رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

انتبهوا.. الملوحة الزائدة تهدد المستقبل الزراعى لأراضى الدلتا!


26-1-2025 | 17:18

انتبهوا.. الملوحة الزائدة تهدد المستقبل الزراعى لأراضى الدلتا

طباعة
بقلـم: محمد الحنفى

يبدو أن أيادى تغير المناخ المسئولة عن ظاهرة الاحتباس الحرارى، التى ضربت الأجواء بموجات حرارية تجاوزت المعدلات الطبيعية، وألحقت بالقطاع الزراعى أضراراً أثرت سلباً على إنتاجه، قد امتدت أيضاً لتضرب أراضى دلتا مصر بملوحة زائدة تهدد خصوبتها وتُشى بنزوح المزارعين منها وهى التى تمثل حوالى 50 فى المائة من إجمالى المساحة المنزرعة فى مصر وتسد رمق ملايين المصريين !

 

لا شك أن ملوحة التربة الناتجة عن ارتفاع مستوى سطح البحر «بمقدار 1.6 ملليمتر» سنوياً نتيجة تغير المناخ، أدت إلى تفاقم مشكلة تسرب المياه المالحة بكميات كبيرة وتملح الزراعة فى مناطق كثيرة بمصر، باتت واحدة من أهم المشكلات التى تنغص حياة القطاع الزراعى خاصة فى منطقة الدلتا، التى تمتد بطول 240 كيلو متراً على شاطئ البحر المتوسط.. من الإسكندرية غرباً إلى بورسعيد شرقاً، بل إن الدراسات البحثية قد أشارت إلى تضرر 15 فى المائة من الأراضى الزراعية المنتجة فى الدلتا، جراء تسرب المياه المالحة نتيجة تغير المناخ من ناحية وسوء إدارة الري، والصرف غير الكافى من ناحية أخرى.

 

ووفقًا لدراسة بحثية للتربة (أجريت فى عام 2021) نوَّهت لها الباحثة سناء شريف الحاصلة على درجة الماجستير فى الإدارة البيئية، كانت نسبة التربة المتأثرة بالملوحة إلى إجمالى مساحة الأراضى المنزرعة 60 فى المائة فى دلتا مصر السفلى، و25 فى المائة فى الدلتا الوسطى، و20 فى المائة فى الدلتا العليا ومصر الوسطى، و25 فى المائة فى صعيد مصر، كما أشارت الأبحاث الأخيرة إلى أنه من 30 فى المائة إلى 40 فى المائة من التربة فى دلتا النيل مصنفة كتربة متضررة بفعل الملح، والمؤسف والمقلق حقيقة أنه مِن المتوقع ارتفاع مستويات سطح البحر سنوياً بشكل أسرع وبمعدلات أكبر، وفق تنبؤات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وبالتالى ستزداد ملوحة التربة بنسب تشكل خطرًا على جدوى النشاط الزراعى واستدامته .

 

الباحثون الزراعيون يرون أن الوضع الراهن لتملح التربة حرج؛ لا يقتصر ضرره على النشاط الزراعى واستدامته فحسب، بل إنه يُعرّض النظام البيئى ككل للخطر، ولا تزال هناك حاجة ماسة لمزيد من الأبحاث العلمية المعنية بدراسة المشكلة وكيفية التصدى لها والتعامل معها ومعالجتها، مهما احتاجت المعالجة لوقت طويل، أو تكلفة مالية كبيرة تتطلب ضخ استثمارات ضخمة لابد أن يشارك فيها كل من الدولة والقطاع الخاص، ولكن يبقى الاختيار الصحيح للنباتات أو المحاصيل المراد زراعتها ــ وهو ما لقب علمياً بالزراعات الملحية ــ أهم الطرق للتغلب على الأثر السلبى لملوحة التربة التى تحتم ضرورة التكيف معها والتخفيف من حدتها، بالإضافة إلى التطرق إلى إمكانية استخدام تقنية الاستشعار عن بُعد، باعتبارها أحدث طرق المراقبة والتنبؤ بالنسب المحتملة للملوحة مستقبلاً.

 

وحتى ننهض بالزراعات الملحية، يجب على جميع الأطراف المعنية من مسئولين وباحثين ومستثمرين ومزارعين، العمل بشكل تعاونى سواء بوضع سياسات شاملة تهدف للتوصل إلى حلول مكتملة، وطَرْق كافة السبل لإيجاد وتطوير ممارسات الزراعة الملحية، واعتماد محاصيل وأنواع قادرة على تحمل درجات الملوحة العالية.

