تطورت التحديات الأمنية فى العصر الحديث بشكل غير تقليدى، مستغلة التطور التكنولوجى المتسارع، لتنتقل تلك التحديات إلى مرحلة أكثر تعقيدًا وتشابكًا فى ظل انتشار الجرائم الرقمية.. وفى هذا السياق، تسعى مصر إلى إعادة صياغة مفهوم الأمن، من خلال تحديث شامل لمنظومتها الشرطية، من تطوير مبانى الأقسام، والسجون، ومديريات الأمن، لتصبح أكثر كفاءة ومواءمة مع الاحتياجات العصرية.
التطوير لم يتوقف عند حدود البنية التحتية، بل تجاوز ذلك إلى دمج التكنولوجيا الحديثة فى منظومة كشف الجرائم والتحقيقات، واستعانت وزارة الداخلية، بأدوات متقدمة، وبرمجيات ذكية، وتحليل بيانات دقيق، لتكون جزءًا أساسيًا من العمل الأمنى، مما يساهم فى تسريع حل القضايا وضمان تحقيق العدالة بشكل أكثر دقة وشفافية.
وفى إطار هذه الجهود، تولى الدولة المصرية، اهتمامًا خاصًا لتطوير الخدمات الأمنية المقدمة للمواطنين، لتصبح أكثر سهولة وكفاءة، من خلال تطبيقات إلكترونية حديثة تقلل من التكدس وتوفر الوقت، مع تحسين بيئة التعامل داخل المؤسسات الأمنية، لتكون أكثر إنسانية واحترامًا لحقوق الإنسان.
اللواء فاروق حافظ المقرحى، مساعد وزير الداخلية الأسبق وعضو مجلس الشيوخ يقول أن التطوير الهائل الذى شهدته المنظومة الأمنية المصرية، جاء نتيجة رؤية شاملة وضرورية، واستجابةً للتحديات التى ظهرت عقب أحداث 25 يناير 2011، مشيراً إلى أن غياب جهاز الشرطة لفترة مؤقتة - آنذاك، أبرز أهمية وجود جهاز أمنى قوى ومُحدّث، قادر على حماية البلاد ومواجهة المخاطر الداخلية والخارجية.
وأشار «المقرحي»، إلى أن التحول الحقيقى بدأ مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولية إدارة شئون البلاد، حيث شهدت الشرطة عملية تطوير شاملة على كافة المستويات، وتضمنت هذه العملية، إعادة هيكلة الجهاز الأمنى بما يشمل تدريب الأفراد، وتحسين اختيارات رجال الشرطة، وتزويدهم بالعلم والمعرفة، إلى جانب تطوير البنية التحتية للمنشآت الشرطية.
وأوضح اللواء «المقرحى»، أن عملية التحديث لم تتوقف عند هذا الحد، بل شملت إدخال أحدث الأسلحة والتقنيات التكنولوجية فى مجالات كشف الجرائم وتحقيق الأمن العام، لافتاً إلى أنه تم اعتماد أنظمة مراقبة شاملة مثل الكاميرات، التى أصبحت أداة حيوية لتحديد الجناة وضمان سرعة الوصول إليهم، مشددًا على دور التكنولوجيا فى تسهيل عمل الشرطة وتعزيز تفاعلها مع المواطنين.
من جهته، أشار اللواء الدكتور إيهاب يوسف، الخبير فى إدارة المخاطر الأمنية وأمين عام جمعية الشرطة والشعب لمصر، إلى أن المنظومة الأمنية فى مصر شهدت تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، فى الجوانب التكنولوجية والبنية التحتية والتعليمية والإنسانية، موضحاً أن استخدام التقنيات الحديثة أصبح إحدى الركائز الأساسية للعمل الأمني.
وذكر «يوسف»، أن أنظمة المراقبة الذكية، التى تعتمد على ملايين الكاميرات المرتبطة بغرف عمليات مركزية مدعومة بالذكاء الاصطناعى، أسهمت بشكل كبير فى تحسين قدرة الأجهزة الأمنية على كشف الجرائم ومنعها قبل وقوعها، مضيفاً أن تقنيات البصمة الوراثية والرقمية أصبحت أدوات لا غنى عنها فى التحقيقات، حيث ساعدت فى تحديد هوية الجناة بسرعة ودقة، مما قلل من الوقت اللازم لحل القضايا.
وأوضح اللواء يوسف، أن التحول الرقمى فى الخدمات الأمنية ساهم أيضًا فى تعزيز العلاقة بين المواطنين والأجهزة الأمنية، حيث أتاحت المنصات الإلكترونية للمواطنين، إمكانية استخراج الأوراق الرسمية، مثل بطاقات الرقم القومى والسجلات الجنائية وتجديد التراخيص، بسهولة وسرعة، مما قلل من التكدس داخل المؤسسات الأمنية.
