رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

أضواء الثقافة العُمانية تتلألأ في سماء القاهرة في ختام النسخة 56 من معرض القاهرة الدولي للكتاب


10-2-2025 | 12:15

مشاهد من المشاركة العُمانية في معرض القاهرة للكتاب الـ 56

طباعة
المصور

تلألأت أنوار الثقافة العُمانية طوال فترة معرض القاهرة الدولي للكتاب في نسخته السادسة والخمسين بوصفها ضيف شرف المعرض الذي أنار بأضوائه شعلة الثقافة العربية والإسلامية، حيث مثّل مشاركتها  فرصة للاحتفاء بتراثها؛ فتلك البلد التي تعانقها البحار وتكلّلها الجبال، لم تكن يوماً مجرد نقطة على خريطة الجغرافيا، بل منارة للعلم والحضارة. 

 ويتصدر جناح سلطنة عمان سنويا في معرض القاهرة الدولي للكتاب قائمة المشاركات الدولية من حيث الأهمية والإقبال الكبير من زوار المعرض وكذا الزيارات الرسمية التي يحظى بها من المفكرين والأدباء والمثقفين المصريين ومراكز ثقافية وتعليمية.

وجاء اختيار سلطنة عُمان كضيف شرف تكريسا لأهمية موروثها الثقافيّ الثريّ الممتدّ عبر السنوات، والذي يتناغم مع تطلّعاتها الحديثة نحو التقدّم والنهضة، ومثل مشاركتها دعوة مفتوحة للغوص في عمق تاريخها واستكشاف هويتها متعدّدة الأبعاد. 

وبوصف سلطنة عُمان مركزاً لحركة التجارة العالمية، وموطنًا لأعرق الموانئ التي شكّلت همزة وصل بين الشرق والغرب، فإنّ حضورها الثقافي في معرض القاهرة للكتاب مثّل تجسيداً لعمق العلاقات التاريخية والثقافية مع مصر عبر العصور، وتعزيزاً لآفاق الحوار الثقافي العربي.

 وجاءت مشاركتها بهدف التعريف بالثقافة العُمانية وإبراز الجوانب الحضارية المشرقة وإبراز الإنتاج الفكري العُماني، وتسليط الضوء على الجوانب التراثية والأدبية والتاريخية.

إقبال ثقافي غير عادي شهده الجناح العماني من الزوار المصريين بمختلف الفئات العمرية والشرائح الثقافية والفكرية، إضافة إلى زيارات من قِبل جهات رسمية وتعليمية وأكاديمية.

 هذه النسخة من معرض القاهرة الدولي للكتاب شهدت مشاركة واسعة من 22 مؤسسة عٌمانية، من بينها وزارات حكومية مثل وزارة الثقافة والرياضة والشباب، ووزارة الإعلام، ووزارة التراث والسياحة، وجامعة السلطان قابوس، إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني مثل الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، وبيت الزبير، والنادي الثقافي، ومؤسسة ذاكرة عمان.

ولعل مشاركة ٢٢ دار نشر عمانية في المعرض تعد الأكبر في تاريخ المشاركات العمانية بمعرض القاهرة، وهو ما يعكس الاهتمام بإيصال الإصدارات العمانية إلى القارئ المصري والعربي في مختلف المجالات.

وضم الجناح العماني ركنا خاصا بنوادر المطبوعات والمخطوطات العمانية،  لما يعود إلى ما يقارب 900 عام، وهي توثق مجالات علمية مختلفة مثل التاريخ، واللغة، والفقه، والأدب  كما أن عددًا من هذه المخطوطات مسجل في سجل ذاكرة العالم نظرا لأهميته العلمية، خاصة تلك المتعلقة بالطب والملاحة البحرية واللغويات. كما ضم الجناح العماني مجموعة من المطبوعات الحجرية العمانية التي تم طبعها في مصر قبل أكثر من 135 عاما، مما أكد عمق الروابط الثقافية بين البلدين.

