رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

فاتن حمامة على كرسى الاعتراف: أنا خيالية وواقعية وكنت حرامية

20-1-2025 | 15:48
طباعة

بدأت مسيرتها الفنية منذ سن مبكرة، حيث اكتشفها المخرج محمد كريم بعد أن ظهرت على غلاف مجلة «المصور» فى مسابقة «أجمل طفلة»، وكانت المجلة شاهدة على انطلاقتها، وأطلقت عليها لقب «سيدة الشاشة العربية» لأول مرة على لسان الصحفى فوميل لبيب... وعلى الرغم من مرور 10 سنوات على رحيلها- 17 يناير 2015- فإن إرثها الفنى ما يزال حيا فى وجداننا.

فاتن حمامة على كرسى الاعتراف:

 

أنا خيالية وواقعية وكنت حرامية

 

 

 

أنا خيالية جدا، وعاطفية جدا، وواقعية جدا، وغيورة «بس مش جدا» ومسرفة «برضه مش جدا» وكذابة، من غير سوء نية، وحرامية، واسأل عنى «الفكهانية».

طفلة صغيرة “مقروضة” فى وجهها قسمات ملاك، وفى عينيها براءة كتكوت، كانت تقف هادئة وادعة بجانب دكان “الفكهانى” المجاور لبيتها فى حى السيدة زينب، وفجأة وبحركة لا شعورية، تغافل “الفكهانى” وتخطف خيارة أو مشمشة، ثم تضع ذيلها فى أسنانها وتنطلق هاربة ضاحكة، سعيدة بالسروقات التى ظفرت بها.

ولكنها لم تكن تنعم بانتصارها طويلا، فسرعان ما يتصايح وراءها أخوانها الذين يلعبون على مقربة منها قائلين:

الحق ياعم محمد، فاتن سرقت خيارة طبعا عرفتم الآن أن السارقة هى أنا “فاتن حمامة” وطبعا لم يحدث أن أمسكنى عم محمد عقب مغامراتى المماثلة، فقد كنت سريعة الجرى كالقمر الروسى.

ولست أدرى ما الذى يدفعنى لسرقة “الفكهانية”، أو الخيارة والمشمشة بالذات.

هل تدرون أنتم يا من عرفتمونى على الشاشة طفلة وصبية وشابة وزوجة وأما؟

لقد عرفتم عنى كل شىء، كل أطوار حياتى، بل لقد قدمت لكم طفلى مصورا فى الصحف قبل أن يراه أبوه، أى أننا لسنا غرباء عن بعضنا، فهل لكم أن تفسروا لى كيف كنت شقية وعفريته وحرامية كمان؟

ثم إن ما خفى فى حياتى كان أعظم. وهذه هى العينة:

أنا خيالية جدا

هذا صحيح، وأضيف إليه أيضا أننى كنت مغرورة و”قنزوحة”. حدث وأنا فى الخامسة من عمرى، أن اصطحبنى والدى إلى السينما، وكانت حفلة العرض الأولى لفيلم تتولى بطولته السيدة آسيا، وتصادف أن كانت جلستها فى “لوج” يقع فى مواجهة مقاعدنا. وعندما انتهى الفيلم انطلقت الأكف والأصوات من المتفرجين تحيى نجمة الفيلم، ووقفت أنا أيضا على الكرسى، لا لتحية الفنانة كغيرى من المتفرجين، وإنما لأوهم نفسى بأننى أنا المقصودة بهذا الهتاف والتصفيق، وليست السيدة آسيا.

فقد عشت فى الفيلم بخيالى حتى آمنت بأننى أنا الممثلة الأولى فعلا، كما كنت أجد نفسى بطلة جميع الأفلام التى شاهدتها بعدئذ وكان دورى فى كل منها يتغير حسب الظروف والأحوال، فإذا كانت البطلة مغنية كنت مغنية مصر الأولى، وإذا كانت راقصة باليه كنت أنا راقصة باليه أمشى على “طراطيف” أصابعى، بينما العيون تلتهمنى من كل اتجاه.

وظللت أعيش فى خيالى الجميل الذى «لا يلائمنى» أبدا حتى ظهرت فى فيلم “يوم سعيد” مع عبد الوهاب وأصبحت فنانة، مع أن الفن لم يطرق باب أسرتنا من أيام سيدنا آدم إلى أن ظهرت فاتن، إننى هى أنا.

