بطيئًا فى ثقله سريعًا فى أحداثه هكذا مرَ 2024، مرَ تاركًا خلفه غرفة عمليات انعقدت منذ اليوم الأول للعام للتعامل مع طوارئ الأحداث على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية فى ظل تواصل الحرب على غزة وامتدادها إلى لبنان والإطاحة بالنظام فى سوريا والصراعات المستمرة فى السودان، الأحداث التى تبدو فى ظاهرها سياسية بحتة إلا أن تداعياتها على الاقتصاد مباشرة وواضحة، بدءًا من انخفاض إيرادات قناة السويس وانتهاءً بنقص العملة الأجنبية وزيادة معدلات التضخم.
2024 مرَ ولكنه ترك خلفه حربًا مستمرة وأزمات يتم التعامل معها داخل غرف العمليات، فهل هناك سبيل لاستشراف الوضع الاقتصادى فى 2025، وما هى أهم الملفات التى يجب التركيز عليها خلال هذا العام، وما هى آليات خلق حالة رضا لدى المواطن الذى يشيد بجلده الرئيس السيسى ومن بعده مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولى؟
د. شيرين الشواربي، العميد المشارك فى كلية إدارة الأعمال بجامعة النيل وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة خبير اقتصادى أول (سابقًا) بالبنك الدولى ومساعد سابق لوزير المالية تحاول رسم خارطة طريق لـ 2025 فى حوارها لـ«المصور».
ما هو المشهد الاقتصادى العام الذى خلفه 2024؟
الحقيقة أنه لا ينبغى وصف المشهد الاقتصادى دون التطرق إلى المشهد السياسى فى المنطقة العربية حيث إن مصر محاطة بحزام نارى من الصراعات والحروب على كل حدودها، ولذا لا ينبغى تناول النتاج الاقتصادى لـ 2024 دون النظر للنتاج السياسى فى الإقليم، ولكن باختصار على الصعيد الاقتصادى العام يمكننا القول إنه تم إجراء عدد من الإصلاحات المالية بعضها كانت تكلفته مرتفعة على المواطن مثل خفض قيمة العملة المحلية ورفع سعر الفائدة، وبعض هذه الإصلاحات تناولت ملف المديونية العامة فى محاولة لخفض الدين العام نسبة للناتج الإجمالى المحلى، وبالفعل تم تخفيضها ولكن لم تصل بعد إلى المستويات الآمنة التى تستلزم مزيدا من خفض الدين العام وخدمته من إجمالى النفقات فى الموازنة العامة لخلق الحيز المالى الذى يمكن الموازنة من معالجة آثار الإصلاحات المالية المباشرة على المواطن حتى يشعر بالرضا.
هل يمكن للمواطن أن يشعر بالرضا خلال 2025 فى ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الراهنة؟
بالطبع يمكن، هذا ليس أمرًا مستحيلا، وأعتقد أن هذا هو الهدف الأسمى لأى حكومة فى العالم، فى أى وقت وتحت أى ظرف، وفى ظنى يتعاظم هذا الهدف ويتم وضعه على رأس الأولويات فى أوقات الأزمات، مثل التى نعيشها حاليًا، لذا يجب أن تكون هناك انفراجة اقتصادية وانفراجة سياسية فى وقت واحد ولا يجب أن تتأخر إحداهما عن الأخرى.
كيف يمكن البدء فى عمل انفراجة اقتصادية خلال 2025؟
مبدئيًا لابد وأن نعلم أن المدى الطويل، يبدأ اليوم، فى كل مرة نتحدث عن سياسات طويلة الأجل هذا لا يعنى أن التطبيق فى الأجل الطويل، ولكن تنفيذ السياسات الطويلة يبدأ اليوم حتى نجنى ثماره التى تظهر مع مرور الوقت، ومن وجهة نظرى تحدث الانفراجة من خلال عمل الإصلاحات المالية والنقدية بالتوازى مع إصلاح وتطوير الاقتصاد الحقيقى، فعلى سبيل المثال تحريك سعر الصرف وهذا أمر من الناحية النظرية جيد، ولكن لابد أن يكون مصحوبا بزيادة فى الإنتاج من الناحية الكمية والكيفية أيضا، فمن ناحية يتم خلق ميزات تنافسية كالجودة والتنوع للسلع المصرية فى الخارج بخلاف السعر المنخفض بسبب خفض سعر الصرف، ومن ناحية أخرى يزود فرص العمل والمعروض من المنتجات، بالتالى امتصاص جزء من نسب التضخم الناتجة عن تحريك سعر الصرف وتحسين مستويات المعيشة.
