شهد معرض الكتاب الدولى بالقاهرة، ندوةً ثقافيةً، بمثابة احتفالية لمرور 100 عام على تدشين مجلة المصور، وذلك بمشاركة عدد من القامات الصحفية اللامعة والأدباء، أمثال: الكاتب الروائى يوسف القعيد، ووزير الثقافة الأسبق حلمى النمنم، والكاتب الصحفى غالى محمد، وعبداللطيف حامد رئيس تحرير مجلة المصور.
أُقيمت الندوة، على هامش فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب، وبدأت بنبذة تاريخية عن إصدار العدد الأول لمجلة المصور، والذى نُشر بتاريخ 24 أكتوبر عام 1924م.. وبدأت بكلمة من الكاتب الصحفى بالمصور، أشرف التعلبى، الذى أشار إلى أن المجلة منذ هذا التاريخ وحتى الآن، وعلى مدار 100 عام، تواصل رحلة طويلة من الكفاح والنضال، مؤكدًا أن المصور، لم تكن فقط مجلة ثقافية وأدبية فقط، بل كانت تخوض معارك التنوير داخل مصر وخارجها.
القعيد: المصور أول مجلة مصوَّرة فى المنطقة العربية
من جانبه، أعرب الأديب الكبير يوسف القعيد، عن سعادته بتجربة الاحتفال بمرور قرن من الزمان على صدور مجلة المصور، مضيفًا أنه كان مجندًا بالقوات المسلحة فى الفترة من 1967 وحتى عام 1973، وبدأت رحلته الصحفية بنهاية عام 1969 من خلال نافذة مؤسسة دار الهلال، وكان رئيس مجلس الإدارة - حينها، المرحوم أحمد بهاءالدين، الذى استقبله بترحاب كبير، الأمر الذى أشاع فى نفسه حالة من الارتياح والثقة، وبمرور الوقت انتقل «بهاء» إلى «الأهرام»، ليخلفه الأديب يوسف السباعى، قبل أن يصبح وزيرًا للثقافة.
وقال إن هناك العديد من الأسماء الكبيرة قد تعاقبت على رئاسة تحرير المصور، واستمرت المجلة مخلصة لاسمها ذائع الصيت، ورغم مرور الزمن، حافظت على مكانتها كأول مجلة مصورة فى الوطن العربى، منوهًا أن المكان الوحيد الذى زاره الأديب العالمى نجيب محفوظ بعد حصوله على جائزة نوبل فى أكتوبر 1988 عقب زيارته الأهرام، كانت مؤسسة دارالهلال، لافتًا إلى أنه أطلق على دارالهلال لقب «كهف التاريخ»، كونه كان يشعر بين جدران المؤسسة، أنه داخل التاريخ نفسه.
وأضاف «القعيد» أن مؤسسة دار الهلال هى قبلة كافة المثقفين والأدباء العرب، ولهم فيها العديد من الذكريات التى لا تُمحى من ذاكرتهم، لافتًا إلى أن «الهلال» هى دار الثقافة العربية بامتياز واقتدار.
غالى محمد: الوطن والشعب هما السند الأول لـ«المصور»
بدوره، قال غالى محمد رئيس تحرير المصور الأسبق، إن المصور مسيرة وطن وشعب، فقد كانت السند الأساسى فى تجربة المصور خلال 100 عام، بكل ما ضمتهم من قامات ثقافية وصحفية، مشيرًا إلى أن الشعب هو الذى تقبل المصور، وأشاد بما قدمته المجلة من وجبات صحفية مهمة جدًا، عبر أعدادها على مدى 100 عام، وبالنظر فى الأرشيف نجد صورًا جسدت عبرها المصور، رحلة الشعب خلال قرن كامل من الزمان.
وتطرق «غالي» للحديث عن العدد المئوى للمصور، قائلًا: «إن إنتاج العدد المئوى من المجلة، هو تجربة هائلة خاضها مجموعة من شباب المصور من الجيل الحالى، تحت قيادة رئيس التحرير عبداللطيف حامد، رغم وجود مجموعة من الظروف والتحديات الصعبة».
