رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

السلفية التعليمية


21-1-2025 | 20:11

صورة أرشيفية

طباعة
بقلم: إيمان رسلان

 

إنه فى يوم الأربعاء الموافق الأول من يناير من العام 2025 بمصر المحروسة (القاهرة ) فقد ظللت أبحث عن مكان للأتوموبيل وعندما وجدت مكانا، كان بشارع تظلله الأشجار الكثيفة، وأمام مدرسة أمين باشا سامى، وفى نفس الشارع الذى سمى باسمه وفى المنطقة التى تحوى أغلب مكاتب المبتديان (المدرسة) والعمران منذ عهد أفندينا محمد على، مرورا بعصر الاحتلال، فالجميع يتجاور فى مصر، فمن المهندسخانة بالقلعة إلى ديوان المدارس بنظارة الجهادية إلى ديوان ووزارة المعارف العمومية، ودار العلوم ومدرسة المعلمين، ولا تبعد كثيرا عن استبتاليا قصر العينى ومدرسة الطب وبالقرب من مقر دار الوقائع المصرية أول صحف الزمان بعهد أفندينا.

أخذتنى ذكريات إلى الماضى عندما التحقت بمدرسة أمين سامى (باشا) ثم التحقت بصحافتها فى منتصف العام من العشرية قبل الأخيرة بالقرن 21 بعّد قرنين من البدايات التعليمية.

 

فالحنين تملكنى تماما إلى المكان الحبيب إلى قلبى فقد عشت عمرى كله به طفلة وتلميذة وطالبة وصحفية، كان وجود اللافتة مدرسة أمين سامى (من غير باشا) الإعدادية للبنات إيذانًا بانطلاق لمدفع الذكريات والحنين إلى ماضى الباشا تحديدا.

 

عندما عدت للمنزل كان الحنين قد استبدّ بى للماضى ولمدرسة أمين سامى، فلجأت إلى اللوح التكنولوجى المتطور لأبحث عن وقائع التعليم، حتى وإن تشابه اللوح المستحدث مع اللوح القديم الذى كان يصرف لمن يلتحق من التلاميذ بكتاتيب ذلك الزمان.

 

أخبرنى اللوح التكنولوجى، بقراءة كتاب أمين باشا سامى ومعجمه الفذ عن النيل بأجزائه الستة أنا استطعت لها سبيلا! ولكن هيهات أن أقرأ ستة مجلدات فى ظل حصار أسعار الإنترنت جريمة العصر كما تراها الحكومة والضرائب.

 

واستعضت عنه بكتابه (450 صفحة) عن تاريخ التعليم الحديث فى مصر بمناسبة مرور قرن كامل أى من 1816 إلى 1915 تاريخ الكتاب.

 

إنها رسالة القدر دائما حول التعليم وسنينه.

 

فأمين باشا سامى الذى التحقت بمدرسته، وربما ذكر اسمه بالمناهج هو من رعيل مدرسة المهندسخانة ولد فى عام 1858، ومات عن عمر 85 سنة، ولكنه بعد تخرجه فضل ترك العمل بالهندسة (رغم حاجة سوق العمل) وقرر التفرغ للتعليم ليعمل معلما فناظرا ومديرا.

 

