويرات السابقة التى طرأت على قناة السويس خلال تاريخها.
وأشار «إسحاق» إلى أن من فوائد التطوير الجديد المَعنى بزيادة مساحة الازدواج 10 كم تضاف لقناة السويس ليصبح إجمالى الازدواج 82 كم بدلاً من 72 كم؛ ما سيساهم فى زيادة الطاقة الاستيعابية للقناة بمعدل 6 إلى 8 سفن إضافية يوميًا، فضلاً عن زيادة القدرة على التعامل مع حالات الطوارئ المحتملة، لافتًا إلى أن هذا التطوير تم بالاعتماد على القدرات الذاتية لهيئة قناة السويس.
وأضاف «إسحاق»، أن حركة الملاحة تعانى فى الوقت الحالى من تراجع نتاج الاضطرابات بمنطقة البحر الأحمر؛ لكن هذا حدث عارض سينتهى، وستعود الملاحة لتستغل القدرات الإضافية التى نفذتها الهيئة مؤخرًا.