رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مصر وسوريا لا يمكن القفز على الجغرافيا ولا تجاهل التاريخ


24-1-2025 | 23:27

مصر وسوريا لا يمكن القفز على الجغرافيا ولا تجاهل التاريخ

طباعة
بقلم: حلمي النمنم

أى حديث عن عمق العلاقة والصلات التاريخية بين مصر وسوريا لن يكون كافيًا.. ويتصور البعض أن الود بين الشعبين يعود إلى تجربة الوحدة بين مصر وسوريا زمن الرئيسين جمال عبدالناصر وشكرى القوتلى، سنة 1958، لكن العلاقة أقدم من ذلك بكثير، الجغرافيا دائما تتدخل فى صُنع التاريخ وتحديد العلاقة بين البلدان والشعوب، جغرافيا كانت ولا تزال بلاد الشام هى بوابة مصر من الشمال الشرقى، ولذا كان الأمن القومى المصرى يبدأ من هناك، حين فتح المسلمون زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بلاد الشام، تبين أن وجود الروم فى مصر والعرب فى الشام سوف يكون مدعاة للصدام وللخطر.. إذ يسهل على الرومان الانطلاق من مصر إلى الشام واستعادتها من العرب، لذا تقدم الصحابى والقائد الفذ عمرو بن العاص نحو مصر فاتحًا، وحين أراد صلاح الدين الأيوبى تحرير المنطقة من الصليبيين كان لا بد أن تكون مصر وبلاد الشام معًا، وهكذا الحال حتى فى حرب أكتوبر 1973 العظيمة، خاضتها مصر وسوريا معًا، كان المشير العظيم أحمد إسماعيل علي هو القائد العام للجيشين المصرى والسورى فى تلك الحرب، يمكن أن يحدث تباعد سياسى بعض الوقت، لكن الصلات العميقة تبقى قائمة دائمًا..، فى مجلس شورى النواب أو الجمعية التشريعية نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، كان هناك عضو يمثل الجالية السورية فى مصر، أى كانت ممثلة فى البرلمان المصرى، وهناك قائمة من الشخصيات مثل جرجى زيدان وخليل مطران وآل تكلا.. يسمون السوريون المصريون.

 

 

وحين هبّ السوريون سنة 2011 ضد حكم الأسد وفشل النظام فى التعامل سياسيا مع الموقف، جاء مئات الآلاف من السوريين إلى مصر، عاشوا بيننا ضيوفا معززين وفق تعبير الرئيس عبدالفتاح السيسى، وإلى اليوم هم معنا أشقاء بالمعنى الكامل للكلمة... انتشروا فى أنحاء مصر، ليس فى العاصمة فقط، بل فى مختلف المدن المصرية.

 

من المهم أن يكون ذلك التاريخ حاضرًا فى ذاكرتنا ونحن نتابع ما يجرى فى سوريا منذ 27 نوفمبر الماضى، وصولا إلى يوم 8 ديسمبر حيث هرب بشار الأسد، وجاءت إدارة جديدة تماما، على رأسها أحمد الشرع..- محمد الجولانى سابقا- الذى كان فى «تنظيم القاعدة» ثم انشق عنه، والتحق بـ«داعش»، ثم انفصل عنه منحيا أوهام الخلافة العظمى وأستاذية العالم وعاد إلى سوريا، جعل منها مشروعه وهدفه، فاستقر فى إدلب منذ حوالى عشر سنوات ثم دخل دمشق فى ديسمبر الماضى.

 

من اللحظة الأولى تمنت مصر للشعب السورى النجاح فى إعادة بناء البلاد، وأرسلت مصر طائرة محمّلة بأدوية ومواد غذائية لمساعدة الأشقاء على وجه السرعة، لم يكن المهم هو ماذا وكم حملت الطائرة ولا عدد الطائرات التى ستليها، لكنها كانت رسالة أن مصر مع الشعب السورى.. ثم بادر وزير الخارجية بدر عبدالعاطى بالاتصال بنظيره السورى للتهنئة، وعبر عن الموقف المصرى مما يجرى فى سوريا الشقيقة.. وبادر عدد من الوزراء والمسئولين العرب إلى الاتصال بالإدارة الجديدة فى سوريا، وفى الأسبوع الماضى استضافت الرياض العاصمة السعودية مؤتمرًا لعدد من الوزراء العرب للتباحث حول دعم سوريا، وإعادة إعمارها، ويوم السبت الماضى وصل وفد رفيع من الجامعة العربية إلى دمشق برئاسة السفير حسام زكى أمين عام مساعد الجامعة العربية، نائبا عن الأمين العام السفير أحمد أبو الغيط، لدعم وتأييد سوريا، وأكد الأمين العام المساعد أنه سوف ينقل ما رآه إلى الدول العربية كلها، من جانبه عبر وزير الخارجية السورى عن اعتزاز بلاده بعضوية الجامعة.