وقد أبهر الجناح العماني كل مرتاديه خاصة أن تصميمه كان من الحارات العمانية التقليدية، التي تحيط بها الأسوار والأبواب، فضلا عن تنسيق كل ركن بشكل يعبر عن جزء من الثقافة العمانية. هذا التجسيد البصري أضفي على الجناح طابعا تراثيا مميزا، جذب الزائرين إلى رحلة عبر الزمن لاستكشاف العمق التاريخي لعٌمان، فالجناح ليس مجرد ساحة عرض للكتب والوثائق العمانية، بل نافذة أطلت منها عُمان بكل إرثها الثقافي والحضاري، والروح العمانية الأصيلة.  

 مظاهر عُمانية تُحاكي الطبيعة

شهد الجناح العُماني محاكاة للطبيعة، حيث تم إعداد الحلوى العمانية أمام الجمهور، مما يسمح لهم بالتعرف على طريقة صناعتها ومكوناتها وتذوقها وهي طازجة، ووفر المجلس العماني داخل الجناح فرصة للزوار لاكتشاف العادات العمانية في الضيافة، مثل تقديم القهوة العمانية، وسط أجواء تراثية تعكس الكرم العماني الأصيل، فضلاً عن ركن خاص بالواقع الافتراضي، الذي منح الزوار فرصة استكشاف الفنون العمانية المسجلة ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي في اليونسكو، مثل فن البرعة، ولبس الخنجر العماني، إلى جانب استعراض الفضاءات الثقافية العمانية كالمجالس التقليدية.

 ولأول مرة في تاريخ المشاركات العُمانية في القاهرة كانت محاكاة الشخصيات، حيث ارتدى فنانون عمانيون أزياء تحاكي العصر الذي عاشه أولئك العلماء، بينهم مؤسس علم العروض الفراهيدي، والجغرافي أحمد بن ماجد، والطبيب عبدالله بن محمد الازدي وتجولت تلك الشخصيات بين جنبات المعرض على مدار اليوم لتعريف الزوار بتاريخ تلك الشخصيات التي تستجلب فضول رواد المعرض للتعرف عليها. وهذه التجربة تمنح الزوار فرصة فريدة للتفاعل مع التاريخ بطريقة حية ومباشرة.

وفي لفته حضارية مميزة، كان لوجود المرأة العُمانية في فعاليات المعرض وحواراته وأمسياته وندواته دور حيويّ في إبراز الهوية الثقافية والحضارية للمجتمع العماني، وقد عكس هذا الحضور المميز توازن المجتمع العماني بين المحافظة على تقاليده وانفتاحه الحضاري ووعيه بأهمية دور المرأة.  وبرزت مشاركة المرأة العمانية في ندوات "ضيف الشرف" عبر حضور كاتبات عًمانيات لهن باع كبير في الثقافة العربية.

برنامج ثقافي عُماني حافل

كان لسلطنة عمان برنامجا ثقافيا غنيا ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، تضمن  ندوات حول العلاقات التاريخية والثقافية بين مصر وعمان، وجلسات نقاشية عن الأدب العماني، إلى جانب دراسات عن الروابط التاريخية في الرواية، والشعر، والموسيقى،  بالاضافة الى  مشاركة أكاديميين مصريين تحدثوا عن تجاربهم في التدريس بجامعات عمانية، مثل جامعة السلطان قابوس، إذ تساهم هذه اللقاءات الأكاديمية في تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين.

كما أُقيمت العروض الفنية العمانية يوميا على المسرح الخارجي للمعرض، وقدمت الفرق العمانية مجموعة من الفنون الشعبية التراثية، التي لاقت استحسان الجمهور المصري، إذ تُعد العروض فرصة رائعة لتعريف الجمهور بالموروث الثقافي العماني من خلال الموسيقى والفنون التقليدية

الجدير بالذكر أن المعرض قام بافتتاحه معالي د احمد فؤاد هنو  وزير الثقافة المصرى وبحضور معالي الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي وزير الاعلام رئيس الوفد العماني وسعادة السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب للثقافة وسعادة عبدالله بن ناصر الرحبي سفير سلطنة عمان لدى جمهورية مصر العربية ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية ونخبة من الشخصيات الرسمية والثقافية فى 24 يناير واستمر حتى ٥ فبراير ٢٠٢٥.

