مع اقتراب وصول الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب من البيت الأبيض، وفى ظل مواصلة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو عرقلة التوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار، بدأت ملامح المسرحية الهزلية من بطولة ثنائى الشر فى الانكشاف، خاصة مع تكرار ترامب، لتهديده بحرق الشرق الأوسط فى حال عدم عودة الرهائن الإسرائيليين، ومنهم سبعة أشخاص يحملون الجنسية الأمريكية والمحتجزين فى غزة، ولعل الرؤية الأوضح الآن تتمحور حول إعلان الضفة الغربية.. والسؤال هل يهب ترامب، هذه الهدية الكبرى لحليفه نتنياهو؟!..
زادت هجمات المستوطنين الإسرائيليين فى الضفة الغربية خلال الأيام الماضية بشكل غير مسبوق، إذ أضرموا النار فى أراضٍ زراعية وخطوا شعارات عنصرية فى عدد من القرى الفلسطينية، بالتزامن مع تصعيد الهجمات والغارات العسكرية، فيما تداولت بعض الصحف العالمية أحاديث عن انتقال الحرب المدمرة لأراضى الضفة، التى شهدت استشهاد ما لا يقل عن 18 فلسطينيًا بالأسبوع الأول من العام الجاري. وفيما تتحدث التوقعات عن ردود فعل الرئيس الأمريكى المنتخب، وفرضية إعلانه للضفة الغربية ضمن الأراضى الإسرائيلية، أبلغت السلطات الفلسطينية عن حوادث إطلاق نار لقوات الاحتلال، وهجمات طائرات بدون طيار، واعتقالات جماعية، الأمر الذى تسبب فى نزوح ما يقرب من 50 فلسطينيًا منذ بداية العام، بسبب عمليات هدم المنازل فى جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية.
وفيما تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية على قطاع غزة منذ أكثر من عام، استغل الاحتلال الأوضاع الراهنة وأسرع وتيرة الاستيطان وسرقة الأراضى بالضفة، إذ تم الإبلاغ عن سرقة أكثر من 23 كيلومترًا مربعًا من الأراضى منذ اندلاع الحرب، وهو رقم تجاوز إجمالى الأراضى التى تمت سرقتها على مدار العشرين عامًا الماضية.
يعيش ما يقرب من نصف مليون مستوطن وحوالى 2.7 مليون فلسطينى فى الضفة الغربية. ولطالما كانت الضفة جزءًا من دولة فلسطينية مستقلة فى المستقبل، فيما تُصنف المستوطنات اليهودية غير قانونية. ولكن بعد أحداث السابع من أكتوبر، ومع احتمال وجود إدارة أكثر تعاطفًا فى واشنطن، يقول زعماء المستوطنين إنهم واثقون من أن الدولة الفلسطينية أصبحت خارج الأجندة، كما أنهم يأملون أن تمد إسرائيل سيادتها على الأراضى الفلسطينية المحتلة من خلال إعلان الضم - وهى الخطوة التى تجنبتها رسميًا منذ الاستيلاء على الضفة الغربية من الأردن بحرب الشرق الأوسط عام 1967 وسط معارضة من معظم العالم، وفقًا لما ذكرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية. وتأتى تلك الآمال بعدما أغدق ترامب، خلال ولايته الأولى، إسرائيل بالهدايا الدبلوماسية، بما فى ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس من تل أبيب والاعتراف بالمدينة المتنازع عليها عاصمة لإسرائيل. ثم عكس مايك بومبيو، وزير الخارجية آنذاك، أربعة عقود من السياسة الأمريكية بالتصريح بأن المستوطنات لا تنتهك القانون الدولي. وهناك أيضًا دلائل تشير إلى أن البعض فى إدارته القادمة قد يتفقون مع إعلان الضم، إذ أشار مايك هاكابي، الذى رشحه ترامب كسفير جديد لإسرائيل، إلى دعمه للمطالبات الإسرائيلية بالضفة الغربية فى مقابلة أجريت معه العام الماضي.
