لماذا يطمئن الشعب المصرى رغم الأزمات العالمية والاضطرابات الإقليمية والصعوبات المحلية؟.. طرحت هذا السؤال على نفسى كمواطن فى هذه المرحلة الحرجة، خصوصًا أنه يكاد يسيطر على مختلف الجلسات، وكل التجمعات، وبين كل المستويات، هناك حالة من القلق خوفًا من قادم الأيام، البعض يخشى من اتساع رقعة الصراعات فى منطقة الشرق الأوسط، خاصة أن حدودنا ملتهبة على الاتجاهات كافة، والجبهات قاطبة، ويزيد من المضاعفات أن الدولة التى تسقط فى فخ الفوضى لا تعود، وتخرج من مأزق لتقع فى عائق أشد، كما أن البعض يتوجس من مخططات دول مجاورة وقوى إقليمية لا تكل ولا تمل من صناعة المؤامرات ضد مصر، وفى مقدمتها دولة الاحتلال وأعوانها من الأجهزة الاستخباراتية الحاقدة على التجربة الوطنية فى التنمية الشاملة.
وهناك أيضا من يفزع نتيجة للظروف الاقتصادية الناجمة عن الأزمات العالمية من كورونا والحرب الأوكرانية، وحتى حرب غزة، وجميعها كبدت اقتصادنا خسائر ضخمة،
بالإضافة إلى حذر آخرين من مستوى الاحتياطيات الاستراتيجية من العملة الصعبة إلى الغذاء والدواء، وبالطبع صناع الشائعات من الميليشيات الإلكترونية لأهل الشر يلعبون على وتر الاقتصاد بكل السبل، وجميع الحيل.
الإجابة لا تحتاج إلى عناء فى التشخيص، ولا تتطلب إرهاقًا فى التمحيص، فالتجارب المتتابعة، والاختبارات المتلاحقة منذ 2014 تؤكد أن قدراتنا عظيمة، وخبراتنا واسعة، فكما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى مرارا وتكرارا، وأحدثها خلال زيارته للأكاديمية العسكرية “اطمئنوا الأمور تسير بخير، رغم أننا نواجه ظروفا قاسية خاصة فى آخر 4 سنوات بدءا من كورونا والحرب الروسية إلى الحرب على قطاع غزة والظروف الصعبة التى تمر بحدودنا”، نعم، من حق المصريين أن يطمئنوا، لأن لدينا قيادة صاحبة رؤية ثاقبة، وتمتلك بصيرة نافذة، وتتمتع برأى سديد، وقادرة على اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب، والشواهد العديدة والوقائع الكثيرة تؤكد قوة الإرادة وشدة العزيمة فى بناء مصر القوية على كل المستويات، وجميع المجالات، فلا تردد أمام التحديات، ولا تراجع إزاء الصعوبات، والصعب يهون من أجل صالح الوطن، الصراحة دائمًا حاضرة فى كل الظروف، والمكاشفة دوما متوافرة فى جميع المواقف، لا تجميل للصورة ولا تحسين للمشهد، الواقع يتحدث عن نفسه، والأرقام أصدق لغة، وأفصح بياناً، هكذا عودنا الرئيس عبد الفتاح السيسى بطول المشوار المشرف، وامتداد المسيرة الجليلة، مما كتب لنا النجاح خلال الـ 10 سنوات الأخيرة باجتياز المرحلة الأولى لبناء الدولة من أجل الانطلاق نحو مستقبل أفضل.
نعم لتطمئن قلوبنا، وتهدأ صدورنا، مصر “دولة كبيرة أوى”، فهى دولة مؤسسات وطنية بامتياز، تقف كالبنان المرصوص يشد بعضها بعضا لكى تستمر مسيرة التنمية والبناء، وتتحين الفرصة للقضاء على كل المتآمرين ضد الأمن القومى، وعلى صخرتها تنكسر جميع المخططات الهدامة على يد قواتنا المسلحة الباسلة وشرطتنا المؤهلة، والأجهزة السيادية المحترفة، ودبلوماسيتنا المحنكة، وإعلامنا الواعى، وأزهرنا الشريف، وكنيستنا الموقرة، لتظل راية الوطن عالية خفاقة على مر الزمان، وتعاقب القرون، نحن دولة قوية بجيشها الذى يتألف من عموم أبنائه، درع الوطن وسيفه فى مواجهة أى اعتداء، عقيدته الراسخة الفداء والتضحية، وشعاره الدائم النصر أو الشهادة، أدى المهمة على أفضل وجه خلال سنوات مكافحة الإرهاب، ودفع الثمن غاليا من أرواح الأبطال ودماء الشجعان، واقتحم ميادين العمل والإنجاز تحت شعار “يد تبنى ويد تحارب الإرهاب”، حتى أعلن الرئيس السيسى “مصر خالية من الإرهاب”.