وفيما يتعلق بالتدريب، أوضح اللواء إيهاب يوسف، أن وزارة الداخلية أنشأت أكاديميات متخصصة لتدريب رجال الشرطة على التعامل مع الجرائم الإلكترونية وتحليل البيانات الضخمة، مضيفاً أن 90 فى المائة من أبناء الوزارة، تم تدريبهم على استخدام التقنيات الرقمية، مما يعزز قدرتهم على مواجهة التحديات الأمنية المستقبلية.
كما سعت وزارة الداخلية لتحقيق منظومة إلكترونية متكاملة من أجل تحول رقمى فى العديد من خدماتها المقدمة، البداية من الموقع الإلكترونى لوزارة الداخلية، الموقع يتيح بيسر وسهولة تعامل المواطنين عليه، كما تمت إتاحة تطبيق لوزارة الداخلية للأحوال المدنية على «متجر جوجل ستور» و«أب ستور»، كذلك، تم تفعيل ماكينة (السجل الذكى) وهى مزودة بخاصية التحصيل النقدى، تتيح للمواطن دون تدخل أحد من الحصول على شهادات (الميلاد/ الوفاة/ الزواج/ الطلاق) عبراختيار نوع المصدر المطلوب استخراجه من خلال شاشة تلامسية تتحقق من هويةالمواطن عبر مطابقة بصمة الوجه أو أحد الأصابع، المسجلة بقاعدة بيانات الرقم القومى البايومترية.
ولمزيد من التسهيل لإنهاء خدمات المواطنين تم توفير «مراكز تكنولوجية مُتنقلة» فتم تجهيز فنيًا ولوجيستيًا 85سيارة جديدة مُتنوعة المهام فى جميع محافظات الجمهورية، لتقديم كافة خدمات القطاع بالمناطق التى تشهد كثافات سكانية عالية.
وفى هذا السياق، قال اللواء الدكتور أشرف السعيد أحمد، رئيس شبكة معلومات وزارة الداخلية الأسبق: هناك طفرة فى مجال الخدمات الرقمية التى تقدمها الدولة بشكل عام وبشكل خاص فى الخدمات الرقمية التى يقدمها الجهاز الشرطى، فالخدمات الرقمية ليست وليدة اليوم ولكنها نتاج مجهود كبير من العمل على مدار الـ15 عاما الماضية، يتم تطويرها وتحديثها من أجل الوصول لخدمات رقمية متكاملة.
وأكد «السعيد»، أن «المنظومة الرقمية كل يوم تضيف العديد والجديد من الخدمات الرقمية التى تغطى الجميع وتحديدًا كبار السن وذوو الاحتياجات الخاصة، وتم تيسير هذه الخدمات حتى تصل إلى المنازل»، مشيرًا إلى أن «تسخير التكنولوجيا لتلبية احتياجات المواطنين أمر تنبه له الجهاز الشرطى، فتم التوسع بشكل كبير فى الخدمات الرقمية، وتم تيسيرها، وتمت إتاحة توصيلها للمنازل».
وأضاف أن «المنظومة الشرطية تعلن بشكل مستمر عن خدماتها، سواء على موقعها الإلكترونى، أو حساباتها الرسمية على منصات التواصل الاجتماعى، لكن يبقى الإعلام شريكا أساسيا فى إعادة تعريف المواطنين بكافة هذه الخدمات التى تقلل من المجهود والوقت الذى كان يُستغرق فى الحصول على هذه الأوراق، كما أن على المجتمع المدنى دورًا فى رفع التوعية بالخدمات الرقمية التى تسعى الدولة جاهدة فى تحقيقها والخدمات الشرطية من أجل رفع العبء عن المواطنين».
الخدمات الرقمية امتدّت لخدمات الحج، وهو ما أكده رئيس شبكة معلومات وزارة الداخلية الأسبق، بقوله: كل ما يتعلق بمنظومة الحج يتم إلكترونيًا من أجل مزيد من الشفافية وتحديدًا فى طلبات التقديم، وهو ما يتم تنفيذه فمَن يرغب فى الحج يعلم الإجراءات والاستفسارات عبر الموقع الإلكترونى للوزارة ثم يستوفى الأوراق،وبعد إعلان الفائزين تتم كافة الإجراءات الكترونيًا، ويتابع مَن يريد الحج كافة التفاصيل عبر حسابه على منظومة الحج، وفى وقت الحج يستطيع ذوو الحاج معرفة تفاصيل الحاج وأماكن تواجده عبر المواقع، فكل خطوة يتم التخطيط لها من أجل سلامة وأمان الحجاج.