وعن فترة توليه لرئاسة التحرير، أكد غالى محمد، أنها كانت فترة عصيبة من عمر الوطن، كانت فى أعقاب انتهاء حكم الجماعة الإرهابية، ولكنها شهدت حرية كبيرة للصحافة بشكل عام والقومية خصوصًا، حيث إن الرئيس السيسى يُعتبر هو الداعم الرئيسى للصحافة القومية فى مصر، مشددًا أن المصور خاضت خلال تاريخها معارك ضد الفساد والإرهاب، فى وقت كانت القوات المسلحة والشرطة المدنية تتصدى للعصابات الإرهابية من أهل الشر خلال تلك الفترة الحرجة، وكذا كان كافة الصحفيين داخل المصور يحملون أقلامهم لدعم الوطن، كما كان الحال خلال كافة المعارك التى خاضتها مصر عبر تاريخها، فمازالت المصور إلى الآن تشارك فى قضايا الوطن، وتلعب دورها التنويرى فى مواجهة قضايا الاقتصاد والتنمية وغيرها من المجالات الحيوية، وتستمر المصور - إلى يومنا هذا، فى دورها كصحافة شعب ووطن.
واختتم غالى محمد، حديثه، مؤكدًا أن الصحافة الورقية لن تموت أو تندثر، بل هى باقية ما بقى التاريخ، منوهًا عن وجود أجيال جديدة صاعدة فى الصحافة الورقية، ترسم مستقبلاً مشرقًا لذلك النوع المهم من أشكال الصحافة فى مصر.
«النمنم»: المصور إنجاز مهم لمصر والثقافة العربية
ثم انتقل الحديث إلى وزير الثقافة الأسبق الكاتب الصحفى حلمى النمنم، الذى استهل حديثه، موجهًا التحية لوزير الثقافة الحالى أحمد هنو، لإخراج معرض الكتاب بهذا الشكل الرائع، مؤكدًا أن هذا يُعد إنجازًا ثقافيًّا مهمًا لمصر والثقافة العربية، وتناول «النمنم» تاريخ المصور، قائلًا: «إن أول عدد للمصور صدر عام 1924، ولكن التفكير الفعلى والإعداد لها، بدأ منذ العام 1920، كإحدى النتائج المباشرة للحركة الوطنية التى هبت عبر ثورة 1919م، لذلك فإن المصور قد انطلقت من قلب الحركة الوطنية المصرية طيلة تاريخها ومسيرتها.
وعن دور المصور فى التنوير، قال «النمنم»: إن أحد شروط التنوير هو ألا يُغادر التنوير عن معايير الوطنية المصرية، فيجب دائمًا أن يتواكب التنوير مع ظروف المجتمع المصرى وقضاياه وهويته، ومن هذا المنطلق بدأت المصور عملية التنوير عبر صفحاتها، فقد كانت مواكبة باستمرار للأحداث الكبرى، مستشهدًا على سبيل المثال بمعركة الإسلام والوصول للحكم، ومعركة طه حسين، الذى يُعد أحد كبار رموز دارالهلال، كما يضم أرشيف المصور مقالات لأم كلثوم، ومقالات للفنان وموسيقار الأجيال عبدالوهاب، عن كيف كان يستلهم ألحانه من بائع الذرة وبائع الورد، ومقالات كتبها نجيب الريحانى، وأخرى لأحمد رامى عن القصائد التى يكتبها ويلحنها، وقد باتت كل تلك المقالات حاليًا، وثائق ينبغى أن يتم جمعها فى إصدارات لمؤسسة دار الهلال، وأتمنى أن نراها خلال الدورة القادمة من معرض الكتاب الدولى.
وأضاف «النمنم»: «أن دارالهلال كانت مكانًا يستوعب كبار الكتاب الواعدين، فنجاح المؤسسة يُقاس من خلال مدى نجاح الوجوه الجديدة التى تقدمها للثقافة المصرية، وبالنظر لمجلة المصور نجد أن أحمد بهاء الدين هو الذى اكتشف محمود درويش وقدمه إلى الوسط الثقافى المصرى، بل وغامر وعينه محررًا بالمجلة، وذلك إبان نهاية فترة حكم الرئيس عبدالناصر، خاصة أن درويش كان قادمًا إلى مصر من أراضى فلسطين المحتلة عام 1948، وقد تدخلت الدولة المصرية بأجهزتها لنقله من العاصمة الروسية موسكو إلى القاهرة، كما أن الالتزام المهنى كان سمة رئيسية فى كافة المحررين بمجلة المصور عبر تاريخها.
