كل السهام تخرقنا.. تحرقنا.. ننادى بلا صوت مسموع.. بذبذبات ربما تهدينا؟!.. يتردد الصدى ويختفى فى السراب.. ما عاد شىء يواسينا؟!.. ماذا ننشد وماذا ينجينا؟!.. أى إيقاع يناسبنا ويحاكينا؟!. ما عاد الكلام من فضة ولا السكوت من ذهب؟!.. ألا من قصيدة بالحياة تنجينا؟!.. على النهوض تعيننا أو حتى تحترم مكان مكوث فى ألق يثنينا؟!.. لحين فرصة تواتينا؟!.. نراقص بها من حياة تقصينا؟!.. فكم تعبنا من دفاعات كيد فى كلام وصمت دون عنوان للسلامة يهدينا؟!.. لأجساد صاحبت الوهن عن المناجاة لم تتب.. ربما بكلمات متأخرة تداوى أنين وجع لشاهد صامت حائر بعبارات الظمأ؟!.
ما زلنا نتحسس الطريق كى لا نضيع بين الأحلام والهموم وسط زمن مغبون.. أفكار منفلتة.. زفرات.. فتات.. همسات.. تورطنا الظنون ويقتلنا التمهل والحذر من الزلل.. نحمل النصوص أو نرتجل كلمات تحمل الحب والكره.. يحركنا الخوف ويرهقنا التوتر.. نتجاوب وننفعل ونتجاهل.. نبتغى حروفا بعينها؟!.. فكم امتلأت نفوسنا بالجروح والألم؟!.. ورغم تعثرنا بالمنتصف نُكمل الطريق؟!.. بلسان حال ألا من درجة نصعدها؟!.. فكم عانينا من الوثوق بصمود طويل كى لا تنزلق خطواتنا؟!.
متعبون من كل فراغ.. حارت معنا الأعذار حتى تلاشت رغم قبولنا بكل يأس؟!.. تحتار الكلمات فى وصف الألم والفرح.. نردد سحر البيان وثناء المديح وطلقات الكره والغبن والهجاء؟!.
حائرون نمضى لنرتوى بصوت يشق ثوب الصمت.. أو بصمت يصم أذن الضجيج.. من خزائن الكلم بين طليق اللسان ومعتل بالسكوت.. يحسن القول أو يجافى.. فى تلعثم وتفوه بالحروف العذبة.. يؤسر القلوب بأبجدية ترسم نورا وزينة لمتفاعل الحياة ومحبيها.. بنص يصول ويجول يهدى الود والسلام.. بمرور الآمن من تقاذف الأيام بقوة طيب اللسان.. يرحم الروح ببوح يحييها وصمت يقيدها.. بنص ومعنى ومراد نقول ما بخواطرنا.. نسابق إنكارنا وكل مخبأ فى حمل المعانى.. بصريح العبارات وبالتلميح الكامن خلف المعنى.. من عمق أو بسطحية نتآلف ونتنافر؟!.
عالم كبير يتكامل بأشياء ويفتقر لبعضها.. محاولين التناغم ناشدين توازنا وراحة.. نفيض بالشواهد المتناقضة ما تدفعنا للقهر والتعذيب.. فنحن المخلوقات التى لا تعرف ماذا تريد بالتحديد؟!.
نخوض التجارب ونرتدى المحطات لنتعرف بالكاد عما نبغيه.. ربما نصل أو نعيد الكرة مرات ومرات؟!.. نعبر متاهات فى عوالم تتشابك فيها كل الأشياء.. باحثين عن محاولات الفهم وتقفى آثار ما اقترفته أيدينا.. نحمل المشاعر المدفونة والرغبات والأمنيات والخذلان والفقد.. نجوب الطرق ونعدم الوسائل بالكلام والصمت والنظر.. وحينها نشعر بأن ليس لنا مكان فى هذا العالم؟!
ندخل ونخرج ونتساءل كيف لنا الهروب؟!.. وكيف لنا المكوث لنتنفس بعمق؟!.. محاولين التعبير عما يجول بأعماقنا باحثين عن معنى لوجودنا.. نتأمل فى لحظات اليأس والتعب من الكر والفر.. كل شىء يتساوى لدينا مدفوعين للاحباط..فتتعطل مداركنا عن الانتباه إلى ما صرنا إليه.. ويتملكنا العجز من فرط فرار الأمور من بين أيدينا فيطبق الصمت علينا.. فنحن الشخصيات المزدوجة العابثة الباحثة عن الراحة التى تعذبها العزلة حتى ولو كانت اختيارا لنا؟!.. لكننا قد نرتهن إليها لبعض الوقت.. فغالبا التجارب والتفاعل مع الآخرين يتم بشروطنا وطبقا لمزاجيتنا.. نترنح بين ما نظهر ونبطن وما نعتمده من أساليب المواراة والكذب والزيف والصدق والحقيقة.. نتحمل غيرنا وقد نفقد التحمل بين الأنا والآخر فنحيا الفراغ؟!.
