منذ اليوم الأول لولايته الثانية ، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بداية «العصر الذهبي» لأمريكا بسلسلة طويلة من القرارات التنفيذية التي تعالج أزمة الهجرة وأمن الحدود . وبتوقيعه على أوامر أطلق عليها مسؤولوه «سياسات الهجرة السليمة»، يخطو ترامب نحو تنفيذ ما وعد به خلال الحملة الرئاسية من إطلاق أكبر برنامج ترحيل جماعي في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية . على صعيد آخر ، تواجه الإجراءات العديد من العقبات فور دخولها حيز التنفيذ في ظل حالة القلق والغضب العارمة من المنظمات الحقوقية والإنسانية .. ويبقى السؤال ، ما هو مصير اللاجئين في عهد ترامب؟
وقع ترامب على قانون «لاكين رايلي»، وهو أول انتصار تشريعى فى ولايته الجديدة، وينص على الاحتجاز والترحيل المحتمل للمهاجرين غير الشرعيين المتهمين- ولكن لم تتم إدانتهم بعد- بجرائم مثل السرقة أو الاعتداء على ضابط أو الجرائم العنيفة. كما أمر ببناء منشأة لإيواء «أسوأ المجرمين الأجانب» فى خليج جوانتانامو فى كوبا، تستوعب ما يصل إلى ثلاثين ألف شخص. ويستخدم خليج جوانتانامو منذ فترة طويلة لإيواء المهاجرين. وأدانت الحكومة الكوبية خطط ترامب بشدة، ووصفها الرئيس ميغيل دياز كانيل بالعمل الوحشى.
واندلع خلاف حاد بين الرئيس الكولومبى جوستافو بيترو، وترامب، هدد فيه الأخير بفرض رسوم جمركية وعقوبات واسعة النطاق بسبب رفض بيترو استقبال طائرتين عسكريتين أمريكيتين تحملان عددًا من المهاجرين؛ ولكن سرعان ما خضعت كولومبيا لتهديدات ترامب بل أعلنت استخدامها للطائرة الرئاسية لنقل المهاجرين بطريقة لائقة. وبذلك ضرب ترامب مثالًا للعالم عما يمكن أن يحدث فى حالة رفض استقبال رحلات المهاجرين المرحلين من بلاده. مما تسبب فى تصاعد التوترات بين ترامب ودول أمريكا اللاتينية التى تعد الأكثر تأثرًا بسياساته الصارمة. كما أعلن «البيت الأبيض» عزمه التقدم بطلب إلى الكونجرس للحصول على دعم مالى لاستكمال عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين.
فى سياق متصل، أعلن ترامب حالة الطوارئ على الحدود مع المكسيك لفتح سلطة قانونية تسمح لوزارة الدفاع “ البنتاجون” بإعادة توجيه الأموال العسكرية لإنقاذ الحدود، بما فى ذلك بناء حواجز حدودية وتوسيع قدرة الاحتجاز، وتوجيه وزارتى الدفاع والأمن الداخلى بتعبئة عدد كافٍ من الأفراد من أجل «السيطرة التشغيلية» على الحدود، كذلك إنهاء ممارسة السياسة المعروفة باسم «القبض والإفراج»، والتى أطلقت سراح أولئك الذين ليس لديهم وضع قانونى من الاحتجاز أثناء انتظارهم لجلسات الاستماع الخاصة بهم فى محكمة الهجرة الأمريكية. ومن شأن هذا الإجراء أيضًا إعادة العمل بسياسة «البقاء فى المكسيك». كما سمح لإدارات تنفيذ القانون القبض على المهاجرين غير الشرعيين فى الأماكن الحساسة مثل دور العبادة والمدارس والمستشفيات.
علاوة على ذلك، أنهى ترامب برنامج «الإفراج الإنسانى المشروط» الذى أُقر خلال ولاية سلفه جو بايدن عام 2023، والذى كان يسمح للمهاجرين من «كوبا وهايتى ونيكاراجوا وفنزويلا» بدخول البلاد والبقاء فيها لمدة تصل إلى عامين مع إمكانية البحث عن طرق قانونية للإقامة الدائمة، ونشرت الجمارك وحماية الحدود الأمريكية إشعارًا على موقعها على الإنترنت يفيد بأن الوكالة لم تعد تستخدم تطبيق «CBP One»، الذى سهل الدخول القانونى لما يقرب من مليون شخص. وفى غياب برنامج بديل، من المرجح أن يواجه المهاجرون العالقون فى المكسيك ثلاثة سيناريوهات: محاولة العبور بشكل غير قانونى أو العودة إلى بلدانهم الأصلية، أو التقدم بطلب اللجوء فى المكسيك.
