رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الرئيس السيسى رفض «التهجير والتصفية» منذ ٧ أكتوبر مصر.. رسائل تاريخية لـ«صون القضية الفلسطينية»


1-2-2025 | 00:23

صورة أرشيفية

طباعة
تقرير: محمد رجب

«تهجير الفلسطينيين خط أحمر»، عقيدة راسخة لطالما أكدت عليها القيادة المصرية منذ عشرات السنين رافضة كل المخططات التى حيكت فى هذا السياق، من منطلق أن القضية الفلسطينية هى أم القضايا ولن تقبل القاهرة تفريغها من مضمونها بتهجير أبناء الشعب الفلسطينى من أرضهم قسرا أو حتى تحت أى ذريعة.

 

الرسائل المصرية الرسمية لطالما كانت حاضرة ومباشرة إلى المجتمع الدولى بأسره، لم تتنازل القاهرة يومًا عن حقوق الفلسطينيين، ولم تقبل أى مبادرات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، بل بادرت لدعوة العالم كله إلى العمل على التنفيذ الفعلى لحل الدولتين، باعتباره الحل الأوحد لإنهاء الصراع المتواصل فى هذه المنطقة، بما فى ذلك تجسيد الدولة الفلسطينية على كامل ترابها الوطنى المتضمن لقطاع غزة والضفة الغربية بما فى ذلك القدس الشرقية.

ولعل البيان الصادر عن وزارة الخارجية مؤخراً خير دليل على الموقف المصرى الراسخ من مخططات التهجير، إذ أكدت مصر استمرار دعمها لصمود الشعب الفلسطينى على أرضه وتمسكه بحقوقه المشروعة فى أرضه ووطنه، ورفضها لأى مساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف، سواءً من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواءً كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل، وبما يهدد الاستقرار وينذر بمزيد من امتداد الصراع إلى المنطقة، ويقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها.

 

رفض التهجير صراحة عبّر عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى صراحة فى أكثر من مرة، وستظل كلماته عالقة فى أذهان كثير من القادة الأوروبيين الذين خاضوا رحلات مكوكية إلى القاهرة فى محاولة «خبيثة» لإقناع القاهرة بفكرة التهجير، بيد أن الموقف المصرى الحاسم والقوى واجههم ليعودوا أدراجهم من حيث أتوا.

 

مشاهد القادة والمسؤولين الأوروبيين والأمريكيين لا تزال حاضرة، نتذكرها كلما سمعنا عن تجدد دعوات التهجير، فمن ينسى المؤتمر الصحفى المهم للرئيس السيسى مع المستشار الألمانى أولاف شولتس بعد بضعة أيام من أحداث السابع من أكتوبر، حينما أكد- دون مواربة- أن مصر لا يمكن أن تسمح بالتهجير القسرى للفلسطينيين.

 

رؤية الرئيس السيسى للحرب الإسرائيلية على غزة، بعد 10 أيام فقط من اندلاعها، ثبت بما لا يدع مجالا للشك دقتها وصدقها، فهو أول من تحدث خلال مؤتمره مع مستشار ألمانيا أن ما يحدث فى قطاع غزة هو محاولة لدفع السكان والمدنيين إلى النزوح نحو مصر، مشددا وقتها على أنه إذا كان من الضرورى نقل مواطنى القطاع خارجه حتى انتهاء العمليات العسكرية، فيمكن لإسرائيل نقلهم إلى صحراء النقب.

 

الأمر لم يكن مختلفًا فى لقاء الرئيس السيسى ووزير الخارجية الأمريكى السابق أنتونى بلينكن فى القاهرة، خلال أكتوبر 2023، حيث حذره من مغبّة التأخير فى حل القضية الفلسطينية ما سيترتب عليه مزيد من الضحايا، وكذلك من الممارسات الإسرائيلية بالقطاع، ما دعا الضيف الأمريكى للتأكيد على أن بلاده ترفض أى تهجير قسرى للفلسطينيين من غزة.

 

ولا تزال كلمات الرئيس السيسى محفورة فى الذاكرة حينما خاطب المجتمع الدولى أجمع من قمة «القاهرة للسلام» بعد أيام من الحرب، مؤكدًا أن العالم لا يجب أن يقبل، استخدام الضغط الإنسانى، للإجبار على التهجير، مشددا على رفض مصر التام للتهجير القسرى للفلسطينيين، ونزوحهم إلى الأراضى المصرية فى سيناء، باعتبار أن ذلك ليس إلا تصفية نهائية للقضية الفلسطينية وإنهاء لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة، وإهدارًا لكفاح الشعب الفلسطينى، والشعوب العربية والإسلامية، بل وجميع الأحرار فى العالم، على مدار 75عامًا، هى عمر القضية الفلسطينية.