يسرد لنا أمين سامى فى كتابه تاريخ التعليم الحديث بعد قرن من استحداثه، الكثير والكثير ولكنى سأتوقف بما يذكرنا بالحاضر الآن ويربط الماضى بالحاضر؟! عند بعض المحطات والتقارير والوثائق الحكومية التى أشار لها سأتوقف بكتابه، ومنها الإحصاء المصرى الكامل الذى تم عام 1875، يوضح الإحصاء والأرقام أن تعداد المصريين وقتها كان مايقرب من 5،5 مليون نفس (أى مواطن ومواطنة)، ولكن ما أدهشنى هو أرقام ونسبة وعدد التلاميذ والمدارس والأهم الكتاتيب، نعم الكتاتيب والكتاب بضم الميم ياسادة يا كرام كان عملا أهليا تماما أى من المواطنين وليس من أعمال الحكومة، والمقصود به مكان أى مكان يجتمع به عدد من الأطفال لحفظ القرآن الكريم، وهذا هو الهدف الأول وربما الأخير أيضا له، وربما أضاف إليه البعض لاحقا، ونادرا وبمجهود شخصى مبادئ الكتابة البسيطة والحساب؟ فبلغ عدد الكتاتيب 4،682 وتضم 111،834 ألف تلميذ، بينما لا يوجد حصر لعدد كتاتيب المسيحيين، بينما بلغ عدد كتاب البنات 14 وبه 213 طالبة، وإذا جمعنا وطرحنا العدد لتلاميذ الكتاتيب ومدارس الدرجة الأولى والابتدائي والخصوصي والعالى وربما التعليم كله سنجد أن إجمالى التلاميذ أكثر قليلا من 140 ألف نفس أى نسبة لا تذكر من السكان وهى فى حدود 3 فى المائة فقط من تعداد الشعب أو من عدد نفوس المصريين؟، كذلك يستفيض الكتاب فى ذكر الجهود لأسماء والشخصيات والحكام وصورة الإحصاء بالمقال؟

 

تجربة الكتاتيب فى مصر، والتى استمرت قرونًا حتى بعدما انتهت العصور الوسطى ودخول التعليم العالى وحتى منتصف القرن العشرين فقد صدر قرار (قبل ثورة يوليو) بضم الكتاتيب إلى مرحلة التعليم الأولى ثم إلى المدارس الابتدائية تحديدا، وكانت هذه مهمة كل الحكومات وربما حتى الآن، وهى نشر التعليم الأساسى.

 

بل إن الأزهر ألغى مسمى الكتاتيب وفى أوائل الألفية الحالية، ونظم عملا بديلا لقراءة القرآن ويطلق عليها اسم «المقرأة»، وكانت تصرف إعانات شهرية للمحفظين وللطلاب أيضا، وحتى الآن مناهج وامتحانات المعاهد الأزهرية فى جميع المراحل الدراسية بها دراسة وحفظ القرآن.

 

فما الجديد إذن لكى تعيد وزارة الأوقاف اقتراحا وبنفس المسمى القديم للكتاتيب ذات الذكرى المخيفة فى العقل الجمعى المصرى ومنها (الفلكة)؟، خاصة أن ظاهرة تحفيظ القرآن لم تختف حتى الآن، بل مستمرة وربما بقوة بين الأسر المصرية فى المدن وأكثر انتشارا بالريف الآن، فتحفيظ القرآن هو عمل شخصى ومجتمعى أى عمل أهلى منذ بدايته وحتى الآن، وليست عملا يتطلب تدخلا وخططا، وموازنات وزارية، لذلك كان مستغربا طرح مبادرة من وزارة الأوقاف بعودة المسمى الكتاتيب وليست المقرأة مثلا، وطبقا للأخبار الرسمية التى نقلت عن وزارة الأوقاف ونشرتها اليوم السابع فى أول يوم بالسنة الحالية أن المبادرة من أجل عودة تحفيظ القرآن، ولكن بالطريقة الحديثة؟؟!! وأن الكتاب بضم الكاف يستهدف معرفة الأطفال لمعانى القرآن من خلال المنهج الوسطى وإحياء روح أصيلة للشعب المصرى وبناء الشخصية المصرية، وهذا ما صرح به وزير الأوقاف، نقلا عن الهيئة العامة للاستعلامات وأضاف خبر الهيئة أن باب حفظ القرآن هو باب الخير للوطن وموصيا المحفظين بإضافة تعليمهم المبادئ الأولية للقراءة والكتابة والحساب حتى يكون الكتاب منارة للعلم ومساعدا لدور وزارة التربية والتعليم، ودعا الوزير جميع القرى والمدن فى مصر لتبنى مبادرة الكتاتيب والانخراط بها وألا تكون الكتاتيب مجرد أماكن للتحفيظ القرآن الكريم بل صروح تعليمية وتربوية.