من الاستثمار الثقافي في مصر إلى الاستثمار السياحي العربي

لم يقتصر الاستثمار في عُمان على القطاع الثقافي عبر الزخم الثقافي العُماني طوال أيام معرض القاهرة الدولي للكتاب في نسخته الـ 56، وإنما تمتد عمليات الاستثمار العُماني في القطاع السياحي عبر المشاركات العربية، وتمثل ذلك في احتضان سلطنة عُمان، فعاليات الملتقى العربي الأول للسياحة والاستثمار لمناقشة الاستثمار في قطاع السياحة وفق رؤية عربية عبر تفعيل الشراكات الاستراتيجية العربية الموقعة بين الدول.

ويعد القطاع السياحي العُماني أحد أهم القطاعات التي يمكن أن تشكل - في سلطنة عُمان بشكل خاص - أساسا للاستدامة الاقتصادية في ظل وجود بنية طبيعية محفزة على إقامة المشروعات الاقتصادية الكبرى.

لذلك يكتسب الملتقى العربي الأول للسياحة والاستثمار أهمية خاصة، حيث يفتح المجال لمناقشة سُبل تعزيز الاستثمارات السياحية بين الدول العربية وتفعيل الشراكات الاستراتيجية لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.

وتسعى سلطنة عمان، عبر هذا الملتقى، إلى إبراز المقومات السياحية الفريدة التي تتمتع بها عُمان، من موقع جغرافي متميز، وتراث ثقافي عريق، وتنوع بيئي، مما يجعلها وجهة سياحية رائدة في المنطقة. وفي هذا السياق، يركز النقاش على أهمية بناء شراكات استراتيجية بين الدول العربية لتطوير القطاع السياحي، ودعمه بالاستثمارات اللازمة لتحقيق النمو المستدام، ولا يخفى أن تعزيز التعاون بين الدول في هذا المجال يتطلب تبادل الخبرات وتوحيد الجهود لتسويق الوجهات السياحية العربية على مستوى عالمي.

والمتتبع للتجارب العالمية في مجال اقتصاد السياحة يرى كيف أن الدول التي استثمرت في هذا القطاع أصبحت نماذج اقتصادية ناجحة استطاعت تحويل السياحة إلى أحد محركات الاقتصاد من خلال استثمارات ضخمة في البنية الأساسية السياحية، وتنظيم فعاليات ثقافية ومهرجانات دولية تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، الأمر ذاته يمكن أن يتكرر في جميع الدول العربية التي ما زالت تمتلك الكثير لجذب السياح من مختلف دول العالم ويشعرهم بدهشة الشرق وسحره بشرط تفعيل الشراكات الإقليمية وتوفير بيئة استثمارية جاذبة.

والملتقى يمثل خطوة مهمة في هذا الاتجاه، حيث يعكس «رؤية عُمان 2040» التي تسعى لتوسيع قاعدة التنويع الاقتصادي التي تحضر فيها السياحة باعتبارها إحدى الركائز الأساسية من خلال دعم المشروعات المستدامة وتعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول العربية. ويتعين أن يكون هناك تركيز على تطوير وجهات سياحية عُمانية متعددة، من خلال بناء مشروعات استثمارية تدعم السياحة البيئية، والثقافية، والتراثية، بما يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية.

وإذا كان الملتقى العربي الأول للسياحة والاستثمار والذي احتضنته عُمان، قد ركز على فكرة تعزيز الشراكات الاستراتيجية في السياحة العربية؛ فلأنها تشكل بوابة لتوسيع آفاق التعاون الاقتصادي بين سلطنة عُمان والدول الأخرى، مما يعزز من قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية المعاصرة.