رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

هل يُطفئ الحرائق أم يُزيدها اشتعالًا؟


1-2-2025 | 17:57

الكاتب الصحفى محمد الشافعى

طباعة
بقلم:محمد الشافعى

يبذل الصحفيون حول العالم جهودًا جبارة.. البحث عن (المانشيتات الساخنة).. التى تجذب القارئ.. وتحمل فى ذات الوقت مضمونًا مفيدًا، ومحترمًا.. ومثل تلك المانشيتات عادة قليلة جدا.. ويمثل الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب كنزًا حقيقيًا لكل وسائل الإعلام فى العالم.. فكل تصريحاته تقريبًا تصلح لكى تكون عناوين جذابة وجاذبة.. وقد تناثرت تصريحات الرجل قبل وبعد حفل التنصيب (20 يناير الماضى).. لتنتشر على كامل خريطة العالم.. فمن الصين إلى روسيا.. ومن كندا إلى المكسيك.. ومن أوروبا إلى آسيا وإفريقيا.. وقد حظيت منطقتنا العربية بكثير من التصريحات الأكثر سخونة من ترامب.. حيث هدد صراحة بتفجير المنطقة كلها إذا لم يتم الإفراج عن أسرى الكيان المحتل لدى فصائل المقاومة الفلسطينية.. ورغم هذه التصريحات التى تبدو مرعبة.. أرسل مندوبه إلى العاصمة القطرية الدوحة.. ليضغط على كل الأطراف.. ويتمكن من إنجاز اتفاق وقف العدوان على غزة.. ذلك الاتفاق الذى عرضته إدارة الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن.. منذ شهر مايو الماضى (2024)..

ولكن الكيان المحتل راح يبتكر كل وسائل التسويف والمماطلة انتظارا لمجيء الرئيس ترامب، ويؤكد اتفاق وقف العدوان على غزة أننا يجب ألا نتسرع فى التعامل مع تلك التصريحات النارية التى يطلقها ترامب ليلا ونهارا.. وعلينا أن نعد أنفسنا.. لنجعل من ترامب (فرصة ذهبية) للعمل على حل المشاكل المزمنة فى منطقتنا العربية.. أو على الأقل إزالة التهاب تلك المشاكل.. بدلًا من أن يعمل الآخرون على استغلال وجود ترامب فى زيادة هذا الالتهاب.. والأهم فى العمل على تكريس تلك الأزمات لتمثل أعباء جديدة وخطيرة على منطقتنا العربية.. وفيما يلى سنحاول التوقف أمام بعض المشاكل العربية.. وكيفية استثمار وجود ترامب للعمل على حلها:

أولًا: نبدأ بالوضع شديد الالتهاب فى السودان.. وذلك الصراع البغيض.. بين الجيش الوطنى بقيادة البرهان.. وميليشيا الدعم السريع بقيادة حميدتى.. ذلك الصراع الذى كاد يتحول إلى حرب أهلية.. تهلك الأخضر واليابس فى تلك الدولة المنكوبة.. وقد خرجت بوادر موقف مهم من الإدارة الأمريكية الجديدة.. برفع الدعم والتأييد لميليشيا الدعم السريع.. وتستطيع أمريكا بما لها من نفوذ على القوى الخارجية الفاعلة فى الأزمة السودانية.. أن تردع هذه القوى.. وتمنعها من استمرار تدمير السودان.. ويأتى على قمة هذه القوى بريطانيا.. وبعض الدول العربية.. وإذا ما نجح ترامب فى ذلك.. يستطيع الشعب السودانى أن يحافظ على وحدة أراضيه.. والدعوة إلى انتخابات حرة تأتى بمن يرتضيه السودانيون لكى يحكم دولتهم.. ويتبقى أمران من أزمة السودان.. الأول أن بعض القوى السودانية المدنية تدعو إلى تكوين حكومة بعيدة عن طرفى الصراع.. وهذا الأمر لو تم سيعمل على زيادة اشتعال الأزمة.. ولن يعمل على إنهائها.. أما الأمر الآخر.. فقوات ميليشيا الدعم السريع تنسحب إلى دارفور.. تلك المنطقة التى تردد اسمها كثيرًا عبر السنوات الماضية على اعتبار أنها خطوة الانفصال الجديدة فى الأراضى السودانية.. ولو وجد الرئيس ترامب موقفا سودانيا وعربيا موحدا.. فسيعمل على وحدة الأراضى السودانية.. وهذا لن يكون مجانيا لأن الثروات الطبيعية فى السودان هى سبب المشكلة.. وهى الطريق إلى الحل أيضا.

