رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الإخوان المذعورون


21-1-2025 | 19:58

الإخوان المذعورون

طباعة
بقلم: طارق أبو السعد

كتب أحد الإخوان الهاربين لتركيا على صفحته بـ«الفيسبوك» يعبر عن خيبة أمله فى عدم قدرة الجماعة حماية عبدالرحمن يوسف القرضاوى ومنع ترحيله عبر الإنتربول لدولة الإمارات العربية، كتب يقول: «إنه شعور الفشل والخوف وقلة الحيلة يتملك الواحد منا بشكل لا يمكن وصفه، فنحن فشلة وضعاف وليس لنا أى قيمة، وما حصل لعبدالرحمن يوسف القرضاوى، حصل لغيره، بيحصل الآن لآخرين وسيحصل لغيرنا، لأننا ولا حاجة، نحن مجرد بوست ولايك وشير مش أكتر، لسنا فى مأمن ولا هنكون، نحن مجرد حفنة من الفشلة الجبناء».

مجرد فشلة وجبناء

 

هذه الكلمات أصدق تعبير عما آلت إليه أحوال الجماعة الإرهابية، وعلى وجه الخصوص جملة «نحن مجرد حفنة من الفشلة الجبناء» لأنها العنوان الحقيقى للجماعة الإرهابية، التى تعيش لحظات نهايتها، أو وفاتها على الأقل عند المصريين، هذه هى الحقيقة التى يريدون إخفاءها عن أتباعهم وحلفائهم، وهى نهاية طبيعية لكل خائن لوطنه، منحاز لأعداء بلده، فالقضية ليست عبد الرحمن ولا غيره، ولا أى مطلوب تم تسليمه عبر الإنتربول، فالإخوان مطلوبون قضائيًا، وعاجلًا أو آجلاً سيتم عرضهم على قاضيهم الطبيعى ليحاكمهم على جرائمهم الحقيقية والمثبتة عليهم بالصوت والصورة، القضية الحقيقية هي «مصر»، والمؤامرة التى لا يكف الإخوان نسجها على أمن وسلامة شعبها.

 

القرضاوى الابن ليس إلا فردًا إخوانيًا بامتياز، مغموس حتى أذنه بالكراهية، هو لا يمثل نفسه بل هو يعبر بصدق عن عموم الإخوان فى أفكارهم ومشاعرهم وانتمائهم وحتى فى عمالتهم، فجميعهم رضعوا الخيانة وشربوا الغدر والخسة، حتى صاروا خنجرًا مسمومًا فى خاصرة الوطن والمجتمع، يعملون على هدم كل قيمة وكل فكرة وكل انتماء، أما الجماعة فهى فوق الدين والدولة والشعب.

 

عبدالرحمن وأمثاله لا يستحقون أن نفرد لهم مقالاً، فهم بعد أن كشفهم الشعب لم يعد لهم تأثير، وبعد سقوطهم الأخلاقى بكلمات تقتر سمًا وبذاءة تعافها النفوس الطاهرة السوية، لكننا نكتب شهادتنا أمام الله والمجتمع. ولأننا حمّلنا أنفسنا رسالة، نتقرب بها إلى الله بكشف خبايا الجماعة والتحذير من خطورتها، وزيف ادعاءاتهم، ولولا خوفى أن يتسرب بعض من شرهم للمصريين، لما كتبت عنه ولا عنهم.

 

سر ذعر الإخوان من ترحيل القرضاوى الابن

 

يقول المثل المصرى الدارج (الزن على الودان أمر من السحر فى الأبدان)، أى إن تكرار الكلمات بشكل ممنهج قد يؤدى فى النهاية لتسرب الشك وهو حدث أشد قسوة من عمل السحر فى الأبدان، والمتابع لحملات التشكيك الإخوانية وصوتهم العالى ومغالطاتهم المنطقية وكذبهم وباطلهم المتكرر، قد يتسلل الشك لدى بعض المصريين المخلصين عن حقيقة القصة، ويظن للحظة أن عبدالرحمن يوسف مجرد معارض لا يملك إلا قلمه، وأن توقيفه فى لبنان ضد حقوق الإنسان، أو أى جمل بذات المعنى، لذا دعونا نرصد الأحداث دون تحليل أو رأى، القصة تبدأ بعودة القرضاوى الابن من قطر متنازلاً عن جنسيته القطرية مستعيدًا جنسيته المصرية. بررت زوجته السابقة تنازله عن الجنسية القطرية حتى يتمكن من المعارضة وهجاء الرئيس المصرى الأسبق محمد حسنى مبارك، وفى غفلة من الزمن تصدر القرضاوى الابن المشهد وأصبح له متابعون.

