مساء الثلاثاء 20/11/2012، وبعد خمسة أشهر فقط من تولى محمد مرسى حكم مصر، وسيطرة الإخوان على المشهد العام برعاية أمريكية ورضا إسرائيلى، وقف مرشد الجماعة محمد بديع فى مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة يعلن أن الإخوان لا مانع لديهم من استقبال الفلسطينيين من غزة فى سيناء وإقامة مخيمات للفلسطينيين لهم، مستدلًا بوجود مئات المخيمات للفلسطينيين فى الأردن وفى لبنان.
وفى الوقت نفسه، دخل محمد مرسى، مندوب الإخوان فى الرئاسة، مرحلة جسّ النبض مع السلطة الفلسطينية نحو قبولها عرض تفريغ القطاع فى سيناء، وهو ما صرح به الرئيس الفلسطينى محمود عباس، بأن مرسى عرض عليه بشكل مباشر تبادل الأراضى ومنح مساحة أكبر للفلسطينيين فى سيناء مقابل تفريغ القطاع، ولو أضفنا إليه ما انتشر على ألسنة الإخوان فى عام 2012 بأنهم سيصدرون أرقامًا قومية للعديد من الفلسطينيين الحمساويين للإقامة فى العريش وسيناء، كل ما سبق هو موقف الجماعة الحقيقى من القضية الفلسطينية، وهو ما كانوا ينوون تنفيذه بناءً على طلب المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، فهم مع التهجير قولًا وفعلًا، وهم الذين وظفوا آلتهم الإعلامية للترويج للتهجير بزعم حماية الفلسطينيين من الهجمات الإسرائيلية، وأن هذا واجب المسلم تجاه شقيقه المسلم، وسواء كانوا يعلمون أن هذا تصفية للقضية أم لا، إلا أنه من المؤكد أنهم مع التهجير شكلًا وموضوعًا، وأى ادعاء بأنهم ضد التهجير هو كذب ونفاق سياسى يحاولون فيه التهرب من موقفهم الحقيقى المخزى.
«الإخوان» تبتز الدولة المصرية
منذ بداية عمليات «طوفان الأقصى» وجماعة الإخوان تبتز الدولة المصرية وتضغط على الرئيس عبدالفتاح السيسى بنشر شائعات والترويج لأكاذيب صهيونية ضد الدولة المصرية، فى انحياز إخوانى واضح وتام لإسرائيل وأمريكا، ففى شهر أبريل 2024 أصدر تنظيم الإخوان الإرهابى بجبهتيه فى (تركيا ولندن) العديد من البيانات الرسمية والمنشورة على صفحاتهم ومواقعهم الإلكترونية، وجّهوا فيها الاتهامات للدولة المصرية مرة بالتفريط فى الحدود المصرية، وثانية بحصار الفلسطينيين فى غزة، وثالثة بمنع المساعدات، رغم أن العالم أجمع شهد أن الجانب الإسرائيلى هو المتعنت، وهو مَن يمنع دخول المساعدات، إلا أن آلة الكذب الإخوانية أبت إلا أن تبرئ إسرائيل من كل تهمة وتحيلها إلى الوطن الأم (مصر).
كما استغل تنظيم الإخوان أحداث «طوفان الأقصى» وتوظيفه لمحاولة نشر الفوضى فى الدول العربية ومنها مصر، فى حين أن التنظيم نفسه لم يقُم بأى فعالية لإنقاذ الفلسطينيين فلم يرسلوا وفودًا شعبية للكونجرس الأمريكى أو للاتحاد الأوروبى أو لأى منظمة إغاثية إنسانية لإدخال المساعدات من أى معبر سواء الأردنى أو المصرى أو غيره، وهذه الجهات ليست بعيدة عن الإخوان، فهى نفس الجهات التى تدفقوا عليها لأكثر من ثلاث سنوات يوميا بعد 2013، ليطالبوهم بفرض الحصار على مصر، أو التحرك العسكرى نحو القاهرة لإعادة الإخوان للحكم.
قابلت الدولة المصرية هذا الهجوم ببذل من الجهود الجبارة فى المفاوضات مع الجانب الإسرائيلى من أجل إدخال المساعدات وعقد هدنة لعلاج المرضى ووقف المذابح، موقف لا يمكن تفسيره إلا أنه انحياز صادق للقضية الفلسطينية وتعاطف كامل مع الشعب الفلسطينى الأعزل، مما يدل على صلابة موقف مصر، وأنها لا تكترث بمهاترات الصهيونية وصبيانها من تنظيم الإخوان.
