أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن خططه لفرض رسوم جمركية على مجموعة واسعة من الواردات، بما فى ذلك رقائق الكمبيوتر، وأشباه الموصلات، والأدوية، والصلب، والألومنيوم، والنحاس، والغاز، فى محاولة منه لدفع المنتجين إلى تصنيعها داخل الولايات المتحدة، وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية.
ومن خلال التركيز على الرقائق الإلكترونية، يمكن لترامب الضغط على الحلفاء والشركاء التجاريين فى آسيا، بما فى ذلك تايوان وكوريا الجنوبية واليابان.
وهاجم ترامب تايوان، التى تمثل حوالى 98 فى المائة من أعمال الرقائق، متهمًا إياها بسرقة الصناعة التكنولوجية الأمريكية، وسخر من برنامج سلفه جو بايدن، قائلًا: «لا نريد أن نعطيهم مليارات الدولارات مثل هذا البرنامج السخيف الذى تبناه بايدن».
وهنا أشار ترامب إلى الجهود التى بذلتها إدارة الرئيس السابق لزيادة الإنتاج المحلى لأشباه الموصلات من خلال تقديم حوافز مالية للشركات التى تنتج فى الولايات المتحدة، وضمن قانون «الرقائق والعلوم»، الذى وقعه بايدن فى عام 2022، 53 مليار دولار من الإعانات لشركات الرقائق الدقيقة لمحاولة اللحاق بالصين فى تصنيع أشباه الموصلات فى إطار تصاعد حدة الحرب التجارية بين البلدين، خاصةً فى هذا المجال، الذى تدعى أمريكا أن الصين تستخدمه لأغراض عسكرية.
وجاءت تعليقات ترامب فى أعقاب الظهور المفاجئ الأسبوع الماضى لروبوت الدردشة الصينى R1 من DeepSeek، وهو روبوت دردشة مفتوح المصدر صينى ينافس GPT-4o من OpenAI ونماذج أمريكية أخرى، والذى أثار إطلاقه تساؤلات حول فاعلية ضوابط التصدير الصارمة التى تفرضها واشنطن، والتى تهدف إلى منع الصين من الوصول إلى الرقائق المتقدمة، مستشهدة بمخاوف الأمن القومى، بحسب ما أفادت به «نيوز ويك».
وتعد آسيا أكبر مركز لتصنيع الرقائق فى العالم، حيث تنتج أكثر من 80 فى المائة من أشباه الموصلات المباعة عالميًا، وفقًا للبنك الآسيوى للتنمية، وبالتالى تعد الرقائق مصدرًا رئيسيًا لإيرادات التصدير لكوريا الجنوبية وتايوان، ما يعنى أن هناك الكثير على المحك أكثر من مجرد التأثير على الشركات المصنعة نفسها، وبلغت صادرات كوريا الجنوبية من أشباه الموصلات رقمًا قياسيًا بلغ 141.9 مليار دولار فى عام 2024، منها 10.28 مليار دولار إلى الولايات المتحدة، وفقًا للبيانات الصادرة عن وزارة التجارة والصناعة والطاقة الشهر الماضي، وتسيطر شركة «سامسونج» وشركة «إس كيه هاينكس» فى كوريا الجنوبية معًا على حوالى ثلاثة أرباع سوق ذاكرة الوصول العشوائى الحركية «دى رام» العالمية المستخدمة فى أجهزة الكمبيوتر، كما تعد الشركتان رائدتين فى إنتاج رقائق النطاق الترددى العالى «إتش بى إم» المستخدمة فى مجال الذكاء الاصطناعى.
بينما تعد تايوان محور سلاسل توريد الرقائق العالمية، حيث تمثل حوالى 60 فى المائة من أشباه الموصلات وأكثر من 90 فى المائة من أشباه الموصلات الأكثر تقدمًا -وهى مفتاح المنافسة التكنولوجية الأمريكية مع الصين- التى تعدها جزءا لا يتجزأ من أراضيها، كما تعد الجزيرة موطنًا لأكبر شركة تصنيع رقائق إلكترونية فى العالم (تى إس إم سى)، وهى حلقة وصل رئيسية فى سلسلة توريد التكنولوجيا العالمية لشركات مثل «آبل»، وشركة «إنفيديا»، وتُعتبر محركًا رئيسيًا لاقتصادها، وحققت الشركة 70 فى المائة من إيراداتها فى عام 2024 من العملاء المقيمين فى أمريكا الشمالية، فى حين أنها تبنى منشأة تصنيع بقيمة 65 مليار دولار فى أريزونا، والجزء الأكبر من إنتاج الشركة يظل فى تايوان، وفقًا لـ«سى إن إن».
وردًا على تعليقات ترامب، قال رئيس الوزراء التايوانى، تشو جونج تاي: إن حكومة تايوان ستنظر قريبًا فى ما إذا كانت بحاجة إلى مساعدة صناعتها المحلية فى مواجهة تهديدات ترامب، فى حين توقع وزير الاقتصاد التايواني، كيو جيه هوى، تأثيرًا ضئيلًا فقط من أى رسوم جمركية يفرضها ترامب على صادرات أشباه الموصلات نظرًا لتفوقها التكنولوجي.
فى هذا السياق، قال الدكتور أحمد عبود، أستاذ الاقتصاد بجامعة بورتسموث ببريطانيا: إن ترامب له أهداف استراتيجية من هذا القرار، فهو رجل مال ورجل اقتصادى من الدرجة الأولى يفكر بطريقة اقتصادية بحتة، ويريد أن يؤثر على الاقتصاد الأمريكى عن طريق دفع عجلة الإنتاج المحلى وتحفيزها بواسطة رفع التعريفات الجمركية والضرائب والاعتماد بشكل كبير على السوق الأمريكى فى الإنتاج المحلي، بهدف الاستقلالية وعدم الحاجة إلى الصين وغيرها من الدول.
وبشأن التأثير العالمي، أوضح «عبود»، أنه سيكون هناك تأثير سلبى لأنه فى هذه الحالة سترتفع الأسعار إلى حد ما، حيث تكون القيمة التنافسية للمنتجات الآتية من الصين أقل، وبالتالى المنتج الأخير سيكون مرتفع السعر إذا اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية على التصنيع المحلى، وعلى هذا الأساس سنشهد سلسلة من التضخم فى أسعار المنتجات الإلكترونية وغيرها.
ومن ناحية أخرى، وفقًا لـ«عبود»، من الممكن أن تقوم الصين وغيرها من الدول أيضًا برفع التعريفات الجمركية على المنتجات الأمريكية، ما يدعم ارتفاع الأسعار من كل الجوانب، لافتًا إلى أن كل ما سبق سيؤثر بشكل كبير على سلسلة الإمداد والتجارة العالمية، كذلك إذا اتجهت أمريكا إلى تنفيذ هذه القرارات بصورة واسعة على عدد أكبر من المنتجات واتجهت دول أخرى بتطبيق سياسات مماثلة، سيكون هناك انخفاض فى الناتج العالمي، وارتفاع فى أسعار معظم المنتجات وهو ما سيدخلنا فى مرحلة ركود اقتصادى فى الفترة المقبلة، قائلًا: «حتى الآن رأينا ترامب يتخذ قرارات كثيرة وفى ملفات شائكة، لكنها قرارات مبدئية بعضها يصعب تنفيذه، وأعتقد أنه سيكون هناك تخطيط لهذه القرارات سواء بالتنفيذ من عدمه».