تضع مصر القضية الفلسطينية نصب أعينها وعلى رأس أولوياتها، ورغم كل الضغوط والتحديات، يبقى الموقف المصرى تجاه فلسطين ثابتا لا يتغير، هذا الثبات الذى أدى إلى فوائد عدة أبرزها الهدنة الحالية والسعى لتنفيذ وقف إطلاق النار بشكل كامل، لكن مصر لم تكتفِ بهذه الفوائد، فما زالت تسعى بكل جهد لتحقيق السلام العادل والشامل فى المنطقة.
نزاهة ورسوخ الموقف المصرى جعلاه محل تقدير من الجميع، كما جعلاه يتعاظم ليتحول إلى موقف عربى موحد، يؤكد ذلك البيان المشترك الصادر عن اجتماع وزراء خارجية مصر والإمارات والسعودية والأردن وقطر، وما أكده من 7 ثوابت بشأن الأوضاع فى غزة، هذا البيان الذى سيحظى بدعم ومشاركة المزيد من الدول العربية خلال الأيام القليلة القادمة، بما يعنى أن قواعد اللعبة قد تتغير خلال المستقبل القريب.
البيان الصادر بداية هذا الأسبوع جاء عقب اجتماع شارك فيه وزراء الخارجية لكل من المملكة الأردنية الهاشمية، الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، قطر، ومصر، بالإضافة إلى أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عن دولة فلسطين وأمين عام جامعة الدول العربية، وذلك استجابة لدعوة من مصر، وأسفر الاجتماع عن توافق الدول المشاركة واتفاقها على سبع نقاط رئيسية لا تنازل عنها فى التعامل مع القضية الفلسطينية، أولها الترحيب بالتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة وتبادل الرهائن والمحتجزين، والثانية تأكيد دعم الجهود المبذولة من قبل الدول الثلاث -مصر وقطر والولايات المتحدة- لضمان تنفيذ الاتفاق بكامل مراحله وبنوده، وصولاً للتهدئة الكاملة، والتأكيد على أهمية استدامة وقف إطلاق النار، بما يضمن نفاذ الدعم الإنسانى إلى جميع أنحاء قطاع غزة.
وجاءت النقطة الثالثة لتؤكد على الدور المحورى الذى لا يمكن الاستغناء عنه وغير القابل للاستبدال لوكالة غوث وتشغيل لاجئى فلسطين «أونروا»، والرفض القاطع لأية محاولات لتجاوزها أو تحجيم دورها، والرابعة تأكيد أهمية تضافر جهود المجتمع الدولى للتخطيط وتنفيذ عملية شاملة لإعادة الإعمار فى قطاع غزة، بأسرع وقت ممكن، وبشكل يضمن بقاء الفلسطينيين على أرضهم، كما أعربت النقطة الخامسة وفقا لنص البيان عن استمرار الدعم الكامل لصمود الشعب الفلسطينى على أرضه وتمسكه بحقوقه المشروعة وفقاً للقانون الدولي.
ورحب البيان فى نقطته السادسة باعتزام مصر، بالتعاون مع الأمم المتحدة، استضافة مؤتمر دولى لإعادة إعمار قطاع غزة، واختتم البيان بالنقطة السابعة وهى مناشدة المجتمع الدولى فى هذا الصدد، لاسيما القوى الدولية والإقليمية، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من أجل بدء التنفيذ الفعلى لحل الدولتين، بما يضمن معالجة جذور التوتر فى الشرق الأوسط.
