جاء إعلان وزارة التربية والتعليم، عن نظام الثانوية العامة الجديد «البكالوريا»، ليخلق حالة من التفاعل الواسع، سواء على مستوى الشارع أو مواقع التواصل الاجتماعى، وذلك رغم إعلان «التعليم» أن النظام المستحدث يهدف إلى تغيير هذا الوضع المصيرى لتلاميذ الثانوية العامة، وذلك عبر تقليل عدد المواد الدراسية، وتوفير فرص متعددة للطلاب من أجل دخول الامتحان أكثر من مرة، هذا إلى جانب أن شهادة «البكالوريا المصرية» التى سيحصل عليها الطالب، ستكون معترفًا بها دوليًا، ما سيمكّن الطلاب من التقديم للجامعات فى الخارج.
وما بين تأييد ورفض لهذا النظام التعليمى الجديد، اختلفت آراء الخبراء والمختصين، ما بين قبول ومعارضة للفكرة المقترحة، ولكل منهم مخاوفه لآليات تطبيقه على أرض الواقع، وما يواجهه من تحديات، مع التأكيد بالإجماع على ضرورة وجود حوار مجتمعى مفتوح لكل الأطياف، بشأن هذا الملف الجدلى.
فى البداية، استعرض الدكتور أحمد حسنى الحيوى، الاستشارى والأمين العام السابق لصندوق تطوير التعليم، نظام الثانوية الجديدة، الذى تم الإعلان عنه خلال عام 2024، مضيفًا أنه لن يكون بها تشعيب، ولا علمى وأدبي، بل عبارة عن مسارات، وكل مسار يؤهل لقطاع معين من الكليات، وسيكون هناك أربعة مسارات، وهى القطاع الطبى والهندسى والعلوم الإنسانية والذكاء الاصطناعي، ولن تكون بنظام الثانوية التراكمية.
وتابع حديثه قائلًا: «ثم تم الإعلان فى عام 2025 عن مشروع جديد، وهو شهادة البكالوريا المصرية، التى تعتمد على تدريس 14 مادة بشكل إجمالي، منها 7 مواد بالصف الأول الثانوى العام، ومثلها بالصفين الثانى والثالث الثانوي، مع عقد الامتحان لأكثر من مرة، وإتاحة دخول الامتحان للتحسين.
وواصل، أنه «يُلاحظ مما سبق أن السياسات التعليمية متغيرة بشكل مستمر وسريعة، وكلها مرتبط بتغيير نظام الشهادة الثانوية»، مشيرًا إلى وجود حالة من عدم الاستقرار وعدم الثقة لدى المواطن لشهادة، تمثل مفتاحًا لمستقبل الطلاب فى اختياراتهم المختلفة وفقا لميولهم وقدراتهم، مضيفًا أن الاقتراح الجديد قائم على تنمية المهارات الفكرية والنقدية، بدلًا من الحفظ والتلقين وتعدد التخصصات والتقييم المستمر والاعتراف الدولى والفرص المتعددة.
وأشار إلى أن الثانوية العامة شهدت سابقًا، منذ الثمانينيات والتسعينيات، تطبيق نظامين أساسيين على مدار أكثر من ثلاثين عامًا، هما بشكل عام: الأول «توحيد مناهج الصف الأول الثانوى ثم التشعيب من الصف الثانى إلى علمى وأدبي، ثم التشعيب فى الصف الثالث العلمى إلى علمى علوم وعلمى رياضة مع استمرار الأدبي، والمجموع يتم احتسابه على السنة الثالثة فقط، مع إمكانية دخول الامتحان أكثر من مرة، والمعروف سابقًا باسم «تحسين المجموع»، مضيفًا أنه تم تطبيق نظام ثانٍ، يتمثل فى توحيد مناهج الصف الأول الثانوى، ثم التشعيب من الصف الثانى إلى علمى وأدبى واستمراره بالصف الثالث، على أن يحتسب المجموع على نتيجة الصفين الثانى والثالث معًا، ولا توجد فرص للإعادة وتحسين المجموع.
