«تأمين المخزون الاستراتيجي من الأدوية والمستلزمات الطبية»، هدف تسعى لتحقيقه عدة جهات على رأسها وزارة الصحة وهيئتا الشراء الموحد والدواء المصرية باعتبارهما ذراعي توطين الصناعات الدوائية في مصر، ولقد شهدت الفترة الماضية خطوات جادة لتحقيق هذا الهدف سواء على المدى البعيد أو القريب، بدءا من تطبيق خطة توطين صناعة الدواء، ومرورا بعدة مبادرات تم إطلاقها خلال الأشهر الماضية.
متابعة مستمرة وعن قرب لملف الدواء من قبل الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، ولعل آخرها ما تم عرضه خلال المؤتمر الصحفى الأسبوعى الذى عقد أخيراً، حيث أوضح «د.مدبولى»، أنه يتابع هذا الموضوع بصفة مستمرة مع الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية، وزير الصحة والسكان، ورئيس الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبى، وإدارة التكنولوجيا الطبية، ورئيس هيئة الدواء المصرية، وذلك فى اجتماعات دورية متقاربة؛ بهدف متابعة إجراءات توفير مخزون آمن من الأدوية الاستراتيجية، والاطمئنان على توافر جميع المواد الخام وإتاحتها، والاطمئنان كذلك على توافر الأدوية فى الصيدليات».
رئيس الوزراء، أشار أيضاً إلى أن «صيدلية مثل صيدلية الإسعاف تحظى بأهمية كبيرة؛ نظراً لاعتبارها مرجعية فى حال حدوث نقص فى أى نوع من الأدوية؛ ولذا فقد تمت مناقشة سبل التوسع فى مثل هذه النوعية من الصيدليات، وكذلك تمت مناقشة إمكانية الاستفادة من المستشفيات التابعة لوزارة الصحة والمستشفيات الجامعية فى مثل هذه النوعية من الصيدليات، بحيث تكون متوافرة فى عدد من تلك المنشآت؛ لخدمة المواطنين فى جميع الأحياء».
وكشف «د. مدبولى»، أن «هناك خطة تنفيذية يتم وضعها لهذا الأمر؛ من أجل زيادة أعداد صيدليات الإسعاف بصورة كبيرة لتقدم خدماتها للجمهور، بجانب الصيدليات المتوافرة على مستوى الجمهورية التى يتجاوز عددها 81 ألف صيدلية من القطاعين العام والخاص»، مشددًا على أن الحكومة تسعى لزيادة أعداد صيدلية الإسعاف تحديداً وانتشارها فى مختلف المناطق؛ حتى يمكن للمواطنين اللجوء إليها فى حال وقوع أزمة نقص لأى نوع من الأدوية.
بدوره، أكد الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس الوزراء، وزير الصحة والسكان، أن «القطاع الصحى يشهد حالياً انفراجة كبيرة فى توفير الأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية»، لافتًا إلى أن «الأرقام توضح ما تم تنفيذه من خطط وزارة الصحة بالتعاون مع هيئة الشراء الموحد، بتوفير احتياجات المنشآت التابعة للوزارة من الأجهزة الطبية اللازمة»، ومشيرًا إلى توفير 17 جهاز رنين مغناطيسى، و19 قسطرة قلبية، و12 جهاز علاج إشعاعى، و162 جهاز أشعة مقطعية، و2800 جهاز تنفس صناعى، و430 جهاز تخدير، و376 جهاز تخدير تم تطويرها، و5 آلاف جهاز مراقبة وظائف حيوية، و18 مولد أكسجين مركزى، و600 حضانة أطفال، و500 عيادة أسنان، موضحًا أن الوزارة عملت على تنفيذ خطط لتدبير الأجهزة الطبية بتكلفة بلغت 20.36 مليار جنيه خلال السنوات الأربع الماضية.
الهيئة المصرية للشراء الموحد أكدت التزامها بتلبية احتياجات القطاع الصحى، وفقًا لاستراتيجيات واضحة ومشتركة، عبر التنسيق المستمر بين الجانبين لتأمين الاحتياجات من الأدوية والأجهزة والمستلزمات والمستهلكات الطبية ورفع مستوى الجاهزية فى التعامل مع أى تحديات أو احتياجات طارئة.
