رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

كيف يُعيد «ماسك» تشكيل المشهد السياسى فى القارة العجوز؟


24-1-2025 | 16:09

كيف يُعيد ماسك تشكيل المشهد السياسى فى القارة العجوز؟

طباعة
تقرير: إيمان السعيد

منذ إعلان الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب تولى إيلون ماسك منصب قيادة الوزارة المستحدثة، وزارة «الكفاءة الحكومية»، تحول أغنى رجل فى العالم إلى شخصية محورية فى الساحة السياسية الدولية. وبشخصيته المتمردة وخطابه الجريء، قدم ماسك نفسه كقوة غير حكومية تسهم فى رسم مشهد جديد من الشعبوية السياسية فى القارة العجوز. وأثار دعمه للأحزاب اليمينية المتطرفة غضب القادة الأوروبيين وأعاد إشعال نقاشات ساخنة حول قضايا اجتماعية وسياسية كبرى، مما زاد من تعقيد العلاقات عبر الأطلسى.

تسببت هجمات ماسك - التى نقلها إلى 211 مليون متابع له على« X» فى نفاد صبر زعماء بعض أقرب حلفاء أمريكا التقليديين، وأثارت التوترات عبر الأطلسى قبل ولاية ترامب الثانية. حيث أعاد إيلون ماسك إشعال نقاش سياسى فى المملكة المتحدة حول جرائم عصابات من الرجال الذين قاموا بشكل منهجى باغتصاب الأطفال فى المدن الإنجليزية على مدى عدة عقود. وفى سلسلة من المنشورات على منصته “X» ، استهدف الملياردير كبار الشخصيات فى حزب العمال البريطاني، مدعيًا أن رئيس الوزراء كير ستارمر كان «متواطئًا بعمق فى عمليات الاغتصاب الجماعى مقابل الأصوات». كما وصف وزيرة الحماية جيس فيليبس بأنها «مدافعة عن إبادة الاغتصاب» ودعا إلى سجنها.

 

أثار أحدث توغل لماسك فى الحياة السياسية البريطانية غضبًا بين شخصيات حزب العمال، حيث أدان رئيس الوزراء «أولئك الذين ينشرون الأكاذيب والمعلومات المضللة»، مضيفًا أنهم ليسوا مهتمين بالضحايا، بل «بأنفسهم». وحذر رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر، الذى استهدفه ماسك لأسابيع، من أن مالك سبيس إكس قد تجاوز «الخط» بعد أن قال إن الوزير البريطانى المسئول عن حماية الأطفال يجب أن يُسجن وكان مدافعًا عن الاغتصاب.

 

فى الوقت ذاته، اتهم الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ماسك بتأجيج «حركة رجعية دولية» جديدة والتدخل فى الانتخابات. وقال رئيس الوزراء النرويجى يوناس جار ستور إنه «من المقلق» أن يكون رجل يتمتع بمثل هذه القوة متورطًا بشكل مباشر فى شئون دول أخرى. بينما انتقدت الحكومة الألمانية الملياردير لدعمه لحزب يمينى متطرف، وهو حزب البديل من أجل ألمانيا، فى الانتخابات المقبلة. حيث استضافت منصة «X « مناقشة عبر الإنترنت مع زعيمة الحزب اليمينى المتطرف أليس فايدل، وهو الحدث الذى حذرت المفوضية الأوروبية من أنه قد يكون له عواقب قانونية. وفى مناقشتها مع ماسك، قامت فايدل بانتقاد المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، وخاصة قرارها بإغلاق محطات الطاقة النووية فى ألمانيا.

 

الاستياء الذى أثاره ماسك يعكس الأيديولوجية الأساسية لحركة ترامب «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». فهو يلاحق السياسيين المؤسسين، ويسعى إلى الترويج للشعبويين اليمينيين المتطرفين الذين تعكس آراؤهم آراء الرئيس المنتخب. وفى أوروبا، كما هو الحال فى الولايات المتحدة، أصبح العديد من الناخبين مستائين من الحكومات التى يعتقدون أنها فشلت فى تحسين أوضاعهم الاقتصادية ووقف الهجرة. فبالنسبة للعديد من الأميركيين، يمارس ماسك ببساطة حقوقه التى يكفلها له التعديل الأول فى الدستور الامريكي. ولكن فى أوروبا، القارة التى يطاردها رعب التطرف اليمينى المتطرف، ينظر العديد من القادة إلى دعمه للشعبوية الراديكالية على أنه أمر مسيء وليس مثالاً لحرية التعبير بل محاولة لقمع الحريات والديمقراطية. ففى فرنسا، على سبيل المثال، يتمتع حزب التجمع الوطنى اليمينى المتطرف (المعروف سابقا باسم الجبهة الوطنية) بزعامة مارين لوبان بأفضل فرصة له حتى الآن فى عام 2027 للفوز فى الانتخابات الرئاسية. وفى حين من غير المرجح أن يشكل حزب البديل من أجل ألمانيا حكومة فى النظام الألمانى الذى يعزز الائتلافات، فقد ينمو نفوذه بعد الانتخابات الفيدرالية المقرر إجراؤها فى فبراير.

 

وعلى ما يبدو أن ترامب يميل بالفعل لقادة اليمين فى أوربا، حيث فرش الرئيس المنتخب بالفعل السجادة الحمراء فى مار إيه لاغو لقادة اليمين المتطرف الأوروبيين بما فى ذلك رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان ورئيسة الوزراء الشعبوية اليمينية فى إيطاليا جورجيا ميلوني، التى قد تكون أقوى زعيمة وطنية فى الاتحاد الأوروبى الآن. إلا أن المواجهة مع ماسك هى اضطراب غير مرغوب فيه خاصة مع زعماء أوربا، فى الوقت الذى يبدو أن السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة مبنية على فرض القوة الأمريكية على الأصدقاء والأعداء على حد سواء.

 

فى الوقت ذاته، تشكل الصراعات الواضحة بين السياسة الأمريكية ومصالح ماسك التجارية تعقيدًا آخر. ماسك، الذى تتداخل مشاريعه التجارية مع القضايا الجيوسياسية، أثار الجدل بمشاركته فى مكالمات دبلوماسية حساسة بين ترامب وزعماء العالم مثل الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكي، الذى تعتمد قواته بشكل كبير على خدمات الإنترنت التى تقدمها شركة ستارلينك التابعة لماسك لدعم حربها ضد روسيا. كما أُفيد أن ماسك أجرى محادثات مع شخصيات روسية، مما أثار تساؤلات حول مواقفه الحقيقية. وما بين انتقاداته المباشرة لقرارات سياسية وتحركاته التى تُظهر تضاربًا بين مصالحه التجارية والدبلوماسية الأمريكية زادت الشكوك بشأن دوره كفاعل غير حكومى يؤثر على مجرى السياسات العالمية.

 

وفى ظل تصاعد هذه التوترات، يبدو أن أوروبا تحاول إيجاد توازن بين التعامل مع النفوذ المتزايد لماسك والحفاظ على شراكتها مع الولايات المتحدة. ومع اقتراب الانتخابات فى عدة دول أوروبية، يطرح الدعم الذى يقدمه ماسك لأحزاب اليمين المتطرف أسئلة حاسمة حول مستقبل الديمقراطية فى القارة. كيف ستتعامل هذه الدول مع تدخل ماسك فى سياساتها الداخلية؟ وما هو التأثير المحتمل لذلك على العلاقات عبر الأطلسى وعلى مستقبل التحالف الغربي؟ هذا ما ستوضحه الأيام المقبلة.