وفى حديثه لـ«لمصور»، كشف الدكتور يحيى عبدالله، أستاذ الدراسات الإسرائيلية واللغة العبرية، أن نية الاحتلال تتجلى فى تعيين زعيم حزب «الصهيونية الدينية» بتسلئيل سموتريتس، كوزير فى وزارة الدفاع بحكومة نتنياهو، ومسئول عن الإدارة المدنية بالضفة الغربية، ولا يخفى على أحد أن المهمة الموكلة إليه هى التهام ما تبقى من الضفة والقضاء على السلطة الفلسطينية واتفاقية أوسلو، والتى تتمتع إسرائيل – من خلالها، بالسيطرة الكاملة على الأمن والتخطيط فى 60 فى المائة من الضفة الغربية على أساس مؤقت، كما هو موضح فى اتفاقيات أوسلو للسلام قبل ثلاثة عقود. إلا أن الواقع بأن اليمين ينظر إليها نظرة ساخطة ولا يعترفون بها. وأضاف عبدالله، قائلًا: «الواقع، أن أمر الضفة محسوم إسرائيليًا، كمرحلة أولى، ثم القدس الشرقية كمرحلة ثانية، ثم المسجد الأقصى والأمر يقتصر فقط على عامل الوقت، لتهيئة الأوضاع عالميًا وإقليميًا لتقبل فرض الهيمنة الإسرائيلية على غرار الحرم الإبراهيمي. وهناك تخطيط لهذه التسوية، كما أن عودة ترامب سيكون لها دور كبير، ولا ننسى أنه فى ولايته الأولى اعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، حتى أنه تمت تسمية إحدى المستوطنات على اسمه».
أوضح عبدالله، أيضًا أنه من المتوقع أن يقوم ترامب، بتعزيز عملية الاستيطان بالضفة والقدس الشرقية وحسم الأمر بالمسجد الأقصى، وهو ما يجب علينا الاستعداد له بالفترات القادمة، قائلًا: «نحن أمام طوفان إسرائيلى قادم، سيلتهم الضفة الغربية ويقوض السلطة الفلسطينية، بل وسيقضى عليها. ونحن لاحظنا منذ السابع من أكتوبر أن إسرائيل استغلت الأمر فى زيادة تكثيف الاستيطان بالضفة، وقتل الفلسطينيين؛ إذ قدرت بعض الإحصائيات استشهاد ما يقرب من 1000 فلسطينى منذ ذلك الوقت. وإذا نظرنا للأمر بصورة أكثر بانورامية سنفطن بأن الجهد العسكرى يتضافر مع عنف المستوطنين وخاصة «شبيبه التلال» الفرع الأكثر تطرفًا فى المستوطنين والمدعومين من حاخامات الضفة الغربية لحرق المنازل والمزروعات واتلاف المركبات الخاصة بالمدنيين العزل، لذا هناك عمل متكامل وممنهج لحسم مسألة الضفة الغربية».
حلل الأستاذ بالدراسات الإسرائيلية جميع تلك الممارسات أنها جهود تصب فى منع إقامة دولة فلسطينية، موضحًا: «حين ننظر إلى الوراء ونعود إلى ما يُعرف بصفقة القرن، التى أعلنها ترامب، سنجد بأنها لا تدع مجالا لإقامة دولة فلسطينية حقيقية بينها تواصل جغرافى، ولهذا يحاول الاحتلال الحفاظ على التكتلات الفلسطينية كما هى متباعدة بعضها عن الآخر. وبالنظر إلى الداخل الإسرائيلى يمكننا أن نرى ببساطة أن عدم إقامة دولة فلسطينية هى رغبة يمينية يدعمها اليسار الإسرائيلى؛ إذ يرى التياران فى الدولة الفلسطينية تهديدًا مباشرًا لوجود إسرائيل، ولذا هناك إجماع على هذا الأمر المدعوم من قبل واشنطن، ويحظى ببعض الدعم الأوروبى بخلاف وجود استثناءات، وهذا بالتوازى مع الضعف الإقليمي».