التحركات الحكومية لـ «تأمين مخزون الدواء»، لم تتوقف عند هذا الحد، فبالتوازى مع الخطط الحكومية، أطلقت مبادرة لـ «التأمين»، لعل أهمها مبادرة «الشراء الموحد لتوطين المواد الخام غير الفعالة»، التى أطلقها رئيسا هيئتى الدواء والشراء الموحد منذ أكثر من ثلاثة أشهر، بهدف ضمان استقرار إمدادات الأدوية وحماية الأمن الدوائى الوطنى على المدى القصير، وضمان استمرار توافر المنتجات الدوائية عالية الجودة فى السوق المصرى عبر تأمين احتياطى استراتيجى من المواد الخام بشكل عام وتحديداً من المواد غير الفعالة فى المرحلة الحالية، مع التركيز على توطين تصنيعها، وذلك باتخاذ خطوات حاسمة نحو دعم المصانع الحالية التى تقوم بإنتاج المواد الخام الفعالة وغير الفعالة بالسوق المحلى وذلك لمنع أى نقص وضمان توافر الأدوية الضرورية باستمرار، والعمل على تطوير القدرات المحلية لتصنيع هذه المواد وفقا لأعلى معايير الجودة، لكافة المنتجات التى تصل إلى نظام الرعاية الصحية، لضمان سلامة المرضى وفعالية العلاج.
وتسعى المبادرة إلى توطين 280 مادة غير فعالة والبداية كانت بـ30 مادة غير فعالة والتى تمثل أكثر من 60 فى المائة من فاتورة استيراد المواد الخام غير الفعالة، وهو ما من شأنه أن يسهم فى خفض الفاتورة الاستيرادية للمواد غير الفعالة والتى بلغت 100 مليون دولار سنوياً.
وإلى جانب ما سبق، تهدف المبادرة إلى تحقيق كفاءة اقتصادية مستدامة عبر توحيد عمليات الشراء؛ مما يعزز الحصول على صفقات أفضل بجودة ثابتة، ويمنع تقلبات السوق على المدى القصير، هذا فضلاً عن نقل تكنولوجيا تصنيع المواد غير الفعالة إلى مصر كجزء من الصفقات المستقبلية، وتعزيز استدامة توافر الأدوية ودعم الصناعة المحلية.
وتعد المبادرة تكليلا لجهود التعاون المستمر بين هيئتى الشراء الموحد والدواء، وهو يضمن حماية صحة المواطنين واستمرار توافر الأدوية، وبداية استراتيجية وطنية تهدف إلى تعزيز استقرار السوق الدوائى، مع التركيز على التوطين كهدف استراتيجى طويل الأمد، والعمل على تحويل مصر إلى مركز إقليمى لتصنيع المواد غير الفعالة.
ووفق هيئة الشراء الموحد، فإن «استراتيجية الشراء الموحد للمواد غير الفعالة تعد خطوة استباقية لتعزيز سلسلة الإمداد الدوائية، كما أن هذه الخطوة ستضمن جودة مستدامة وتؤسس احتياطياً استراتيجياً يدعم احتياجات البلاد الدوائية على المدى القصير، بينما نعمل على تحقيق هدفنا الأسمى وهو توطين تصنيع هذه المواد فى مصر».
من جانبه أكد الدكتور على الغمراوى، رئيس هيئة الدواء المصرية، على ضرورة الحفاظ على جودة المواد الخام غير الفعالة المستخدمة فى إنتاج الأدوية وتأمين احتياجات السوق من خلال الاستراتيجية التى تتبناها هيئة الشراء الموحد، حيث ستساهم المبادرة فى استقرار السوق الدوائية من خلال منع أى اضطرابات فى سلسلة الإمداد التى قد تؤدى إلى النقص مرة أخرى، كما أن توطين تصنيع المواد غير الفعالة يقلل من تأثير التغيرات العالمية على سلسلة الإمداد، حيث تحظى السوق المصرية بعدد من المصانع التى تقوم بالفعل بتصنيع عدد من الخامات الفعالة وغير الفعالة والتى تتطلب التوسع فى نشاطاتها وزيادة خطوط الإنتاج الحالية لتشمل عدداً من المواد غير الفعالة الضرورية للصناعة بشكل عام .