ووقع ترامب كذلك على أمر مثير بالجدل بإلغاء المواطنة بالميلاد التى كانت تمنح الجنسية الأمريكية تلقائيًا لأى شخص يولد على أرض أمريكية. ورفعت 22 ولاية على الأقل دعاوى قضائية لوقف الأمر التنفيذى الذى أصدره الرئيس باعتباره انتهاكًا للدستور، وتعد هذه الدعاوى الخطوة الأولى فى معركة قانونية طويلة الأمد بشأن سياسات الهجرة.
على الجانب الآخر، حالة من الذعر أصابت العديد من المهاجرين غير الشرعيين من إلقاء القبض عليهم وترحيلهم ؛ فأغلقت المتاجر وتوقفت الحياة اليومية، وشارك العديد من اللاجئين صورًا ومقاطع فيديو لأنفسهم وهم يبكون أو يشعرون بالغضب، إلى جانب تعليقات توضح المدة التى كانوا ينتظرون فيها للدخول إلى الولايات المتحدة، وصعوبة العودة إلى بلدانهم الأصلية لفرارهم من العنف أو التهديدات. وتجمع مؤيدو حقوق المهاجرين للاحتجاج على السياسات التى ينتهجها ترامب.
من واشنطن، أوضح عمرو جوهر، الكاتب الصحفى والمحلل السياسى، أن سياسات ترامب المتعلقة بالهجرة، بما فى ذلك إغلاق الحدود واحتجاز المهاجرين غير الشرعيين، تهدف إلى الحد من الهجرة غير المصرح بها «غير الشرعية». وأن سياسات الرئيس السابق جو بايدن، أدت إلى دخول ما يفوق الـ 30 مليون مهاجر غير شرعى، وهو أكبر رقم فى تاريخ أمريكا، الأمر الذى ترتب عليه أشياء كثيرة سلبية تعتبر قنبلة موقوتة فى وجه ترامب، لذلك يواجهها بكل قوة. وأن برامج مثيرة للجدل مثل فصل الأسر وسياسة «البقاء فى المكسيك»، قد أثارت انتقادات دولية وردود فعل عنيفة محلية، وخاصةً من جماعات حقوق الإنسان، حيث قال المؤيدون أن هذه السياسات ردعت عمليات العبور غير القانونية وعززت الأمن القومى، فى حين اعتبرها المعارضون غير إنسانية وعنصرية.
كذلك أشار “جوهر” أن سياسات ترامب وإن كانت تحظى بتأييد كبير إلا أنها أدت كذلك إلى تأجيج المناقشات حول إصلاح نظام الهجرة، وأدت أيضًا إلى مظاهرات، وخاصة من الأسر المهاجرة، القادمة من أمريكا اللاتينية، حيث إنها الأكثر تضررًا من سياسات الإنفاذ الصارمة وفصل الأسرة. وأن هذه الإجراءات شكلت صدمة طويلة الأمد على الأفراد وتسببت فى توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والمكسيك.
وبحسب «جوهر» فقد دعا بعضهم إلى تعويض الأسر المنفصلة بموجب سياسات الهجرة التى ينتهجها ترامب، وخاصة الأطفال الذين يتم وضعهم فى مراكز الاحتجاز أو الرعاية البديلة، ويجادل آخرون بضرورة إجراء تغييرات منهجية، مثل توفير مسارات للحصول على الجنسية أو توسيع نطاق حماية اللجوء، كشكل من أشكال التعويض. لكن ترامب يرفض كل ما سبق، مؤكدًا أن تقنين الخطأ يعتبر خطأ أكبر، خصوصًا مع الأعداد غير المسبوقة من المهاجرين غير الشرعيين، حيث إن السماح بتقنين أوضاع المهاجرين غير الشرعيين، سيكون بمثابة دعوة جديدة لمهاجرين جدد، وبخاصة مع الأزمات الاقتصادية العالمية.