«القاهرة تكتب.. بيروت تطبع.. وبغداد تقرأ»، مقولة تاريخية دائما ما يأتى ذكرها عند الحديث عن «ثقافة العرب»، ولسنوات طويلة ظلت «أقلام القاهرة» تـبدع و«مطابع بيروت» تعمل و«عقول بغداد» تقرأ، غير أن القراءة والمتابعة المحايدة للمشهد الثقافى فى وطننا العربى تكشف تراجعًا كبيرًا على المستويات الثلاثة «الكتابة.. الطباعة.. القراءة»، لا لتقصير من الكُتاب بقدر ما هو تأثير للأحداث المتسارعة التى تشهدها المنطقة، الحروب والصراعات والخلافات، وإن كان هناك من يرى أن «الكتابة الجيدة» لطالما تخرج من رحم الأزمات، غير أن المنطقة العربية تأثرت كثيرًا.
المشهد الثقافى المصرى لم يكن بعيدًا عن حمى «التأثر»، وإن كانت أسماء المبدعين المصريين ظلت حاضرة فى أذهان الجميع، من المحيط إلى الخليج، بل ومتصدرة _ فى أحيان كثيرة _ قوائم الجوائز والإشادات العربية والدولية، وفى السنوات القليلة الماضية، شهدت «الثقافة المصرية» ما يستحق أن يوصف بـ «الصحوة»، وذلك فى إطار تأسيس «الجمهورية الجديدة»، وإدراك القيادة السياسية وتوجيهاتها بأهمية «القوة الناعمة»، ورغبتها فى العودة بـ «العقل المصري» إلى سنوات «التطوير والتنوير»، وهو ما كشفه العديد من الخطوات والقرارات التى جاءت جميعها لتدفع عربة «الثقافة» على طريق التقدم.
واليوم.. ونحن نشهد ميلاد النسخة الـ 56 لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، وهو المعرض الأكبر والأعرق فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، جاءت التفاصيل التى أعلن عنها الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، المتعلقة بالمبادرة التى أطلقتها الوزارة تزامناً مع الدورة الجديدة لمعرض القاهرة، لتكشف أن «الجمهورية الجديدة» ترى ما هو أبعد من «الكتابة»، ألا وهو «بناء الإنسان»، حيث أعلن الوزير عن إطلاق مبادرة «المليون كتاب» التى تـنفذها وزارة الثقافة عبر مختلف قطاعاتها المعنية بالنشر، ضمن فعاليات المعرض، بهدف تعزيز الوعى الثقافى والمعرفى بين أبناء الوطن، وتأتى هذه المبادرة تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية التى تسعى لتفعيل استراتيجية بناء الإنسان المصري.
أما فيما يتعلق بتفاصيل النسخة الجديدة لـ «القاهرة الدولى للكتاب»، فإنها تكشف حجم الجهود التى بذلت لتقديم «أفضل مما كان»، والتأكيد فى الوقت ذاته على الريادة المصرية فى «الثقافة»، لا سيما أن وزارة الثقافة حرصت على تقديم برنامج ثقافى ثرى ومتنوع يضم أكثر من 600 فعالية، تشمل «ندوات أدبية، حوارات فكرية، وعروضًا فنية»، هذا إلى جانب استحداث محاور ثقافية جديدة تتماشى مع تحديات العصر، مثل محور «ترجمة العلوم الإنسانية فى زمن الذكاء الاصطناعي»، ومحور «الدبلوماسية الثقافية».
وتأكيدًا على مكانة مصر كـ «قلب نابض للثقافة والعلم»، فإن وزارة الثقافة أعلنت إطلاق منصة الكتب الإلكترونية بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتى ستتيح عددًا من إصدارات قطاعات الوزارة فى مختلف فروع المعرفة، وستتاح للجمهور مجانًا لينهلوا من بحور الثقافة، كما سيشهد المعرض بالتعاون مع الهيئة الوطنية للإعلام إطلاق أول بودكاست بالمعرض.
«نقلة نوعية» أخرى من المنتظر أن تشهدها دورة هذا العام، وتحديدًا فيما يتعلق بـ «التنظيم، والمشاركات الدولية والمحلية» حيث تقام هذه النسخة من المعرض على مساحة 55 ألف متر مربع، بإجمالى مساحة تضم (6) صالات للعرض، وهى المساحة الأكبر منذ انتقال المعرض لمقره الجديد بمركز مصر للمعارض الدولية، ويصل عدد الناشرين والجهات الرسمية المصرية والعربية والأجنبية المشاركة إلى 1345 دار نشر، من 80 دولة مختلفة من دول العالم، كما يبلغ عدد العارضين 6150 عارضًا هذا العام، يعرضون تنوعًا غنيًّا من الإصدارات الأدبية والفكرية، وكَلهَا زيادة على الدورة الماضية، مما يؤكد مدى قوة ومكانة المعرض عالميًّا.
وأخيرًا.. جاءت مشاركة سلطنة عُمان كـ «ضيف شرف» للنسخة الجديدة لمهرجان القاهرة الدولى للكتاب، لتؤكد على عمق العلاقات «المصرية - العمانية»، وتعكس عمق التبادل الثقافى والتعاون المعرفى بين الشقيقتين «مصر والسلطنة»، إلى جانب ما يتمتع به معرض القاهرة الدولى للكتاب من أهمية كبيرة لدى القُراء العرب والدول الصديقة، وما يحظى به من مكانة.