واستطرد حلمى النمنم - فى حديثه، عن أهمية الصحافة قائلًا: «عند قيام ثورة يوليو 1952 كان مدير تحرير المصور وقتها هو الراحل حلمى سلام، الذى كان يعمل موظفًا مدنيًا بالقوات المسلحة قبل أن يتفرغ إلى العمل الصحفى، وبحكم عمله كان على علاقة بعدد كبير من الضباط الذين قاموا بالثورة، وأنه بدأ بالتواصل مع اللواء محمد نجيب، ليجرى معه حوارًا فى الإسكندرية لمجلة المصور.. وكان رد اللواء نجيب عليه: «وتجيلى إسكندرية ليه؟! أنا هجيلك دارالهلال لنشكرها على دورها فى الثورة».. وبالفعل حضر اللواء محمد نجيب ومعه البكباشى جمال عبدالناصر إلى مكتب حلمى سلام، وذهب ثلاثتهم لتحية فكرى باشا أباظة رئيس تحرير المصور - وقتها، ووجه كلاهما الشكر للدور الذى قامت به المصور منذ قيام حرب فلسطين عام 1948 حتى قيام ثورة يوليو 52م.
وكشف «النمنم» أن أزمة رواية «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، بدأت على صفحات مجلة المصور من خلال مواطن أديب من أدباء الأقاليم يقطن مدينة شبين الكوم، أرسل رسالة لصالح جودت ونشرها، وكان رئيس التحرير فكرى أباظة مسافرًا إلى إحدى الدول الأوروبية، وبمجرد عودته وقراءة الرسالة، كتب مقالًا مطولًا يدافع عن رواية أولاد حارتنا ونجيب محفوظ، وظلت العلاقة قوية بين الأخيرة ومؤسسة دارالهلال.
وأضاف حلمى النمنم: بدأت مجلة المصور قرناً جديداً من عمرها، لذلك علينا مواجهة التحديات بضرورة الاهتمام بعدة أشياء تعلمناها فى دارالهلال، أولها دقة المعيار المهنى، والحصول على المعلومة وتدقيقها، والعمل على توسيع هامش الحرية فى النشر والتعبير، مترابطًا بالمعيار الوطنى المصري».
ماجدة موريس: داعم قوى للمرأة وقضاياها
ثم انتقلت الكلمة إلى الكاتبة القديرة ماجدة موريس، حيث أبدت سعادتها البالغة عندما تلقت دعوة للمشاركة فى ندوة مئوية المجلة، لأسباب عديدة منها ما ذُكر خلال حديث الأساتذة عن عظمة تاريخ المصور، معلقة أنها تربطها علاقة تاريخية بالمصور، منذ أن كانت طالبة بكلية الإعلام، مضيفة أنها كانت تحرص على متابعة المجلة، التى أبهرتها بشكل كامل بداية من تصميمها الخاص، والصور التى كانت تحتويها صفحات المجلة، والتى تضيف أبعادًا خيالية ومهمة جدًا للموضوعات والمحتوى الصحفى، مؤكدة أن المصور أكثر مطبوعة صحفية مصرية قريبة إلى قلبها، بعد الجمهورية والأهالى، وذلك لما تضمه من تاريخ لا ينسى من الأحداث الثقافية والسياسية، منوهة إلى تناول المصور العديد من الموضوعات المتعلقة بقضايا المرأة ودعمها.
غادة جابر: إطلاق موقع إلكترونى خطوة جريئة لمواصلة التطور
أما الكاتبة والباحثة فى العلوم السياسية الدكتورة، غادة جابر، فقالت إنها تشعر بالفخر والاعتزاز كونها أحد كتاب المصور العريقة، خاصة أن المجلة تتيح مساحة مناسبة للرأى الحر، مشيرة إلى أنها كانت تحرص منذ صغرها على متابعة مجلة المصور، حتى أصبحت تحلم بالكتابة لدى الصرح العريق.