قلت أسعدنى الحظ بالظهور فى «يوم سعيد»، وهذا حق، لأن هذا الفيلم فتح لى الباب على مصراعيه، ولو أن الحظ وقف عند الباب، وتركنى أصنع مستقبلى بيدى وبتشجيع الجمهور لى، ولذا فإننى لم أخش المنافسة إطلاقا- وبينى وبينكم- أنا كنت فى صغرى مغرورة حبتين، أما اليوم فإننى عندما أفكر قليلاً، أرانى أعترف بينى وبين نفسى بأننى فعلاً أخشى المنافسة، إذ ظهرت الفنانة التى تمتاز بموهبة تفوق موهبتى فى التمثيل، ولكننى والحمد لله لم أقابلها بعد.

الشهرة ستار يظهر العيوب

وأعود إلى فيلم «يوم سعيد» فأذكر أننى حصلت منه على أول أجر تقاضيته فى حياتى، وكان عشرة جنيهات ومجموعة من اللعب، ولم تهمنى العشرة جنيهات طبعا، وإنما كان همى هو الدمى والعرائس.

ولم تكن اللعب هى كل ما خلفه لى فيلم “يوم سعيد” وإنما خلف عندى أيضا الغرور.

والحق أننى كنت معذورة فى غرورى وقتئذ، ولكم أن تتصوروا طفلة لم تتجاوز الثامنة من عمرها، تظفر بإعجاب الناس، وتصبح فجأة مادة لسمرهم وأحاديثهم.

ولهذا فقد قاومت بشدة فكرة اشتغال ابنتى “نادية” بالتمثيل فى سنها المبكرة هذه، ومع ذلك فقد ظهرت هى فى فيلم “موعد مع السعادة” الذى أنتجته منذ أعوام، وما كادت ترى نفسها على الشاشة حتى بدأت تعامل زميلاتها فى المدرسة معاملة من هم أقل منها أهمية، كما حدث لأمها من قبل.

فعندما كنت أدخل المدرسة، كانت زميلاتى الصغيرات يتدافعن حولى وعلى لسان كل واحدة منهن سؤال عن هذا الممثل أو ذاك، وكان غرورى يأبى على أن أجيب بأننى لا أعرف إلا الممثلين الذين ظهرت معهم فى “يوم سعيد” ومع ذلك كنت أهز رأسى وأقول لهن: إن هذه أسرار لا أستطيع أن أبوح بها، أو أن وقت إذاعتها لم يحن بعد. وكانت لهجتى التى أصطنعها توهم الصغيرات بأننى عليمة ببواطن الأمور.

وكان خيالى الخصب يساعدنى على التمادى فى هذا الغرور، حتى تصورت يوما أن جميع الناس أغبياء، وأننى وحدى من تفهم كل شىء.

ثم ما لبثت بعد ذلك حتى عرفت أن الشهرة ليست هى كل شىء، وأنها لا تقوى على تغطية عيوب صاحبها، بل هى ستار شفاف يبرز العيوب ويضخمها فى عيون الناس.

الشائعات تنكد عيشتى

ومنعنى أهلى من الاشتغال بالسينما حتى أنصرف للمدرسة، ولكن بريق الأنوار ما لبث حتى اجتذبنى مرة أخرى، فمثلت فيلما آخر وأنا فى الحادية عشرة، وثالثا فى الرابعة عشرة، ثم لم أقو على أن أكون صاحبة بالين، فتركت المدرسة بين حسرة صديقاتى وزفرات الارتياح من الحاقدات على، اللائى كن يجدن فىّ مادة خصبة لإطلاق شائعاتهن.

وعلى الرغم من إيمانى بأن الشائعات هى متنفس الحقد، فإننى مازلت أتأثر بها، حتى إنها أصبحت العامل الأساسى فيما ينشب من خلافات بينى وبين زوجى عمر الشريف، بما تثيره عندى من غيرة تكاد تعصف بى.

وأنا أحب زوجى، وأعتقد أن الزوجة التى لا تغار على زوجها لا تضمر له أى حب، ومن هنا فأنا أغار على زوجى، وعمر يحترم مشاعرى، ولكن الشائعات لا ترحم هذه المشاعر.

حدث فى العام الماضى أن سافر زوجى إلى الخارج ليقوم بتمثيل أحد الأفلام، ومن هناك بعث يقول لى: إنه سوف يعود بعد أسبوع، فتهيأت لاستقباله.

