رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

شعبًا وقيادة.. المصريون يقولون «لا»


7-2-2025 | 20:47

شعبًا وقيادة.. المصريون يقولون لا

طباعة
تقرير: رانيا سالم

«إننا شعب بسيط ومتواضع، ولكن يتولد بداخلنا انفجار أشبه بالبركان يتولد عنه شراسة وعناد إذا ما حاولت دولة ما -كبرى أو صغرى- أن تمارس الضغط علينا»، بإيجاز بسيط بلغة المصريين، فسّر الرئيس الراحل محمد أنور السادات ماهية الشعب المصرى.. فالبساطة والتواضع لهما وجه آخر، هما الشراسة والعناد..

«المصريون هم الشعب المُعلم»، هذا ما أكده الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، والمعلم هنا «فطرى الجينات»، سمات وراثية متراكمة على مر العصور، فعبر رؤية بانورامية تؤكدها الوقائع والأحداث التاريخية، أن الشعب المصرى يمتلك عقلًا وعقيدة راسخة فى حماية أرضه ووطنه، فالجينات المصرية فى حبّ الوطن أشبه بسبيكة نادرة الوجود تشكّلت عبر آلاف السنين، مثلما تشكلت الطبقات الأرضية على مدار العصور الجيولوجية.

 

المصريون تتسم طباعهم التاريخية بوعى وذكاء متوارث، يزن الأمور بمقياس من ذهب، يدفعها إلى اتخاذ موقف حاسم وسريع، يحوّلها من حالة البساطة إلى الشراسة فى الدفاع عن الأرض والعرض، فالتاريخ لديه العديد من الأمثلة يسردها الدكتور جمال شقرة، فى الوعى الجمعى المصرى وهباته للدفاع عن «مصريته» عبر العصور والأزمنة المختلفة.

 

أستاذ التاريخ المعاصر، لا يخفى أن السنوات الماضية كانت بمثابة هجمة شرسة تستهدف شرذمة العقل الجمعى المصرى، وضرب التجانس والالتفاف الذى تميّز به الشعب الأبىّ على مدار العصور، لكنها جميعا باءت بالفشل، والدليل حالة الرفض المصرى لدعوات تهجير الفلسطينيين، فالشعب كان فى صدارة الرفض، الوعى الجمعى المصرى سبق الجميع ليعلن رفضه بشكل واضح صريح لا يقبل التهاون، ليعلنها أن الأرض عند المصريين كالعرض، فلن يقبل أحد ما المساس بشبر واحد من الأراضى المصرية، كما أنه لن يقبل المشاركة فى ظلم القضية الفلسطينية.

 

الملك بيبى الثانى، أحد ملوك الدولة القديمة، الذى استمر فى الحكم لأكثر من 94 عامًا، لكن انتفض عليه المصريون بسبب ضعفه والمفاسد التى طالت دولته، هى أحد الأمثلة التى برزت فيها الوعى المصرى فى الحفاظ على دولته منذ الدولة القديمة، حسبما ذكر «د. جمال»، قبل أن يضيف: فى العصر الحديث تجمع المصريون خلف قيادة صلاح الدين الأيوبى فى محاربته للحملات الصليبية فى معركة حطين، وبعده نجم الدين أيوب، ورغم الاضطرابات السياسية فى عهد المماليك، لكن الشعب ساند الظاهر بيبرس فى حربه ضد المغول فى معركة عين جالوت، كما اتفق العقل الجمعى المصرى فى طرد الوالى خورشيد باشا.

 

وتابع: أمثلة الوعى الجمعى المصرى على مر الأزمنة والعصور، منها على سبيل المثال لا الحصر، خلال تولى الباشا الألبانى محمد علي، وتنصيبه واليًا على مصر، كذلك عندما اتفق الوعى المصرى على مساندة ثورة 23 يوليو 1952.

 

لكن تبقى أسمى أشكال الوعى الجمعى المصرى، ممثلة فى الخروج مرتين أثناء عهد الزعيم جمال عبدالناصر، كما أوضح «شقرة»، فالأولى كانت يوم التنحى عندما استمر الشعب على مدار يومى 9 و10 يونيو لرفض تخلى «ناصر» عن السلطة، والمرة الثانية يوم جنازته، عندما احتشد الملايين لوداع جثمان زعيمهم فى أكبر جنازة يشهدها التاريخ.

 

وجاء نصر أكتوبر 73 تجسيدًا حقيقيًا لقوة الشعب والوعى الجمعى المصرى، واستنهاضه رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، لكن الهدف كان أغلى، استرجاع كل حبة رمل من أراضى سيناء الغالية، حرب عظيمة شارك فيها الشعب وتحمل الصعاب ودفع بأرواح أبنائه من أجل تحقيق النصر، فى ملحمة حقيقية من أجل استعادة الأرض، لا يزال يحتفل بها مصر وقواتها المسلحة وشعبها، فهى ذكرى فى العقل والقلب لن تُمحى رغم مرور الزمن، حسبما قال أستاذ التاريخ الحديث.

