رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الضغط المصرى على ترامب!


8-2-2025 | 00:15

الضغط المصرى على ترامب

طباعة
بقلـم: عبدالقادر شهيب

تكرار حديث ترامب عن تهجير أهل غزة إلى مصر والأردن يشى بأن الإدارة الأمريكية الجديدة تعتزم ممارسة ضغوط علينا لنقبل بمشروع التهجير هذا، أو على الأقل تلوح وتهدد بممارسة الضغوط علينا، خاصة أنها تملك فى يدها وسائل ضغط عديدة علينا مثل. تجميد أو وقف المساعدات العسكرية الأمريكية لنا، واستخدام نفوذها لدى صندوق النقد الدولى لتعطيل تنفيذ الاتفاق المبرم معه الذى يتيح لنا الحصول على ثمانية مليارات دولار قرضًا منه، وأيضًا فرض رسوم جمركية على صادراتنا للسوق الأمريكى مثلما حدث مع دول أخرى، فضلا عن التأثير على أوروبا حتى لا تصدر أسلحة ومعدات عسكرية لنا نحن نحتاجها أو نطلبها منها.. ولكن إذا كانت إدارة ترامب تملك أوراق ضغط عديدة يمكنها استخدامها لرفضنا مشروع تهجير أهل غزة، فنحن نملك بدورنا ما يمكننا أن نستخدمه للضغط على واشنطن، حتى تتراجع عن مشروع التهجير الملغم، والذى سوف يتمخض عن تصفية القضية الفلسطينية ووأد حلم الدولة الفلسطينية المستقلة..

وأول أوراق الضغط التى فى حوزتنا هى تعطيل وعرقلة تنفيذ خطة ترامب بتطبيع العلاقات العربية الخليجية، وخاصة السعودية مع إسرائيل، وهذا يحتاج أقصى تنسيق مصرى عربى وتحديدا سعودى.. فإن ترامب يعتبر تطبيع العلاقات بين الدول العربية الخليجية، وفى مقدمتها السعودية، مع إسرائيل أهم أركان خطته لتحقيق السلام فى المنطقة، وتعطيل هذا التطبيع سيكون مؤثرا جدا.. وهذا التعطيل يمكن أن يتحقق من خلال التنسيق الكبير مع دول الخليج العربية.. ولذلك كان موفقًا.. عقد «الخماسية العربية» منذ أيام التى ضمت مع مصر الأردن والإمارات والسعودية وقطر لتجدد الرفض العربى لمشروع التهجير.. وبذلك صار ترامب لا يصطدم هنا بمصر والأردن فقط، وإنما يصطدم بحائط صد عربى ويجهض بمشروعه هذا مشروعا أكبر له وهو مشروع التطبيع العربى الإسرائيلى.

 

وورقة الصغط المصرى الثانية تتمثل فى كسب تفهم أوروبا لرفض مشروع التهجير، وهو ما يحتاج عملا مستمرا مع الدول الأوروبية وتواصلا لا يتوقف ومتابعة دائمة معها، خاصة أن هناك تفهما وقبولًا أوروبيا لحل الدولتين، الذى لا يؤيده ترامب.. ويمكننا استثمار التناقضات التى سوف تتزايد بين أوروبا وإدارة ترامب الناجمة عن السياسات الاقتصادية الترامبية، التى تؤذى أوروبا والمتمثلة فى استخدام ترامب سلاح الرسوم الجمركية ضد الدول الأوروبية، كما فعل مع كندا والمكسيك والصين مؤخرًا.. كذلك يمكن استثمار الرفض الفرنسى المعلن لمشروع تهجير أهل غزة، خاصة أن فرنسا وألمانيا تلعبان دورا قياديا فى القارة الأوروبية.. أى أننا بخصوص القضية الفلسطينية أقرب لأوروبا من أمريكا، وبالطبع لن يروق لترامب أن يواجه مشروعه للتهجير رفض عربي أوروبي فى ذات الوقت حتى لا يهتز مقعد زعيم العالم تحته كما يتخيل!.

 

أما ورقة الضغط الثالثة والمهمة التى نمتلكها للضغط على ترامب فهى تتمثل فى الارتفاء بعلاقاتنا مع الصين وروسيا، فهذا من شأنه تنبيه ترامب إلى أنه بإصراره على مشروع التهجير إنما يخسر علاقات قوية معنا ويهبط بها من المستوى الاستراتيجى، كما توصف حاليا إلى مستوى أقل من عادية لما يشوبها من توتر.. ومن المؤكد وقتها سيجد ترامب من مؤسسات الدولة العميقة فى أمريكا، وفى مقدمتها البنتاجون، من ينبهه أن ذلك يضر بسياساته التى تستهدف الحفاظ على أمريكا فى موقعها بقيادة العالم وإحباط تشكيل نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب تلعب فيه دول مثل الصين والهند وروسيا وأوروبا دورا أكثر فعالية وتأثيرا فى مجريات الأمور العالمية..

 

بينما تعد ورقة الضغط الرابعة والمهمة التى فى حوزتنا أيضا هى ورقة تعزيز علاقاتنا الإقليمية، خاصة مع قوى الإقليم المختلفة.. وإذا كان هذا مفيدا اقتصاديا لنا فإنه أكثر فائدة استراتيجيا، ويدعم رفضنا لمشروع التهجير.. وهناك الكثير مما يمكن الاستفادة منه لتحقيق مزيد من التقارب من كل من تركيا وإيران، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، خاصة أن كلتيهما أعلنتا رفضها لمشروع التهجير، وهذا التقارب سوف ينبه ترامب إلى أن مشروعه لتهجير أهل غزة يجمع قوى الإقليم ضد أمريكا، وبالطبع لن يتقبل ذلك، وسيجعله يفكر فى تجميد هذا المشروع الغريب الذى هو فى حقيقة الأمر مشروع إسرائيلى قديم كان اسمه السابق مشروع الوطن البديل للفلسطينيين لتستولى إسرائيل على كل أراضى فلسطين التاريخية بالكامل، وتبناه كوشنر زوج ابنة ترامب وأقنع حماه به فى آذار صفقة القرن التى يطمح فى تحقيقها لحل القضية الفلسطينية وإقرار ما يسميه السلام بالمنطقة!.

 

وهكذا.. نحن نملك أوراق ضغط ليست قليلة أو ضعيفة، يمكننا أن نستخدمها بذكاء ومهارة لإفساد مشروع التهجير الذى يتبناه الرئيس الأمريكى ترامب.. أى أننا سوف نتصدى بحكمة لترامب.. نتحدث عن تطلعنا أن يحقق السلام فى منطقتنا وعن أملنا فى أن ينجح، وفى ذات الوقت نتمسك برفضنا لمشروع التهجير ونحشد رفضا عربيا وأوروبيا وإقليميا، بل وعالميا له، وفى ذات الوقت نستعد لمواجهة ما سوف يواجهنا من تحديات ناجمة عن ذلك.. ومن المؤكد أننا سوف ننجح بعزيمتنا ومهارتنا وحكومتنا أيضًا فى جعل ترامب فى نهاية المطاف يتراجع عن هذا المشروع الخبيث أو قيامه بتجميده ونسيانه مع مرور الوقت.