ويُلاحظ مما سبق كما أشار «الحيوى»، أن عدد المواد لكل عام دراسى سيكون للصف الأول 7 مواد، والثانى 4 مواد، وللثالث 3 مواد، بإجمالى 14 مادة، موضحًا أن المقترح الجديد، يمنح الطالب عدة محاولات لدخول الامتحان، وبعد رصد درجات الطالب، سترسل كافة بياناته لمكتب التنسيق لأعمال التقييم، متسائلًا: «النظام المقترح لم يحدد هوية المسئول عن حساب مجموع الطالب النهائي، هل وزارة التربية والتعليم أم التعليم العالى.
ويتبقى دائما السؤال الأهم، كما يوضح الدكتور حسنى الحيوى: هل النظام المقترح سيحدّ من الدروس الخصوصية التى تقع على عاتق الأسرة المصرية؟ هل تتواءم مخرجات النظام مع مدخلات التعليم العالى وتتكامل، بحيث لا يحتاج الطالب إلى أن يدرس أى مواد تكميلية أخرى؟ هل ستتغير منظومة الامتحانات لقياس القدرات الفكرية والنقدية؟
هنا جاء رأى آخر معارضًا لبعض النقاط فى نظام البكالوريا الجديد، حيث قال الدكتور عاصم حجازى، أستاذ علم النفس التربوى المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة: إن النظام الجديد للثانوية العامة يمكن اعتباره بمثابة إعادة صياغة لمقترحات تم طرحها مسبقًا، وبعض الأنظمة التى كانت مطبقة فى فترة من الأعوام السابقة، وبالتالى فإن بعض بنود النظام الجديد حظى بتأييد الخبراء, خاصة «نظام المسارات»، كونه يتفق مع متطلبات سوق العمل، ومع التخصصات البينية والجامعية التى تم استحداثها، منوهًا بأن فكرة المقترح ممتازة، مؤيدًا عدة أفكار فى المقترح، مثل (فكرة المسارات، والتحسين، وتوزيع المجموع على عامين وليس عاما واحدا فقط)، مؤكدًا أن هناك تفاصيل تحتاج إلى ضبط ومراجعة.
وأضاف أن نظام التحسين تمت إعادة صياغته، لأنه مقترح سبق طرحه وحظى بتأييد مشروط، لأنه قد يكون ضرورة فى بعض الحالات، لذا يجب أولًا وضع الشروط والضوابط اللازمة، حتى يصبح أمرا جيدا وإيجابيا»، موضحًا أن المقترح يمثل رؤية طموحة ورغبة فى تطوير الثانوية العامة، والخروج بها من المحلية إلى العالمية, ولكن توجد بعض الإشكاليات التى تجب مناقشتها، ووضع خطة لحلها قبل التطبيق.
وانتقد «حجازى»، عدة بنود فى النظام المقترح، لعل أبرزها: إشكالية تدريس مواد اللغات فى بعض السنوات دون غيرها وهذا لا يتسق مع طبيعة اللغة التى تحتاج إلى التراكمية والممارسة المستمرة، بالإضافة إلى مشكلة تهميش بعض المواد المهمة مثل علم النفس، ومشكلة تحيز المناهج لبعض القدرات على حساب البعض الآخر، منوهًا بأن المقترح لم يقدم حلولًا لمشكلات الكثافة والعجز فى أعداد المعلمين.
وعلق د. عاصم حجازى فى هذا الإطار، قائلًا: «إنه لا ينبغى أن تتم صياغة أى مقترح للتطوير، دون أن يضع فى الحسبان حلولًا جذرية لهذه المشكلات الأساسية، ويجب أن تُصاغ الرؤية والمقترح فى ضوء الفرص والتحديات لتكون بذلك أكثر ارتباطًا بالواقع، مشيرًا إلى أن توقيت الإعلان عن المقترح غير مناسب، ولم يخضع لدراسة كافية تغطى كافة جوانبه، مؤكدًا فى هذا الشأن، أن الوزارة قد أجرت مؤخرًا تعديلات كبيرة على نظام الثانوية العامة، وأن هذه التغييرات الفجائية والمتكررة، ستربك الطلاب، وتؤدى إلى عدم استقرار العملية التعليمية.
