«مسافة السكة»، استراتيجية اعتمدها الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ توليه حكم مصر، إدراكًا منه لـ«واجبات مصر» تجاه الأشقاء العرب فى المنطقة، وتأكيدًا -فى الوقت ذاته- على المكانة التى تشغلها «القاهرة» على خريطة الشرق الأوسط، ولهذا دائما تكون مصر حاضرة فى أى «طارئ» يتعرض له أحد البلدان العربية، تمدّ يد المساعدة، دون انتظار مقابل، وتؤدى دورى «الوسيط» وحائط الصد الأول إذا استلزم الأمر، وفى أحيان كثيرة تضع «أزمات الأشقاء» فى مرتبة متقدمة عن «مشكلاتها الداخلية»، وذلك لأنها «كبيرة العرب».
«فلسطين.. القضية الكاشفة».. مصطلح يمكن أن يوضح حجم مصر، ليس فى الوطن العربى فقط بل فى العالم أجمع، سواء فيما يتعلق بتحركاتها لإنهاء العدوان الإسرائيلى على غزة، أو المساعدات التى قدمتها -ولا تزال تقدمها- للأشقاء فى القطاع المنكوب، والتى وصلت نسبتها إلى أكثر من 75 فى المائة من إجمالى المساعدات التى قدمتها دول العالم أجمع للقطاع، ليس هذا فقط، بل و«الفاتورة الباهظة» التى تتحملها مصر نتيجة لدفاعها وتمسكها بمبدأ «إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية»، فالجميع يدرك أن إيرادات قناة السويس تراجعت بنسبة كبيرة بسبب المناوشات التى تحدث فى مياه البحر الأحمر بين جماعة «الحوثى» اليمنية، والسفن الأمريكية والإسرائيلية، وهو ما دفع العديد من شركات الشحن للابتعاد عن الخط الملاحى الأسهل خوفًا من «صواريخ الحوثى»، ناهيك أيضا عن الآثار الاقتصادية التى تعانى منها غالبية دول العالم -ومن بينها مصر- نتيجة استمرار الحرب «الروسية - الأوكرانية»، وكذا استقبالها ملايين من الأشقاء السودانيين الذين تركوا بيوتهم نتيجة الصراع الداخلى الذى تشهده الخرطوم.
وسط هذا كله، لم تتراجع مصر خطوة واحدة، ولم تحاول أن تبحث عن مصالحها، ولم ترفع شعار «نفسى ثم بعد ذلك مصالح البقية»، لكنها أكملت مسيرتها فى الدفاع عن فلسطين «قضيتها الأولى»، رافضة الأطروحات التى يقدمها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، حول «مستقبل غزة» وتمسكه بتنفيذ سيناريو «التهجير القسرى» للسكان، بحجة «إرساء السلام فى المنطقة»، وهو سيناريو أعلنت القاهرة، منذ اللحظة الأولى لكشف تفاصيله، رفضها القاطع، متحملة بعض التصريحات غير الموفقة من ترامب، وتلويحه فى الآونة الأخيرة بـ«ورقة المساعدات»، واحتمالية إصداره قرارًا بـ«قطعها» عن مصر نتيجة موقفها.
المتابع الجيد للتحركات المصرية فيما يتعلق بـ«سيناريو غزة»، سيتأكد من ثبات الموقف المصرى رغم الضغوط، فمنذ اليوم الأول لعدوان جيش الاحتلال دعت القاهرة لـ«التهدئة وتنفيذ حل الدولتين»، وبعد مرور ما يزيد على 15 شهرًا، لا تزال الدبلوماسية المصرية تسطر موقفًا تاريخيًا، سواء فى تعاملها مع تجاوزات دولة الاحتلال، أو تصريحات «ترامب»، بل أصبحت «الخارجية المصرية» حاضرة فى المشهد بشكل يومى لترد على «تجاوزات نتنياهو» و«تصريحات ترامب»، وفى الوقت ذاته تساند الأشقاء، ووسط هذا كله تدعو وتجهز بالتعاون مع جامعة الدول العربية لقمة عربية طارئة تستضيفها القاهرة فى 27 فبراير الحالي، لتناول التطورات المستجدة والخطيرة للقضية الفلسطينية.
جهود «دبلوماسية القاهرة» لم تتوقف عند هذا الحد، بل بدأت تتحرك على أرض «ترامب»، وتتواصل مع المؤسسات الأمريكية للتحذير من «مخطط التهجير» وتضغط فى اتجاه «إعادة الإعمار»، وكذا توضيح موقف مصر من «خطة ترامب»، حيث أبلغ وزير الخارجية بدر عبدالعاطى نظيره الأمريكى ماركو روبيو، برفض الدول العربية خطة تهجير الفلسطينيين من غزة والسيطرة على القطاع.