 

الرئيس حينها قال بشكل واضح إنه يخطئ فى فهم طبيعة الشعب الفلسطينى، من يظن، أن هذا الشعب الصامد راغب فى مغادرة أرضه، حتى لو كانت هذه الأرض تحت الاحتلال أو القصف.

 

وكانت الرسالة الأكثر ملاحظة حينها حينما أكد الرئيس السيسى للعالم بوضوح ولسان مبين، وبتعبير صادق، عن إرادة وعزم جميع أبناء الشعب المصرى فردًا فردًا: أن تصفية القضية الفلسطينية، دون حل عادل، لن يحدث، وفى كل الأحوال، لن يحدث على حساب مصر.

 

موقف مصر من التهجير «ثابت وراسخ»

 

يقول السفير محمد العرابى وزير خارجية مصر الأسبق، ورئيس المجلس المصرى للشؤون الخارجية، إن: اقتراح ترامب مرفوض من الجميع خاصة مصر التى أكدت مرارا وتكرارا رفضها لتصفية القضية الفلسطينية وإصرارها على إقامة دولة فلسطينية وهو ما أكد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة.

 

وأضاف أن اقتراح ترامب من شأنه منح إسرائيل انتصارا سياسيًا يعوض ما عجزت عن تحقيقه ميدانيًا، خاصة أن تهجير الفلسطينيين يعنى قطعا تصفية القضية الفلسطينية فى ظل إصرار أبناء الشعب الفلسطينى على التمسك بأرضهم، وحديث مصر فى هذا السياق كان واضحا، حيث أكدت على أن مبدأ تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير شعب هذا البلد مرفوض من قبلها، ولا يمكن أن تسمح به فى أى حال من الأحوال.

 

«العرابى «أوضح أن الإشكالية الكبرى تكمن فى أن الإدارة الأمريكية الجديدة تريد أن تعطى إسرائيل ما عجزت سابقاتها عن إعطائه، حيث يتضح ذلك من خلال قراراتها فى أيام ولايته الأولى، فلم تلبث حتى رفعت العقوبات عن المستوطنين الإسرائيليين ومنحتهم القنابل التى حظرت عنهم فى السابق، فضلًا عن القرارات التى اتُخذت فى ولايته الأولى، بما فيها نقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب «إلى»القدس»، وعليه، فإن حديث» ترامب»عن الرغبة فى تهجير الفلسطينيين يتم بشكل علنى وليس بالخفاء.

 

ويقول السفير محمد حجازى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن مصر لا تنظر للتصريحات المتعلقة بالتهجير وتتعامل بواقعية لرفع المعاناة عن الفلسطينيين بدليل ما دعا به وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطى للبدء على الفور فى الإعداد لعملية إعادة إعمار غزة، بمشاركة كل دول العالم من أجل تقديم الدعم لغزة بعدما شهدته من عدوان طال كل مرافق الحياة فيها، مؤكدا أن مصر ستسعى فى الفترة المقبلة لتثبيت أركان الحكم فى قطاع غزة وفلسطين، بما يحقق وحدة الفصائل، ويسعى من أجل العمل على مواجهة مخاطر المرحلة، والعمل فى إطار حل الدولتين، وحتى يكون المستقبل لوحدة الضفة والقطاع.

 

وشدد مساعد وزير الخارجية الأسبق على أن الجهد المصرى كان ولا يزال جهدًا صادقًا يسعى لمصلحة الشعب الفلسطينى وصون حقوقه، وكان دوما محل تقدير دول العالم المختلفة، مؤكدا أن موقف مصر الصلب أفشل مساعى الاحتلال لفرض الهجرة القسرية وكافة الضغوط التى مُورست فى هذا الاتجاه، كما أن مصر ستسعى فى مرحلة إعادة التعمير وما بعد المشهد الحالى، وصولاً إلى إطلاق مسار سياسى يقود إلى إدراك الجميع أن حل الدولتين هو المدخل الطبيعى لأمن واستقرار المنطقة ولمصلحة كافة دول العالم وشعوبه وهذا ما تسعى له حاليا وستمضى تصريحات ترامب كسابقه ولن تغير مصر موقفها الثابت من القضية الفلسطينية.

