من جديد، تطفو على السطح الإقليمى مخططات تهجير الفلسطينيين خارج حدود أراضيهم بما يتبعه تصفية للقضية الفلسطينية، لكن هذه المرة كان الأمر أكثر مباشرة بتصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بدعوة «خبيثة» لاستقبال مصر والأردن سكان غزة والضفة الغربية.
الدكتور محمد مجاهد الزيات، المستشار الأكاديمى للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أكد أن تهجير الفلسطينيين ليس فكرة مُستحدثة، بل مشروع صهيونى قديم ظهرت ملامحه عام 2008، مستهدفًا تأسيس «دولة يهودية خالصة» على الأراضى الفلسطينية.
«الزيات» شدد فى حوار لـ «المصوّر» على أن هذه المخططات تحمل فى طياتها العديد من المخاطر الواسعة، على رأسها ما تمثله من استهداف فادح للأمن القومى المصرى، الأمر الذى لن تقف معه القاهرة مكتوفة الأيدى، بالإضافة إلى تأثيرها على الواقع السياسى والاجتماعى للأردن التى لن تصمت هى الأخرى، فضلًا عن كونه يمنح قبلة الحياة للمشروع الإيرانى بإحياء ما يسمى بـ«محور المقاومة».. وإلى نص الحوار:
إدارة «بايدن» أثارت قضية التهجير عقب أحداث ٧ أكتوبر، والرئيس السيسى كان حاسمًا فى رفضها، معتبرًا إياها «خطًا أحمر» بالنسبة لمصر
بداية.. ما قراءتك لتصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن؟
ما ذكره ترامب ليست تصريحات جديدة، وليست المرة الأولى التى يطرح فيها ترامب قضية التهجير، إذ سبق أن تحدث عن تهجير الفلسطينيين إلى إندونيسيا، والفكرة ليست مستحدثة، بل مشروع صهيونى قديم ظهرت ملامحه فى عام 2008 بمشروع مستشار الأمن القومى الإسرائيلى السابق جيورا آيلاند، والذى تحدث عن ضرورة حل مشكلة اللاجئين التى يعتبرها إحدى عقبات تحقيق المشروع الإسرائيلى بتهجير سكان غزة إلى سيناء، وسيناء الضفة إلى القطاع، وبذلك تصبح الدولة اليهودية خالصة حسب وجهة نظره، ورفض هذا المشروع فى حينه لكنه يتكرر من حين لآخر.
الأمر الثانى أن وزراء اليمين المتشدد طرحوا هذه الأفكار طوال العام الماضى وأعادوا تداولها بشكل مكثف فى أعقاب أحداث السابع من أكتوبر، وخاصة من الوزيرين المتشددين والعنصريين بتسئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، بقولهما إنه «لا بد من إبعاد الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية»، وبالتالى فالفكرة قائمة وهى مشروع صهيونى قديم.
برأيك.. لماذا يتجدد الحديث عن هذا المشروع عبر «ترامب»؟
تصريحات الرئيس الأمريكى تأخذ معنى سطحيا وشكليا بأنه يريد إخلاء المكان لكى تتم عملية إعادة إعمار غزة، لكن فى حقيقة الأمر هو إخلاء للمنطقة لأن عملية الإعمار يمكن أن تتم والسكان موجودون، فهناك الكثير من المناطق الخالية بالقطاع، والإعمار لن يتم على كامل المساحة فى وقت واحد، بل سيكون عبر مناطق محددة وفى توقيتات مختلفة، وبالتالى يمكن إقامة مساكن إيواء بمستوى متميز لكى يعيش فيه السكان طوال فترة إعادة الإعمار ويتم توفير كل متطلبات الحياة لهؤلاء السكان، وبالتالى يتم حل هذه القضية، لكن القضية ليست توفير ظروف تسمح بالإعمار، لكن الهدف هو تهجير السكان من المنطقة بعدما فشلت الجهود التى بذلت.