كل شىء يُقلقنا رغم أننا فقدنا الدهشة والشغف.. لا شىء يشهد على ذواتنا غير متناقضات نحملها.. يحتاج القلب لفرار وتحتاج النفس للثقة وتحتاج الروح للراحة.. أحيانا تمر الأشياء ببطء ونقترب من الموت.. وأحيانا تسير فى تسارع يرهقك دون جدوى.. تخشى النظر خلفك والندم على ما تساقط من روحك وأشيائك.. وقد تفقد حماسك وطاقتك فى غياب ما يدفعك للمضى قدما.. فقد تضيق عليك الدنيا بما رحبت.. من السقوط للنهوض والترقب والقلق والتنقل يمينا ويسارا.. تدرك أنك وحيد.. يسودك الصمت فتنظر للسماء.. سجين هارب من مخاوف وآلام لملاذ آمن ربما بالإلهام والأمل تتغلب على الشعور بالضياع؟!.
بنظرة تأمل تقترب من المحادثة.. حديث مثالى ببعض كلمات غالبا من طرف واحد.. نناجى ربا رحيما.. يسمعنا ويرأف بنا.. قد لا نسمع صوته لكننا نراه ببصائرنا.. فى رحمته الواسعة.. فكل النعم تفيض برب الكون.. ولا أعلم لماذا عند حديثنا إلى الله ننظر لأعلى للسماء رغم أنه موجود ملء السموات والأرض سبحانه وتعالى.. لكن هكذا تعلمنا أن ننظر إلى السماء حيث عرشه الذى تحمله ملائكته الثمانية.. يسبحون له ويستغفرون للذين آمنوا.. ننظر ونستحضر تفكيرنا وكل حواسنا فى الرجاء.. نرفع أيدينا ونتشبث بالنظر بالسماء.. فيذهب الرهب.. تتوقف أيدينا عن الاهتزاز وقلوبنا عن الرجفة.. نجاهد أنفسنا وننجح وتسكت كل وساوس الشيطان.. ينقذنا الله من أنفسنا ومن كل يأس ولا يهم الكلام أو الصمت فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.. وبمرور الوقت تجد النظر للسماء هو الملاذ مهما آلمك عنقك فى رحلة الهروب والتعافى من كل شىء بيقين فى حل إلهى.. تعتاد هذه الرحلة من تكرار عجز يصيبك بألم من فرط التفحص فى وجوه الآخرين وفى مرآتك.. وتعاود علاقتك بالنظر إلى السماء التى تمثل لك الثبات بعدما جبت كل مراحل التأرجح دون جدوى.. فى تيه وحيرة.. دون لوحات إرشادية عليك أن تعرف الطريق بمفردك دون استسلام.. ببسمة تعلو وجهك إعلانا لرمزية الرضا؟!.
نحاول جاهدين تعويض قصور الحياة بأشكال مختلفة سواء لإقناع أنفسنا بحتمية الأمر الواقع أو بإيهامها بحلة من التكيف والتعايش فى مواجهة عجزها الدائم فى الوصول لحلول أو حتى التغيير.. فالكل باحث عن إنسانية متزنة يقبلها العقل والروح حتى ولو بغير شطرين متساويين!!.
كلٌّ يعانى.. يلقى اللوم على نفسه وعلى الآخرين.. نطارد أنفسنا بدليل وبغير دليل؟!.. نوجه أصابع الاتهام لأى من يتحمل الجرم رغم عدم ثبوت الأدلة؟!.. فهو الشىء المريح لنا فما نتحمله من إخفاقات يفوق تحملنا وعلينا أن نصب سخطنا وجام غضبنا على فاعل حقيقى أو حتى وهمى فى رحلة الظالم والمظلوم حتى وإن لم تكن حقيقية.. فصراعنا مع الوجود وتأكيد ذواتنا يدفعنا لنسج أوهاما.. لكى نتقبل أنفسنا وعلاقتتا بالواقع ضمن إشكالية مفروضة علينا تلتهم ذواتنا.
