فى أول زيارة رسمية للخارج وصل وفد سورى برئاسة وزير الخارجية المُعين حديثا «أسعد حسن الشيبانى» إلى العاصمة السعودية الرياض. وجاءت الزيارة على إثر دعوة من وزير الخارجية السعودى. وبادر «الشيبانى» لدى وصوله إلى المملكة فعبر على حسابه فى منصة «إكس» عن رغبته فى أن تفتح الزيارة صفحة جديدة ومشرقة فى العلاقات السورية السعودية تليق بالتاريخ العريق المشترك بين البلدين. ولقد ضم الوفد الزائر كلا من وزير الدفاع «مرهف أبو قصرة»، ورئيس جهاز المخابرات العامة «أنس خطاب». الجدير بالذكر أن الزيارة تأتى بعد لقاء وفد سعودى الشهر الماضى مع قائد الإدارة السورية الجديدة «أحمد الشرع» فى دمشق، كما تعد أول زيارة تقوم بها السلطات السورية الجديدة منذ الإطاحة بالرئيس السابق «بشار الأسد» فى الثامن من ديسمبر الماضى.
منذ ذلك التاريخ تشهد دمشق زيارات مسئولين إقليميين ودوليين لعقد اجتماعات مع الإدارة السورية الجديدة التى تشكلت عقب الإطاحة بنظام الأسد، ويأتى ذلك فى إطار جهودهم لاستكشاف المرحلة الجديدة فى سوريا، وبناء علاقات مع القيادة الحالية، وفى إطار تعزيز العلاقات جاءت زيارة وفد مجلس التعاون الخليجى إلى دمشق والذى جرى فى الثلاثين من ديسمبر الماضى برئاسة وزير الخارجية الكويتى «عبدالله اليحيا». وقال الوفد يومها: (إن زيارته إلى دمشق تهدف فى الأساس إلى نقل رسالة موحدة بدعم سوريا سياسيا واقتصاديا وتنمويا، مؤكدا أن دول الخليج العربى جادة فى دعم سوريا وشعبها)، كما شدد فى الوقت نفسه على موقف الدول الخليجية حيال الجولان قائلا: (الجولان أرض سورية، ولذا فنحن ندين الكيان الصهيونى ومراميه الهادفة إلى توسيع الاستيطان فيها).
وكان «أحمد الشرع» قائد الإدارة السورية الجديدة توقع فى مقابلة مع قناة العربية السعودية أن يكون للسعودية (دور كبير جدا) فى سوريا؛ حيث يمكن أن تستفيد من فرص استثمارية كبرى فى سوريا ما بعد الأسد، وأوضح أن السعودية تسعى إلى أن يسود الاستقرار فى سوريا؛ حيث إن ذلك سيصب بالإيجاب فى صالح السعودية بشكل مباشر، كما يصب بالإيجاب فى صالح الخليج العربى بشكل عام.
فى أتون الصراع السورى قطعت المملكة العربية السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا على غرار دول خليجية أخرى وقامت بإغلاق سفارتها فى فبراير 2012 احتجاجا على استخدام دمشق القوة فى قمع احتجاجات شعبية اندلعت عام 2011، وسرعان ما تحولت إلى نزاع مدمر. وحينئذ قامت المملكة إلى جانب دول عربية أخرى فى السنوات الأولى للنزاع بدعم المعارضة السياسية والمسلحة ودعت إلى ضرورة تغيير النظام فى سوريا.
بيد أن تغييرا طرأ على العلاقات بين البلدين فى السنوات الأخيرة، وعادت الزيارات واللقاءات بين مسئولى دمشق والرياض. وفى مارس 2023 أعلنت الرياض أنها تجرى مباحثات تتعلق باستئناف الخدمات القنصلية بين البلدين، وقادت المملكة بعدها جهودا دبلوماسية أعادت عبرها سوريا إلى مقعدها فى جامعة الدول العربية، وجرى ذلك فى القمة التى عقدت فى جدة فى مايو من ذلك العام والتى حضرها «بشار الأسد».
وفى إطار الاتصالات العربية السورية المستمرة منذ الإطاحة بحكم «الأسد» قالت وزارة الخارجية السورية فى الحادى والثلاثين من ديسمبر الماضى إن وزير الخارجية «الشيبانى» تلقى اتصالا هاتفيا من نظيره المصرى «بدر عبد العاطى»، وذكرت الوزارة عبر حسابها على «إكس»: ( أن الوزير المصرى هنأ الشعب السورى بانتصاره، وأكد وقوف بلاده إلى جانب الشعب السورى لضمان وحدة أراضيه، وتعزيز الأمن والسلام)، وأضافت: (أن عبد العاطى أشاد بالقيادة الجديدة لسوريا وتمنى لها التوفيق فى خطواتها القادمة، وأن الشيبانى أكد على تنمية العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مشيرا إلى القواسم المشتركة وإلى التاريخ العريق والأخوة والصلات الوثيقة التى تربط الشعبين السورى والمصرى).
وفى معرض التطرق إلى المخاوف العربية حيال النظام السورى الجديد فإن هناك منْ يرى أن تعامل الدول العربية مع سوريا اليوم سيتوقف على المسار الذى تتبعه الإدارة السورية الجديدة، كما أن هناك المخاوف العربية بشأن الفراغ الذى سيخلفه سقوط نظام الأسد، وما قد يؤدى إليه من مزيد من الفوضى والعنف، كما أن هناك مخاوف حول مدى قدرة الإدارة الجديدة فى سوريا على ملء ذلك الفراغ.
وتخشى بعض الدول العربية من طبيعة الدور التركى والأمريكى والإسرائيلى فى سوريا فى المرحلة المقبلة، حيث يمكن أن تؤدى تدخلات أى دولة من الثلاث إلى حدوث تغييرات جذرية فى التوازنات الإقليمية. كما يعترى بعض هذه الدول القلق أيضا من إمكانية تجدد مشروع الإخوان المسلمين فى العالم العربى، والذى تعتبره خطرا عليها وفقا لما يراه بعض المراقبين. وفضلا عن هذا هناك من يحذر مما سبق للرئيس الأمريكى المنتخب «دونالد ترامب» أن قاله: (إن تركيا هى «الطرف الفائز» فى سوريا بعد إسقاط الأسد، معتبرا أن أنقرة سيكون معها مفتاح الأحداث فى سوريا الجديدة).