«70 عامًا من الاحتلال».. رقم كان فى حاجة لأن يتوقف عند هذا الحد، فبريطانيا تحاول بكل ما تمتلك من قوة فرض سيطرتها على مصر، شعبًا وقيادة، والشارع المصرى يغلى رفضًا لـ«الاستعمار»؛ حتى اشتعلت «شرارة التحرر» فى الخامس والعشرين من يناير 1952، والغريب هنا أن الشرارة بدأت من الإسماعيلية، بعدما سلم القائد البريطانى بمنطقة القناة البريجادير إكس هام، إنذارا لقوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية لتسليم أسلحتهم للقوات البريطانية، والرحيل إلى القاهرة، وهو ما رفضه أبطال الشرطة المصرية انطلاقا من حسهم الوطنى وواجبهم تجاه بلدهم.
رفض «الإنذار البريطانى»، كان مجرد خطوة على طريق «الرد المصري»، فقد تبعه عصيان أفراد «بلوكات النظام»، وهو ما دفع قوات الاحتلال لإعلان «حصار الإسماعيلية»، وتقسيمها لحى للمصريين وحى للأجانب، ووضع سلك شائك بين الجانبين فى محاولة لحماية الأجانب بالمدينة، وذلك قبل أن تضيع أصوات دقات الساعة السابعة صباحًا بين ضربات القذائف التى أطلقها «المحتل» على مبنى محافظة الإسماعيلية وثكنة البلوكات التى تحصن بهما رجال الشرطة البالغ عددهم نحو 850، على أمل أن القوة الغاشمة التى استخدمها ضد رجال الشرطة الذين سقط أغلبهم بين شهيد وجريح ستجبرهم على الاستسلام، فأوقف ضرب النيران، وطلب منهم الخروج من المبنى بدون أسلحتهم.
للمرة الثانية، كان «الرفض المصرى» حاضرًا فى المشهد البطولى، فالنقيب مصطفى رفعت، رفض الانصياع لـ«الطلب البريطانى»، ما دفع القوات البريطانية لاستئناف قصفها العنيف لنحو 6 ساعات حتى حوَّلت المبنيين إلى أنقاض، غير أن عزيمة أبطال الشرطة المصرية لم تنتهِ، وواجهوا دبابات ومدافع المحتل البريطانى بالبنادق القديمة التى كانت بحوزتهم رافضين رفع الراية البيضاء وإعلان «الاستسلام»؛ حتى نفدت ذخيرتهم بعدما سقط منهم نحو 50 شهيدا و80 جريحا، وأوقعوا 13 قتيلا و12 جريحا فى صفوف القوات البريطانية التى بلغ عددها نحو 7 آلاف جندى.
«نفاد الذخيرة»، اضطر رجال الشرطة للاستسلام، لكن موقفهم الباسل دفع القائد البريطانى وجنوده لأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من مبنى المحافظة؛ تقديرا لبسالتهم فى الدفاع عن موقعهم.
الأمور لم تنتهِ عند هذا الحد، فأخبار الجريمة التى ارتكبها الاحتلال فى الإسماعيلية سرعان ما وصلت إلى العاصمة القاهرة، لتخرج فى السادس والعشرين من يناير 1952 مظاهرات هادرة تجوب شوارع القاهرة، اشترك فيها جنود الشرطة مع طلاب الجامعة الذين طالبوا بحمل السلاح ومحاربة الإنجليز؛ لتكون معركة الإسماعيلية الشرارة التى أشعلت نيران تحرير مصر من الاحتلال البريطاني.
خرج المحتل البريطانى من مصر، غير أن سجل «بطولات الشرطة» لم يغلق صفحاته، فالسنوات التى مرت شهدت العديد والعديد من اللحظات المضيئة فى تاريخ «الداخلية»، فـ«الشرطة» التى أضاءت الطريق لـ«طرد المحتل»، هى ذاتها التى وقف أبطالها جنبًا إلى جنب مع رجال القوات المسلحة لمواجهة مخطط «إسقاط مصر» الذى دبرته قوى خارجية، وعملت على تنفيذه جماعة الإخوان الإرهابية، وبقية أذرعها الإرهابية، بعدما ثار ضدها الشارع المصرى فى العام 2013، وأزاحها من الحكومة بمباركة شعبية فى 30 يونيو.
وكالعادة.. سطَّر أبطال «الداخلية» بطولات من نور فى مواجهة «مخطط التقسيم»، وارتقت أرواح العشرات منهم وهم يدافعون عن تراب الوطن، ويدفعون عنه أذى «أهل الشر».
«الأمن»، لم يكن الدور الوحيد الذى أجاده أبطال «الشرطة المصرية» خلال السنوات الماضية، فتزامنًا مع بناء «الجمهورية الجديدة»، واتساقًا مع النهج الذى وضعه الرئيس عبد الفتاح السيسي، القائم على استراتيجية «المواطن أولًا»، فإن «الداخلية» كانت حاضرة فى المشهد، تارة بـ«المبادرات المجتمعية» التى أطلقتها للمساهمة فى تخفيف الضغوط عن كاهل المواطن المصري، وتارة أخرى بـ«التطوير والتغيير» الذى شهده _ ولا يزال يشهده _ الجهاز الأمنى المصرى ليكون على مسافة واحدة من نظرائه على مستوى العالم.. واليوم.. ومع الاحتفال بذكرى مرور 73 عامًا على «ملحمة الإسماعيلية»، كان واجبًا «تجديد العهد» وذكر «تاريخ المجد» والحديث عن «تاريخ من شرف» لـ«الشرطة المصرية» فى عيدها.