 

مخططات التهجير.. برعاية إسرائيلية

 

الخبير فى الشؤون الإسرائيلية، الدكتور إبراهيم أبو جابر، يرى أن مخططات التهجير حاضرة فى إسرائيل منذ عشرات السنين وكم من خطط ومشروعات تهجير طرحت فى السابق وفشلت جميعها كان من بينها اقتراح ترامب فى ولايته الأولى تحت عنوان صفقة القرن، حيث يريد الكل فى إسرائيل تهجير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين سواء بعشرات الآلاف أو مئات الآلاف، وهو الوتر الذى حاول نتنياهو مؤخرا مغازلة ترامب به من البداية، ولا أستبعد أن تكون هذه الفكرة قد وصلت من خلال مكتب نتنياهو.

 

وأضاف أبو جابر، أن هناك توافقا بين الحكومة الإسرائيلية، على أن التهجير هو الحل الأمثل للصراع، ولكن هذا الحل لا يمكن أن يمر ، مشددا على أن الفلسطينيين فى قطاع غزة الذين يصطف الآلاف منهم منذ أيام على شارع صلاح الدين والرشيد بانتظار العودة إلى مدينة غزة بعد نزوح استمر عدة أشهر، يؤكدون رفض أى محاولة للتهجير، بل يعلنون تمسكهم بحق العودة إلى مدنهم وقراهم داخل فلسطين المحتلة منذ عام1948، فعلى مدار 15 شهرًا سعى الاحتلال لتفريغ محافظتى غزة والشمال عبر عشرات أوامر التهجير والغارات الدموية إلا أن مئات الآلاف تمسكوا بالبقاء وواجهوا الموت والجوع وأفشلوا مخطط التهجير.

 

وشدد «أبو جابر» على أن تنفيذ هذا المخطط ليس سهلاً، لأنه سيتعارض مع أى تسوية مستقبلية، خاصة أن الشعب الفلسطينى يرفض التهجير القسرى مهما كانت الظروف، ولدينا ما يؤكد ذلك من الآلاف الذين فضلوا الشهادة على الهجرة، ولن يقبلوا بأن تكون أرضهم محلًا لتجارب الآخرين.

 

وحول السيناريو المفترض لمحاولة تهجير سكان غزة قسريًا إلى مصر، يرى السفير عاطف سيد الأهل سفير مصر الأسبق فى تل أبيب أن فكرة تهجير أهالى غزة بزعم إعادة إعمارها المقترحة من ترامب مرفوض شكلا وموضوعا سواء من الفلسطينيين أنفسهم أو من مصر والأردن اللتين أشار لهما ترامب فى تصريحاته، موضحا أن هذه الفكرة تمثل جزءًا من خطط إسرائيل لتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها لتحقيق هدف إقامة دولة يهودية خالصة على كامل الأراضى الفلسطينية التاريخية.

 

وقال إن فكرة التهجير تتناقض مع اتفاقية جنيف الرابعة وقصة التهجير تعود لسنة 1954 حينما أراد وزير الخارجية الأمريكية توطين 12 ألف فلسطينى فى مصر، ثم 1970 كانت هناك خطة وأفشلتها حرب 6 أكتوبر، وفى 2006 كانت هناك 3 خطط تحت عنوان الأرض مقابل الأرض فى 2010 كان هناك خطة فى تحويل مملكة الأردن لتضم كل الفلسطينيين ثم جاء ترامب وخطته فى الولاية الأولى والتى رفضتها القيادة المصرية ثم جاءت خطة سموتريتش وزير المالية الإسرائيلى بالسيطرة على الضفة الغربية بشكل كامل والإعلام الإسرائيلى تجاوب مع هذه المقترحات بأن تتنازل مصر عن 10 فى المائة من سيناء وتطورت العملية بعد طوفان الأقصى، أما خطة إسرائيل فجاءت باعتداءات المستوطنين على مواطنى الضفة الغربية من أجل تفريغها.

 

وأوضح أن تهجير الفلسطينيين يعنى عمليًا القضاء على فرص إقامة دولة فلسطينية، مشيرًا إلى أن الشعب الفلسطينى رغم ما يتعرض له من إبادة جماعية وتجويع وتدمير للبنية التحتية، لا يزال صامدًا فى أرضه بشكل أسطورى.