 

شارك فى أحداث يناير 2011، ولمع بريقه فى العمل الإعلامى زمن الإخوان، وعقب الإطاحة بحكم المرشد والجماعة فى ثورة 30 يونيو 2013 هرب من مصر، وحسب تصريحات زوجته السابقة أنه هرب بطريق غير قانونى إلى السودان ومنه إلى تركيا، وفى غضون عام 2014 حصل على الجنسية التركية، وفى مصر أدانه القضاء المصرى فى قضية إهانة القضاء، وقضت المحكمة بحبسه 3 سنوات عام 2014، ثم أُدين عام 2016 بتهمة نشر أخبار كاذبة والتحريض على الدولة المصرية، وقضت المحكمة بحبسه 3 سنوات عام 2016، وتم تأييد الحكم فى 2018.

 

رعب الجماعة من يوم الحساب

 

ولأنه ابن يوسف القرضاوى الرمز الإخوانى الشهير، أو مفتى الناتو كما يحلو للبعض وصفه، لأنه كان يحرض الولايات المتحدة الأمريكية على احتلال ليبيا وإسقاط الدولة وقتل القذافي، وكذا ضرب سوريا وإسقاط بشار وغيرها من البلاد العربية، لما وصل القرضاوى الابن تركيا، وحصل على الجنسية ومعها حصل على جواز سفر تركى، وظل تحت الحماية التركية تتحمل شطحاته وبذاءته، وبعد تخلى تركيا عن مشروعها العدائى لمصر، وحرصًا على علاقاتها بالدول العربية؛ فرض الأتراك قيودًا على الإخوان، ورسموا لهم خطوطًا حمراء لا يتجاوزونها، لكن القرضاوى الابن تجاوزها كعادته، ونشر قصائد تمتلئ بذاءة وانحطاطًا، روّجها له أتباع الجماعة الإرهابية. ونظرًا لثقل وزن والده التاريخى؛ تم التنبيه عليه من قِبل السلطات التركية بعدم تكرار مثل هكذا تصرفات، وظل القرضاوى الابن منزويًا قليلاً ومتفرغًا لحياته الشخصية المنفتحة، إلى أن وقعت أحداث سوريا الأخيرة ودخول هيئة تحرير الشام دمشق، فظن القرضاوى أنها فرصة رائعة لأن يعود للمشهد ويهدد الدول العربية والتحريض على نشر الفوضى، (كل المقاطع المصوّرة التى نشرها تتوعد الدول العربية مصر والسعودية والإمارات بفوضى أمنية مسلحة أو انشقاقات من داخل القوات المسلحة).

 

هذه المرة تجاوز القرضاوى الابن الخطوط الحمراء، فارتكب حماقته، ليس بتهديداته، فهى حد ذاتها لا قيمة لها، لأنه وبكل بساطة الدول التى ذكرها لن تنشغل بتفاهته، فأمام قادة هذه الدول مهام جسام فى إدارة المنطقة وحمايتها، وتقديم المساعدات للشعوب التى تحتاج إلى مساعدات ورسم سياسات اقتصادية جديدة فى الشرق الأوسط وهكذا، مع العلم أن جميع مشاهديه من الجماعة الإرهابية فقط، وأن الشارع العربى وعلى وجه الخصوص الشارع المصرى لم يعد يعلم بوجود القرضاوى الابن وليس مشغولا به أو أن يستجيب له ويتفاعل معه.

