«الوساطة.. الجهود.. المساعدات.. المفاوضات»، المصطلحات الأربعة السابقة وغيرها الكثير، لطالما ارتبطت خلال الفترة الماضية باسم مصر، فعندما أشعلت دولة الاحتلال حربها ضد قطاع غزة، كانت مصر حاضرة فى مقدمة الصفوف، تقود العالم فى مسارين متوازيين، الأول مسار «وضع نهاية للعدوان»، والثانى مسار «مساعدة الأشقاء فى غزة»، وعلى مدار ما يزيد على 14 شهرًا لم تتراجع القاهرة خطوة واحدة للوراء أو ترفع يدها عن القضية الفلسطينية، بل على العكس تمامًا، لم يترك الرئيس عبدالفتاح السيسى مناسبة دون الإشارة إلى الأزمة الطاحنة فى القطاع، والتأكيد على الموقف المصرى الواضح من العدوان على الأبرياء فى غزة، والدعوة إلى الالتزام بـ«حل الدولتين»، لوضع نهاية للصراع الممتد منذ سنوات طويلة.
الحضور المصرى فى القضية الفلسطينية مثلما كان بارزًا على «طاولة المفاوضات»، فإنه كان كبيرًا وقويًا فى مسار المساعدات، والأرقام تكشف أن مصر صاحبة النصيب الأكبر فى المساعدات العاجلة التى دخلت إلى قطاع غزة، وهو أمر لا تفعله القاهرة بمنطق «التقاط الصورة» أو «الدعاية السياسية»، بل على العكس تمامًا، هو دور تاريخى تمارسه مصر منذ «النكبة» وحتى «العدوان» الأخير على القطاع، وذلك من واقع دورها التاريخى فى إدارة «قضايا العرب».
«الهدنة»، أمر ثالث اتضح أن مصر تتقن صناعته والوصول إلى هدفها منه، فأثناء كتابة هذه السطور تواترت أنباء حول اقتراب توقيع «اتفاق هدنة» بين دولة الاحتلال وحركة حماس، برعاية «مصرية – قطرية - أمريكية»، والمتابع الجيد لحركة سير «قطار المفاوضات» منذ محطته الأولى بعد اندلاع أحداث السابع من أكتوبر 2023 وحتى يومنا هذا؛ سيدرك أن مصر الطرف الوحيد الذى لم يحاول تصدير صورة «المنقذ» للعالم، بل على العكس تمامًا، التزمت «دبلوماسية القاهرة» بأبجديات «لغة التفاوض»، ولم تحاول «تسريب أخبار» أو «تحويل مسار»، بل دائمًا تخرج قيادات «حماس» لتثنى على «المفاوض المصرى» بعد كل جولة تفاوض، وتؤكد أن «القاهرة» لا تريد من وراء «وساطتها» إلا «التهدئة» وحصول الشعب الفلسطينى على حقوقه كاملة.
اللافت للنظر هنا، أن انشغال القاهرة وانغماسها فى إدارة «مفاوضات الهدنة»، لم يقف حائلًا دون أن تكون طرفًا رئيسيًا فى الاجتماع الوزارى العربى الموسّع حول سوريا، الذى استضافته العاصمة السعودية، الرياض، بداية الأسبوع الجارى. ليس هذا فحسب، لكن جاءت كلمة الدكتور بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية، لتؤكد خبرة وحنكة «دبلوماسية القاهرة»، حيث استعرض الموقف المصرى الداعى إلى ضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى السورية واحترام سيادتها، ودعم مؤسساتها الوطنية، داعيًا لتبنى عملية سياسية شاملة بملكية سورية خالصة بكل مكونات المجتمع السورى وأطيافه، ودون إقصاء لأى قوى أو أطراف سياسية واجتماعية لضمان نجاح العملية الانتقالية، وتبنى مقاربة جامعة للقوى الوطنية السورية كافة، تتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254.
الموقف المصرى تجاه ما يحدث فى سوريا لم يتوقف عند هذا الحد، لا سيما أن «عبدالعاطى» أعطى للجميع درسًا فى «الدبلوماسية»، بعدما خرج فى تصريحات إعلامية متحدثًا عن «سلطة الأمر الواقع» فى تعريف للإدارة السورية الحالية، وهو مصطلح توقف عنده كثيرون، ليخرج -بعد ذلك- المتحدث باسم الخارجية المصرية، السفير تميم خلاف، ويوضح المقصود بالمصطلح.
«خلاف»، أكد أن مصطلح «سلطة الأمر الواقع» الذى استخدمه «د. عبدالعاطى» يعبر عن طبيعة المرحلة الانتقالية والواقع الفعلى للوضع فى سوريا، ويُستخدم عند حدوث فراغ سياسى فى أى دولة قد تشهد انهيار السلطة التنفيذية وتفكك المؤسسات بوتيرة سريعة، ثم ملء الفراغ خلال الفترة الانتقالية بواسطة عناصر أو جهات غير منتخبة، مشددًا على أن الموقف المصرى تجاه سوريا يرتكز على مكونات رئيسية، منها عدم تحولها إلى نقطة أو مصدر لتهديد دول المنطقة، ودعم المؤسسات الوطنية السورية، والعمل على وجود عملية سياسية شاملة لضمان نجاح الفترة الانتقالية.