رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

أحمد النبوى يكتب: ما الهدف من التعليم فى مصر؟


22-1-2025 | 17:53

صورة أرشيفية

طباعة
بقلم: أحمد النبوى

ما الهدف من التعليم فى مصر وما هو التعليم؟

 

سؤال يبدو سهلاً وبسيطًا، وقد يراه البعض سؤالاً عميقًا، وأتفق معك عزيزى القارئ فى رد فعلك مهما كان ولكن هناك أكثر من إجابة عليه بتساؤلات أخرى.

 

هل بالنسبة للدولة الهدف من التعليم هو نهضة المجتمع ككل؟ هل هدف الدولة من التعليم القضاء على الأمية؟ هل الهدف من التعليم هو التثقيف؟ هل هو مواكبة مستوى التعليم فى العالم؟ هل التعليم مرتبط باحتياجات سوق العمل؟

هل بالنسبة للوزارة حضور وانصراف ونتائج وتنسيق لدخول الجامعات والوصول لمعدلات تُشير إلى نجاح الوزارة فى عملها؟

 

هل الهدف من التعليم لأولياء الأمور أن يحصل الأبناء على درجات تؤهلهم لدخول الجامعة؟ هل التعليم ينتهى بالحصول على الشهادة؟ هل التعليم بالنسبة لأولياء الأمور استثمار فى الأبناء؟ هل التعليم بالنسبة للطالب مجرد مناهج ثقيلة الدم وحفظ وتنتهى مع انتهاء وقت الامتحان لكل مادة؟ هل التعليم فى مصر أصبح استثمارًا وصناعة؟

 

أسئلة تحتاج إلى العديد من الإجابات

 

ولكن لو ركزت بتعمق ستجد أن إجابة السؤال الأول سوف تحدد إجابات بقية الأسئلة.

 

عندما تعلن الدولة عن استراتيجيتها تجاه التعليم بشكل واضح بعيدًا عن الشعارات البراقة التى نحفظها جميعًا، ولكنها لا تُنفذ على أرض الواقع، وهذا الكلام ليس جديدًا بمناسبة البكالوريا ولكنه حديث قديم جدًا فى مصر، ولنتفق جميعًا أن التعليم فى مصر لا يقتصر على الثانوية العامة فقط، بل نظام تعليم كامل يبدأ من الحضانة وينتهى عند البعض بالجامعة.

 

فمصر على مدار تاريخها الطويل مرت بمراحل كثيرة فى تغيير أنظمة التعليم منذ أيام ثورة يوليو ومجانية التعليم، وللحق يقال إن التعليم سواء قبل ثورة يوليو أو بعد الثورة لفترة من الزمن كان يخلق أجيالاً ليست فقط حاصلة على شهادة، بل أجيال مثقفة رغم انتشار الأمية فى ذلك الوقت، ومع سياسة الانفتاح تغير شكل المجتمع وتطور، وهو الأمر الذى أدى إلى تغيير فى أنظمة التعليم لمواكبة التطور فى العالم واهتم النظام السياسى بالكم على حساب الكيف وهى السياسة التى استمرت فى عهد مبارك بهدف محو صفة الأمية عن الشعب وزيادة أعداد المتعلمين، حتى على حساب جودة التعليم، المهم الحصول على شهادة والسلام (بلد شهادات على رأى الزعيم عادل إمام)، وتبعها تغيير شكل التعليم، ففى الماضى لم يكن هناك مرحلة إعدادية وبعد إضافتها بدأ التوسع فى المدارس الفنية وصحبها تعديل فى نظام الثانوية العامة فى التخصصات علمى وأدبى، وبعدها أصبح العلمى بشقين علوم ورياضة، واستمرت التجارب على المصريين بدمج الصف السادس بالخامس الابتدائى واعتبار الصف الثالث الابتدائى شهادة، وفشلت التجربة وإعادة الصف السادس كشهادة؛ وبعد ذلك أصبح الصف الرابع شهادة؛ لا لنجعل الثانوية العامة على سنتين؛ لا نطبق نظام التحسين فى الامتحانات؛ لا نطبق نظام البوكلت ونوزع على الطلاب iPad.

 

ونواكب التكنولوجيا ثم نكتشف أن هناك مشاكل فى النت؛ ومنذ أشهر ظهر علينا وزير التربية والتعليم الجديد ليعلن أنه سيطبق نظامًا شبيهًا بالدبلومة الأمريكية فى التعليم، خصوصًا مع التوسع فى إنشاء المدارس والجامعات الخاصة واتجاه المصريين لها.

 

وللعلم بداية التعليم فى مصر كانت بالكتاتيب والأزهر الشريف، وكذا المدارس الأهلية الخاصة بمصروفات كما شاهدنا فى مسرحية «السكرتير الفنى» للمبدع فؤاد المهندس بدور ياقوت عبدالمتجلى (الأرض تدور حول نفسها. فاكرين؟).

