فى ظلِّ تَزايُد التحديات الإقليمية والدولية، وتصاعد بُؤر التوتر فى محيط مصر الجيوسياسى، تبرز القوات المسلحة المصرية، حصنًا وطنيًا منيعًا، عنوانًا للاستعداد الدائم.. فجيشنا المصرى، يُعدُّ أحد أقدم الجيوش النظامية فى العالم، لا يكتفى بحماية حدود الوطن وترابِه، بل يخطو بثباتٍ نحو آفاق التطوير المستمر، مُعزِّزًا من قدراته القتالية عبر مزيجٍ استراتيجى ذكى يجمع بين التصنيع المحلى المتطور، والصفقات الخارجية المدروسة، فى إطار رؤيةٍ شاملة تهدف إلى تحقيق التفوق النوعى، والحفاظ على التوازن الاستراتيجى فى منطقةٍ، تشهد تحولاتٍ جيوسياسية وعسكرية متسارعة.
من مصانع السلاح الوطنية التى تُنتج أحدث المعدات، بدءًا من الذخائر، وصولًا إلى المنظومات الصاروخية المتطورة، مرورًا بالشراكات العسكرية مع كبرى الدول المُصنعة، تسير مصر على دربٍ طويلٍ من التحديث العسكرى.. نسير أبعد من رد فعلٍ على التهديدات فحسب، بل كاستثمار فى الأمن القومى المستقبلى.
هنا، حيث يُصهر الإرث العسكرى العريق، ممزوجًا مع تكنولوجيا القرن الحادى والعشرين، تُقدِّم مصر نموذجًا فريدًا لدولةٍ تُحقق أمنها بيدَى أبنائها، دون أن تغفل عن تعزيز ترسانتها بالخبرات العالمية، فى معادلةٍ متوازنة تُعيد تعريف مفهوم «القوة الذكية» فى عالم اليوم.
ومن خلال التحقيق التالى، تُلقى (المصور) الضوء على مسيرة التطوير المتواصل للجيش المصرى، واستراتيجيات تعزيز التسليح، وكيف تحوَّلت الصناعة العسكرية المحلية من حلقةٍ فى سلسلة التوريد، إلى ركيزةٍ أساسية للاقتصاد القومى، بينما تظل الصفقات الخارجية خيارًا مدروسًا لسد الفجوات التكنولوجية، فى زمنٍ لم تعد فيه القوة العسكرية مجرد ترسانة أسلحة، بل منظومةً متكاملة من الابتكار والتدريب والجاهزية.
فى البداية، أوضح اللواء طيار الدكتور هشام الحلبى، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أنه «فى ظل التصريحات الأخيرة الذى تخص النازحين الفلسطينيين فى قطاع غزة، فإن الدولة المصرية تسير فى أكثر من مسار، أهمها العمل للتوصل إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية»، لافتًا إلى أن «القاهرة لديها مسار ثابت، يتمثل فى الإطار العسكرى، وبه تصبح القوات المسلحة المصرية فى أتم الجاهزية، لحماية البلاد وحدودها التاريخية، وصدو مواجهة أى اعتداءات محتملة، سواء من الإرهاب الذى ما زال متواجدًا فى منطقتنا العربية، وأيضًا محاولة الضغط على القاهرة، فيما يتعلق بقبول الأشقاء الفلسطينيين فى أراضينا، وهو ما ينهى القضية العربية للأبد».
وأضاف «الحلبى»، أن الجيش يعتمد فى تسليحه أولًا على المقاتل المصرى والارتقاء بقدراته القتالية، مشيرًا إلى أن عناصر القوات المسلحة، فى الأساس شريحة مجتمعية من الشعب، ولافتًا إلى أن عقيدتنا معروفة وواضحة «النصر أو الشهادة»، بجانب قدرة المقاتلين على الاستيعاب التكنولوجى العالى جدًا لكافة وسائل التسليح المتطورة عالميًا، التى أصبحت تمتلكها قواتنا المسلحة، خاصة منذ تولى الرئيس السيسى إدارة البلاد، وقد شرع فى تطوير قدرات وإمكانيات الجيش، بأفرعه الرئيسية: (الجوية والبحرية والدفاع الجوى والقوات الخاصة)، بالإضافة إلى قوات التدخل السريع، حديثة النشأة منذ عام 2014م.
