رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مكافحة المخدرات.. «حائط صد» ضد مافيا الكيف


25-1-2025 | 15:03

مكافحة المخدرات.. حائط صد ضد مافيا الكيف

طباعة
تقرير: أميرة صلاح

تعد المخدرات إحدى أخطر الآفات التى نعانى منها فى عصرنا الحالي، خاصة بعد انتشارها بشكل مخيف فى الآونة الأخيرة، أثرت على صحة الفرد، النفسية والبدنية، وغيّرت من طريقة تفكيره وسلوكياته، الأمر الذى يعظم أضرار المخدرات، ويجعلها لا تقتصر على الشخص المدمن بمفرده، بل تمتد لتشمل الأسرة والمجتمع أجمع.

ولعل مصر فى مقدمة الدول التى لها السبق فى التصدى لملف المخدرات على مستوى العالم، بعد انتشار البوردة البيضاء «الهيروين والكوكايين» فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، وما لازمه من وجود حاجة ماسة إلى جهاز متخصص يشرف على تنفيذ القانون المصرى رقم 21 لسنة 1928م، الذى شدد العقوبة على جرائم جلب المخدرات والاتجار فيها وتعاطيها، ومن ثم فقد اقترح وزير الداخلية - آنذاك فى العام 1929م، إنشاء إدارة لمحاربة الاتجار فى المواد المخدرة، وتطورت تلك الإدارة - حتى صدر قرار جمهورى، بتدشن الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، وأصبحت جهازاً مستقلاً فى عام 1976، يتبع وزارة الداخلية.

 

اللواء أحمد الخولى، مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات الأسبق يقول إن «مكافحة المخدرات، عملية متشعبة ما بين الإدارة المختصة، وأقسام المكافحة فى مدريات الأمن المختلفة بمحافظات الجمهورية، فضلاً عن التنسيق التام مع إدارة البحث وأمن الموانى وأمن المطارات وحرس الحدود».

 

وأوضح أن «عمل الإدارة يشمل مكافحة التهريب لداخل البلاد، فى الموانى والمطارات وطرق التهريب غير المشروعة، ومكافحة كبار مروجى المخدرات داخل الدولة المصرية، وكذلك تكافح من أجل التصدى لزراعة المواد المخدرة، سواء الحشيش أو الأفيون، الذى يتم زراعتهما فى جنوب سيناء وصحراء الصعيد، أما أقسام المكافحة فى مديريات الأمن، فتهتم بقضايا صغار المروجين والتعاطى الموجودة فى نطاق الأقسام والمدن والقرى والنجوع».

 

وشدد اللواء أحمد الخولى، على أن عمل المكافحة مستمر دون توقف، كون عمليات تهريب المخدرات لا ترتبط بمواعيد أو مواسم محددة، مشيراً إلى أن المخدرات الطبيعية كالحشيش والأفيون، لهما مواسم معينة، حيث يتم زراعتهما بعد موسم الشتاء، لذلك تنشط عملية التهريب فى هذا التوقيت، أما المخدرات الصناعية فليست مرتبطة بتوقيت ما.

 

وحول أخطر المواد المخدرة، قال «الخولى»، إن كافة أنواع المخدرات تضر بصحة الإنسان، ولكن أخطرها الهيروين، لافتاً إلى وجود مخاطر وحشية لم تخطر ببال المدمن، تسببها المخدرات المستحدثة، بمعنى آخر: «تقوم مصانع مجهولة بتصنيع الشادو والاستروكس مُستعينة بوصفات من على مواقع التواصل الاجتماعى أو الانترنت»، ولعل هذا، هو سبب رئيسى فى انتشار هذه الأنواع بصورة كبيرة، خاصة أن هذه الخلطات المصنعة تعجل بتدمير كافة أعضاء جسم الإنسان، بداية من المخ والجهاز العصبى المركزي.

 

ورغم تضافر جهود الدولة ووزارة الداخلية وإدارة المكافحة، إلا أنه لا يمكن القضاء نهائياً على آفة المخدرات، حسبما أكد مساعد وزير الداخلية، مشيراً إلى أن الهدف هو ضبط كبار التجار، وتقليل نسب المعروض من المخدرات فى المجتمع عن طريق عمليات الضبط المستمرة، لافتاً إلى أن «المكافحة» حريصة على تطوير سبل البحث والتحرى بشكل دائم، لتواكب تطور عمليات التهريب، التى تقوم بها عصابات المافيا الدولية، مؤكداً أن نسبة المخدرات بالأسواق تكاد تصل من 2 فى المائة إلى 3 فى المائة، ولذلك فالقضاء النهائى يحتاج لتغيير سلوكيات وأخلاق البشر.