 

التحرك المصرى ينطلق من عدة قواعد تحكم الدبلوماسية المصرية وتؤمن بها قيادة الدولة، أول تلك القواعد أن مَن يحكم أى بلد شقيق، مسألة داخلية تماما، تخصّ شعبها ولا يحق لنا التدخل فيها، من حق كل شعب أن يختار نظامه وينتخب من يريده، وإذا كنا نرفض بشدة أى تدخل فى شئوننا فإننا نتعامل بالمثل مع الآخرين، مصر ليست لديها أوهام ولا تدخلات فى شئون الآخرين بدعوى تصدير الثورة حينا أو أى مقولة أخرى، بالمناسبة لم يكن حزب البعث فى سوريا ودودًا مع مصر، لنتذكر أنه ناصب مصر العداء منذ زيارة الرئيس السادات إلى القدس سنة 1977، رغم نجاح مصر فى استعادة سيناء كاملة، ظل حافظ الأسد يتصور أنه يمثل الممانعة وناصب مصر وعددا من دول المنطقة الخصام، ما شددت عليه مصر هو ضرورة الحفاظ على عروبة سوريا، والحق أن سوريا تحديدًا، شهدت انطلاق الثورة العربية الكبرى سنة 1916 للتخلص من الحكم والحقبة العثمانية، وقبل ذلك كانت هى مقر الدولة الأموية، الدولة العربية بالمعنى الكامل.. وقد كان انجراف بشار الأسد واعتماده الكامل على الحرس الثورى الإيرانى، محسوبا باعتباره ابتعادا عن العروبة، وقد قيل فى تفسير ذلك لو أن الدول العربية احتضنت سوريا، أقصد بشار الأسد، لما اتجهت إلى ذلك الطريق، بغض النظر عن مدى صحة ذلك التفسير، وهو غير صحيح، فإننا هذه المرة نجد مصر كما الدول العربية تمد يدها نحو سوريا وإدارتها الجديدة خشية الانجراف فى الاتجاه المضاد، باختصار لا يليق أن تخرج سوريا من عباءة ولاية الفقيه لتدخل فى عباءة العثمانية الجديدة، الصحيح أن تظل فى النظام العربى أولًا وأخيرا ولا يعنى ذلك الدخول فى عداء مع أطراف أخرى.

 

وتزداد المخاطر حول سوريا من إسرائيل، التى لم تكتفِ باحتلال الجولان منذ سنة 1967 وضمها إلى إسرائيل، لكنها سارعت بعد الثامن من ديسمبر باحتلال جزء من جبل الشيخ وتقدمت فى بعض مناطق القنيطرة السورية، التى حررها الجيش السورى فى حرب أكتوبر 1973، ثم قامت بتدمير كل أسلحة الجيش السورى الثقيلة، من طائرات إلى صواريخ وسفن حربية، أكثر من 550 طائرة مقاتلة، ومن ثم فإنها يمكن أن تمارس الاعتداء، إذا شعرت بأن سوريا وحيدة بلا غطاء عربى.. من المهم أن تكون مصر إلى جوار سوريا فى هذه اللحظة، تساندها فى المحافل الدولية، لردع إسرائيل وتكفّ يدها عن التجاوز فى حق سوريا أو التمدد داخل حدودها.

 

الأوضاع الأجنبية فى سوريا عديدة، فى الشمال هناك تهديدات حيث المشكلة الكردية التركية، إسرائيل لديها أطماع داخل سوريا، الخريطة الأخيرة التى نشرت داخل إسرائيل من بعض المتطرفين، تضم أراضي سورية وأردنية.. ولا ننسى أن داعش تستهدف سوريا، باعتبار أن دولة داعش كانت فى بعض الأراضى السورية.. باختصار سوريا يمكن أن تكون مهددة، وهى فى أمس الحاجة إلى الحاضنة العربية.

 

يُضاف إلى ذلك أن سوريا منذ أن أدخل بشار الأسد الشعب فى حرب أهلية وهى تخضع لعقوبات اقتصادية شديدة، أرهقت هذه العقوبات الشعب وأضعفت الاقتصاد السورى، حتى بات الشعب السورى مهددا فى أمنه الغذائى وفى الأدوية والخدمات الطبية التعليمية، وقد آن الأوان أن تُرفع تلك العقوبات، ذلك أن النظام الذى كان سببًا فيها قد سقط، بالأحرى انهار واختفى تمامًا، وهذا يحتاج إلى توافق عربى قوى يخاطب الأمم المتحدة فى هذه المسألة، كما يجب دفع الإدارة الجديدة نحو اتخاذ خطوات تدفع الأمم المتحدة والدول الكبرى إلى إسقاط تلك العقوبات.