 

وإذا كانت قوة الشعب تم استحضارها فى حرب العاشر من رمضان، فذكاء الوعى الجمعى المصرى كان مثالًا آخر فى العام 2013، عند مواجهة الجماعة الإرهابية، كما قال الدكتور جمال شقرة.. وقتها أدركت فطنة الشعب المصرى بسهولة أن هؤلاء لم يكونوا رجال دعوة بل منتهزو سلطة، لهذا لم تبقَ «الإرهابية» سوى عام واحد، لينجح الشعب فى طردها، فالتاريخ والحاضر بل والمستقبل يؤكد أن الوعى الجمعى المصرى يتم استنهاضه عندما تحين لحظة فارقة لاستراد الأرض والحفاظ على الوطن..

 

«د. جمال»، تابع: الشراسة والعناد فى الشخصية المصرية لا تنفى الحب فى الحياة ومحاولات التكيف، فالوعى الجمعى المصرى وعى ذكى يرغب فى الاستقرار، ولهذا يتكيف ويصبر ويسعى للتغيير، ورغم سنوات الاحتلال الطويلة لكن هذا الشعب ينتصر بإرادته وقوته وعزيمته، وهو ما يفسر فترات البساطة والتعايش الطويلة على الاستعمار ثم الانقضاض عليها وتحقيق الاستقلال.

 

من جانبها، قالت الدكتورة الشيماء على عبدالعزيز، أستاذ السياسة والاتصال الجماهيرى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية: إن «الوعى الشعبى الجمعى المصرى لديه إيمان بالقضية الفلسطينية، حتى إن لها خصوصية عند المصريين، ولمدى وحجم العدوان وتخطيه لكل الحدود الإنسانية والقيم والأعراف الدولية».

 

وأشارت إلى أن «الشعب المصرى يعى بشكل فطرى على مر العصور مخططات الكيان المحتل، التى لن تقف على حدود فلسطين المحتلة لو سنحت له الفرصة -لا قدّر الله- فهو وعى متوارث تتناقله الأجيال أن هناك عدوًا جبانًا على الحدود، وليس غريبًا أن يعى الأطفال هذه الحقيقة منذ الصغر بشكل فطرى كذلك، لهذا كان الرفض الشعبى لمخططات التهجير، قد يستغربها البعض، لكن بالنسبة للمصريين والمتابعين للتاريخ، هى استجابة طبيعية، مثلها مثل العديد من الاستجابات التى خرج فيها الوعى الجمعى المصرى ليعلن عن رفضه المساس بوطنه أو بتصفية القضية الفلسطينية».

 

«د. الشيماء»، أكدت أن الوعى الجمعى المصرى يرى الكيان المحتل عدوًا استراتيجيًا لا يجوز الخضوع له، وهو ما ظهر فى تعالى الأصوات المنددة بدعوة ترامب، والتى جاءت سابقة فى الإعلان عن الرأى الرسمى وداعمة له، فالشعب تناغم مع قيادته السياسية وقال كلاهما لا للتهجير، لا لظلم الشعب الفلسطينى، بل ذهب الرئيس السيسى بقوله إن «مصر لن تشارك فى هذا الظلم التاريخي، فلا سلام إلا بحل الدولتين».

 

وقال طارق الخولى، وكيل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين: إن الوعى الجمعى المصرى أبهر جميع المتابعين فى العالم الخارجي، بل أصبح هناك إعجاب عالمى بالوعى والاصطفاف المصرى الذى يميز مصرنا عن غيرها من دول الإقليم، ويميزها كدولة فى قلب المجتمع الدولى.

 

«شعبها على قلب رجل واحد» هكذا وصف «الخولى» الوعى الجمعى المصرى، فهناك استنهاض لهذا الوعى عندما نجد أى مساس بالأمن القومى لنا، أو وحدة وسلامة أراضينا، وهذا الوعى يشمل القضية الفلسطينية باعتبارها «أم القضايا»، فالوعى الجمعى المصرى ثابت ومتوحد تجاه القضية العربية، بالشعور بالمسئولية دائما تجاه هذا الملف التاريخى.

 

وأكد عضو «التنسيقية»، أن القضية الفلسطينية فى قلب وعقل ووجدان كل مصرى، وهناك إيمان ويقين راسخ أن للشعب الفلسطينى حقوقًا يجب أن يحصل عليها، وما عبر عنه الشعب المصري، قائلًا: «لا للتهجير»، ليتبعه الرئيس عبدالفتاح السيسى ليؤكد أن مصر، شعبًا وقيادة، لن تشارك فى ظلم الأشقاء الفلسطينيين، فمصر عبر تاريخها وحتى الآن لم تشارك سوى فى نصرة الشعب الفلسطينى ومساندة قضيته العادلة.

