تعود العلاقات بين مصر والصومال إلى عقود عديدة من التعاون بل تمتد إلى عصر المصريين القدماء، حيث كان تبادل السلع فى بلاد «بونت» الصومال حاليًا، وامتدت العلاقات التاريخية بين البلدين للتعاون السياسى والاقتصادى والثقافى، ويعد الصومال جزءا مهما من منطقة القرن الإفريقى، والتى تشكل أحد الأبعاد الحيوية فى السياسة المصرية، خاصة فى العقد الأخير من سياسة مصر الخارجية وتجاه القارة السمراء التى استطاعت مصر أن تعود بقوة وريادة فى القارة الإفريقية، وتسترد مكانتها ودورها الفاعل مع دول القرن الإفريقى، ومد يد العون والتعاون الاستراتيجى والشراكة فى المجالات كافة.
التاريخ المشترك والتحديات الأمنية والمصالح الاستراتيجية، عوامل ربط قوية بين البلدين ولا يمكن التخلى عن مسؤولية أحدهما تجاه الآخر، ومصر دائمًا هى الداعم الأول لكل مَن طلب العون والمساندة، فكانت مصر من أولى الدول التى اعترفت بحق الصومال بعد استقلاله عام 1960، ودعمت موقفه فى المحافل الإقليمية والدولية، إلى رفض مصر محاولات تقسيم الصومال، وأى إجراء أحادى يتخذه أى طرف إقليمى يهدد وحدة وسلامة الصومال، ودعم مصر الكامل للحكومة الفيدرالية فى الصومال، ورفض أى محاولات لتقسيمه، خاصة بعد توقيع الاتفاق المفاجئ فى بداية عام 2024، بين زعيم أرض الصومال «موسى بيهي»، ليمنح إثيوبيا الدولة الحبيسة ولمدة 50 عامًا منفذًا على البحر الأحمر بطول 20 كيلومترًا، يضمن ميناء بربرة وقاعدة عسكرية، مقابل أن تعترف إثيوبيا رسميًا بالأراضى الصومالية المنشقة عن جمهورية الصومال، وأسفر ذلك عن توتر العلاقات بين مقديشيو وأديس أبابا.
ووفقًا لسياسة مصر الخارجية الثابتة، برفض التدخل الخارجى فى شئون الدول الداخلية وعدم المساس بالأرض والأمن القومى والإقليمى، رفضت الاتفاق وندّدت بالتدخل فى شئون الصومال والمساس بوحدة أراضيه، وأكدت على الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية على كامل أراضيها، ولا يحق لأحد الانتفاع بموارد الصومال سوى شعب الصومال.
فعملت مصر على لمّ الشمل فى الداخل الصومالى وإنهاء الاقتتال ومنع تقسيم البلاد، وفى ظل هذه الظروف المعقدة والتهديدات المباشرة وغير المباشرة للصومال استطاعت مصر حماية أمن واستقلال الصومال وأمن واستقلال منطقة القرن الإفريقى من خلال رفع كفاءة التدريب العسكرى المشترك واشتراك مصر فى قوات حفظ السلام الإفريقية الموجودة فى الصومال.
ويأتى الدور المصرى المؤثر فى منطقة القرن الإفريقى منذ استقلال هذه الدول وتحررها من الاستعمار، قدمت مصر الدعم فى سياق المسؤولية الكبيرة تجاه القارة الإفريقية والقرن الإفريقى بشكل خاص؛ لأن أمن واستقرار منطقة القرن الإفريقى يؤثر على أمن واستقرار القارة بشكل رئيسى وبالتالى يؤثر على أمن واستقرار الأمن المصرى، وإيمانًا من مصر بأن قوتها وأمنها يأتى بأمن واستقرار الدول الصديقة، ومن خلال دور مصر الرائد فى مواجهة الإرهاب وقدرتها فى القضاء على الإرهاب، نقلت تجربتها للصومال، على مستوى الخبرات البشرية والفنية والتدريب المشترك الدفاعى وتبادل المعلومات الاستخباراتية، خاصة أن الصومال يعانى من الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية والتطرف منذ عام 1991.
وفى هذا السياق تأتى زيارة رئيس دولة الصومال الأخيرة فى الشهر الجارى إلى القاهرة، لتحقيق التعاون والتكامل بين البلدين والشراكات الاستراتيجية المتكاملة، لدعم العلاقات الاقتصادية والشراكات على مستوى القطاع الخاص وقطاع الاستثمار، ويأتى توافق الرؤى بين البلدين فى توقيت بالغ الصعوبة فى ظل توترات ووتيرة أحداث متصاعدة مشتعلة على الأصعدة كافة فى المنطقة والقارة الإفريقية.
وتأتى أهمية منطقة القرن الإفريقى التى تتضمن دول «الصومال وإريتريا وإثيوبيا وجيبوتي»، لموقعها الجغرافى الذى يمثل حلقة الوصل بين آسيا وإفريقيا، والربط بين البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، وتمثل المنطقة وأمنها أمنًا مباشرًا لحركة الملاحة بين البحر الأحمر والبحر المتوسط والمحيط الهندى، وتعد الأهمية الجغرافية للبحر الأحمر الذى يقع بين الجزيرة العربية شرقًا وإفريقيا غربًا، ويمتد من خليج عدن جنوبًا إلى جزيرة سيناء شمالًا، ويتفرع منه خليج العقبة شرقًا وخليج السويس غربًا وتفصل بينهما شبه جزيرة سيناء، وتمتلك مصر أطول ساحل على البحر الأحمر، ومع وجود قناة السويس وهى من أهم الممرات الملاحية العالمية، باتت أهمية مضيق باب المندب أكثر تأثيرًا لتشكيله حلقة هامة للربط بين البحر الأحمر بالبحر المتوسط عبر قناة السويس، لذلك باتت التأثيرات الجغرافية والتواصل بين محيط الدول المطلة على السواحل والممرات الملاحية أمرًا هامًا من أجل الحفاظ على الأمن الملاحى وأمن التجارة العالمية ودخل قناة السويس الذى يعد أحد أهم مصادر الدخل القومى الهامة للدولة المصرية.
فى هذا السياق وفى ظل كل هذه التعقيدات، وانتشار التنظيمات والميليشيات الإرهابية، سواء فى منطقة القرن الإفريقى، أو على السواحل اليمنية والتى ترتبط بشكل أساسى بالأمن القومى المصرى وأمن القارة الإفريقية، عملت مصر فى ظل قيادتها الحكيمة على دعم الأواصر التاريخية مع الصومال ومع دول القارة الإفريقية، من أجل حفظ السلم والأمن الإفريقى والإقليمى والقومى، من خلال تطبيق عدد من الاستراتيجيات الدفاعية والتعاون المشترك فى المجالات كافة، السياسية منها والاقتصادية والثقافية والأمنية، وتظل مصر بموقعها الاستراتيجى ومواردها القوية الطبيعية والبشرية صامدة لديها إصرار على تحقيق أمن وتنمية مستدامين.