 

الدول الكبرى قررت أنها ستراقب الوضع السياسى الداخلى فى سوريا، ذلك أن هناك تخوفا دوليا، وهو كذلك لدى بعض الدول العربية، من أن تكرر الإدارة الجديدة فى سوريا نموذج طالبان فى أفغانستان، فى الحالة السورية المجتمع أشبه بفسيفساء من الطوائف والمذاهب والأعراق، نحن هنا فى مصر لا نعرف ولا نواجه مثل هذه المشكلة، فى سوريا تقريبا 18 طائفة ومذهبا، صحيح أن السنة العرب هم الأغلبية، لكن هناك أقليات عديدة، مثلًا الشيعة فيها العلويون ولهم قراهم ومناطقهم، وهناك كذلك الإسماعيليون ولهم قراهم، فضلا عن الشيعة الإثنى عشرية، المسيحيون كذلك من كافة المذاهب، فضلا عن الأكراد والتركمان وغيرهم وغيرهم، ثم هناك الدروز الموحدون وهم يتمركزون فى محافظة السويداء، هذا التجانس الضخم يحتاج إلى مساحة من التسامح والتعايش عُرفت بها سوريا، لأنه إذا تم الاستقطاب المذهبى والطائفى فإن الحياة لن تكون جيدة.

 

يقتضى ذلك توافر حكم رشيد ومتعقل، لا تنفع معه أصولية متشددة، فى بلد يواجه تربصا، ولما تحدث وزير الخارجية المصرى عن ضرورة مراعاة مكونات الشعب السورى وعدم إقصاء أو استبعاد أى مكون كان ينبه إلى تلك النقطة، التى يمكن أن تكون مصدر غنى وثراء فى المجتمع ولا قدر الله قد يحدث العكس، وهو ما لا نتمناه ولا نريده، بل يجب العمل على تجنبه.

 

تبقى مسألة تتعلق بنا كمصريين، وإن كانت تمس الدول العربية كلها، أحد الإرهابيين المدانين فى قضية اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات سنة 2015، شوهد فى إحدى الصور مع الجولانى، وقد نبهت مصر وطالبت بأن لا تكون سوريا مأوى للإرهابيين ولا منصة للعداء مع دول المنطقة وتصدير الإرهاب إليها، مطلب عادل وملح تتبناه دول المنطقة، وقد أثاره وزير الخارجية بدر عبدالعاطى فى حديثه مع نظيره السورى، ثم أثاره كذلك فى مؤتمر الرياض الأسبوع الماضى وصدرت توصية عن المؤتمر بهذا المعنى، حضر المؤتمر وزير الخارجية السورى.

 

الإدارة السورية منذ اللحظة الأولى أصدرت بعض الإشارات المطمئنة، مثل الإلحاح الدائم على أن سوريا لن تكون مصدر تهديد لأى من جيرانها، هكذا بالمطلق، وأنها لا تحمل عداءً لأحد، ثم تحدث «أحمد الشرع» أكثر من مرة يؤكد أن الثورة شيء وبناء الدولة شيء آخر، أى أنه يدرك طبيعة الحالة السورية.

 

هذا يدخل فى باب حسن النوايا ويحسمه الفعل على الأرض.. وقد وقع أمران يجب أن نتوقف عندهما الأول، أن أحد أعضاء جماعة حسن البنا أو المحسوبين عليها، ذهب إلى دمشق للتهنئة، ومن المسجد الأموى أطلق تصريحات معادية لكثير من الدول العربية (مصر والمملكة السعودية والإمارات)، وبمجرد أن نشر ما قاله على مواقع السوشيال ميديا، تبرأت الإدارة السورية من ذلك القول تماما، ومن قائله وأكدت أنه لا يحسب عليها وقد احتُجز فى مطار بيروت، وتم تسليمه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، لأنها طالبت بتسليمه، إذ إنه أساء إلى الإمارات أكثر من مرة وتعمد التحريض عليها وعلى أمنها.

 

الثانى أن إرهابيًا مصريًا خرج فى مسرحية هزلية بجوار اثنين من الملثمين على طريقة أشبه بالأداء المسرحى وراح يهدد ويتوعد مصر والمصريين، وكان يضع سلاحًا ناريًا أمامه، على الفور قامت الإدارة هناك باعتقاله، والمعنى أنهم لن يسمحوا لهؤلاء الإرهابيين يتحركون على هذا النحو، أما ذلك المدان من القضاء المصرى فى قضية اغتيال النائب العام، فقد منع من دخول سوريا.

 

هل ذلك كافٍ؟ بالتأكيد لا – لكنه يعنى أن هناك جدية ورغبة فى الانتقال إلى مرحلة الدولة وتجنب الإرهاب والإرهابيين.. ولأن سوريا والسوريين هم هدفنا جميعا، فلابد أن نساعدهم وأن نكون إلى جوارهم- أما إذا حدث احتمال آخر، فإن أجهزة الدولة المصرية يقظة، وإن كان من الضرورى أن تتبنى آلية عربية فى مواجهة الإرهاب والإرهابيين، تجعل من مواجهة الإرهاب سياسة عربية عامة، كأن يتم بناء مرصد عربي، يرصد الإرهابيين المطلوبين وتحركهم داخل المنطقة والعمل على الوصول إليهم وتسليمهم إلى الجهات المطلوبين لديها، ولنبدأ بالدول المجاورة لسوريا، خاصة أن جهات الأمن هناك ضبطت خلية إرهابية مؤخرا كانت تخطط لتفجير مقام السيدة زينب بدمشق، أى أن الإرهاب مخطط لاستهداف دمشق ذاتها.