ثانيا: كانت إدارة الرئيس الأمريكى السابق بايدن رأس الحربة فى الصفقة التى تمت على الأراضى السورية.. بين أمريكا وتركيا والكيان المحتل فى جانب.. وروسيا وإيران على الجانب الآخر.. والموقف فى سوريا شائك وغائم.. حيث سبق للرئيس ترامب خلال ولايته الأولى أن اعترف بالجولان السورية.. كجزء من الكيان المحتل.. وأدت الأحداث الأخيرة إلى تمدد الكيان المحتل.. واحتلاله لجبل الشيخ.. وكامل منطقة القنيطرة.. وكل البلدات التى تحيط بها... لدرجة أنه أصبح على بعد أقل من 15 كيلومترا من دمشق.. والأمريكان هم الذين يحمون أكراد سوريا.. ويسيطرون أيضا على آبار النفط فى تلك المنطقة.. ومن غير الوارد أيضا أن يترك الأكراد فريسة لحليفته فى الناتو تركيا.. رغم أن ما حدث فى سوريا مؤخرا حرص على إرضاء الرئيس التركى بأن جعل رأس النظام الجديد (أبو محمد الجولانى) من الإخوان.. ليكون لتركيا نفوذ كبير فى سوريا الجديدة.. وأمام هذا الوضع المرتبك يصبح على العرب بذل جهد كبير وحقيقى فى محاولة لاحتواء ما تبقى من سوريا.. لأن عروبة سوريا أصبحت فى مهب الريح.. كما أن الوجود الروسى فى سوريا سيقتصر على قاعدة طرطوس على البحر المتوسط.. وذلك مقابل تمكين روسيا من السيطرة على المقاطعات الأربع التى سيطرت عليها بالفعل فى أوكرانيا.. كما أن إيران خرجت هى الأخرى من المعادلة السورية.. مقابل الحفاظ على برنامجها النووى.. وقد يبدو هذا الوضع القائم فرصة سانحة.. لكى يحقق ترامب كل مخططاته فى سوريا.. ولكن هذا غير حقيقى فما زال فى يد العرب وروسيا والصين والأمم المتحدة.. الكثير من الأوراق.. التى تحد من تلك المخططات.. والأهم أنها ستمنع تغول الكيان المحتل فى الأراضى السورية.

ثالثًا: تحمل منطقة الخليج ومعها اليمن أهمية كبيرة بالنسبة لمخططات وسياسات الرئيس ترامب.. وفى الملفين عليه أن يتعامل مع الملف الإيرانى.. بمعنى أنه لن يدخل فى صراع صفرى مع إيران.. ليظل خطرها قائما ومهددًا لمنطقة الخليج.. وبالتالى تسعى هذه المنطقة إلى مزيد من التعاون والاستثمارات مع الأمريكان.

أما اليمن تحت قيادة الحوثيين فيمثل (الحبيب المناوئ) فى تلك المنطقة.. والذى يقف صراحة ضد المصالح الصهيو أمريكية.. وهذا الحبيب المناوئ لن يتوقف إلا باتفاق واضح وصريح بين إيران وأمريكا.. وربما يعمل هذا الاتفاق على أن يمتد حكم الحوثيين إلى كامل الأراضى اليمنية.. ليكون ذلك ترضية لإيران.. مقابل خروجها من سوريا ولبنان.. ورغم تصريحات ترامب الصارخة ضد إيران.. إلا أن السياسة لا تعترف إلا بالمصالح وتكمن مصلحته فى الإبقاء على الأنفاق التحتية.. التى تربط بين أمريكا وإيران.

رابعا: تمثل فلسطين قضية العرب المركزية.. وقد أدى اغتصابها فى عام 1948 إلى جر كل المشاكل على الوطن العربى.. والمواقف الأمريكية منذ ذلك الحين غير حاسمة وغير جادة فى محاولة الوصول إلى حل حقيقى لهذه القضية.. التى تمثل آخر احتلال عسكرى فى كل العالم.. وذلك لأن الموقف الأمريكى منحاز وبفجاجة لصالح الظالم.. وضد المظلوم.. فكم وقفت أمريكا ضد العديد من القرارات الدولية.. التى تدين الممارسات الصهيونية فى أراضى فلسطين المحتلة.. وكم قدمت أمريكا الكميات الرهيبة من الأسلحة والذخائر.. التى تساعد الكيان المحتل فى جرائم الإبادة الجماعية.. والتطهير العرقى ضد الفلسطينيين.. مما يجعل أمريكا شريكا فى العدوان على فلسطين.. وليست مجرد داعم للكيان المحتل.. وقد قالها الرئيس السابق بايدن (أنا صهيونى).. كما قالها وزير الخارجية السابق بلينيكن وهو فى تل أبيب (أنا هنا بصفتى يهوديا).. والحقيقة أن موقف الرئيس ترامب أكثر راديكالية وتطرفا فى دعم ومساندة الكيان المحتل.. ويخشى كل المحللين السياسيين.. من أن يدعم ترامب مطالب المتطرفين فى حكومة تل أبيب بضم الضفة الغربية إلى الكيان المحتل.. فى خطوة متهورة لتصفية القضية الفلسطينية.. والقفز فوق العشرات من القرارات الدولية.. التى تؤكد على وجود الدول الفلسطينية كاملة السيادة.. وعلى كل الدول الأعضاء فى الجامعة العربية.. العمل على وضع العديد من السيناريوهات.. لوأد وإفشال هذا المخطط.. وذلك بالتعاون مع كل الكيانات الدولية الأخرى.. الأمم المتحدة – دول آسيا – دول أمريكا اللاتينية.. دول أوروبا المساندة للحق الفلسطينى.. وفى هذا الإطار فإن العرب يملكون الكثير من أوراق الترهيب والترغيب مع الرئيس ترامب شخصيًا.. لكى يخفف من انحيازه للكيان المحتل.. ولكى يؤكد ما قاله مرارا وتكرارًا (أنه صانع سلام).

وإذا كان الكثير من المحللين السياسيين.. يرون فى الرئيس الأمريكى ترامب مجرد وقود سيعمل على إشعال المزيد من الحرائق فى كل العالم.. وخاصة فى المنطقة العربية... فإن بعض المحللين يرون فى ترامب فرصة للحل والعمل على إزالة الالتهابات.. لأن التصعيد أولا وأخيرًا لن يكون فى صالح أمريكا.