وواصل «الحلبى» حديثه قائلًا: الدولة المصرية بذلت شوطًا كبيرًا فى مسار التصنيع العسكرى المحلى، وهو مسار مهم جدًا تحققت نجاحاته بفضل عدة اتجاهات، لعل أبرزها تعاقد القاهرة - فى الآونة الأخيرة، على صفقات تسليح جديدة، يتم الاشتراط بضرورة توطين صناعة ذلك النوع محليًا، مثلما حدث عند التعاقد على الفرقاطة «جو ويند»، التى تم تصنيع 3 منها - محليًا - داخل الترسانات المصرية، بالإضافة إلى التوسع فى اتفاقيات التصنيع المشترك لبعض أنواع السلاح، بجانب تعزيز البحوث العلمية المتعلقة بالتصنيع العسكرى المحلى، كما هو الحال عند تصنيع بعض طراز الطائرات الموجهة بدون طيار - مصرية الصنع والتصميم، فضلًا عن بعض الأنظمة المجابهة للطائرات الموجهة بدون طيار، وعدد من المركبات المدرعة، الأمر الذى يسهم فى تخفيض التكاليف المخصصة، لإجراء العمرات واستقدام قطع الغيار من الخارج، وبالتالى تقليل الاعتماد على النقد الأجنبى، مع تقليل الضغط على أى قرار للقيادة السياسية المصرية، حال وجود خلاف ما، مع أى جهة خارجية.
وشدد اللواء طيار الدكتور هشام الحلبى، على أن العالم أجمع يحسب للجيش المصرى «ألف حساب»، وذلك بفضل معرفتهم بالقدرات القتالية المتفوقة التى يتمتع بها أبناء المحروسة، مما يوفر للدولة المصرية، ذراعًا طولية يمتلك قدرات الردع الحديثة، يصد أى اعتداء خارجى يستهدف مصرنا العزيزة.
فى سياق متصل، أشار اللواء أركان حرب الدكتور سمير فرج، الخبير والمفكر الاستراتيجى، إلى أنه منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى حكم مصر، وقد انتهج سياسة جديدة فى تنويع مصادر السلاح، خاصة أنه فى العقود السابقة، كانت القوات المسلحة المصرية تعتمد - فى البداية، على السلاح الروسى، وبعد حرب أكتوبر 1973 بدأت القاهرة فى الانفتاح على التسليح الغربى من الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرًا إلى أن القيادة السياسية استشعرت خطورة الاعتماد على مصدر واحد فقط فى التسليح، خاصة فى أوقات تضارب المصالح أو المواقف السياسية - آنذاك، وهو أمر وارد الحدوث، لذلك شهدنا خلال العقد الأخير، قيام الدولة المصرية بإجراء صفقات تسليح من مختلف دول العالم، بما يتناسب مع تطلعات القوات المسلحة المصرية المستقبلية، لذا فإن أعظم القرارات التى اتخذها السيسى هو تنويع مصادر السلاح.
وأكد «فرج» أن القوات المسلحة المصرية هى الأقوى عربيًا وإفريقيًا، والثانية إقليميًا، فضلًا عن امتلاكها خبرات قتالية واسعة ومتنوعة، توفر لها القدرة على حماية حدود الدولة المصرية، وردع أى تهديدات، وكذا تأمين المصالح الاقتصادية لمصر، فى البحرين الأحمر والمتوسط، مشددًا على أن إسرائيل تعرف تمامًا حجم القوة العسكرية المصرية، لذا فإن إقدامها على أى خطوة عسكرية ضد مصر، هو أمر مستبعد حدوثه.
كذلك، شدد اللواء سمير فرج، على أن الرئيس الأمريكى ترامب، معروف عنه اتخاذ قرارات لا يرغب فى أن يعارضها أحد، بل يُشدد على تنفيذها، لذلك فإنه من الممكن أن يُقر بمنع مساعدات عسكرية دفاعية لمصر، نظرًا لمعارضة القاهرة - قيادة وشعبًا، لمقترحه بنقل الفلسطينيين من أهالى قطاع غزة إلى سيناء، مضيفًا أنه أمر سبق حدوثه من قبل خلال إدارة الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن، إلا أنه ليس أمرًا جللاً، والجيش المصرى قادر تمام القدرة، على تخطى كافة تلك العقوبات والمضى قدمًا فى تأمين بلاده ومصالح شعبها وأمنها القومى.
واختتم اللواء أركان حرب دكتور سمير فرج - حديثه، مؤكدًا أن الشارع المصرى حاليًا والرأى العام لدينا، يشهد حالة استنفار غير مسبوقة، ومصر تشهد اصطفافاً فى الرأى والحشد الشعبى المصرى، خلف قرار الرئيس السيسى، بعدم قبول التفريط فى شبر واحد من أرض مصر، أو المشاركة فى ظلم الفلسطينيين.
بدوره، أوضح الخبير الاستراتيجي، اللواء محمدالغباشى، أمين مركز آفاق للدراسات الاستراتيجية، أن ملف تطوير القدرات القتالية والتسليحية للجيش المصرى، يعتبر من أهم الإنجازات التى تحققت خلال فترة حكم الرئيس السيسى.
