رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

ترامب.. الولاية الثانية…؟


2-2-2025 | 15:28

ترامب.. الولاية الثانية ؟

طباعة
بقلـم: سناء السعيد

لا شك أن عودة «ترامب» إلى البيت الأبيض قد فتحت الباب على مصراعيه أمام المعلقين فى الصحف و تصدرتها صحيفة «نيويورك تايمز» حيث كتب «توماس فريدمان» رسالة موجهة إلى «ترامب» تحت عنوان:( سيدى الرئيس بإمكانك إعادة تشكيل الشرق الأوسط إذا كنت تمتلك الشجاعة للقيام بذلك)، وأردف قائلًا: ( ربما لا تكون مهتمًّا بالتاريخ اليهودى أو بتاريخ العرب ــ لكن كلتا الأمتين تتطلعان إليك اليوم).

لقد بدا وكأننا اليوم إزاء لحظات نادرة كتلك التى أعقبت الحربين العالميتين، أو الحرب الباردة حيث كل شيء فى الشرق الأوسط قابل للتشكيل مجددًا، وحيث كل شيء ممكن. وعليه فإن أمام «ترامب»” اليوم فرصة لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط على النحو الذى يعزز السلام والرخاء لإسرائيل والفلسطينيين وكل شعوب المنطقة، وبما يتوافق مع مصالح الأمن القومى الأمريكى. ولهذا فإن أمام «ترامب» أحد الرافدين، ففيما إذا نجح فى مهمته سيكون لنجاحه نتائج تبشر بالخير. أما إذا لم ينجح فسيكون للفشل عواقب جهنمية. وليس هناك من مهرب له من هذه المهمة. ويتطلع المتفائلون أن تسفر المهمة عن شرق أوسط جديد يجسد منطقة قوية تنعم بتطبيع العلاقات بين أطرافها، والتداول التجارى والتعاون فيما بينهم بعيدًا عن الاضطراب وعن أمراء الحروب والإرهاب، ليسود السلام ربوع المنطقة لا سيما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويتم تقويض المستوطنات المزروعة فى الضفة الغربية، والتوصل إلى حل الدولتين.

 

ويعول هؤلاء على أن ينجح “«ترامب» فى إدارة العملية ومواجهة التحدى، والعمل على إنهاء الحرب الأهلية فى لبنان التى استمرت زهاء خمسين عامًا. وتحقيق عودة سوريا إلى الوحدة والتوافق بعد 14 عامًا من الاقتتال، ليمتد العمل إلى إيران وصولًا إلى تحييدها ومنع الوصول إلى القنبلة النووية. ويتم هذا العرض على الرغم من إدراك السياسيين بأن الفجوة كبيرة بين «ترامب» و«نتنياهو» حيث إن التطلعات السياسية والدبلوماسية للرئيس «ترامب» تتعارض جذريًّا مع تطلعات «نتنياهو» السياسية والدبلوماسية. ويأمل هؤلاء أن تطغى المصلحة الأمريكية على ما عداها لتكون الفتيل الذى ينسف حكومة «نتنياهو»، بل ولربما يطيح كلية بمستقبله السياسى.كما يرى هؤلاء أن وقف النار فى غزة يساعد حماس على إعادة تنظيم صفوفها مجددًا وتأكيد سيطرتها مرة أخرى على القطاع.

 

لقد كان «ترامب» مصممًا على إبرام اتفاق وقف إطلاق النار قبل حفل تنصيبه لولاية ثانية بحيث لا تخيم الحرب فى الشرق الأوسط بظلالها على ذلك الحفل. فى الوقت نفسه فإن الإسرائيليين يتطلعون إلى أن يخلصهم «ترامب» من كابوس التعامل مع إدارة الرئيس السابق «بايدن»، ويأمل هؤلاء أن يدعم «ترامب» إسرائيل فى إلحاق الهزيمة بحركة حماس، وفى تدمير برنامج إيران للأسلحة النووية، وفى تأمين سلام حقيقى فى الشرق الأوسط عبر توسيع نطاق اتفاقات “أبراهام” وصولًا إلى التطبيع مع المملكة العربية السعودية.