من حقنا أن نطمئن لأن قيادة القوات المسلحة لم تركن إلى الراحة، ولم تنعم بالهدوء بعد نهاية المعركة ضد الإرهاب، بل سارعت بتوجيهات رئاسية بمواصلة مسار التحديث والتطوير وفقا لأحدث الأنظمة العالمية مع تنويع مصادر التسليح، ودعم التصنيع المحلى، ومواصلة التأهيل والتدريب من أجل الوصول لأعلى معدلات الكفاءة القتالية، ومواكبة التطورات المتسارعة فى نظم الإعداد الواقعى للفرد المقاتل، وتعظيم الاستفادة من القدرات والإمكانات المتاحة للوصول لأعلى معدلات الجاهزية، والاستعداد القتالى فى كل تشكيلات ووحدات القوات المسلحة لمجابهة التحديات الراهنة، وضمان تنفيذ المهام والمسئوليات المكلفة بها لدعم ركائز الأمن القومى المصرى على الأصعدة كافة، والاتجاهات جمعاء.
وعلى ذكر أهمية الدور العظيم للمؤسسات الوطنية، أجدنى مدفوعا للإشادة بجهود وزارة الخارجية، بقيادة الوزير النشيط، والدبلوماسى العتيد د. بدر عبد العاطى، فهو يتحرك فى كل القضايا، وينجز فى جميع الملفات لخدمة المصالح المصرية، ويترجم التوجيهات الرئاسية بالحرف الواحد لحماية الأمن القومى، وطمأنة المواطنين فى الموضوعات الملحة، ومنها على سبيل المثال ملف السد الإثيوبى، فهو يواصل اللقاءات، ويتابع الاتصالات مع نظرائه فى كل الدول المعنية، للتأكيد على أهمية الأمن المائى المصري، ورفض التصرفات الأحادية فيما يتعلق بالموارد المائية المشتركة، وضرورة احترام قواعد القانون الدولى والالتزام بمبدأ التوافق بين دول حوض النيل، والقول الفصل بأن “حصة مصر من مياه النيل خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه”.
لتطمئن قلوب الشعب المصرى على اقتصادنا الوطنى لأنه صلب، وقادر على امتصاص الأزمات، من جائحة كورونا التى قطعت أوصال العالم، وحبست حركة التجارة والطيران من ديسمبر 2019 إلى يناير 2023، وضربت اقتصادات الدول المتقدمة وليس النامية فقط فى مقتل، وأصابتها بالتخبط، وكشفت عورات منظومات الصحة فيها التى كانت تتفاخر بها، فإذا بها تحت وطأة ارتفاع الإصابات والوفيات تتهاوى وتخرج من الخدمة، بينما تعاملت الدولة المصرية باحترافية واقتدار، ونجح الاقتصاد المحلى _ نتيجة سياسات الإصلاح الاقتصادي_ فى استيعاب توابع الجائحة الشرسة، ويكفى هنا الإشارة إلى حجم الفاتورة التى تحملتها الموازنة العامة والتى تزيد على 370 مليار جنيه خلال “عامى كورونا”، مع حتمية الإنفاق على مواجهة الآثار السلبية، وتراجع النمو المحلى الإجمالى وفقا لتأكيدات وزير المالية السابق د. محمد معيط، ثم جاء الاختبار الثانى قبل أن يتنفس الاقتصاد المصرى الصعداء متمثلا فى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من توقف سلاسل الإمداد، خصوصًا فى المحاصيل الاستراتيجية التى تسيطر على إنتاجها موسكو وكييف بأكثر من 30 فى المائة، مما أدى لمضاعفة الأسعار، إلى جانب تضرر قطاع السياحة، والمحصلة النهائية أن خسائر الاقتصاد المصرى تجاوزت من تلك الحرب أكثر من 465 مليار دولار ضمن التأثيرات المباشرة وغير المباشرة، ثم دخلت على الخط حرب غزة فى ظل العدوان الغاشم من جيش الاحتلال الإسرائيلى، لترتفع الضغوط على الموازنة العامة للدولة، وبشهادة الأمم المتحدة فى مايو 2024، استمرار الحرب كلف اقتصاد مصر 20 مليار دولار خسائر فى إيرادات السياحة وقناة السويس، ناهيك عن فاتورة المساعدات الإنسانية، خاصة أن مصر قدمت أكثر من ثلثى المساعدات مقارنة بكل دول العالم، لكن بفضل الله، وحسن الإدارة، ودقة التخطيط، وقف اقتصادنا صامدا لا تهزه رياح الحروب، ولا عواصف الأزمات، وكما هزمنا هذه الكوارث نستطيع أن نحقق جولات انتصارات أخرى طالما تسلحنا بالوعى، وتمسكنا بالصبر، وواصلنا الإنتاج والعمل.