وأشادت «غادة» بالخطوة المقبلة للمصور، بإطلاق الموقع الإلكترونى للمجلة على الإنترنت، باعتبارها خطوة ضرورية لمواكبة التطور التكنولوجى، الذى أصبح سريعًا، وهو أمر مهم جدًا يعكس عراقة المصور وتطورها لمواكبة الأزمنة المختلفة.
عبداللطيف حامد: العدد التذكارى ملحمة شبابية لأبطال «المصور»
من جانبه قال الكاتب الصحفى عبداللطيف حامد، رئيس تحرير مجلة المصور: إن كافة الأجيال التى نشأت وترعرعت فى مجلة المصور قد نشأت على عدة ثوابت أهمها احترام القيم والمهنية، مضيفًا أن جميع الكتاب يرحبون بكتابة مقالات على صفحات المصور، نظرًا لتاريخها الكبير وعراقتها، ومن هذا المنطلق شارك جميع العاملين بالمجلة فى إخراج العدد التذكارى، بروح يسودها الانتماء والمهنية، من أجل خروج هذا العدد التاريخى بشكل لائق.
وأوضح «حامد» أن تجربة العدد التذكارى فى المجلة، كانت بمثابة مغامرة كبيرة، رغم التحديات التى تواجهنا على المستويين الاقتصادى والفنى، مشيرًا إلى أن المصور طول تاريخها تبرز مصر ثقافيًا وفنيًا وسياسيًا، وكافة المجالات، التى تليق بحضارة عمرها تجاوز الـ7 آلاف سنة.
وأكد أن الغلاف الأول لمجلة المصور، كان يحمل صورة الملك فؤاد الأول، باعتباره رمزًا للوطن، الأمر الذى يدل على أن المصور عبر تاريخها تحترم القادة، كونهم رموزًا وطنية فى كل وقت، كما أن لدينا سقف حرية واسعًا، ولا نرفض مقالًا معينًا أو نحذف منه أى جزء مهما كان.
وأشار «حامد» إلى أن مجلة المصور فتحت العديد من القضايا التى لا تزال تُناقش حتى الآن، منها قانون الأحوال الشخصية، والنساء وكرة القدم، كما سلطت الضوء على مشروع المونوريل فى عام 1961، حيث كان تعداد سكان مصر وقتها لم يتعد 27 مليون نسمة، كما أن المصور فى عام 1949 قد حذرت من المؤامرة الصهيونية على سيناء.
وأضاف عبداللطيف حامد - فى ندوة مئوية المصور بمعرض الكتاب، أن فريق عمل المجلة يركز الآن على كيفية إعادة الشباب مرة أخرى للقراءة والثقافة الوطنية من خلال تطوير الإخراج ونشر العدد pdf، وأيضًا وجود المجلة على السوشيال ميديا، منوهًا إلى وصول مشاهدات صفحة المصور على الفيس بوك إلى مليون زائر شهريا، إلى جانب منصات التواصل الاجتماعى الأخرى مثل «إكس» و«إنستجرام»، حيث يتم نشر فيديوهات وإنفوجرافات وتصميمات مختلفة لتحقيق الانتشار من خلال صحافة السوشيال ميديا، كما أننا جاهزون لإطلاق الموقع الإلكترونى الخاص بالمصور قريبًا؛ وكل هذا لتحقيق أكبر قدر من الانتشار، لأن الأجيال الصاعدة هى من تبنى الوطن، وعلى كافة وسائل الإعلام والصحافة بناء وعى الشباب.
واختتم عبداللطيف حامد، كلامه مشيرًا إلى أن العدد التذكارى للمجلة، يحتوى على كنوز المصور، والتى اعتمدت على أكثر من نصف مليون صفحة، أو الصور التى تصل إلى مليونى صورة، بالإضافة إلى 7 ملايين صورة ما زالت «نيجاتيف» تتناول مختلف المراحل التاريخية فى مسيرة الوطن السياسية والثقافية والفنية، بالإضافة إلى أن المجلة تبنت على مر تاريخها قضايا الوطن، وهذا ما تم إبرازه فى العدد التذكارى، من حملات ومشروعات.. فكانت المصور سابقة لعصرها دائمًا ولا تزال كذلك.