فى عام 2006 كتب دوجلاس فرح مقالًا فى الـ«واشنطن بوست» بعنوان «إمبراطورية شركات الأُوفشور لجماعة الإخوان المسلمين»، أوضح فيه أن ما يظهر من ثروات وأموال جماعة الإخوان الإرهابية فى مصر وباقى دول العالم، لا يزيد على كونه جزءًا بسيطًا للغاية يمثل الجزء الظاهر من «جبل الثلج»، والذى يختفى معظمه تحت الماء.
تذكرت هذا المقال عندما كشف وزير الداخلية اللواء محمود توفيق أثناء الاحتفال بعيد الشرطة عن مخطط من مخططات الجماعة الإرهابية لإعادة تدوير الجماعة، والتسلل للمجتمع المصري، عبر مجموعة شركات إخوانية بلغت قيمتها التسويقية 4.2 مليار جنيه، استهدفت وعى الشباب، والصفوة والنخب، عبر ضخّ الشائعات بصورة منظمة وعلمية، لتوليد الغضب والكراهية، وتهديد السلام المجتمعي، وتفكيك قيم الانتماء.
لماذا شركات الأُوفشور (Offshore Companies)؟
هذا النمط من الشركات ليكون ستارًا لنشاطهم المالى والاقتصادى المشبوه؛ لأنها شركات عابرة للحدود، وتحتمى بالنظام الاقتصادى العالمي، يتم تأسيسها فى دولة أخرى غير الدولة التى تمارس فيها النشاط الاقتصادي، وتتمتع هذه الشركات بغموض كبير، يجعلها بعيدة عن الرقابة فى البلاد ذات الأمان الضريبى والمعلوماتي، حيث لا توجد متابعة أمنية ولا تحقيق هويات لأصحاب الشركات، ولا توجد أى سجلات عن أنشطة الشركة ومعاملاتها، وهو ما جعلها تنجح فى العمل حتى الآن بعيدًا عن أنظار أجهزة المخابرات والمنظمات القانونية التى تطارد هياكل تمويل الإرهاب فى كل أنحاء العالم، وهى الميزة التى من أجلها وقع اختار الإخوان للعمل وفق هذه الشركات، فأسّسوا سلسلة من هذه الشركات وهى جزء لا يتجزأ من قدرة التنظيم على إخفاء ونقل الأمول حول العالم.
يوسف ندا.. حامل أسرار خزائن الإخوان
ومن المعروف أن يوسف ندا رجل الإخوان التاريخى حامل أسرار خزائن الإخوان، ومنسق العلاقات الدولية فى التنظيم الدولي؛ سافر فى 28 يناير 2002 من محل إقامته فى إيطاليا إلى سويسرا، ومنها إلى مدينة «وفادوز» عاصمة إمارة ليختنشتاين، وهناك قام بتغيير أسماء العديد من الشركات وفى نفس الوقت تقدم بطلب لتصفية شركات جديدة، وعيّن نفسه مسئولًا عن تصفية هذه الشركات، ليبتعد عن المتابعة الدولية لأنشطته وأنشطة الجماعة، وهو نفسه بعد أن رفع عنه الحذر قام بتأسيس شركات جديدة لضمان تدفق الأموال على الجماعة من هذه الشركات: شركة«Jordan Company Secretaries Limited» ، وتأسست فى 2007، وتعمل فى مجال توفير الخدمات للشركات البريطانية وخدمات المعلومات التجارية، وشركة «BS Altena AG» تم تأسيسها فى عام 2010 وتعمل فى مجال العقارات طويلة الأجل، فى بريطانيا 5 مؤسسات أخرى، منها «Takaful Trust» ، وhe Renaissance Foundation»، إلى جانب شركة «Hassan El Banna Foundation»، بعضها تم وقف نشاطه بعد 2011 والبعض استمر حتى الآن، بالإضافة إلى شراء أسهم فى شركة «دايو»، وامتلاك شركات متعددة فى مجالات مختلفة منها بتركيا واليونان، كما تتحكم الجماعة فى 13 مؤسسة خيرية ومالية كبرى ببريطانيا، يستثمرون فيها أيضًا الأموال فى قطاعات مختلفة، مثل تجارة التجزئة والقطاع المالى والملابس، وتعتمد الجماعة على هذه المؤسسات فى تمويل أنشطتها.