 

ولكن حماقته أن خرج من تركيا التى كانت تحميه ما دام فى حدود الدولة، وبما أنه خرج وارتكب هذه الحماقة وأعلن عن نفسه فهى لم ولن تحميه، لذا عندما أعلنت السلطات اللبنانية إلقاء القبض على القرضاوى الابن على خلفية ورود اسمه على «النشرة الحمراء» للإنتربول، أدركت الجماعة أن الدولة التركية الرسمية لن تتدخل لحمايته ولا للدفاع عنه كمواطن تركى يحمل جواز سفر تركيًا، هنا انتفضت الجماعة ذعرًا، ليس حبًا فيه ولا انتصارًا له، بل خوف من أن تبدأ حملة باستعادة المطلوبين وبدء مرحلة الحساب ودفع ثمن الخيانة، والتى إن بدأت فلن تنتهى إلا وجميع الإخوان خلف القضبان يُحاكمون بتهم الخيانة والإرهاب.

 

نتعامل مع جماعة تعادى الوطن والشعب

 

يدرك الإخوان قبل غيرهم أن معركتهم للإفراج عن المذكور خاسرة، وأنه سيتم تقديمه للعدالة لا محالة (سواء بالإمارات أو فى مصر)، وأن تحركاتهم وحملاتهم الرقمية لا قيمة لها، لكنهم وبالمقابل يدركون أن عليهم القيام بهذه الحملات، فهى تشغل عناصرهم وتشعرهم بأن الجماعة موجودة قيادةً وصفًا، وأنها قادرة على تحريك الشارع وأن صوتهم عالٍ ومتماسكون ليغطوا فشلهم فى حماية رموزهم إذا تخطوا الخطوط الحمراء ولو بشيء يسير، ومن جانب آخر هم فى حاجة إليها من أجل إعادة تدوير الجماعة وتسويقها، والبحث عن ممول جديد من الدول الإقليمية التى يهمها زعزعة الأمن الداخلي المصري، للضغط على الحكومة لتنفيذ سياسات بعينها، كما قلت لكم القصة ليست ترحيل فرد إخوانى إرهابى مدان أمام القضاء، القصة أننا نتعامل مع جماعة تعادى الدولة والشعب.

 

جماعة البوست واللايك والشير

 

ولأن الله لا يصلح عمل المفسدين، ولأن الإخوان عاثوا فى مصر فسادًا، فكريًا وتنظيميًا، بحكم المحكمة وبكلمة القضاء؛ فقد نجح الشعب المصرى ومؤسسات الدولة الوطنية فى رسم خطة استراتيجية لحصار الجماعة الإرهابية فى الداخل والخارج، ففى الداخل وبعد تلقيهم الضربات الأمنية المفصلية فى تنظيماتهم الإرهابية والمسلحة، حتى ضمرت قدراتهم، ليس فقط عدم القدرة على تنفيذ أى عمل إرهابي، بل فقدوا القدرة على التعبئة والحشد الجماهيرى؛ والقدرة على ضم عناصر جديدة لتقوية التنظيم بكوادر مختلفة ومتعددة، اليوم يمكننا القول إن التنظيم غير موجود، وإذا وُجد فهو مهشّم محطّم، وكوادره ما بين مسجون أو هارب أو مغادر للجماعة أو منشق عليها والباقى (فى حالة خمول)، اليوم يمكننا القول إن المجال الوحيد الذى تنشط فيه الجماعة هو الحشد الإلكترونى على مواقع التواصل الاجتماعي فى العالم الافتراضي، حتى صارت -كما قال العنصر الإخوانى- جماعة «البوست واللايك والشير».

 

أما فى الخارج، فقد نجحت الدولة المصرية فى تفكيك كل الادعاءات الباطلة والحملات المسعورة لتشويه الدولة والشعب، وتمكنت الخارجية المصرية برسوخها المعهود من تفويت الفرص على كل عناصر الشر والداعمين للجماعة وعرضت وجهات نظر مصر، وانحسر مد الإخوان سواء فى الدول العربية أو فى الدول الأوروبية، ونجحت فى تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية فى العديد من الدول ما قلص قدراتها المالية، لا ننكر أننا ما زلنا فى بداية الطريق للقضاء على الجماعة وإزالة آثار عدوانها على الشعب المصري، فأمامنا المعركة الفكرية التى لم تبدأ بعد، وأمامنا تحدٍّ أخطر وأهم، هو رعاية بعض الدول العالمية للجماعة والتى لن تسمح لها بالسقوط النهائى ولا الفناء الدائم، ما يعنى أننا أمام احتمال عودتها وضياع كل تلك الجهود، إذا لم نبدأ فى تجفيف منابع الشر التى خلفتها الجماعة.