وفى هذا السياق، أكد السفير مدحت المليجي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن هذا البيان نقطة تحول للموقف العربى يمكن الانطلاق منها لرسم واقع جديد مستقبلا، قائلا إن «اجتماع هذه الدول الشقيقة وتوحدها خلف الرؤية المصرية سيكون بمثابة بوصلة للعمل العربى المشترك خلال الفترة القادمة، خاصة فى ظل الغطرسة الأمريكية والظروف التى تمر بها بلاد المنطقة العربية بدءا من العراق شرقا وحتى ليبيا غربا، كما أن توحد دول مثل مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر خلف موقف واحد يعزز من قوة هذا الموقف ويزيد من ثقله على المستوى الدولى، ويعنى تنحية أية اختلافات فى وجهات النظر – إن وجدت – جانبا من أجل هدف واحد وهو الحفاظ على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى من المحاولات الإسرائيلية المستمرة لتحقيق مخططاتها التوسعية فى المنطقة، وهذا يمثل من وجهة نظرى إحياء حقيقيا للقضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين أمام المجتمع الدولي، وهناك نقطة أخرى يجب توضيحها، وهى أن هذا البيان سيحد من الممارسات الإجرامية التى تمارسها حكومة نتنياهو فى الضفة الغربية التى تعانى الأمرين وتفقد العديد من أبنائها بين قتيل ومعتقل دون مراعاة لأية عوامل أو قواعد وضعها القانون الدولى ونصت عليها حقوق الإنسان».
وعن أهمية الدور المصرى للقضية الفلسطينية قال «المليجي»، إنه «دور لا يمكن التخلى عنه بأى حال من الأحوال، فلا سلام فى المنطقة ولا مصالح استراتيجية بدون مصر، فالقاهرة هى البوابة الرئيسية للمنطقة العربية الإفريقية والإفريقية، ومصر صاحبة الفضل الأكبر فى الحفاظ على القضية المصرية وكانت العامل الذى أدى إلى تغير مواقف عدد من الدول حول العالم وصل إلى حد اعتماد قرار بعضوية فلسطين الكاملة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى مايو الماضي، كذلك اعتراف دول مثل كإسبانيا وأيرلندا والنرويج بدولة فلسطين، وهو أمر لم يحدث منذ نحو 35 عاما، ليزيد عدد الدول المعترفة بفلسطين ليصبح 146 دولة من إجمالى 193 دولة، ولا يوجد شيء يدل على أهمية مصر للفلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، خاصة أهالى غزة الذى رفعوا لافتات تحمل صور الرئيس السيسى مؤيدة بعبارات التأييد والمحبة، كاللافتة الكبرى التى وضعت فى قلب ميدان السرايا ومفترق دير البلج فى شارع صلاح الدين داخل القطاع وكتب عليها: «مصر ستظل السند الحقيقى والحامى للمشروع الوطنى الفلسطينى ولن تقبل بتهجير شعبها»، ولا ننسى أن استجابة الدول المشاركة فى الاجتماع وحضور وزراء خارجيتها إلى القاهرة لإصدار البيان من مصر يعكس أهمية مصر ودورها ورمزية القاهرة للعرب كافة، فهى الحاضنة والرائدة والمظلة التى تجتمع تحتها كل دول المنطقة.
وحول تبعات الموقف العربى الموحد وما سيلحقه من خطوات ونتائج، أشار إلى أن «البداية ستكون بانضمام دول عربية أخرى إلى الموقف العربى والرؤية المصرية، وأتوقع أن نرى مستقبلا مشاركة دول أخرى فى التأكيد على ثوابت البيان المشترك، مثل البحرين والعراق وسلطنة عمان والجزائر وغيرها، وفور اكتمال اتفاق وقف إطلاق النار ستتعاون الدول المشاركة فى البيان لتوفير الإمكانات والمساعدات اللازمة لإعادة إعمار قطاع غزة وتدعيم السلطة الفلسطينية مع وضع رؤية عربية خالصة للتعامل مع إدارة القطاع مستقبلا من قبل الفلسطينيين دون أى تدخلات خارجية، وفى رأيى لن يقف الأمر عند هذا الحد، فالتوحد العربى سيستمر لما بعد فلسطين، فلبنان سيحظى هو الآخر بجانب كبير من جهود هذه الدول فى دعم اقتصاده واستقراره السياسى وأمنه العسكرى واستعادة بنيته التحتية المدمرة، خاصة أن ما تبقى منها متهالك بالفعل بسبب الإهمال وعدم التطوير على مدى سنوات طوال.
وكذلك سوريا ستحظى بجانب كبير من الدعم العربى فى كل المجالات.