ظهر «دونالد ترامب» ملتحفا بحلم القوة الذى ظل يراوده دائما منذ أن اعتلى سدة الرئاسة فى الولايات المتحدة الأمريكية.. ومع فوزه بفترة ثانية تعمق الحلم فتعامل «ترامب» مع نفسه وكأنه القوة التى تهيمن على العالم وتفرض على دولة ما تريد، ولهذا خرج مؤخرا ليصرح بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم فى قطاع غزة إلى كل من مصر والأردن، نسى «ترامب» نفسه وظن أن بإمكانه فرض ما يراه على الآخرين. نسى أن الدول التى اختارها لتكون مقرا للمهاجرين الفلسطينيين هى دول مستقلة وذات سيادة، وبالتالى لا يمكن أن تكون تابعة له تذعن لسطوته.. أراد «ترامب» أن يخلى الأرض الفلسطينية لتكون ساحة مستباحة لإسرائيل، الكيان الغاصب الذى يتماهى معه، ويحاول بقدر الإمكان تحقيق كل تطلعاته، بل يذعن لنزواته.
نسى «ترامب» أن الفلسطينيين لا يريدون الرحيل عن أرضهم ووطنهم، نسى أن الفلسطينيين يرفضون التهجير، وأن أحلامهم تظل مرتبطة بأرضهم. غاب عن «ترامب» أن يشاهد الفيديوهات التى أظهرت مؤخرا عودة أهل غزة إلى الشمال للالتحاق بالأرض الفلسطينية وهم يقبلون أرض الوطن، فهم يأبون الرحيل عن أرضهم.. ولهذا كان يتعين على «ترامب» أن يلوذ بالصمت وينسحب من المشهد بعد أن منيت تطلعاته بالهزيمة، وفى محاولة منه للتظاهر بالإنسانية خرج يقترح نقل نحو مليون ونصف المليون من سكان قطاع غزة إلى كل من الأردن ومصر، لتكون تلك الخطوة مقدمة ضرورية نحو الحل الدائم والعادل.
تظاهر «ترامب» بالإنسانية، وبأنه حريص على أن يعيش سكان غزة فى منطقة أكثر أمانا واستقرارا نسى أن الجانب الخفى من مقترحه سيؤدى فيما إذا تم تنفيذه إلى إفراغ قطاع غزة من سكانه.. غير أن الحقيقة المؤكدة تقول إن ما اقترحه «ترامب» ينبع من محاولته إسداء خدمة لإسرائيل من خلال تحقيق مبتغاها فى إفراغ الأرض الفلسطينية من أبنائها لكى تؤول إليها فى النهاية، وبالتالى يمكنها وقتئذ إعادة احتلالها وتحويلها إلى بؤر استيطانية للمتطرفين الصهاينة، الذين يتحينون الفرصة للسطو على الأرض الفلسطينية.. وإذا ما تحققت الخطوة ستكون مقدمة لتشجيع الصهاينة على تطبيقها فى الضفة الغربية، وتهجير سكانها إلى الأردن الذى لا يزال اليمين الإسرائيلى المتطرف ينظر له بوصفه الوطن البديل. أى أن ما يقترحه «ترامب» هو مخطط التهجير الذى تحلم إسرائيل بتنفيذه لكى تؤول إليها الأرض الفلسطينية، وتتخلص من الفلسطينيين كلية.. ولا شك أن نزوع «ترامب» إلى طرح هذا المقترح يهدف من ورائه إلى تصفية القضية الفلسطينية.