وذات يوم جاءتنى إحدى الصديقات، وقالت لى: إن أشخاصا كانوا فى الخارج قالوا لها، إنهم شاهدوا زوجى مع فتاة جميلة جدا وانقلب سرورى غما، وأصبحت أتعجل رجوع عمر، لا لكى أسعد بلقائه، وإنما لأطمئن على مدى نصيب تلك الشائعة من الصحة.

وكانت طبعا فرية دنيئة، ومع ذلك فإننى لم أتعلم منها، ولازلت أقاسى الكثير من مثل تلك الشائعات، والمصيبة أننى أؤمن فى قرارة نفسى بأنها كذب.

سعادتى فى يوم الجمعة

ومع هذا فأنا عاقلة جدا، أحرص كل الحرص على حياتى الزوجية، وعندى من تجربتى السابقة فى الزواج خبرة كبيرة، وحرصى على حياتى العائلية يجعلنى بالتالى أحرص على سعادة أولادى وراحتهم، وقد أكون مقصرة فى حقهم بعض التقصير، لكننى أعزى نفسى بأن هذا التقصير مبعثه حرصى على أن أوفر لهم حياة طيبة سعيدة، وقد وضعت لنفسى دستورا لا أحيد عنه أبدا، مهما كنت مشغولة بعملى.

ففى يوم الجمعة من كل أسبوع ترانى أعطى المربية إجازة، وأتفرغ أنا لرعاية أولادى تفرغا تاما، فألاعبهم وألاطفهم وأقضى لهم حوائجهم، كأى أم شديدة الشغف بأولادها، بل قد أبالغ أحيانا، بسبب انصرافى عنهم مضطرة بقية أيام الأسبوع، وأخشى عليهم الحسد، فأطوف حولهم بالبخور سبع مرات، وأضع لهم الخرز الأزرق فى ثيابهم، لحمايتهم من العين، “ومن شر حاسد إذا حسد”.

أنا مسرفة وكذابة

وماذا أيضا فى حياتك يافاتن؟ ماذا؟

لقد قلت لكم إننى خيالية جدا، وعاطفية جدا، وواقعية جدا، وغيورة لكن بعقل، و”حرمياية” صغيرة.

آه. نسيت أقول لكم إننى مسرفة أيضا، لكن فى حدود المعقول، فأنا لا أرمى فلوسى فى الهواء، لكننى أحب أن أبحبح على نفسى بقدر الإمكان.

ثم إننى لست أنانية، وإنما أبذل كل جهد حتى أوفر السعادة لكل من حولى، ولو كان هذا على حساب نفسى.

وبينى وبينكم أنا “باكدب”، “مش عليكم والنبى” وإنما على الآخرين، ولكنه كذب أبيض، لا يترك جروحا ولا إيذاء، ولقد مرت بى فى حياتى فترة كنت أضطر فيها إلى الكذب على نفسى وعلى الناس أيضا، حتى أريح وأستريح.

أظن أننى قلت لكم أشياء كثيرة عن نفسى، بمنتهى الصراحة، وأفشيت كل ما كنت أدفنه فى صدرى، ولكن بقيت لى ملاحظة صغيرة قوى قوى، تضايقنى قوى قوى أيضا، سأقولها لكم لكى أستريح.

المجتمع يضايقنا والحكومة تكرمنا

هناك فئة من المجتمع مازالت تنظر إلى الممثل أو الممثلة على أنه أو أنها عجينة أخرى دون عجينتها، ومن هذه الفئة السادة أعضاء مجلس إدارة النادى الأهلى.

تصوروا أننى قدمت لهم طلبا لكى أتشرف بعضوية ناديهم، كأية مواطنة مصرية تتمتع بهذا الحق، وأنهم رفضوا طلبى بحجة أنه ليس لديهم أماكن خالية!

أهذا كلام؟

وأعضاء مجلس إدارة نادى الجزيرة أيضًا، لقد تقدمت لهم بطلبى، ثم فهمت منهم أنهم لا يرتاحون إلى وجود أهل الفن بين زمرتهم.

الحقيقة أننى تأثرت جدا من هؤلاء الناس، لا لنفسى، وإنما أسفا على أولئك الذين يفكرون فى منتصف القرن العشرين بعقلية أوائل القرن التاسع عشر، أيام “بمبة كشر” و”خوخة” و”الكلوباتية”.

وكان عزائى فى هذا أن كرمتنا الحكومة، نحن الفنانين، ومنحتنا الأوسمة والنياشين، واختارتنى ضمن وفد مصر فى مؤتمر التضامن الآسيوى الإفريقى الذى عقد فى القاهرة، نشر فى سبتمبر 1958.