 

ومن أغرب القضايا التى صادفها اللواء أحمد الخولى، كانت سيدات يقمن بعملية تهريب الهيروين، وجلبه من لبنان بإخفائه داخل أجسامهن، وبفضل التعاون الدولى مع إدارة المكافحة، تم ضبط السيدات، عقب إجراء أشعة عليهن فى المطار وإثبات حيازتهن للمواد المخدرة.

 

وفى ذات السياق، قال اللواء مجدى السمرى، مساعد وزير الداخلية ومدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات السابق، إن الانفلات الأمنى فى الدول المحيطة بمصر، أحدث غزارة فى إنتاج المخدرات، وتحولت هذه الدول إما مسرحاً لإنتاج المخدرات أو أماكن للتخرين، هذا بخلاف الدول المنتجة، مثل أفغانستان وباكستان المشهورتين بإنتاج الأفيون، وبالتالى إنتاج الهيروين، أما مصر فهى ليست دولة مصُنعة للمخدرات بل مستهلكة، نظرا لارتفاع التعداد السكانى لدينا.

 

وأشار «السمري»، إلى أن مدة البحث والتحرى تختلف من قضية لأخرى، فأحياناً تصل لعدة أشهر، وذلك حسب طريقة وتفكير تجار التهريب، لأن إدارة المكافحة حريصة على إحكام كافة الإجراءات لضمان نجاح القضية، منوهاً أن هناك إدارة فرعية تسمى «التفتيش»، مهمتها دراسة القضايا التى حكمت بها بالبراءة أو تم حفظها للبحث عن الثغرات التى أدت لفشل القضية، وتوجه الضباط لذلك، حتى يتم تفاديها مستقبلاً، وأيضاً تُدرس فى المعهد الإقليمي.

 

وأكد مساعد وزير الداخلية السابق، أن المخدرات ليست فقط تجارة، وإنما إحدى وسائل حرب الجيل الرابع، التى تستهدف الشباب، لذلك سنجد كثرة فى قضايا المواد المخدرة - مؤخراً، والتى وصلت قيمتها لنحو 4 مليارات جنيه.

 

وحول أبرز خطوط التهريب، أوضح مساعد وزير الداخلية، أن العصابات والمجرمين يستغلون الانفلات الأمني، الذى وقع فى بعض الدول لتنشيط التهريب، لذلك سنجد أنه فى أعقاب الثورة الليبية وما حدث فى 25 يناير 2011، حيث نشطت عمليات التهريب، ولكن الدولة المصرية الآن استطاعت إحكام قبضتها على الحدود، وضبط خطوط التهريب سواء عن طريق البحر، حيث ينشط تهريب مخدر الحشيش والأفيون، فى حين يأتى الهيروين من الجنوب، وتعتبر دولة اليمن من أكبر مخازن الهيروين على مستوى العالم، إلا أن القوات المصرية تمكنت من ضبط كميات كبيرة منه، كذلك مخدر الأيس الذى يستهدف شباب المصريين، ويأتى من منطقة شرق آسيا، إلا أن إدارة المكافحة رصدت كافة المنافذ بعناية، مشيراً إلى أن مخدر الكبتاجون تتم صناعته فى سوريا، ويستهدف بالأخص بلدان الخليج، وتعتبر مصر محطة عبور «ترانيت» لتهريبه، لذلك غالبا ما يتم ضبطه فى ميناء سفاجا.. موضحاً أن التهريب البري، يبرز فيه «الحشيش المغربي»، الذى يأتى من المملكة المغربية، ويشترك فيه أيضاً، جنسيات من تشاد والنيجر ومالي، ويتم تهريبه إلى الأسواق المصرية، عبر ليبيا.