وأوضح أن هناك بعض الإجراءات فى المقترح شديدة العمومية، كالقول إن هذا المقترح يهدف إلى تنمية مهارات التفكير وعدم الاعتماد على الحفظ والتلقين، ولكن لم يوضح المقترح كيف سيتم تنفيذ ذلك!!.. متابعًا فى تعليقه: أنه إذا تمت مناقشة هذه الإشكاليات بطريقة مستفيضة وموسعة، ستستطيع الوزارة أن تصل إلى أفضل صيغة ممكنة لتطبيق هذا المقترح، وحينها يمكن القول إن الثانوية العامة المصرية قد تغيرت بشكل أساسى وتطورت، بل وأصبحت قادرة على المنافسة عالميًا.
وفى هذا الشأن، أيّد الخبير التربوي، الدكتور تامر شوقى، مقترح البكالوريا الجديد، مؤكدا أن ما تم خلال شهر أغسطس الماضى لم يكن تغييرًا أو تطويرًا فى منظومة التعليم، لكن كان مجرد إعادة هيكلة المقررات الدراسية، بما يخفف العبء عن الطلاب وأولياء الأمور، وتضمنت إعادة الهيكلة دمج بعض المقررات الدراسية، مثل العلوم المتكاملة والرياضيات، مشيرًا إلى أن وزارة التربية والتعليم رأت فيما قامت به من إعادة هيكلة أنه ليس كافيًا؛ لذا جاء مقترح البكالوريا.
وأكد أن نظام البكالوريا المقترح، هو تطوير شامل للمرحلة الثانوية، يتضمن استحداث مقررات جديدة، ووضع مسارات مستحدثة للتعليم، وغير ذلك، من أجل ترسيخ وتوطين نظام تعليمى جديد، على نفس فكر ونهج نظم التعليم العالمية، مطالبًا بمزيد من الدراسة المتأنية للمنظومة المستقبلية، حتى لا يحدث أى مشكلات أثناء التطبيق، وهو ما قام به مجلس الوزراء، عندما دعا إلى حوار مجتمعى بشأن النظام التعليمى المقرر.
ورصد د. تامر شوقى مميزات هذا المقترح، أبرزها تقسيم مواد الثانوية العامة إلى عامين، الأمر الذى يخفف العبء عن الطلاب وأولياء الأمور، من ناحية الدروس الخصوصية والكتب الخارجية، نظرًا لقلة عدد المواد الدراسية، مؤيدًا لدراسة مناهج المستقبل مثل البرمجة وعلوم الحاسب، والدمج بين مواد الشعب العلمية والأدبية، وتعدد المسارات لتشمل 4 طرق تمنح الطالب الاختيار من بينها، بما يتوافق مع ميوله وقدراته، كذلك إتاحة الفرصة للطالب للتحسين من خلال دخول الامتحان عدة مرات، وإمكانية جمع الطالب بين أكثر من مسار، ومن ثم إمكانية دخوله أكثر من كلية.
ولفت إلى مزايا أخرى، تتمثل فى إعداد أجيال من الخريجين لديهم قدرة أكبر على التعامل مع متطلبات سوق العمل، وتخريج طلاب يمتلكون مهارات تفكير ونقد مرتفعة، مضيفًا أن النظام التعليمى المقبل سيسهم فى توجيه الطلاب إلى أنماط الكليات التى تتوافق مع قدراتهم، الأمر الذى سيُحدث توازنا نوعيا فى توزيع الطلبة على الكليات المختلفة.
أما أبرز العيوب، فأشار «شوقى»، إلى الاستعجال فى التطبيق، وفرض رسوم 500 جنيه مقابل إعادة امتحان أى مادة، وطول فترة الامتحانات لتمتد إلى 4 أشهر فى السنة الدراسية، وهناك تحديات أخرى، مثل توفير معلمين للمقررات المستحدثة، فضلًا عن إعداد كتب جديدة للمقررات المستحدثة.
ووصف الخبير التربوى، الدكتور حسن شحاتة، بأن البكالوريا المصرية، هى بديل عصرى للثانوية العامة، وسيضع التعليم المصرى فى إطار المنافسة العالمية، وسيساعد فى التخلص من ثقافة الحفظ والاسترجاع والتخزين والحفظ والتلقين، لأن فلسفة التعليم الجديدة تقوم على تنمية مهارات التفكير والنقد، وربط التعليم بسوق العمل، والقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية.