 

لم يكن هناك أمام “ نتنياهو”خيار آخر غير الموافقة على عرض “ ترامب”. غير أن هذه الموافقة تركت “ نتنياهو” فى مأزق سياسى كبير،

 

لا سيما وأن اليسار الإسرائيلى يتحين الفرصة منذ زمن للإطاحة به، فيما يحمله آخرون مسؤولية الاستراتيجية الكارثية تجاه حماس والتى تمخضت عن مفاجأة اليوم السابع من أكتوبر. ولقد كتم إسرائيليون كثيرون حنقهم على “ نتنياهو” إبان الحرب، وتشير الاستطلاعات إلى أن القبول باتفاق وقف إطلاق النار مع حماس تحت هذه البنود التى نص عليها الاتفاق قد تسبب فى تآكل قاعدة “ نتنياهو” الانتخابية. وأعرب بعضهم عن أمله فى أن يفى “ ترامب” بوعوده، وأن ترعى السعودية اتفاق سلام حقيقيًّا بين إسرائيل والعرب. على أساس أنه فيما إذا حدث ذلك فقد يظل “نتنياهو” فى السلطة. وفيما إذا فشلت إسرائيل فى تحقيق أهدافها المتعلقة بتدمير حماس نهائيًّا كقوة عسكرية، وضمان عدم تعرض دولة إسرائيل مجددًا للاجتياح، وعدم تعرض مواطنيها مرة أخرى للذبح والاغتصاب والاختطاف فسينتهى بذلك أمر “ نتنياهو”.

 

“ ترامب” وضع النقاط على الحروف، وأسدل الستار على الحرب فى غزة على أساس أن إسرائيل لن تحارب أكثر من ذلك. ولكن مثلما لم يغب تنصيب “ترامب” عن آراء وتحليلات الصحف العربية والعالمية ــ التى حاولت استشراف مستقبل المنطقة فى ظل الإدارة الأمريكية الجديدة ــ كذلك لم يغب الحديث عن أعمال العنف التى ارتكبها المستوطنون فى الضفة الغربية، بل وعلاقة عودة “ ترامب” للسلطة والقرارات التى اتخذها مسؤولون إسرائيليون، والتى تقضى بزيادة جرعة أعمال العنف. وفى الوقت نفسه فإن الحديث حاضر حول جدلية قيام دولة إسرائيل وأهمية القبول بالواقع فى سبيل التوصل للسلام وحل الدولتين. ولقد عززت وسائل الإعلام الإسرائيلية التكاتف والتماهى بين مسعى المسؤولين الإسرائيليين ومسعى “ ترامب” نحو القبول بالواقع الذى تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين، وبالتالى فإن كلًّا منهما قد منح الضوء الأخضر لإرهاب المستوطنين. ولقد أكد ذلك ما صدر أخيرًا عن “ ترامب” ومسؤولين إسرائيليين، وهو ما أكد تشجيع كل منهما لأعمال العنف والهجمات التى يقوم بها المستوطنون.

 

ولهذا خرج وزير الدفاع الإسرائيلى “ يسرائيل كاتس” يدين أعمال العنف والهجمات التى استهدفت الفلسطينيين فى شمال الضفة الغربية. بيد أن صحفًا إسرائيلية شككت بجدية هذه الإدانة ورأت أن الوزير منح الضوء الأخضر لعنف المستوطنين حين أعلن وقف إصدار أوامر الاعتقال بحق المستوطنين دون أوامر محاكمة. وأمعن “ ترامب” فى تشجيع عنف المستوطنين حين قرر رفع العقوبات التى فرضتها إدارة “ بايدن” على المستوطنين المتورطين بأعمال عنف ضد الفلسطينيين فى الضفة. وكان يتعين على “ ترامب” النظر بعين ثاقبة وفهم عميق ليدرك من خلاله أنه كان حريًّا بإدارته عدم الإقدام على هذه الخطوة، وأن يدرك بأنه إذا أرادت الولايات المتحدة تعزيز السلم فى العالم والشرق الأوسط فإن المشروع الاستيطانى يعد عقبة كأداء أمام تحقيق ذلك، لكن تصريحات ترامب الأخيرة حول تهجير أهالى قطاع غزة أصابت الجميع بخيبة الأمل