فنحن منْ نحمل الشكوى ونسوّق الأوجاع فى مشاهد جنائزية.. فى ثرثرة وبكاء وعويل ورثاء وعزاء ومواساة لمواجهة انعدام الحلول بالتعافى فى مسيرة نفقد معها كل شىء؟!.. بالاحتماء نحو علو نراه وندركه.. لننهى صراعنا الداخلى فى حربنا الأبدية.. فى كلام وصمت وتأمل وغفوة.. ربما كل ذلك لنلحق بالحياة.. ننتظر طويلا وبمعنى آخر نتعثر كثيرا حتى نصل للتعافى.. نفقد الكثير وأهمه حريتنا وأشياؤنا المحببة لنصل لوهم السعادة.. يدفعنا الخطأ فى تجاربنا وعلاقتنا لمزيد من السعى والتقدم فى طريق الضالة المنشودة بالكثير من الفرص الضائعة.. فالتاريخ الإنسانى يحمل الكثير من القصص والحالات.. تتشابه ليس فقط فى مجريات الأمور وسطوة الواقع بل فى النتائج.. رغم رغتبنا فى الخلود واللاتلاشى.. فيخلق لدينا ظنا أن بإمكاننا تغيير النتائج مع نفس المجريات؟!.. بأحكام جديدة وعناوين مغايرة؟!.. رغم صعوبة التحقق لكنه يظل احتمالا قائما.. فقد ينتصر بعضنا ويتغير العالم حتى ولو لم تكن هناك نتائج ملموسة.. فالكثير ما يكتفى بشرف المحاولة.. بعيدا عن النتائج الكارثية يرى أنه أجاد.. فكل منتصر بشكل نسبى ووفق تقييمه الخاص؟!.. يصم أذنه دون السماع لتقييمات أخرى حتى ولو اكتفى بالخيال.
وعلى طول الرحلة تتناقص أمانينا وتقتل طموحاتنا ونرضى بالقليل حتى ولو بكلمات متأخرة تحملها أكتاف هشة.. نتساءل ماذا نريد؟!.. نريد يدا تقبض علينا بشدة نحو الطريق.. حتى ولو كان أملا يصعب التحقق.. فالكل فى حيرة من أمره.. يسكن بين السماء والأرض.. عاجز بين تشكيلات الروح والوجدان والجسد.. يرهقه سر الحياة.. يبحث عن زاوية نظر مناسبة.. ربما تمكن من امتلاك وضوح نسبى فى الرؤية.. يحتمى بالصبر فى مواجهة عبثية الأشياء.. ربما منحه القدر طفرة من النضج والتميز جعله يمتلك يقين القضاء والقدر دون التواكل.. ربما توقف عن الدهشة والشكوى.. ربما منح قوة خارقة لمواجهة نواقص تؤرقه داخل حدود العقل بجنون مفتعل.. فالكل فى جدل القبول بين العقل والواقع؟!.. يخلع عباءة الفعل والكلام والصمت فى حضن المناجاة.. لم يعد يحزن ولم يعد يقبل بالبكاء.. يملك زمام أمره.. لا يحمل هوية غير العبودية لله وحده بنظرة للسماء تعرف روحه بوصلتها ملجأ من هجمات الزمان..
بلسان حال: من رحلتى أشق طريقى فى اعتدال يرقى فى اتجاهات المسار.. صعود.. رحيل.. مسير.. دون عودة فى انتشاء يعلو فى سير الحياة.. بالصمود يكتمل للذات الوجود.. باتزان بسلامة القلب ونضج العقل.. حان موعد الرحيل لرب يؤوينى وبالرحمة يهدينى وبالترحاب يلقينى.. ما كان غير إرادة وقرار بوجهة الطريق دون انتظار.. لآفاق السماء نظرة وقول توبة ودعاء.. ألتمس النور والضياء.. فالنفس فى حضرة المولى تزداد إكبار وتكريما.. تاهت ومالت وعبثت دون ملل من يقين الرفعة لروح سمت واستطردت فى حديث لعلو دون صغائر تغويها وكبائر تشقيها.. ما تواكلت عن سكينة تهديها.. تملأ أنحاءها وجوانبها دون إغواء عن الطريق بانحسار عن صواب يشقيها.. اعترفت بالذنب والجرم تطهرا من ميل بمعصية فى معارك الغواية وضل الطريق؟!.. كيف؟.. ولمَ؟!.. عفوا لا تردد حماقة تساؤلات عن الطريق تقصيها.. فالنفس بالتقوى والفجور مصنوعة.. مجاهدة بحس وروح تواجه غث الطريق وشياطينه.. بعناد يرفعها.. بارتقاء بالمقام تكون.. تشحذ الهمة بفعل التقوى ولسان صدق بالثبات والرجاء فى رب ببساط الأمل يلقاها.. يهديها.. محب لعباده.. هجرت يأس الكلم والصمت من فرط حزن؟!.. لكن ربك محب لسماع صوت يناجيه يباهى به ملائكته بأن عبده عرف طريق ربه بالدعاء يناجيه.. ومن لا يخطئ ولا عن الطريق يحيد ولا عن الحق يجور؟!.. فالكريم يسعد بكل روح ببابه لاذت.. فالرجاء موجود لخالق موجود.. يفيض بالنعم.. بحسن الثواب لكل عائد بالتوبة مملوء.. ينثر النعمات لمن اختار السماء طريق عبور.. فلا يضرك ولا يثنيك طول أمد الشرود ولا البعد عن مقاصد الصمود.. فأنت بحضرة القادر القدير.. مالك الأمر لا يرجو منك غير مقربة بدعاء.. بالعزة ورفعة المقام تكون.. بحديث هداية بالفتون مملوء.. بعلو فى السماء مكانة لعباده الصالحين المصطفين الأخيار.