 

وأشار إلى أن الجهود المصرية الكبيرة ساهمت فى منع تهجير الفلسطينيين والحفاظ على حقوقهم، مضيفًا أن الصحف الإسرائيلية نفسها بدأت تثنى على صمود الشعب الفلسطينى، كما ورد فى تقارير حديثة بصحيفة «يديعوت أحرونوت».

 

فيما يرى جبريل رجوب، عضو حركة «فتح» أن تهجير أهالى غزة يمثل سياسة قادة اليمين الفاشى فى إسرائيل مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، مطالبا الرئيس الأمريكى أّلا يكون جزءاً منها، وعلى ترامب ألا يكون شريكاً للاحتلال الإسرائيلى فى عملية التطهير العرقى التى يمارسها بحق الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة والضفة الغربية.

 

وقال «رجوب»، إن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة هى مصدر الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط موضحا أن أهل غزة لم يغادروا أرض وطنهم وهم يتعرضون للقصف والقتل والتدمير، فقد تعرض 10 فى المائة من سكان القطاع للاستشهاد والإصابة والاعتقال فى هذه الحرب، وتعرض 70 فى المائة من بيوتهم وممتلكاتهم للدمار دون أن يخطر فى بالهم الرحيل عن أرض وطنهم، كما أن شعبنا الفلسطينى فى قطاع غزة تحمل الموت والدمار على مدار 15 شهراً فى أكبر جريمة تعرفها البشرية فى القرن الحادى والعشرين، على ألا يغادر أرضه ووطنه»، ولذلك لن يقبل بأى عروض أو حلول، حتى لو كانت ظاهرها نوايا حسنة تحت عنوان إعادة الإعمار.

 

وأضاف أن الشعب الفلسطينى كما أفشل على مدار عقود كل خطط التهجير والوطن البديل سيفشل كذلك مثل هذه المشاريع، وهو قادر على إعادة بناء غزة وأجمل مما كانت بشرط رفع الحصار عن القطاع.

 

ويقول الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن مصر اتخذت موقفًا واضحًا منذ بداية الحرب، قام على رفض مخطط التهجير القسرى والطوعى لسكان قطاع غزة بشكل قاطع، وهو الرفض الذى منع تصفية القضية الفلسطينية، لأن أى محاولة لتهجير الفلسطينيين كانت ستؤدى إلى تدمير هذه القضية، مشددا على أن الموقف المصرى لعب دورًا أساسيًا فى تقوية موقف الشعب الفلسطينى، الذى تعرض لأكبر المذابح فى تاريخه الحديث، وكان الموقف المصرى ركيزة له فى رفض التهجير.

 

وأشار إلى أن القاهرة كانت حازمة بشأن معبر رفح، ورفضت أى محاولات لإلغاء الوجود الفلسطينى فى المعبر، أو استبداله بوجود إسرائيلى، وهذا الإصرار من قبل مصر أسهم فى الحفاظ على السيادة الفلسطينية، ومنع شطب وجود الفلسطينيين فى المنفذ الوحيد الذى يربط غزة بالعالم الخارجى، بعيدًا عن السيطرة الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن الاتفاق الأخير يشمل تشغيل معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية والطبية، بالإضافة إلى المعدات اللازمة لإعادة الإعمار ورفع الأنقاض، موضحا أن مصر لن تقبل بأى شكل من الأشكال اقتراح ترامب بتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها بذريعة إعادة الإعمار، خاصة أن القيادة المصرية تعى منذ البداية كافة المخططات الإسرائيلية التى تريد تصفية القضية الفلسطينية بتهجير أهالى القطاع إلى سيناء وهو أمر مرفوض مصريا وفلسطينيا.

 

وشدد «الرقب» على أن مصر ستكون بوابة أساسية لخروج المرضى والجرحى من غزة لتلقى العلاج فى المستشفيات المصرية، ما يعكس التعاون الوثيق بين القاهرة والفلسطينيين فى كل الأوقات، وستظل مصر فى مركز هذا الدور، مع توليها ضمانات الهدنة بين الطرفين، بما يجعلها ضامنًا أساسيًا للاستقرار فى القطاع، وهو ما يعكس تاريخها الطويل فى دعم القضية الفلسطينية على مختلف الأصعدة.