وأشاد بنظام البكالوريا الجديد، الذى سيقوم على التعليم متعدد التخصصات، المرتبط بسوق العمل المستقبلية، كونه سيساعد الطلاب فى التقييم المستمر، بتقسيم المواد الدراسية إلى مرحلتين، مرحلة المواد التمهيدية بداية من الصف الأول الثانوى، ثم المرحلة الرئيسية فى الصفين الثانى والثالث الثانوى.
كما أثنى على البكالوريا الجديدة، كونها نظاما يوظّف المتعلم المصرى حسب ميوله، واختياره لنوعية البرامج التعليمية والكليات الجامعية التى تناسب إمكاناته وقدراته، مؤكدًا أنها نقلة نوعية فى بناء إنسان مصرى جديد للجمهورية الجديدة.
رغم ذلك، أوصى «شحاتة» بضرورة تدشين حوار مجتمعى، يحضره أولياء الأمور والطلاب والمعلمون، منتقدًا فكرة دفع «رسوم» لدخول امتحان تحسين المجموع، مطالبًا بتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص للطلاب، وأن يكون المعيار الوحيد هو القدرة العقلية وليست المادية.
وتساءلت منى أبوغالى، مؤسس حوار مجتمعى تربوى، حول الشكل العام للبكالوريا الجديدة، مضيفة أن مجرد سماع هذا المصطلح أعادنا عقودًا للوراء، حيث كانت البكالوريا شهادة إتمام مرحلة مهمة، يستطيع المتخرج منها العمل فى أى مصلحة حكومية.. والسؤال هنا: «هل ستكون البكالوريا الجديدة نهاية مرحلة مثلها مثل شهادات الدبلومات الفنية؟!
وقالت إن التصريحات الأخيرة التى تخص نظام الثانوية العامة، الهدف الأكيد منها هو تقليل عدد المتقدمين للجامعات الحكومية، لأن بعد تطبيق البكالوريا سيتغير بالتأكيد نظام القبول بالجامعات، ويبدو أن هناك كليات عدة لن تكون موجودة، وبالتالى فى هذه الحالة، سيكثر الإقبال على الجامعات الخاصة.
وتتساءل منى أبوغالى: هل سيكون البكالوريا نظام «تابلت» أم «بابل شيت»، وكلاهما به مشكلات مع الطلاب، مؤكدة أن التوقيت غير مناسب، وتسبب فى جدل وقلق وتوتر للأهالى الذى يعانون بالفعل مع أولادهم، خاصة فى ظل عجز أعداد معلمى المدارس، والاعتماد على الدروس الخصوصية.
وفيما يخص إيجابيات المقترح، أشادت «أبوغالى»، بفكرة التخصصات للمواد، كون الطالب سيكون قادرًا أن يختار ما يدرس بما يتناسب مع ميوله التعليمية، ولكن ما أخشاه أن يكون النظام مثل السم فى العسل، ظاهره حلو وباطنه مر، مطالبة وزارة التعليم بعقد حوار مجتمعي، ومناقشة كثير من الأمور التى تحتاج إلى توضيح، ليس فقط للمرحلة الثانوية، ولكن ما بعدها، والمتعلقة بالتعليم الجامعي.. كيف سيكون وهذا هو المهم؟
واتفق معها الدكتور عبدالوهاب الغندور، الخبير والاستشارى والأمين العام الأسبق لصندوق تطوير التعليم، معربًا عن تخوفه بشأن آليات هذا المقترح الجديد، ومدى نجاحه وصموده فى هذا التوقيت الصعب.
وأضاف أنه يخشى أن يكون مستوى المعلم الحالى ومؤهلاته لا يتماشى مع هذا المقترح، لأن الأمر يتطلب تدريبا وتأهيلا، ما يتطلب وقتا كافيا وإعدادا متقنا، وهذا بدوره سيزيد من أزمة الدروس الخصوصية، بالإضافة إلى أزمة العجز فى المعلمين وكثافة الفصول.
ونادى د. عبدالوهاب، بضرورة وجود حوار مجتمعى لمناقشة كافة تفاصيل المقترح، والوقوف على كل جوانبه من عيوب ومميزات، مشيرًا إلى أن أهم ميزة هى عودة نظام التحسين وإعطاء الفرصة للطالب مرة ثانية، الأمر الذى سيقلل العبء عن الطالب ويزيل إحساسه بالضغط المستمر.