رئيس هيئة الدواء المصرية، أوضح أن «تعميق توطين الصناعات الدوائية هدف استراتيجى تسعى الحكومة وقطاع الصناعة للعمل على تنفيذه تحت تكليفات وتوجيهات القيادة السياسية».
فى حين قال الدكتور يس رجائى، مساعد رئيس هيئة الدواء المصرية: الوضع الحالى للمخزون الاستراتيجى للأدوية آمن بالنسبة للأدوية عموماً ولأدوية الأمراض المزمنة بصفة خاصة، فلدينا نحو 16 مجموعة علاجية تتم متابعة مخزونها باستمرار من حيث الإنتاج المحلى أو المستورد أو المواد الخام ، ومن نهاية شهر نوفمبر وخلال شهر ديسمبر وحاليا مستويات توفر الأدوية مطمئنة،
وتابع «د. يس»: بالنسبة للمخزون الاستراتيجى لأى دواء، فإننا نطمئن دائماً أن المصانع تستورد خامات تكفى من ثلاثة إلى ستة أشهر، لأن دورة الإنتاج تستغرق وقتا، فحتى يتم الإنتاج يستغرق من شهر ونصف الشهر إلى شهرين، ويظل المدة نفسها فى المخازن ثم الصيدليات لمدة شهرين لثلاثة أشهر لتصل المدة كلها من ستة إلى سبعة أشهر، وبالتالى يجب تأمين الاحتياطى فترة من ثلاثة إلى ستة أشهر، بحيث يتم الإنتاج والأدوية موجودة بالسوق فى الوقت نفسه.
كما كشف أن «المخزون الاستراتيجى ليس بالدرجة نفسها فى كل الأدوية، بمعنى أن هناك أدوية مهمة جدا على قوائم الأولوية فى المتابعة يبلغ عددها نحو 2600 مستحضر، وهذه الأصناف تمثل أمرين، الأول: أنها أدوية استراتيجية منها أدوية أمراض مزمنة وأدوية أورام وأدوية خاصة بأمراض نادرة ويصنعها عدد محدود من الشركات لذا تكون على قائمة الأولويات وأيضاً نعطى امتيازات فى تسجيلها وإعطاء فرصة لتسجيلها لأكثر من شركة فى فترة قصيرة، وتتم متابعة هذه الأصناف من حيث مستوياتها، توزيعها، استيرادها، تصنيعها».
كذلك، شدد على أن «الأدوية كلها تمت تغطيتها كما وكيفا بحيث تكون المجموعات العلاجية والأدوية التى يحتاجها المريض من الناحية الكيفية، ومن الناحية الكمية يكون لدينا خطط الشركات الاستراتيجية مقدمة ومعروف الكميات المستوردة، المخزون الموجود، وكذلك معرفة خطوط الإنتاج التى تعمل والتى لا تعمل ومتابعتها».
وأضاف «د. يس»: سوق الدواء سنويا فى مصر يتخطى 300 مليار جنيه، وعدد العبوات المتداولة ما بين 3 مليارات و600 عبوة حتى 4 مليارات عبوة، وهذا رقم كبير مقارنة بالدول فى الشرق الأوسط وإفريقيا، فمصر سوق واعدة وكبيرة فمصر أكبر سوق دواء بعدد العبوات هذه، لدينا أكثر من 175 مصنع دواء، 1600 مخزن، نحو 2000 شركة تول، 600 مكتب علمى ، 86 ألف صيدلية.
مساعد رئيس هيئة الدواء المصرية، أشار إلى أن «المعدل الطبيعى للمخزون الاستراتيجى يتراوح من ثلاثة إلى ستة أشهر، توجد أصناف أخرى تصل إلى تسعة أشهر أو سنة، لأنها متاحة لدى المصانع والمادة متوفرة لدى الموردين بالخارج فى الصين أو الهند بكميات كبيرة كمخزون، عكس المواد الخام للأدوية الحيوية والمهمة فيكون توفير المادة الخام من الخارج به مشكلة لذا يتم الحرص على مدة الاحتياطى من ثلاثة إلى ستة أشهر وهذا يتوقف على دورة رأس المال بالنسبة للمصنع».