موقف مصر من القضية الفلسطينية
بدأ موقف مصر منذ 7 أكتوبر 2023، واضحًا لا تشوبه ضبابية، ثابتًا لا يحمل مراوغة، رافضًا للعدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطيني، الذى يواجه حربًا غير متكافئة ويتعرض للمذابح يوميًا، وتهدم أحياء بالكامل، هذا الموقف هو امتداد طبيعى لموقف مصر من بداية ميلاد المسألة الفلسطينية، فقد وقفت الحكومات المصرية المتعاقبة مع القضية الفلسطينية منذ بدايتها، وكان الرأى العام المصرى والصحف المصرية والجمعيات المصرية يتبنون القضية بكل صدق ودون منفعة خاصة، سجلت ذلك د. عواطف عبدالرحمن، فى كتابها الفريد «مصر وفلسطين»، المنشور ضمن سلسلة عالم المعرفة، حيث تقول: «انفردت الصحف المصرية بتغطية كثير من الجوانب التى لا تزال مجهولة فى تاريخ القضية الفلسطينية، مثل العلاقات المصرية - الفلسطينية».
وعقب أحداث 7 أكتوبر 2023، لم تكتفِ مصر بإطلاق الشعارات، ولم تقف موقف المتفرج، ولم تتحجج بالأزمة الاقتصادية، ولم تساوم على الشعب الفلسطينى ولا القضية، وتخضع للتهديدات ولا ابتزاز الدول الإقليمية، بل تحمّلت مسئوليتها التاريخية كدولة عربية مركزية فى المنطقة، وبدأت سلسلة من التحركات الدبلوماسية الخشنة منها والناعمة، فهى أول من دعا لعقد مؤتمر دولى لوقف الحرب على غزة باسم «مؤتمر القاهرة للسلام»، وقدمت فيه رؤيتها ورفعت اللاءات السبع فى وجه زعماء العالم، وهى: ۱-لا لتصفية القضية الفلسطينية، ۲- لا للتهجير القسرى، ۳- لا لمنع المساعدات ۴- لا لأى حل على حساب مصر والأردن، ۵- لا لاحتلال غزة، ۶- لا لوجود الناتو على الأراضى الفلسطينية، ۷- لا بديل سوى حل الدولتين».
كما قامت بحملة إعلامية ضخمة لتصحيح الصورة المغلوطة التى روّجت لها الآلة الإعلامية الإسرائيلية، ففضحت مذابح جيش الاحتلال ضد المدنيين وضد المستشفيات، ومنعهم المساعدات وإغلاق المعابر، وهو ما أثار حفيظة الإخوان فبدأت لجانهم الإلكترونية بتبرئة إسرائيل واتهام الدولة المصرية بحصار الفلسطينيين حتى بات بعض الناس يظن أن هذا موقف الدولة المصرية فعلًا.
مصر وحدها ضد الإرادة الأمريكية والإسرائيلية وشائعات الإخوان
تحملت الدولة المصرية والمفاوض المصرى أعباء تنوء عنها الجبال من أجل التوصل إلى اتفاق وقف النار، وهو ما تم فعلًا فى السابع والعشرين من مايو الماضى، رغم هذه الجهود فإنها تدفع الثمن وحدها، فالإدارتان الأمريكية والإسرائيلية تصران على تنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين لسيناء، وحملت الأخبار الأخيرة عبارات تحتمل التهديد لمصر، وردت مصر بدبلوماسية راقية وبخبرات دولة ذات ثقل إقليمى ودولى برسالة تحمل شقين، ناعم وشق خشن، لتعيد تذكير العالم بموقفها وبلاءاتها السبع المعروفة، ونظمت فعالية يوم الجمعة الماضية اصطفت الحكومة ومؤسسات المجتمع المدنى والجماهير المصرية صفًا واحدًا ضد التهجير، لم تتحمل الجماعة الإرهابية هذا الاصطفاف، ومن ثم بدأ ذبابهم الإلكترونى بمهاجمة موقف مصر الرافض للتهجير، والنفخ فى التهديدات الأمريكية والترويج لها، مع إعادة تدوير الاتهامات الإسرائيلية ضد الدولة المصرية.
بات من المؤكد للشعب المصرى أن الإخوان مجرد جماعة وظيفية عند المخابرات الأمريكية ووكلائها، ينفذون أجندتها بكل حذافيرها، ويعملون على تخريب الأوطان العربية من الداخل، ربما لهذا لم تدرج بريطانيا وأمريكا تنظيم الإخوان كمنظمة إرهابية، وربما هو ما يجعل الإخوان تلوذ بالإدارة الإمريكية فى كل مرة ينكشف فيها دورها وعمالتها فى المنطقة.