 

فالتعليم فى مصر نشأته خاص، وبعد ثورة يوليو أصبح تابعًا للدولة وبالمجان، وأصبح التعليم الخاص بعد ذلك لمن لا يستطيع أن يحصل على أرقام تنسيق المدارس الحكومية الثانوية أو الإعدادية بدلاً من الاتجاه للمدارس الفنية، والتى كانت تُعد سبة ودليلاً على الفشل.

 

على مدار عقود ظل التعليم فى مصر فريسة التجارب والانفتاح على أنظمة مختلفة، سواء أمريكية أو بريطانية بجانب المدارس الخاصة وتراجع مستوى المدارس الحكومية لأسباب عديدة منها كثافة الفصول ومرتبات المعلمين القليلة وغيرها من الأسباب وإن كان أهمها عدم رؤية واضحة من الهدف من التعليم تبعها عدم وجود إرادة حقيقية.

 

وهنا يجب أن نعود للإجابة عن السؤال الأول ما هدف التعليم فى مصر وما المقصود بتعريف التعليم عند الدولة؟

 

الثانوية العامة ليست المشكلة الحقيقية، مصر تملك العديد من الخبراء وأصحاب الرؤى التى يجب أن تتشكل منهم لجنة عليا لوضع نظام تعليمى متكامل لمصر يتم الاتفاق عليه، ويتم تحصين هذا النظام بعد الاتفاق عليه، حتى لا يأتى وزير تعليم أو مجلس نواب يغيره بعد فترة من الزمن.

 

قد يعترض البعض على تشكيل لجنة عليا وأقول له كل حاجة فى البلد لها لجنة، فهل تأتى على التعليم الذى يُعد قضية أمن قومى وترفض.

 

على اللجنة المشكلة من الخبراء والمثقفين ومندوبين من كل وزارات مصر الجلوس لبحث أفضل نظام تعليمى يناسب مصر حتى لو تم البدء به بعد سنوات والعمل على معالجة كل المشاكل القائمة الحالية، سواء مبانى وزيادة عدد الفصول وسد العجز فى أعداد المعلمين، ليس ذلك فحسب بل زيادة مرتباتهم أضعاف الحالية، لأنهم الركيزة الأولى فى المنظومة، فالمعلم هو الأرض الخصبة التى تزرع بها البذور (الطلبة).

 

فإن كان المعلم أرضًا صحراء لا تنتظر أن تحصد محاصيل

 

اهتمام الدولة بتطوير أو تغيير أنظمة التعليم شيء صحى جدًا ودليل على أن مصر والمصريين يستحقون نظامًا أفضل لجودة التعليم، خصوصًا أن الشعب المصرى بكل طبقاته حريص على التعليم وهى ميزة مهمة جدًا لصالح المجتمع ككل؛ فالشعب المصرى يتحمل تكلفة عالية من دخل الأسرة شهريًا يتوجه لتعليم الأبناء، سواء مصروفات مدارس أو دروسًا خصوصية أو كتبًا خارجية، أو مواصلات، وذلك بهدف تحقيق حلم الاستثمار فى الأبناء؛ لذا على الدولة الاستفادة من ذلك الحرص بالاستكمال والمشاركة فى هذا الاستثمار ليس فى الأبناء فقط، ولكن لصالح الوطن بأكمله لإحداث نهضة حقيقية، وليست بالشعارات والتجارب كما حدث فى التوسع فى المدارس الفنية المتخصصة ومنها على سبيل المثال مدارس للعلوم التقنية وتكنولوجيا التطبيقية وصناعة الدواء والتعدين والاتصالات والمجوهرات والنسيج والضبعة، وغيرها من المدارس التى تلبى احتياجات سوق العمل بشكل مدروس، والتى كشفت عن وعى المصريين بالإقبال الكبير على تلك المدارس.

 

أنظمة التعليم فى العالم متعددة ومتنوعة ولكن الأهم العامل البشرى هو الأساس لنجاح أى نظام تعليمى، فلا تبخلوا عليه بحجة قلة الموارد، بل على العكس على الحكومة أن تتعامل مع التعليم فى مصر باعتباره اقتصادًا واستثمارًا، فإن كان الرئيس السيسى يشجع على جذب الاستثمار وتهيئة المناخ المناسب لهم وتوفير الإمكانيات ومنحهم حوافز للتصنيع، فعلى الحكومة أن تنظر للتعليم بنفس المنظور، بل أكثر لأنها قضية أمن قومى، فبناء الإنسان السليم يبدأ من التعليم الذى بدوره يشكل المجتمع بأخلاقه ويحدث النهضة الحقيقية للدولة.