التحويل والتمويل
تتم عملية تحويل الأموال لشركات الإخوان بالداخل عبر مجموعة من العمليات الاقتصادية المعقدة، فتحت ستار صفقات تجارية ومعاملات بنكية وهى عملية يجيدها الإخوان تمامًا من خلال شبكة شركات يملكونها فى أماكن شتى من العالم، توفر هذه الشبكات الوسائل والطرق التى تساهم فى نقل قدر كبير من الأموال السائلة لهذه العمليات، ومن الملاحظات العجيبة أن ذات الأشخاص متداخلون فى إدارة شركات الإخوان، فعلى سبيل المثال، هناك شبكة مؤسسات الإخوان الإرهابية فى ناسو بجزر البهاما، وكلها مسجلة عناوينها على عنوان شركة المحاماة «آرثر هانا وأبناؤه»، انضم عدد من أفراد عائلة هانا إلى مجلس إدارة البنوك والشركات الإخوانية وتولت شركة المحاماة المعاملات القانونية لمؤسسات الإخوان، ومثلت الشركات فى عدد من القضايا، كما أن العديد من مديرى الشركات التى لا تعد ولا تحصى للإخوان يخدمون كمديرين فى عدة شركات فى نفس الوقت، هذه المؤسسات المالية تعقد صفقات لصالح شركات إخوانية بالداخل المصرى. ودون الدخول فى أسماء الشركات، فقط ليعلم القارئ أن أخطبوط الإخوان الاقتصادى يحتاج إلى جهود جبارة لكشفه ووقف مخططه الشيطاني، تحفظت الدولة المصرية على 89 شركة تابعة للإخوان الذين تم إدانتهم قضائيًا بتهم تخص الإرهاب، وتختلف الأنشطة، وتتنوع ليسهل التهرب من المتابعة، وتصنيف أنشطتهم كالتالى (13 شركة عقارات سواء إنشاء أو تسويقا أو خدمات، و8 شركات ملابس جاهزة، و9 شركات أجهزة إلكترونية، و4 شركات برمجيات، و7 شركات تعمل فى مجال الإعلام، و12 شركة نشر وتوزيع، و6 شركات تعمل فى مجال استصلاح الأراضى الزراعية، و4 شركات تعمل فى مجال التعدين، و4 شركات فى الإنتاج وتوزيع المواد الغذائية، و6 شركات تعمل فى مجال الاستيراد والتصدير، و7 شركات تعمل فى مجال السياحة، و9 شركات تعمل فى مجال الخدمات والمستلزمات الطبية)، هذه القائمة لم تُدرج بها المستشفيات، ولا الجمعيات الأهلية بما تملكة من حسابات وأنشطة مالية، ولا المدارس ولا المؤسسات التى لم يُدَن فيها أصحابها، واقتصايات الشركات التى لم يتم حصرها أو التحفظ عليها اقتصادياتها أكبر بكثير من الرقم المتداول.
المموّل السرى واستمرار تدفق الأموال
قد يتبادر للذهن أن الجماعة بهذه المؤسسات الاقتصادية تعنى أن أفرادها ناجحون اقتصاديًا، وهذه أكذوبة يروّج لها الإخوان، والحقيقة أن هذه الشركات وتلك الأموال ليست نتاج نجاح اقتصادي، بل هى ستار لأعمال غسيل الأموال الذى تديره الجماعة بالخارج، وهى ستار لتمويل الجماعة وإخفاء الأموال فيها، بدليل أن الجماعة فى كل مراحلها سواء كانت فى مرحلة انتصار أو مرحلة انكسار لديها نشاط اقتصادى مختلف، يتوافق مع الأحوال الاقتصادية للمجتمع وقتها تلجأ إليه لتخفى تمويلها، ولا تنشغل الجماعة ولا تهتزّ بمصادرة أموالها أو أموال أفرادها، أو بوقف نشاط شركاتها أو بمصادرتها، ولا يقف عضو من الإخوان متحسرًا أو مدافعًا عن ممتلكاته لأنها ببساطة ليست من ممتلكاته ولا من ممتلكات الجماعة، هى ببساطة أموال وممتلكات المانحين والمموّلين السريين، الذين يتعهدون فى كل مرة بتعويض الجماعة بشركات وأساليب اقتصادية بدلًا من تلك التى تمت مصادرتها.
أما بعد 30 يونيو 2013 وبعد ثورة الشعب عليهم والإطاحة بحكمهم ورفض شعبى أكبر من أجهزة الدولة ذاتها، فاستخدم الإخوان كل قدراتهم للعودة للسلطة ولو بهدم الدولة على الشعب المصري، ووضح لكل عين بصيرة حجم الأموال التى كانت تتدفق عليهم فى معسكرى «النهضة» و«رابعة» المسلحين، والإنفاق بكثافة على الموجودين وعلى الأنشطة اليومية بشكل مبالغ فيه، هنا جاء دور الشركات التابعة للإخوان وكشفت عن نفسها، كمساند وممول لكل الأعمال الإرهابية والإجرامية التى تمّت فى «رابعة» وما بعدها، فموّلوا اللجان النوعية المسلحة للقيام بالتخريب المتعمد للبنية التحتية، وهاجموا كل المؤسسات سواء الشرطية أو القضائية أو حتى الخدمية كالكهرباء والمياه وسكك حديد مصر، وأنفقوا على اللجان الإلكترونية التى تنشر الشائعات وتخرّب العقول، كل هذه الجرائم تمت بأموال شركات الإخوان وبتوجيهاتهم ورعايتهم.
عملية تحويل الأموال لشركات الإخوان بالداخل تتم عبر مجموعة من العمليات الاقتصادية المعقدة تحت ستار صفقات تجارية ومعاملات بنكية.