نسى «ترامب» أن الفلسطينيين يرفضون أن يكونوا لاجئين، وأنهم متمسكون بأرضهم ولا يريدون تكرار ما سبق وأن عانوه فى النزوح الذى تعرضوا له من قبل فى عامى 48 ، 67. ولهذا فإن ما طرحه «ترامب» هو أمر مجحف بالفلسطينيين أصحاب الأرض، وبالتالى لا يمكن اقتلاعهم من أرضهم لتحويلهم بعد ذلك إلى لاجئين.. وعليه فإن مقترح «ترامب» يعد مشبوهًا مرفوضًا مثلما رفض من قبل مشروع «صفقة القرن»، لا سيما أن المقترح يتماهى مع ما تتطلع إليه إسرائيل من تحقيق الإجلاء التام للفلسطينيين حتى تؤول إليها الأرض ويتم بذلك ما تصبو إليه ألا وهو تصفية القضية الفلسطينية.
كان يتعين على الولايات المتحدة فيما إذا أنصفت ألا تتماهى مع الكيان الصهيونى فى مخططه الدنيء، وأن تبلور رؤية شرعية متكاملة منصفة لحل القضية الفلسطينية، وأن تدعو الأطراف للتفاوض فى محاولة للتوصل إلى حلول مقبولة من قبل جميع الأطراف، وحتى لا يكون هناك افتئات على الطرف الفلسطيني.. ولهذا نقول إن ما اقترحته الولايات المتحدة مؤخرا يعد مرفوضا من أساسه لأنه نسخة طبق الأصل مما يطرحه الصهاينة ليحقق لهم ما يريدونه فى النهاية من إخلاء الأرض الفلسطينية كى تؤول إليهم. ولهذا كان يتعين على دول العالم العربى الدخول على خط مجريات الأحداث، وإعلان رفضهم التام لهذا المقترح الأمريكى المشبوه حتى تدرك الولايات المتحدة الأمريكية بأن هناك ثوابت للقضية الفلسطينية يتمسك بها الجميع، وأن القضية الفلسطينية هى القضية العربية المركزية فى المقام الأول.
ولا شك أن الرؤية التى طرحها «دونالد ترامب» تعد مرفوضة لكونها رؤية عدوانية ترمى فى الأساس إلى خدمة الكيان الصهيونى من خلال توسيع نطاقه على الأرض العربية، ليكون ذلك على حساب حق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة، طبقًا لقرارات الشرعية الدولية. ولهذا فإن الرؤية الأمريكية شائهة تشطب بجرة قلم على إمكانية قيام الدولة الفلسطينية ليبقى الفلسطينيون تحت نير سطوة اليهود الصهاينة. ولهذا فإن المقترح الأمريكى يخدم إسرائيل فى الأساس، فهو يهدف إلى توسيع نطاقها كدولة وسحب البساط من تحت أقدام الفلسطينيين.. وهنا تظهر مصر التى لطالما أكدت على موقفها الثابت المبنى على رفض نزوع إسرائيل نحو إخلاء الأرض الفلسطينية من سكانها، الأمر الذى يهدد الاستقلال الفلسطينى وينذر بمزيد من امتداد الصراع إلى المنطقة.
مصر بموقفها تدعم حق الفلسطينيين فى التمسك بأرضهم وإفشال كل مخططات التهجير، وبهذا تكون مصر قد شكلت حائط صد ضد تهجير الفلسطينيين واقتلاعهم من أرضهم عنوة، وهو نفس الموقف الذى اتخذته مصر خلال الفترات الماضية، وفى أعقاب عملية «طوفان الأقصى» والعدوان الإسرائيلى على القطاع الذى استهدف أيضا تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وهو المشروع الذى أجهضته مصر فى حينه. وهكذا يظل موقف مصر ثابتا حول رفض ما تطرحه إسرائيل من دعوات تهدف فى الأساس إلى ترحيل الفلسطينيين من أرضهم.. الفلسطينيون يتمسكون بأرضهم. ولهذا فإن دعوات التهجير التى تطلقها إسرائيل هى دعوات مغرضة الهدف من ورائها إجلاء الفلسطينيين قسرا عن أرضهم.. إنها دعوات باطلة وغير قانونية ولا يمكن القبول بأن ينزع الفلسطينى من أرضه عنوة من أجل أن تصبح الأرض مشاعًا للصهاينة الأنجاس.