 

نعم، نجت الدولة فى تقليص قدرات الجماعة لكن ما زالت الجماعة تعمل بباقى قدراتها لتنفيذ مخططهم الشيطانى «مشروع نشر الفوضى العبثية» الذى يتم تمريره حالياً بين فلول الإخوان، ويستهدف الشق الأول منه تفتيت الهوية المصرية وتجفيف منابع الوطنية والانتماء، والشق الثانى نشر الأفكار المتطرفة لدى للأجيال الشبابية، من خلال الأكاديميات والمنصات المؤدلجة، مستخدمين مؤسساتهم الفكرية الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعى وغيرها، بل أهم خسائر الجماعة الإرهابية أنهم وبسبب تطاولهم على المصريين البسطاء الذين هم عماد الشعب وجوهر الأمة، خسروا الشرعية الشعبية والحاضنة الشعبية التى كانت تمنع يد الأمن والقضاء من الحكم عليهم.

 

نعم، انصرف الشارع عن خطاب الجماعة التهيجى والداعى للعنف، بعد أن أدرك المصريون أن الإخوان قوم مفسدون، وأن تجاربهم كلها تؤدى إلى ضياع الدولة، وأن هجومهم على أنظمة الحكم المتتالية مستغلين الحالة الاقتصادية مجرد وسيلة لإشعال الحرائق فى الوطن، نعم استفاق المصريون على خداع الإخوان لهم، فبعد أن صدقوا أنهم وطنيون إسلاميون، لكنهم بالتجربة اكتشفوا أنهم لا يؤمنون بالقيم التى كانوا يتغنون بها، وأنهم يحملون كراهية مقيتة ضد الشعب المصري، وأنهم ضد الدولة المصرية على طول الخط، لكن الأجيال التالية التى لم تشهد جرائم الجماعة الإرهابية رأى العين، هل هى فى مأمن من أن تنخدع فى الإخوان وفى شائعاتهم، هل وضعنا مشروعا فكريا ثقافيا يملأ وجدان الشباب ويشعرهم بالانتماء لوطنهم وقيمتهم وخطورة أى جماعة أو أى أحد يحاول أن يشكك فى الثوابت الوطنية، هل شرحنا لهم أن ما يلقونه فى مواقع التواصل ومقاطع الريلز التى يسيطر عليها الإخوان هى كالسم فى العسل، وأنهم يتخفون وراء «الكيبورد» ليحققوا أهدافهم التى لم يتمكنوا منها فى 2013، هل شرحنا لهم أن معارضتهم لا يهدفون منها تعديل القرارات للأصوب بقدر ما المقصود منها التشكيك والبلبلة ونشر روح السخط وعدم الرضا؟، مثال: فلو شيّدت الحكومة طرقا وكبارى سيقولون لماذا شيّدوا الطرق والكباري، نحن نريد توفير الطعام، وإذا اهتمت الحكومة بالصحة سيقولون لماذا أهملت التربية والتعليم، وإذا اهتمت بالتربية سيقولون وأين التوسع فى الزراعة واستصلاح الأراضي، ولو اتجهت الحكومات للإنتاج والتصنيع سيقولون وأين السياحة، وهكذا لن يكفوا عن تأليب المواطنين ضد الدولة وأجهزتها ومؤسساتها وأركانها وضد المجتمع بقيمه ونسقه الفكرى والثقافى والاجتماعي.

 

القصة بكل بساطة أننا نتعرض لحرب ضارية من أخس أنواع الحروب، تُستخدم فيها الجماعة الإرهابية، من قِبل قوى مناهضة للدولة المصرية، كما استخدموا قبل عقود، أخذوا ينخرون فى قيم المجتمع وفى عوامل أمنه وسلامته يستهدفون سقوطه وانهيار مؤسساته، تماما كفيروس «الإيدز» الذى يهاجم جهاز المناعة الداخلى من داخل الجسم فيسقطه مريضًا ضعيفًا، وفى لحظة ما يموت الجسد أو الوطن.