كما تحدث «د. يس»، عن التحديات التى تواجه تأمين الاحتياطى الاستراتيجى، والتى أوضح أنه «منها ما يرتبط بحدوث تغيير فى سعر العملة لأنه يؤثر على الاستيراد، وأحد التحديات قد تكون مرتبطة بتعطل لدى موردى الخامات من الخارج، أيضا هناك تحديات داخلية بالمصانع أو بتوقف خطوط إنتاج بسبب صيانة أو تطوير أو مشكلة فنية وغيرها، هذا فضلا عن الإجراءات الجمركية التى تقابلها بعض الشركات، وكذلك الأمر بالنسبة لإجراءات الشحن وتغيرها من شحن برى أو جوى أو بحرى أو العكس حسب الظروف فى البلد المورد، وهناك أيضا تحدٍ يتعلق بوجود خطوط إنتاج معقدة وهنا نحرص على وجود شركات وطنية تنقل تكنولوجيا تصنيع وهذه أمور معقدة نتدخل بها كهيئة وندعم الشركات المحلية لاستقبال هذه التكنولوجيا» .
كما لفت إلى أنه «فيما يتعلق بالمخزون الاستراتيجى للدواء لا تعمل هيئة الدواء وحدها، فإذا كنا نتحدث على توافر الأدوية فى القطاع الخاص فى الصيدليات فهذا يتعلق بدور هيئة الدواء وحرصها على عمل الشركات والمصانع بالسياسة التى أوضحتها، أيضا فيما يتعلق بباقى القطاع الصحى فتشترك عدة جهات هى هيئة الدواء المصرية وهيئة الشراء الموحد ووزارة الصحة والمستشفيات الجامعية، وهنا يتم إعطاء أولوية فى المخزون الاستراتيجى لهيئة الشراء الموحد المنوط بها توفير الدواء للمريض فى مستشفيات القطاع الصحى الحكومى».
وأكمل: ومن المشروعات المهمة والتى تحدث عنها رئيس الوزراء هو صيدلية الإسعاف «إسعاف 24» بالتعاون بين هيئة الشراء الموحد وهيئة الدواء المصرية، توفير كل الأدوية بمنافذها فى الـ27 محافظة، هذه ضمن جهود الدولة لتأمين توافر الأدوية، أيضا بالنسبة للخامات الفعالة وغير الفعالة بدأنا بالتعاون مع هيئة الشراء الموحد وغرفة صناعة الدواء فى توطين صناعة الخامات غير الفعالة لأنها تدخل فى أغلب المستحضرات ولها فاتورة استيرادية عالية نريد تخفيضها وتوفير تكلفة النقل والشحن ومدة التوريد، وهذا من شأنه تقليل مدة التوريد وخفض فاتورة الاستيراد وتوطين صناعة مهمة للصناعة المحلية، أيضا لتأمين توفير الدواء لجأت الهيئة إلى طريقة التوزيع الأفقى وساهمت فى حل مشكلة نواقص الأدوية، بحيث يوزع الدواء على نطاق الجمهورية لضمان التوزيع العادل، أيضا لضمان توافر الأدوية تتم مراجعة أسعار وفق المتغيرات العالمية سواء بزيادة أو انخفاض تكلفة التصنيع والوصول لسعر عادل للمستحضر واستمرار التشغيل للمصنع.
مساعد رئيس هيئة الدواء المصرية، كشف أن «المخزون الاستراتيجى شراكة بين هيئة الشراء الموحد وهيئة الدواء المصرية ووزارة الصحة باعتبارها مقدم الخدمة، فـ «الصحة» لكى تقدم تحتاج أن توفر هيئة الشراء لها الأدوية، وهنا يأتى دور هيئة الدواء التى تضمن تصنيع الشركات وتتابع مستويات الخامات المتوفرة، فكلها حلقة متصلة. على حد قوله.
انتقل «د. يس»، للحديث عن أزمة «نواقص الأدوية»، والتى قال عنها: الأزمة حدثت خلال العام الماضى، وسببها الرئيسى كان تدبير العملة وعدم قدرة الشركات على الاستيراد فاعتمدت على المخزون لديها واستهلكته ونفد لدى البعض وقل الإنتاج وقل المعروض، وغالبا تحدث النواقص مع المتغيرات الاقتصادية، وكل هذه المبادرات والإجراءات التى تقوم بها الدولة حتى لا تتكرر هذه الأزمة.