اطمئنوا يا مصريون، احتياطياتنا آمنة فى مختلف الاحتياجات، من الغذاء إلى السلع الاستراتيجية، ومن الطاقة إلى الدواء وصولا إلى العملة الصعبة، وهذا ليس مجرد كلام، أو شعارات، بل كله موثق بالأرقام، وستقرأون فى هذا العدد من مجلتكم “المصور” ملفا شاملا كعادتنا معكم يوضح أين كنا وكيف أصبحنا فى مسألة الاحتياطى، ففى مجال الأمن الغذائى يعتبر 2014 تاريخًا مميزًا فى مجال الأمن الغذائى المصرى، لأنه قبل هذا التوقيت كان الاحتياطى الاستراتيجى من السلع الاستراتيجية الرئيسية يكفى ثلاثة أشهر فقط، بينما نجحت الدولة فى تحقيق ما يستحق أن يوصف بـ”الرقم القياسى” فى العديد من الاحتياطيات الاستراتيجية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر السكر الذى وصل إلى 11,6 شهر، والزيت التموينى 5,1 شهر، والقمح 4 أشهر، والأرز اكتفاء ذاتى طوال العام، واللحوم المجمدة 8,5 شهر، واللحوم الطازجة 6,7 شهر، وهذه الأرقام بخلاف التعاقدات المستمرة تؤكد اهتمام الحكومة بتأمين مخزون استراتيجى يضمن استقرار السوق المحلى ويحد من أى أزمات محتملة.
أما فى ملف الدواء، فقد أصبح “تأمين المخزون الاستراتيجى من الأدوية والمستلزمات الطبية”، هدفا تسعى لتحقيقه عدة جهات على رأسها وزارة الصحة وهيئتا الشراء الموحد والدواء المصرية باعتبارهما ذراعى توطين الصناعات الدوائية فى مصر، مع خطوات جادة لتحقيق هذا الهدف على المدى البعيد أو القريب، بدءا من تطبيق خطة توطين صناعة الدواء، ومرورا بعدة مبادرات رئاسية متتابعة، بينما فى قطاع الكهرباء فلا قلق، فلدينا 58 ألف ميجاوات احتياطى قدرات كهربائية، وقادرون على إنتاجها فى ظل 38 ألف ميجاوات هو الحمل الأقصى للقدرات الكهربائية، والاستكشافات الجديدة تؤكد توافر الاحتياطى من الطاقة اللازمة لكل الأغراض.
وطالما أن “احتياطى الدولار” هو الشغل الشاغل للحكومة والمواطنين على السواء، فعلينا أن نطمئن، لأنه حقق “أعلى مستوى فى التاريخ”، وفقًا لتأكيدات البنك المركزى بعد ارتفاع صافى احتياطى النقد الأجنبى فى العام المنتهى 2024 إلى 47.109 مليار دولار، مقارنة بـ46.952 مليار دولار فى نوفمبر الماضي، بزيادة قدرها 189 مليون دولار، علمًا بأن الدولة حريصة فى كل الحالات، وجميع الظروف على توفير الحماية الاجتماعية للفئات الأولى بالرعاية، من خلال عدة برامج منها “تكافل وكرامة” و”مستورة” و”مصر بلا غارمات” وغيرها، فضلا عن تخفيف وطأة الغلاء الناتج عن الأزمات الخارجية عن كاهل المواطن بالمبادرات الرئاسية لتوفير السع بأسعار مخفضة تارة، وإقرار الحزم الاجتماعية لزيادة الأجور والمعاشات تارة أخرى، ويكفى أن الحكومة أقرت خلال آخر 4 سنوات، 6 حزم اجتماعية بتكلفة تجاوزت 600 مليار جنيه لمواجهة ارتفاع الأسعار استجابة للتوجيهات الرئاسية.
حمى الله مصر وشعبها وقيادتها ومؤسساتها الوطنية من كل سوء.