ولنتذكر أن هذه القضية جرى طرحها من الرئيس السابق جو بايدن، ووزير خارجيته أنتونى بلينكن، ورفضتها مصر بشكل حاسم، وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى واضحًا حينما عبر عن ذلك صراحة فى مؤتمر صحفى مع وزير الخارجية الأمريكى بأنه لا تهجير وهذا خط أحمر بالنسبة لمصر ويهدد أمنها القومى، وبالتالى فالقضية ليست قضية ترامب، ولكن قضية إدارة أمريكية تخدم الخط الصهيونى بصورة أساسية.
هل نتوقع من «ترامب» أن يتخذ خطوات متسارعة للدفع بهذا المخطط؟
«ترامب» طرح الفكرة كتصريح، ولم يحدد عناصر ما يريده، وبالتالى فما قاله تحريك للمياه، حتى يعرف التداعيات التى يمكن أن تتم، لكن القضية فى الأصل هى قضية فلسطينية، والموقف الفلسطينى يمثل فيها الأساس.
هل يؤثر هذا الطرح على الهدنة فى غزة؟
طرح الفكرة الآن ربما يشوش على عملية وقف إطلاق النار أو تحقيق السلام والذى يعتبره شخصيًا هدفا أساسيا له، وبالتالى فهو بهذه التصريحات يعوّق تنفيذ القرار الذى تحدث عنه ورؤيته لتحقيق السلام وليس إثارة التوتر والقلق، وأعتقد أن «ترامب» سيعمل فى المرحلة التالية على إيضاح ما يريده على وجه التحديد، وإن كان يريد التهجير حقيقة أو إخلاء منطقة معينة، أو إن كانت فى نيته طرح مشروعات أخرى تحقق هدفه.
ما المخاطر المباشرة لهذه المخططات على الأمن الإقليمى برمته بالنظر لكونه على «فوهة بركان» منذ السابع من أكتوبر؟
بالطبع، هناك الكثير من المخاطر المباشرة تتعلق بقضية التهجير إلى سيناء، فهذا يعنى استهداف الأمن القومى المصرى بصورة كبيرة، ومصر بالطبع ستتخذ مواقف رافضة لذلك، وستدافع بكل الوسائل، وربما تحتج إسرائيل وتعتبر بعض الإجراءات التى ستتخذ تجاوزا لمعاهدة السلام بالنظر لأن اتخاذ أى دولة من الدولتين اللتين وقعتا المعاهدة إجراء يهدد الأمن القومى لدولة أخرى يعتبر خروجًا عن الإطار العام للمعاهدة، ولا أعتقد أن إسرائيل يمكن أن تغامر بذلك، كما لا أعتبر أن الوضع يحتمل مثل هذه القلاقل.
النقطة الثانية أن تهجير مزيد من الفلسطينيين من الضفة إلى الأردن، يُغير من الهيكل السياسى والاجتماعى للأردن، وهذا عامل خطير للغاية بالنسبة لاستقرار المملكة، وأعتقد أن الأردن لن يصمت إزاء هذا الموضوع.
الأمر الآخر، أن طرح مثل هذا الموضوع الآن يعطى قبلة الحياة للمشروع الإيرانى الذى تراجع خلال الفترة الماضية ومبررًا لها للوقوف إلى جانب محاولة إحياء ما يسمى بـ «محور المقاومة»، وربما تدفع مثل هذه الأمور الفصائل والقوى الفلسطينية لتوحيد الموقف الفلسطينى لمواجهة هذا الخطر الذى يعتبر خطرًا وجوديًا للفلسطينيين والقضية برمتها.
كيف ستتصدى مصر والأردن لهذه المخططات وبخاصة مع «ترامب»؟
مصر سترفض قطعًا هذا التوجه على كافة المستويات الرسمية والشعبية والدبلوماسية، وكذلك سيفعل الأردن، إذ لا يمكن بأى حال من الأحوال التماهى مع الأطروحات الصهيونية لتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة، وأعتقد أن هناك خطوات كثيرة تدرسها الإدارة المصرية حالياً يمكن أن تتخذها خلال الفترة المقبلة.
هل تعتقد أن الظهير الشعبى المصرى بصفة خاصة والعربى بصفة عامة، سيكون له دور فى التصدى لهذه المخططات؟
بالتأكيد، وقد بدأت العديد من المواقف الداعمة للقيادة السياسية فى رفض مخططات التهجير، وهذا تأكيد
على وحدة الصف فى وجه هذه المخططات.