 

للحقيقة لم أفهم كلمة صروح تعليمية وتربوية، لأن بها ازدواجية فى لعب الأدوار البديلة التى تقوم بها المدارس، سواء العام أو الخاص أو الأزهرى، وتحول الكتاب إلى مؤسسة تعليمية موازية، مما يستلزم إعدادا بشكل مختلف لمن يتعامل مع التلاميذ والأطفال، فهل بهذا ستدخل وزارة الأوقاف كبديل أم شريك للمؤسسات التربوية، ومن الذى سيشرف على الإعداد التربوى لهم؟! فهل ستقرر وزارة الأوقاف على المحفظين والأئمة ضرورة الحصول على دراسات تربوية معتمدة مثلا للتعامل مع الأطفال والنشء؟ ولماذا كل ذلك والموضوع كله للتحفيظ، وهو ما يمارسه العديد من أفراد المجتمع الآن: فى عمل أهلى ومجتمعي، ولكن ما لفت انتباهى أيضا فى تصريحات مسؤولى الوزارة، كما جاءت بالصحف، أنهم سيصرفون وجبة للأطفال وتشجيعهم للحضور بعد انتهاء اليوم المدرسى، وربما يستقبلون أطفالا ما دون الابتدائي الموضوع يحتاج بالفعل، وكما قال الرئيس السيسى، الحوار والدراسة وهو ما نحاول فعله الآن.

 

فى نفس التوقيت تقريبا كنت أقرأ أخبار وتعليمات وزارة التعليم المفاجئة بعقد تقييمات نصف العام الدراسى لطلاب الصف الأول والثانى الابتدائي، وهو الإجراء الذى ترفضه أغلب، إن لم تكن كل النظم التعليمية فى العالم الحديث المعاصر، بل إن وزارة التعليم نفسها حتى العام الماضى كانت لا تجرى امتحانات للأطفال فى السنوات الأولى من أجل إزالة رهبة كلمة الامتحان والمدرسة من حياة الطفل وترغيبهم فى التعلم والحضور بل هناك تعبير شهير لوزير التعليم الأسبق د طارق شوقى، نريد التعليم اللذيذ الذى يرغب الطفل به، لكن عجائب تعليمنا الحالى هو عودة الامتحان والتقييم حتى لطفل 6سنوات وأول مرة يلتحق بالمدرسة؟! فهل فى هذا القرار علاقة بينه وبين مبادرة وزارة الأوقاف بعودة الكتاتيب لأطفال الابتدائي ربما؟!

 

لم تمهلنى غرائب المسميات إلا وطالعت لخبر حريق مفاجئ فى الفضاء التعليمى اسمه نظام جديد للثانوية العامة (هواية كل وزير. ولكن هذه المرة مرتين من وزير واحد؟!) بتغيير اسم الثانوية العامة بمسمى البكالوريا المصرية.

 

فعدت إلى كتاب أمين سامى عن القرن الأول التعليمى، ولم أجد فى كتابه مسمى البكالوريا للمدارس الحكومية، ولكننى وجدت المسمى للشهادات المدارس الأجنبية، ولأن لى كتاب عن تاريخ الثانوية العامة فأكمل أنه فى القرن الثانى التعليمى فاللقب أطلق لفترة زمنية قصيرة على الثانوية ثم تغير إلى مسمى التوجيهية والتى استمرت عقودا حتى ألغتها ثورة يوليو لتصبح الثانوية العامة أو شهادة إتمام المرحلة الثانوية.