وأشاد «الغباشى»، بالرؤية الثاقبة والمستقبلية التى تحلى بها الرئيس السيسى منذ اللحظة الأولى لتوليه مهام الرئاسة، ومراعاة الأخطار المحدقة بالأمن القومى المصرى، لذلك عملت القاهرة على تنويع مصادر تسليحها، فاتجهت لفرنسا، وتم التعاقد على شحنة طائرات الرافال وحاملتى المروحيات الميسترال جمال عبدالناصر وأنور السادات، فضلًا عن عدد من الطرادات البحرية، وكذلك اتجهت مصر لدولة إيطاليا لشراء بعض القطع البحرية، ونجحنا فى استقدام الغواصات المتطورة من ألمانيا، بجانب التوسع فى صفقات المروحيات الهليكوبتر طراز كاموف، وكذلك التعاقد على بعض أنواع المدافع من كوريا، وأنظمة طائرات موجهة بدون طيار من جمهورية الصين.
وأوضح الخبير الاستراتيجى، أن الدولة المصرية تسعى لتحقيق الاستقلال فى مختلف المجالات، وهو أحد رموز التحول للجمهورية الجديدة، التى تشهد طفرة على مختلف الأصعدة، ولا سيما القطاعات الصناعية، لذلك شهد قطاع التصنيع العسكرى المحلى تفوقًا فى نقل تكنولوجيات التصنيع المتطورة التى تمتلكها الدول المتقدمة، وتم التعاقد على صفقات سلاح وتوطينها محليًا، موضحًا أن هذا التوجه لمسناه جميعًا خلال معرض ايديكس للصناعات العسكرية والدفاعية بنسختيه، التى تم تنظيمهما فى مصر، حيث شهدنا عددًا من الأسلحة المصرية المتطورة والمواكبة لأحدث تكنولوجيا التسليح عالميًا فى مختلف التخصصات، ورأينا جميعًا ما تم تصنيعه محليًا، يعرض داخل الجناح العسكرى المصرى، جنبًا إلى جنب، مع معروضات كبرى شركات السلاح الدولية.
ووجه اللواء محمدالغباشى، رسالة اطمئنان لكافة أطياف الشعب المصرى، بأن قواته المسلحة قادرة على حماية أمنه القومى، ضد أى اعتداءات خارجية محتملة قد تهدد الحدود المصرية، مطالبًا بتماسك الجبهة الداخلية، وأن تكون على قلب رجل واحد، ويجب على كافة أبناء الشعب المصرى أن يلتزموا - فى ظل التحديات الحالية، بما يصدر فقط عن القيادة السياسية ومؤسسات الدولة المصرية، والابتعاد التام عن كافة الأبواق الإعلامية المغرضة، التى تعمل - على مدار الساعة، لإثارة الفتن والشائعات، مختتمًا بقوله: «كلما كان المصريون على قلب قائدهم، تمكنا من قطع أى فرصه للتعدى على بلادنا».
واتفق معهم اللواء أركان حرب دكتور محمد قشقوش، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العلياـ عضو اللجنة الاستشارية للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، حيث بدأ قوله بالتأكيد على أن «الجيش المصرى هو كيان وطنى، يستمد قوته من قوة الدولة المصرية، التى حرصت على تسليحه بأحدث النظم المتطورة من المدارس الصناعية العسكرية المختلفة عبر دول العالم، سواء بالاعتماد على المعونة الأمريكية التسليحية التى تُقدر بنحو 1.3 مليار دولار، أو بالتصنيع المحلى الوطنى، أو الاشتراك فى التصنيع مع كبرى دول العالم»، مضيفًا: أن «الدبابة المتطورة M1A1 الأمريكية، وهى الأولى عالميًا، وقد بدأت الدولة المصرية فى تسعينيات القرن الماضى فى تصنيعها محليًا بنسبه مكون مصرى لا يتجاوز 35فى المائة - آنذاك، ولكن الآن وصلت نسبة المكون المصرى إلى 70فى المائة، وهكذا كررت مصر تلك التجربة مع العديد من دول العالم المتقدمة فى شأن التصنيع العسكرى».
وأشار د. قشقوش، إلى أن وزارة الدفاع المصرية، دائمًا ما تعمل على تطوير ما ليس فى مقدورنا تصنيعه، وذلك للحفاظ على الدرجة العالية من الجاهزية والاستعداد القتال، والجيش المصرى ذو كفاءة قتالية وتسليحية فائقة القدرة، منوهًا أن جيشنا لا يهدد ولا يعتدى على أحد، ولكنه قائم لحماية بلاده وحدود دولته وممتلكاتها ومياهها الاقتصادية ذات الثروات الطبيعية.