 

«ثقة كاملة لدى الشعب المصرى فى قيادته السياسية، وبالتالى يحدث دائمًا تفويض ضمنى وجمعى، يعبر عنه أطياف المصريين بمختلف توجهاتهم»، هذا ما أشار إليه «الخولى»، موضحًا أن الشعب دائما يعبر عن هذه الثقة فى وقوفه مع قيادته السياسية، ومتابعًا: «هناك اطمئنان أن الأخيرة قادرة على حفظ الأمن القومى المصرى، ونجحت قيادتنا فى المرور بهذه الفترات الحرجة، وواجهت كافة المخاطر والتحديات للحفاظ على أمننا القومى من كافة الجوانب، على مدار السنوات الماضية، وبالتالى تولّد لدى الشعب هذه الثقة فى قدرة القيادة السياسية على إدارة الموقف الراهن وأى تحدٍّ قائم آخر».

 

«الخولى»، أوضح أيضا أن «ما فعله المصريون هو رسالة قوية لكل المجتمع الدولى، والشعب يد واحدة فى مواجهة أية تحديات أو مساعٍ غير مقبولة قد تشكل خطًا أحمر لدى المصريين، فلا نية مطلقًا نحو التهجير للفلسطينيين أو تصفية القضية أو المساس بالأمن القومى المصرى».

 

أما النائب محمود بدر عضو مجلس النواب، فأوضح أن الوعى الجمعى المصرى هو إدراك القضايا المختلفة التى تحيط بالوطن، وفى هذا التوقيت يمكننا القول إن الوعى الجمعى المصرى فى أعلى حالته، وعند النظر إلى نموذجين فى الفترة الأخيرة، نجد نموذجين، نموذج التهجير القسرى للشعب الفلسطينى، والآخر عدم تجاوب الشعب المصرى مع كل مخططات الجماعة الإرهابية.

 

وأضاف: فى النموذجين نجد أن الوعى الجمعى المصرى فى أعلى مستوى، فالشعب مدرك حجم الخطورة والتحديات والضغوط التى تمارس على الدولة المصرية، وبناء عليه تشكل الرأى العام الجمعى المصرى، ليعلن بشكل واضح وصريح ومحدد، ليقول: «لا للتهجير، لا لتصفية القضية الفلسطينية، لا لمخططات الجماعة الإرهابية».

 

وتابع «بدر»: الوعى الجمعى المصرى قال لا للجماعة الإرهابية ومخططاتها، وتم رفض الانسياق وراء ادعاءاتها وشعاراتها ورفض كل الدعوات المتكررة التى تطلقها لإحداث الفوضى فى الدولة المصرية، ورفض استغلالها للتداعيات الاقتصادية الناتجة عن الأحداث العالمية، وباءت كافة محاولاتها بالفشل الذريع، وهو دليل على أن الوعى الجمعى بخير على مر التاريخ.

 

عضو مجلس النواب، لفت إلى أن الوعى الجمعى المصرى يظهر حالة التناغم مع قيادته السياسية، وهو ما أرجعه لعدة أسباب، أبرزها أن الشعب المصرى يثق تمامًا فى القيادة السياسية، ويثق أنها قيادة وطنية مخلصة شريفة، تؤمن بهذا الوطن، وتؤمن بتنمية قدراته، لا تقبل أى شكل من أشكال الظلم أو العدوان، وتؤمن بثوابت الأمة المصرية، وثوابت الدولة الوطنية، لديها مشروع وطنى حقيقى يرفض الفوضى ويدعم التعمير.

 

وأكمل: مشروع الدولة الوطنية المصرية الذى قدمته القاهرة فى عهد الرئيس السيسى، هو مشروع بناء المؤسسات، مشروع يعتمد على الدولة الوطنية فى مواجهة مرتزقة الميليشيات، المشروع مدعوم تمامًا من الشعب المصرى، وبالتالى وجدنا كل هذا التناغم بين القيادة السياسية والمصريين، وفى كل المناسبات، كان رد الفعل الشعبى دائم الدعم والمساندة للقيادة السياسية، وفى هذه المرة الأخيرة وبعد تصريحات ترامب، خرجت القيادة السياسية ببيان وطنى يؤكد استجابتها لمطالب الشعب، وهو ما أشار إليه الرئيس السيسى، حينما قال «حتى لو أنا وافقت فإن المصريين لن يقبلوا ذلك وسوف يخرجوا يقولوا لا».. فالرئيس يعلم أن المصريين رفضوا حتى قبل أن تنطق القاهرة وتعلق على قاله الرئيس الأمريكى من تصريحات لا تجدى مع مصر نفعًا.

 

كما أضاف أن التناغم بين الوعى الجمعى المصرى والقيادة السياسية المصرية، فى الحالتين، إما أن تسبق القيادة السياسية فتجد رد فعل داعما لها من الجمع الشعبى، أو العكس.. فحالة التناغم ما هى إلا تكرار لتجارب عديدة نابعة من الثقة التامة فى وطنية، وحب وإخلاص القيادة السياسية، وتأكيد على تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى أنه يمارس سياسة شريفة فى زمن عزّ فيه الشرف.