 

أما مسمى البكالوريا أو اختصارًا (البك) فهو مسمى الشهادة الفرنسية منذ أكثر من 200 سنة، وكذلك اسم شهادة البك السويسرية ولم يتغير أسهما وكلاهما موجود بكثرة فى السوق التعليمى المصرى.

 

إذن نحن نستورد الاسم، ولا يهم وربما يعدله مجمع اللغة العربية أيضًا، ولكن ما يهمنى ليس الاسم والشكل وإنما فماذا عن مضمون الاسم أو الشهادة؟!

 

الحقيقة لا أخفيكم أننى من أشد المعجبين بنظم الامتحانات العامة لشهادة الثانوية على عامين وكتبت ذلك كثيرا، بل وتقدمت به رسميا اقتراحا وكمشروع فى لجنة التعليم بالحوار القومى، وموجود بالمضابط الرسمية. أى أننى صاحبة أو مساهمة فى الترويج له وبقوة فكيف أتحفظ عليه الآن؟! المسألة ببساطة لم تكن فى مشروع اسم لشهادة، وإنما استنساخ كامل لمضمون نظام تعليمى موجود للأغنياء وأولادهم فى مصر، والمدرسون مصريون أيضا باسم مدارس النيل والثانوية الإنجليزية، فقلت نعمم ونوحد التجربة والمناهج العلمية والتكنولوجية تحديدا، لأبناء الأغلبية من الشعب لاسيما أنها مناهج كمبردج الإنجليزية وباتفاقية رسمية مع مصر لنخفف من تعديدية الفسيفساء التعليمية؟! ولكن المشروع الجديد المطروح أضاف التتش المصرى باقتباس الاسم وتعدد مرات دخول الامتحان فقط، وبدون المناهج العلمية الحديثة بالمدارس الخاصة؟! بل أنقص المشروع عدد مواد الشهادة المصرية إلى 7 مواد دراسية فى عامين بها مادة الدين أى المحصلة 6 مواد فقط مع أن الشهادة البريطانية والبك أكثر من ذلك فى عدد المواد وليس بهم مادة الدين فى مواد المجموع، لأن التعليم عالميا واحتساب درجاته فلابد له من توحيد المناهج الدراسية للامتحان والمواد الدراسية لكل الطلاب لها، بما فيها الثانوية الأزهريّة، فهى موحدة للمسلمين فقط، فهل نحن فى الشهادة الجديدة سنوحد دين المصريين جميعًا أم سنخلق بوادر فتنة وانقساما وانحيازا عقائديا، تعم به منطقتنا الآن بصراعات طوائف حتى بين أبناء الدين الواحد؟!، وهل كان وجود الدين خارج المجموع طوال تاريخ التعليم المصرى الحديث حتى الإخوان لم يعدلوا ذلك القرار؟ هو المسئول عن انتشار التطرف والتدين الظاهري؟ أم قرارات سياسية تعليمية بدءا من تأسيس تنظيمهم أيام الاحتلال وسعهيم إلى التعليم تحديداً أو بعودة الإخوان للتسلل مؤسسات التعليم فى السبعينيات وما نتج عن ذلك وحتى الان؟!لذلك أتحفظ على مضمون الشهادة المستحدثة وليس اسمها فقط، لأنها تعنى مزيدا من الارتباك وتغييرا فى الشكل دون المضمون رغم بعض المزايا ولكنها مزايا السم فى العسل وأدعو لحوار مجتمعي حقيقي، وجاء دليس مختاراً للتعفى فى أفخم العتادق جاد حولها ومن مجلس النواب الذى سيذهب له القانون لتعديله وليس تطبيقها مباشرا العام القادم.

 

هذا المقال كتب للعدد الماضى ولظروف التكنولوجية لم يصل فكل تأخيره وبها خيرة وإضافات من ثانويتنا أو بكالوريتنا حماها الله؟ واجعل كلامنا خفيفا على السلفية التعليمية، ورحم الله أمين باشا سامى وعصر الباشاوية والاحتلال سبب هذا المقال.