هل هناك آليات سريعة وقصيرة المدى يمكن أن تُشعر المواطن بالرضا؟
نعم من وجهة نظرى سيشعر المواطن بالرضا إذا تم تأجيل بعض الخطوات التى اتفقت مصر عليها مع صندوق النقد الدولى فى مرحلة سابقة، ضمن برنامج الإصلاح المصرى، نتيجة التطورات التى حدثت وهى مسألة طبيعية منطقية.
ما هى أهم الإجراءات التى يجب أن تعيد مصر النظر فيها ضمن اتفاقها مع صندوق النقد؟
الإجراءات المتعلقة بدعم الخبز ودعم السلع التموينية، نحن متفقون أن الوضع الإقليمى صعب، ولذا ليست كل القرارات الاقتصادية التى تستهدف الكفاءة، مقبولاً تطبيقها سياسيا واجتماعيا، فيجب أن ننظر إلى الكفاءة فى السياق الحالى لها، ولذا أعتقد أنه بالنسبة للخبز يتم التراجع عن الإجراءات المتعلقة بخفض الدعم الموجه لرغيف العيش حاليًا، أما البطاقات التموينية أو منظومة السلع التموينية فيجب تأجيل اتخاذ أى قرارات حالية وخاصة ما يثار حول تحويلها من منظومة عينية لنقدية لحين الدراسة المتأنية، والتأكد من أن مسار بطاقات التموين وفقا للرؤية التى وضعتها الحكومة فى 2014 بالقرار الوزارى رقم 15 والتى كانت مبنية على فكرة الكوبونات.
ولماذا تعتقدين أن تحويل دعم السلع التموينية لنقدى قرار واجب التأجيل؟
تفاصيل المنظومة الحالية وشكل المنظومة المستقبلية هو ما يثير القلق من التحول فى الوقت الراهن للدعم النقدى، حاليًا الدعم المقدم لمنظومة السلع التموينية دعم شبه نقدى لأنه تم تحديد مبلغ معين لقائمة سلع معينة، أما المنظومة التى تفكر الحكومة فيها مستقبلًا غير واضحة وتحتاج لدراسة متأنية لتحديد النقاط التالية هل ستكون منظومة لدعم الغذاء بما أن قائمة السلع الحالية تشمل سلعًا غير غذائية؟ وإذا كانت منظومة دعم غذاء فما هى السلع الغذائية التى يستهدفها الدعم لمعالجة وتجنب أمراض سوء التغذية؟ وما هو الهدف من التحول لدعم نقدى، هل المنظومة تختص بالفقراء فقط أم الفقراء وشبه الفقراء وهم 60 فى المائة من المواطنين؟ كيفية تحديد مبلغ الدعم وآليات مراجعته وفقًا لمعدلات التضخم ودورية المراجعة أيضًا هل تتم بشكل سنوى أم شهرى وإذا تمت بشكل شهرى كيف ستتم معالجة الأمر فى الموازنة العامة؟
كلها أسئلة مفتوحة لابد من دراسة الإجابات عليها قبل اتخاذ القرار الذى لا تضاهى تكلفته الاجتماعية أية وفورات يمكن أن تحققها الموازنة العامة منه، وخاصة أن إجمالى دعم السلع التموينية لا يتجاوز 1.2 فى المائة من الناتج الإجمالى المحلى وهذا مبلغ لا يستحق المخاطرة بمستقبل وطن فى منطقة ملتهبة وقريبة منك وأعداؤنا فى الخارج يروجون لفكرة أنه لا أحد يشعر بالمواطن وأن المواطن مطحون ويصدرون الفكرة للداخل، وما يحدث فى سوريا قد يشجع البعض على العبث فى الرأى العام، العاقلون يرون أننا جربنا الخروج للشارع فى 2011، والذى لم يكن فى مصلحة البلد.
