رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

رحلة الإصلاح والتأهيل


25-1-2025 | 15:08

رحلة الإصلاح والتأهيل

طباعة
تقرير يكتبه: وائل الجبالى

على مدار السنوات الأخيرة، شهدت مصر تحولًا غير مسبوق فى مفهوم السجون؛ إذ تجاوزت دورها التقليدى كمؤسسات عقابية إلى رؤية شاملة ترتكز على الإصلاح وإعادة التأهيل. تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أصبحت هذه الرؤية محورًا أساسيًا فى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2021-2026)، التى تسعى لتوفير بيئة إنسانية تحترم كرامة النزلاء وتؤهلهم ليصبحوا أفرادًا منتجين فى المجتمع.

التحول الكبير بدأ بإعادة صياغة البنية التحتية للسجون وتحويلها إلى مراكز إصلاح وتأهيل تلتزم بأعلى المعايير العالمية. لم تعد السجون مجرد أماكن احتجاز، بل أصبحت فضاءات تتيح للنزلاء فرصة حقيقية لإعادة بناء حياتهم، ويشمل هذا التحول تجهيز المراكز بخدمات صحية متقدمة تشمل الرعاية الوقائية، التشخيص المبكر، والجراحات الدقيقة. النزلاء باتوا يحصلون على خدمات طبية عالية الجودة تلبى احتياجاتهم الفردية، مع التركيز على الصحة النفسية التى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من برامج الإصلاح.

 

وفى سياق «التعليم»، استطاع العديد من النزلاء تحقيق إنجازات علمية مبهرة داخل مراكز الإصلاح، حيث تمكن البعض من استكمال تعليمهم الجامعي، بل والوصول إلى درجات عليا مثل الماجستير والدكتوراه، مما يؤكد أن الدولة تضع التعليم فى قلب عملية الإصلاح. هذا بالإضافة إلى برامج التدريب المهنى التى تُعد النزلاء بمهارات تؤهلهم لسوق العمل، بدءًا من الحرف اليدوية وصولًا إلى التقنيات الحديثة، وهو ما يعزز فرص اندماجهم فى المجتمع بعد انتهاء مدة عقوبتهم.

 

كما أن البرامج النفسية والاجتماعية المصممة بعناية تركز على معالجة الأسباب الجذرية للجريمة وتعزيز القيم الإيجابية لدى النزلاء. تتضمن هذه البرامج جلسات استشارية وأنشطة رياضية وثقافية تساعد النزلاء على تطوير قدراتهم الشخصية والاجتماعية، مما يقلل من احتمالات تكرار السلوك الإجرامي. حتى الأنشطة الفنية مثل الموسيقى والرسم أصبحت وسيلة للتعبير عن الذات، مما ساهم فى تخفيف الضغط النفسى عن النزلاء وخلق بيئة داعمة للإصلاح.

 

«تغيير المصطلحات» كان جزءًا من هذه الثورة الإصلاحية؛ فلم يعد يُطلق على هذه المؤسسات اسم «السجون»، بل أصبحت تعرف بـ«مراكز الإصلاح والتأهيل»، وتحول مسمى «السجين» إلى «النزيل»، مع الأخذ فى الاعتبار أن هذا التغيير لم يكن مجرد تغيير لفظي، بل يعكس تحولًا عميقًا فى الفلسفة المؤسسية، حيث يُنظر إلى النزلاء باعتبارهم أشخاصًا يستحقون فرصة ثانية بدلًا من وصمهم بصفة دائمة.

 

الشفافية والانفتاح على المجتمع الدولى والمحلى كانا من أبرز معالم هذا التحول، من خلال فتح أبواب مراكز الإصلاح للوفود المحلية والدولية، التى أشادت بمستوى التطوير الذى شهده القطاع. هذه الزيارات لم تكن مجرد دعاية، بل أثبتت للعالم أن مصر تسير بخطى واثقة نحو احترام حقوق الإنسان فى أدق تفاصيلها، مما عزز مكانتها على الصعيد الدولى.

 

من الجانب الإنتاجى، تم تحويل هذه المراكز إلى وحدات إنتاجية تسهم فى الاقتصاد الوطني. النزلاء يشاركون فى تصنيع منتجات متنوعة تُعرض فى معارض مخصصة، مما يشعرهم بالفخر لكونهم أفرادًا منتجين. هذا النشاط الاقتصادى لم يعزز فقط مكانة النزلاء، بل أيضًا أسهم فى تعزيز فكرة أن السجون يمكن أن تكون جزءًا من التنمية المستدامة.

 

الرعاية الأسرية للنزلاء حظيت أيضًا باهتمام كبير. تم تطوير نظام الزيارات بحيث يتيح للنزلاء قضاء أوقات أطول مع أسرهم فى بيئة مريحة وإنسانية. هذه الزيارات تعزز الروابط الأسرية، مما يسهم فى استقرار الحالة النفسية للنزلاء، وهو أمر ضرورى لنجاح عملية الإصلاح.

 

وفيما يتعلق بالرعاية الصحية، وضعت الدولة خطة شاملة لتوفير خدمات طبية للنزلاء تغطى جميع احتياجاتهم. السيدات الحوامل على وجه الخصوص حصلن على رعاية طبية متميزة لضمان سلامتهن وسلامة أطفالهن، مما يعكس اهتمامًا خاصًا بفئات النزلاء الأكثر ضعفًا.

 

كذلك، أصبحت الأنشطة الثقافية والرياضية محورًا مهمًا فى مراكز الإصلاح، حيث نظمت الوزارة دورات رياضية وبطولات داخلية بمشاركة نجوم الرياضة والفن، مما يخلق جوًا من الحماس والتفاعل الإيجابى داخل المراكز. إضافة إلى ذلك، تشهد المراكز تنظيم فعاليات فنية مثل العروض المسرحية والاحتفالات الثقافية، التى تعكس اهتمامًا بتنمية الحس الفنى والإبداعى لدى النزلاء.

 

وجاء العفو الرئاسى والإفراج المبكر عن النزلاء الذين أثبتوا تقدمهم فى برامج الإصلاح؛ ليكون بمثابة نافذة أمل للكثيرين، حيث أسهمت هذه السياسة فى تخفيض معدل العودة إلى الجريمة، حيث إن النزلاء المفرج عنهم وجدوا فرصًا جديدة لبداية حياة كريمة، مما يعزز دور مراكز الإصلاح كمنصة للتغيير الإيجابى.

 

كما امتدت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أيضًا إلى تحسين أوضاع العاملين فى قطاع السجون. التدريب المستمر للضباط والعاملين يعكس اهتمام الدولة ببناء كوادر مؤهلة قادرة على تنفيذ هذه الرؤية الإصلاحية. قطاع الحماية المجتمعية لم يعد يُنظر إليه كمكان عقابى حتى للعاملين، بل تحول إلى نموذج يُحتذى به فى إدارة السجون بطريقة حديثة وإنسانية.

 

بهذه الجهود، أصبحت التجربة المصرية فى إدارة السجون نموذجًا عالميًا يُحتذى به. تحويل السجون إلى مراكز إصلاح وتأهيل ليس مجرد تغيير شكلي، بل هو انعكاس لرؤية شاملة تهدف إلى بناء مجتمع أكثر عدلًا وإنسانية، حيث لا يُنظر إلى النزيل على أنه مجرم فقط، بل كفرد يمكن أن يكون جزءًا من النسيج المجتمعى الإيجابى.