 

بالفعل بُذِلت جهود عديدة على مدى العقود القليلة الماضية من قِبل معهد بحوث الأراضى والمياه والبيئة والمركز الدولى للزراعة الملحية ومركز بحوث الصحراء ووزارة الزراعة واستصلاح الأراضى لتحديد إمكانية إنتاج محاصيل غذائية فى التربة الملحية، وفى سبيل تحقيق تلك الغاية توصلت مجموعات بحثية تابعة لمعهد بحوث الأراضى والمياه والبيئة فى مصر إلى أن إضافة الفحم الحيوى الغنى بالكربون للتربة المروية بالمياه المالحة تزيد أو تحسن من إنتاج المحاصيل وتحديدًا القمح، كما تعاونت تلك المراكز والمعاهد البحثية من أجل تحديد الأنماط الجينية لمحاصيل ذات قدرة عالية على تحمل الإجهاد فى ظل الظروف المالحة.

 

ولكن لابد أيضاً من الاهتمام برفع درجة وعى المزارعين بالمزايا التنافسية والقدرة السوقية للمحاصيل الملحية من خلال حملات تطلقها وزارة الزراعة ممثلة فى قطاع الإرشاد الزراعى وبالتعاون مع المراكز البحثية التابعة حتى ينجذبوا لها .

 

فتوعية المزارعين بإمكانات ومزايا الزراعة الملحية لن تجعلها أكثر جاذبية لهم فقط، بل ستمكّنهم من التركيز على تطوير أساليب عروض البيع لمنتجاتها ذات النكهة الطيبة والعوائد المرتفعة والفوائد الغذائية الغنية، مما يدفع المزارعين إلى التراجع عن تهميش أراضيهم وإقبال المستهلكين على المحاصيل المروية بالمياه المالحة، لاسيما وأن دراسة حديثة بجامعة المنيا، توصلت إلى أن هذه النوعية من المحاصيل تنتج ثماراً لها عمر افتراضى أطول ومذاق أطيب.

 

وفى هذا السياق دعونى أذكركم بتحذير أطلقه وزير الرى الأسبق «محمد عبد العاطي» فى عام 2014 قال فيه إن ملايين الأشخاص فى دلتا النيل قد يواجهون النزوح نتيجة ملوحة التربة ونقص المياه الصالحة للزراعة، ونوه إلى أنه يمكن أن تضيع استثمارات بمليارات الدولارات إذا لم تجد مصر أساليب علمية للتكيف مع التغير المناخى الجديد، والتعامل مع ارتفاع نسبة الملوحة فى الأراضى الزراعية!

 

من هنا لابد أن نسلط الضوء على الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للزراعة الملحية، مع وضع حلول مرنة وعملية قابلة للتطبيق، يكون من نتائجها التأثير الإيجابى فى العناصر التى تشكل قرارات المزارعين، والشروط أو الحوافز التى تدفعهم إلى تغيير تقويمهم الزراعى، مع أخذ وجهات نظرهم الفردية والجماعية، بعين الاعتبار.

 

لا شك أن هناك حاجة ماسة لاتخاذ إجراءات فورية لحماية تربة دلتا النيل من تسرب المياه المالحة المرتبط بتغير المناخ، كما نحتاج بالفعل إلى الابتكار فى مجال استغلال أراضيها باستخدام أحدث التكنولوجيات فى الزراعة الملحية، ودعم محاولات التكيف مع تغير المناخ، بما يتيح للمزارعين وصُناع القرار اتخاذ خطوات نحو حماية دلتا النيل التى تتطلب تضافر جميع الأطراف المعنية بالمناخ والزراعة، من أجل التوصل إلى حلول شاملة، قابلة للتطبيق، منها تطبيق سياسات تستند للأبحاث التكنولوجية الحالية والسياسات الزراعية التى تعزز من زراعة المحاصيل ذات القيمة العالية بالمياه المالحة؛ حتى نحد من زيادة الفجوة أو الفرق بين نواتج المحاصيل الحالية ونواتج المحاصيل المحتملة.

 

إن التعامل بجدية مع ملوحة التربة أضحى مسألة حتمية للحفاظ على الإنتاجية الزراعية لأراضى الدلتا، التى باتت مهددة بنزوح مزارعيها وهى التى ظلت تكافح لآلاف السنين من أجل إطعام المصريين.