دعم السلع التموينية ليس الدعم الوحيد الذى تقدمه الدولة للمواطن ولكن هناك أنواعا أخرى لا يشعر المواطن بها فكيف نعالج المشكلة؟
البطاقة الذكية، وهى فكرة مطروحة منذ 2011 ولكن لم يتم تنفيذها بالرغم من أهميتها على المستويين السياسى والاجتماعى لأنها تُشعر المواطن بقيمة ما يحصل عليه من الدولة من دعم غير مباشر وتخلق حالة من الثقة بين صناع القرار والمواطنين، ومشروع البطاقة الذكية يتلخص فى عمل بطاقة رقمية تضم 17 خدمة يحصل عليها المواطن بدعم من الدولة بدءًا من السلع التموينية والخبز ومرورًا باشتراكات الطلبة فى المواصلات العامة ولبن الأطفال وكذلك الوجبات المدرسية وغيرها من الخدمات التى تقدمها الدولة للمواطنين، فى نهاية الشهر يتم تجميع المقدم على الخدمات التى حصل عليها المواطن ويخرج بشكل مباشر على ما تقدمه الدولة من دعم غير مباشر، والبطاقة الذكية يجب أن تكون صلبا فى قلب الاقتصاد الرقمى ويجب إعادة النظر فى المشروع مجددًا خلال 2025.
ما هو الملف الذى يجب التركيز عليه أيضا خلال 2025؟
ينبغى التركيز على خفض معدلات الفقر وأن تكون هذه أولوية كل مؤسسات الدولة، حيث شهد 1999/ 2000 انخفاض معدلات الفقر لنحو 16.7 فى المائة، وكانت هذه نقطة الانخفاض الوحيدة فى معدلات الفقر، ولم نستطع بعدها الوصول لنفس المعدل بالرغم من تسجيل المعدل تراجعًا فى 2019، لذا يجب أن ننظر لملف الفقر بعين الرعاية، وأعتقد أن التركيز عليه من خلال شبكات الأمان الاجتماعى، سواء الحقيقة مسكنات مؤقتة تساعد الناس على تحمل ظروف الحياة الصعبة فى ضوء تلاحق الصدمات الخارجية، وتأخر وضعف سياسات النمو مع سياسات إصلاحية تركزت على الإصلاح المالى فقط.
ومن جديد ملف الفقر صاحب الأولوية من الناحية الاقتصادية والسياسية تجنبًا لأى تداعيات اجتماعية قد لا تتحمل مصر تكلفتها السياسية.
خفض معدلات الفقر يستلزم وجود حيز مالى يتم من خلاله اتخاذ إجراءات لتحسين مستويات المعيشة.. كيف نخلق هذا الحيز المالى فى ظل العجز الحالى للموازنة؟
لابد ونحن نتحدث عن الحيز المالى أن نعلم أنه لا يوجد شيء فى الحياة غير قابل للتحسين، ولذا فخلق الحيز المالى يأتى بالسياسات المحفزة للنمو، تلك السياسات التى تنصب كلها فى تحفيز الاستثمار، لأنه سيدعم معدلات النمو، ويزيد بالتبعية الإيرادات العامة، ومن هنا يأتى الحيز المالى للإنفاق على تحسين مستويات المعيشة والخروج بالفقراء من حيز الفقر.
كما يجب أن نخلق حالة توازن فى الاستثمار، بمعنى أن الدولة دخلت لتدعم الاقتصاد فى إحدى الفترات، وهذا الدخول أدى إلى نتائج إيجابية وأخرى سلبية، من بين هذه النتائج السلبية تراجع مساهمة القطاع الخاص فى هذه الاستثمارات، وهو ما تفهمته الحكومة مؤخرًا وعلى خلفيته تم الإعلان عن وثيقة سياسات ملكية الدولة والتى بموجبها تنسحب من بعض القطاعات وتبقى فى البعض الآخر، ولكن لابد أن تتمتع هذه الخطوات بالشفافية والإقناع بمعنى لا بد أن نفهم أسباب الانسحاب من بعض القطاعات وأسباب البقاء وهو ما يدعم ثقة المواطن فى صناع القرار.