 

وواصل حديثه مشيراً إلى سعى إدارة مكافحة المخدرات لخفض الطلب، بالتعاون مع جميع الأجهزة ومنظمات المجتمع المدني، مثل وزارة التضامن الاجتماعي، من خلال صندوق مكافحة الإدمان والتعاطي، عن طريق القيام بحملات توعية بأخطار تعاطى المخدر، وضرورة إنهاء انتشاره داخل الجامعات والمدارس والنوادي، مؤكداً أن هناك تجارا - غير معروف هويتهم لدى وزارة الداخلية، يقومون بترويج المخدرات للشباب فى المدارس والجامعات والنوادى والكافيهات، ويتضمن ذلك قيام الجهات الحكومية بحملات مفاجئة على سائقى حافلات المدارس، وتحليل المخدرات لهم، تجنبا لارتكاب الحوادث.

 

وفيما يخص قضايا غسل الأموال، قال «السمرى»: إنها ملف مرتبط بعملية تهريب وبيع المخدرات، الذى تنتج عنها أموال طائلة، فيحاول التجار إخفاءها تحت مظلة شركات وهمية، عقارات بأسماء العائلة والأقارب وأشخاص آخرين، منوهاً إلى وجود إدارة منوط بها، متابعة الثروات غير المشروعة لتجار المخدرات، وتعمل هذه الإدارة على تتبع تضخم ثروات تجار «الصنف»، بالتعاون مع البنوك المحلية والدولية والجهات الحكومية، لإثبات ملكية هذه الأموال لهم، وبالتالى تتم مصادرتها عن طريق قانون غسل الأموال، ثم تدخل لخزينة الدولة المصرية.

 

وفى هذا الشأن، قال الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، إن الصندوق يحرص على القيام بأنشطة متنوعة للتوعية بأضرار تعاطى المخدرات، مستخدماً أساليب إبداعية تتماشى مع المراحل العمرية المختلفة، فضلاً عن الرد على كافة الاستفسارات المتعلقة بهذا الإطار، وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن تعاطى المخدرات، وأنها لن تساعد على التركيز وتنشيط الذاكرة ونسيان الهموم، وغيرها من المعتقدات الخاطئة لدى البعض، خاصة فى المدارس والجامعات ومراكز الشباب، بالإضافة إلى تنفيذ مبادرات لتوعية العاملين بالجهاز الإدارى للدولة، وخاصة السائقين والحرفيين.

 

واستطرد قائلاً: تم تنفيذ أكبر برنامج وقائى للفئات العمرية المختلفة، بداية من رفع وعى الطلاب فى 8000 مدرسة، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، حيث يعتمد البرنامج على بث رسائل مرئية وفيديوهات توعوية عن أضرار تعاطى المخدر، بالإضافة إلى تنفيذ عدد من الأنشطة التوعوية والبرامج التدريبية لوقاية الطلاب، وأيضا تنفيذ أنشطة توعوية داخل 25 جامعة حكومية و15 جامعة خاصة، بخلاف 62 معهد عالي، خاصا وحكوميا، على مستوى الجمهورية.

 

وكشف «د.عثمان»، أن الخط الساخن للصندوق استقبل نحو 164 ألفا و465 مريضا، إما للمتابعة، والمشورة، والعلاج، والتأهيل، أو لمساعدته فى دمجه بالمجتمع، وموضحاً أن هذه الخدمات العلاجية تقدم للمرضى، وفقا للمعايير الدولية، مشيراً إلى أن الصندوق يحرص على استقبال المرضى بالمراكز العلاجية التابعة للصندوق، والشريكة مع الخط الساخن رقم (16023)، وعددها 33 مركزا بـ 19 محافظة.

 

ولفت «عثمان» إلى أنه وفقاً لتحليل البيانات، التى يقوم بها الصندوق بشكل مستمر، تبين أن نسبة الذكور الذى تلقوا هذه الخدمات بلغوا 96 فى المائة، بينما سجلت نسبة الإناث 4 فى المائة، وجاءت محافظة القاهرة فى المرتبة الأولى طبقا لأكثر المكالمات الواردة للخط الساخن بنسبة 30 فى المائة، يليها الجيزة بنسبة 17 فى المائة ، ويرجع ذلك إلى الكثافة السكانية لقطبى القاهرة الكبرى، ووجود العديد من المراكز العلاجية التابعة والشريكة مع الصندوق، فى المحافظتين، كما تبين من الإحصائيات، أن هناك عددا من العوامل الدافعة للتعاطي، فى مقدمتها حب الاستطلاع، تليها أصدقاء السوء، وأن أكثر المواد المخدرة انتشاراً داخل المجتمع المصري، هى «الحشيش والهيروين، والمخدرات التخليقية، الاستروكس والفودو والبودر والشابو»، وفقاً لحديث الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي.