رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«صورة الصحيفة الإسرائيلية» انكشاف سياسى وليست سقطة مهنية الصحافة المصرية والدولة الوطنية


7-2-2025 | 20:52

صورة الصحيفة الإسرائيلية انكشاف سياسى وليست سقطة مهنية الصحافة المصرية والدولة الوطنية

طباعة
بقلـم: حلمى النمنم

مساء الخميس الماضى نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية صورة كبيرة للرئيس السيسى وهو يصافح الرئيس الإيرانى الراحل إبراهيم رئيسى، كانت الصورة فى أحد المؤتمرات التى شارك فيها الرئيسان، نشرت الصورة مصاحبة لتقرير عن رفض الرئيس السيسى لفكرة ترامب فى تهجير أهل غزة إلى سيناء.. معروف أن الصورة الصحفية فى تقرير كهذا تحمل رسالة مباشرة، قد تكون أقوى وأوضح من الكلمة المكتوبة، ومن ثم اختيارها لا يكون اعتباطيا، عادة يتم الاختيار بين كاتب التقرير وسكرتير التحرير، لكن إذا كان التقرير والصورة يتعلقان بموضوع بالغ الحساسية، يكون الاختيار لرئيس التحرير وبموافقة هيئة التحرير أو ما نسميه «مطبخ الجريدة».

حين بدأت الحرب على غزة فى أكتوبر سنة 2023 فاجأ نتنياهو وزير الخارجية الأمريكى وقتها بلينكن بأنه قرر دفع سكان غزة نحو سيناء، عرض بلينكن الأمر على الرئيس السيسى، وكان الرد قاطعا بالرفض التام، بعض الذين يرقصون على أنغام نتنياهو طالبوا بفتح ممرات إنسانية لهم لدخول سيناء، لكن كان موقف مصر صلبا، وأن ذلك يعنى تصفية القضية تماما وقيام إسرائيل الكبرى، وطرح الرئيس فى المقابل نقل السكان إلى صحراء النقب وهى أرض فلسطينية، عاودت إسرائيل الاقتراح بأن ينقلوا إلى داخل مصر، حددوا مدينة العاشر من رمضان، وقالوا إنهم يتفهمون قلق مصر من أن يستوطنوا سيناء، لم تكن المسألة لدى الرئيس المفاضلة بين سيناء والعاشر من رمضان، لكنها مسألة بقاء الشعب الفلسطينى على أرضه، ثم جاء الرئيس ترامب يجدد الاقتراح، فجدد الرئيس موقفه، الصحافة الإسرائيلية ترى أن الرئيس السيسى إذا وافق سوف يوافق الأردن والعالم العربى، اعتبروها مسألة شخصية خاصة بالرئيس، وهكذا أقدموا على صحافة نشر الصورة إياها.

 

الرأى العام المصرى والمراقبون حول العالم فهموا جيدا مغزى اختيار تلك الصورة، وهى أن المصير الذى لاقاه الرئيس الإيرانى الراحل، يمكن أن ينتظر – لا قدر الله – الرئيس المصرى.

 

ما يعنيني – الآن – الشأن الصحفى، الذى نراه فى الصحافة الإسرائيلية والأوروبية والأمريكية فى هذه القضية منذ يوم 7 أكتوبر 2023.

 

البعض نظر إلى صورة الصحيفة الإسرائيلية من زاوية «الخطأ المهنى»، وهذا يمكن أن يصح لو أننا نتعامل مع طلاب مبتدئين ما زالوا يخطون خطواتهم الأولى فى عالم الصحافة، ولو أن الجريدة شعرت أنها وقعت فى خطأ لاعتذرت فى اليوم التالى أو قامت بالتنويه إلى «سوء الفهم» أو الخطأ الذى ارتكب، على الأقل التأكيد أنها لم تقصد الرسالة التى فهمها المصريون والمراقبون من إعادة نشر الصورة، لكن هذا لم يحدث منهم، باختصار هم لم يصبهم الخطأ المهنى، لكن اختيار الصورة مقصود تماما، نحن نتحدث عن صحيفة عمرها أكثر من تسعين عاما، أى أن هناك خبرات مهنية متوارثة عبر عدة أجيال لا يمكن أن يقعوا فى خطأ على هذا النحو.. نحن بإزاء صورة اختيرت قصدا أو عن عمد لتحمل رسالة سياسية محددة، هى التى فهمناها.

 

منذ السابع من أكتوبر، ارتكبت صحف كبرى فى لندن وفى ألمانيا وفى أمريكا، ناهيك عن إسرائيل، أخطاء عدة من هذا النوع، معلومات مكذوبة أو مغلوطة، تبثها أجهزة الأمن الإسرائيلية حول ما يجرى فى غزة، وتبين الكذب التام، ولكن لم يصححوا ولم يعتذروا، المخابرات الإسرائيلية قالت إن يحيى السنوار كان محاطا بأكثر من 26 حارسا، هم رجال أشداء، وثبت أن الأمر عار عن الصحة، قالوا إن الأونروا فى غزة تضم إرهابيين، وثبت للعالم كله أنها أكاذيب، ولم تكلف أى صحيفة نفسها بتصحيح المعلومات التى نشرتها، ناهيك عن الاعتذار عنها للقارئ.

 

هل هذه الصحف كلها، بما فيها الصحيفة الإسرائيلية، تنقصهم الخبرة المهنية أو الكفاءة التى تجعلهم يدققون فى نشر معلومة دون أخذ رأى أطرافها المباشرين، وهل هم لا يدركون القواعد المهنية التى تطالب بالتريث فى نشر معلومة مخابراتية تحوطها الشكوك، ويصعب التحقق منها فضلا عن أنه لا يوجد مؤشر واحد على صحتها؟ بالتأكيد لا.. المسألة تتعلق بالانحياز السياسى، أو لنقل الموقف العام مع الدولة التى يتبنون موقفها وسياساتها.

 

يمكن للصحيفة الإسرائيلية أن توجه انتقادات أو تبدى بعض ملاحظات حول أداء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وقبل أن نسارع إلى التشدق بهامش حرية التعبير، فإن الانتقادات تتركز فى أنه لم يتمكن من القضاء التام على حماس، وأنه لم ينجح فى إنهاء مشكلة غزة والتخلص من الفلسطينيين، بإزاحتهم نحو مصر أو الأردن انتقاد فى مجال المزايدة الوطنية، لكن حين يتعلق الأمر بشأن يرون أنه يخص الدولة العبرية، فإنهم يتجاهلون القواعد المهنية كلها، ويتحولون إلى فاشية أشد ويصبحون ملكيين أكثر من الملك، وقد رأينا منهم الكثير، الصورة الأخيرة كانت كاشفة لهم نظرا لفجاجة الاختيار.

 

يمكن أن نجد ذلك فى الصحف الإسرائيلية والبريطانية والأمريكية وغيرها وغيرها، ثم يأتون إلينا ويحاسبون الصحافة المصرية حين تساند الدولة الوطنية، وحين تتبنى أهداف المشروع الوطنى المصرى وتدافع عن قضايا الأمن القومى العربى والمصرى.

 

هل وجدنا أحداً فى تل أبيب، يتهم صحيفة الصورة الكارثية بالنفاق، أو أنها تدق الطبول للحكومة الإسرائيلية أو للرئيس دونالد ترامب صاحب المقترح بالتهجير، هل حدث ذلك مع الصحف الكبرى فى أوربا أو الولايات المتحدة، التى تبنت بالكامل معلومات الشاباك الإسرائيلي، وثبت زيف معظمها؟!

 

لا يجب أن يفهم أحد أننا ندعو إلى تجنب التقاليد والمعايير المهنية، أو نريد القفز عليها، نحن أكثر حرصا عليها وأشد تمسكا بها، ونطالب الجميع بالتمسك بها، نعلم ذلك للأجيال الجديدة، ذلك أن الصحافة إذا غادرت أو تجاهلت المعايير المهنية تصبح شيئاً آخر ولا تستحق الاسم الذى تحمله، ربما تكون منشورا تحريضيا أو منبرا للكراهية والعنف والأفكار العنصرية.

 

البعض يقيس الصحيفة (جريدة أو مجلة) بمعيار انتقاد مسئول هنا أو هناك، توجيه اللوم إلى وزير، أو حتى إلى رئيس الوزراء، فإذا لم تفعل ذلك اعتبروا هامش الحرية منعدما وكالوا لها الاتهام تلو الاتهام، ويرميها البعض بالنفاق، والحق أن الصحيفة لا تكون منافقة، المنافق هو من يتهمها، ذلك أنه يريد أن تتخذ موقفا انتقاديا ويكسل عنه أو يجبن، ويتوقع أن تتخذ المطبوعة له هذا الموقف.. دور الصحيفة أن تقدم المعلومة، أما الموقف تأييدا أو معارضة فهذا شأن كل مواطن وشأن الأحزاب والجماعات السياسية، وشأن الصحفى أيضا لا يلام المعارض على معارضته ولا يعاقب بسبب ذلك الموقف، كما لا يحاسب المؤيد على تأييده، الموقف هنا نابع من تقدير واختيار كل إنسان، لكن الدولة أكبر من مسئول هنا أو هناك، صغُر أو كبُر، الموقف الوطنى ومساندة الدولة باعتبارها الكيان الذى يجمع المؤيد والمعارض لا تلاعب به، ومن المعيب المزايدة على من يساند الدولة ويدعم موقفها، ولا لوم على من يتبنى القضايا الوطنية ويدافع عنها. صحفيون وكتاب كبار اتهموا من بعض المراهقين سياسيا لأنهم ساندوا الدولة ودافعوا عن القضايا الوطنية العامة.

 

كان عباس محمود العقاد يتخذ المواقف السياسية المختلفة مع أو ضد حكومة ما، كان وفديا مخلصا زمن سعد زغلول وحتى 1935، حيث اختلف مع مصطفى النحاس «باشا» انشق على الوفد وهاجمه بضراوة. ساند حكومات وخاصم أخرى، لكنه مع اقتراب روميل من حدود مصر، كان مدافعا قويا عن البلاد بقلمه وهاجم النازية وهتلر بضراوة.

 

عميد الأدب العربى د. طه حسين هاجم بضراوة حكومة إسماعيل صدقى، لكنه طوال الوقت كان مدافعا عن استقلال مصر.. له خصوم كثر ومؤيدون أكثر، لكن فى المواقف الوطنية كان صلبا وعنيدا، الجيل الذى سبقهم كان كذلك، أقصد الشيخ على يوسف صاحب المؤيد والزعيم مصطفى كامل فى «اللواء» ثم أحمد لطفى السيد فى «الجريدة»، يمكننا أن نقول ذلك عن أسماء كبار مثل محمد التابعى ومدرسته، ثم محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين وإحسان عبدالقدوس وموسى صبرى ومكرم محمد أحمد وإبراهيم سعده وغيرهم وغيرهم إلى يومنا هذا.

 

وحين تعرضت الدولة لهجمات الإرهابيين منذ ثورة 30 يونيو سنة 2013 وقف الإعلام المصرى كله مدافعا عن الدولة الوطنية، وينبه إلى المخاطر على الحدود.. هل أدركنا الآن المخاطر التى كانت ولا تزال تحيق بنا.. هل انتبه أولئك، الذين كانوا يتساءلون لماذا يتم تحديث أسلحة الجيش وتجهيزه، الجواب نراه حولنا فى المنطقة وعلى حدودنا كلها.. بعد ذلك لا يصح أن تلزم الصحافة المصرية وتوجه إليها اتهامات مبتذلة ورخيصة، الذين دافعوا عن الحكومة الإسرائيلية وتبنوا ما قامت به فى غزة من مذابح، سواء من الصحافة الإسرائيلية أو الغربية أو أوروبا وأمريكا، يعرفون جيدا أن غزة فلسطينية وأن الشعب الفلسطينى صاحب الأرض وأنه ينكل به، لكنهم جميعا يتكاتفون خلف مشروع الدولة العبرية.. أخذوا التقارير المخابراتية ونشروها على أنها «معلومات نقية»، وردت إليهم من مصادر خاصة أو «مصادر عليمة بالأمور»، لكن لم يذكروا أبدا أنها معلومات الشاباك الإسرائيلي، التى شكك الرئيس بايدن فى اجتماعاته فى مصداقيتها.

 

بعد كل هذا، لا يحق لهؤلاء أن يتحدثوا عن القواعد المهنية ولا على مستوى الحرية، فقد قدموا نموذجا للصحافة الموجهة تماما، والتى تجافى الحقائق وتتجاهل الوقائع، فضلا عن أنها لا تعبأ بقتل المدنيين خاصة الأطفال والنساء.. فى مسألة الإبادة الجماعية تبين لنا أنهم مع القاتل ومع المجرم وأنهم ضد حرية الشعوب واستقلال الأوطان.

 

ولا ينبغى لأحد أن يلوم صحافتنا حين تقف إلى جوار المجتمع فى قضاياه الكبرى وتساند الدولة الوطنية،

دفاعا عن الأرض وحماية للحدود.