برأيك ما هى القطاعات التى يجب أن تقود معدلات النمو؟
بالطبع الصناعة، وإن كانت الصناعة قطاعا واسعا، لابد وأن أحدد تخصصا أستطيع من خلاله خلق مكان فى الأسواق العالمية، وبدأت صناعة المنسوجات تغزو الأسواق العالمية، ولذا يجب استغلال المساحات الموجودة بالفعل وتعظيمها وخلق مساحات وتخصصات جديدة فى القطاع الصناعى لأنه هو نفسه من يصل بنا لهدف الـ100 مليار دولار صادرات، وأرى أن هذا الهدف بناء وفعال جدا فى حل أزمات الاقتصاد من جانب العملة الصعبة أو فرص العمل أو حتى الموارد الضريبية، لذا فالاهتمام بالصناعات التى تخلق قيما مضافة عالية هو الأولوية خلال الفترة المقبلة للخروج من اقتصاد الأزمة.
وهل لدينا بنية تحتية تصلح لصناعة تنافسية؟
لدينا بنية تحتية خرافية، يجب أن نبنى عليها ونبدأ من اليوم احتساب مساهمة هذه البنية فى زيادة الإنتاج، فى تسهيل اللوجستيات، زيادة الصادرات، فى زيادة العمالة المستدامة، لذا كما قلت فى السابق السياسات طويلة المدى تبدأ من اليوم.
كيف نخطط اقتصاديًا للمستقبل فى ظل التوترات الجيوسياسية فى المنطقة العربية والتى تؤثر على الإيرادات العامة من السياحة وقناة السويس وغيرها؟
لا يمكننا أبدًا إنكار أن التحدى حقيقى كبير، وكان الله فى عون أى صانع قرار، لأنه لا يوجد قرار سيتم اتخاذه يوصلنا بأمان 100 فى المائة، ولذا يجب وضع سيناريوهات مختلفة للتعامل مع عالم عدم اليقين الذى نحياه على المستويين المحلى والعالمى، ولا نعلم ماذا يحدث غدًا، وإن كانت درجة عدم اليقين زادت جدا مؤخرًا استيقظنا فى يوم على جائحة كورونا ومن بعدها الحرب الروسية الأوكرانية ثم غزة ولبنان ومن بعدها سوريا، وعدم اليقين موضوع ندرسه فى الاقتصاد، والأمم المتحدة لديها مصطلحات مختلفة للتعامل مع عدم اليقين تتركز كلها فى الجاهزية أو القدرة على التصدى للتغيرات والأزمات، وهو ما أحاول أن أصل إليه أن التخطيط للمستقبل لا يجب أن يتمثل فى سيناريو واحد، ولكن يتم وضع سيناريوهات مختلفة للتعامل مع المشهد.
إذا لخصنا فى نقاط مختصرة قائمة أعمال 2025 ماذا نقول؟
أولا: التمهل فى المراهنة على قدرة المواطن على تحمل تبعات الإصلاح.
ثانيا: تهيئة مناخ الاستثمار بشكل حقيقى وللجميع وليس الكبار فقط.
ثالثًا: المضى قدمًا فى استكمال تحقيق هدف الـ 100 مليار صادرات.
رابعًا: ترجمة هذا الهدف لسياسات مستدامة لا تتغير بتغير الأشخاص، تنعكس على مؤشرات الاقتصاد.
خامسًا: بناء جسور للحوار والثقة بين الحكومة والمواطن، الحوار الوطنى خطوة مهمة ولكنه للنخبة فقط.
هل أنت متفائلة بـ 2025؟
لا نملك سوى التفاؤل وإذا شعرنا بالقلق فيجب أن نحوّله لعمل منتج حتى نتغلب عليه.