«استراتيجية الضغط وأسلوب ترامب في عقد الصفقات قد يفسّران خطابه التصعيدي تجاه غزة، فهو يرى في التصعيد وسيلة لجذب الانتباه الإعلامي والسياسي»، بهذه الكلمات تلخص د.نهى بكر، عضو الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات وأستاذة العلوم السياسية، ملامح سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن دعوته لتهجير الفلسطينيين، وعلى امتداد الخط تحركاته الدولية المتلاحقة وتعامله مع الأزمات المشتعلة حول العالم.
وترى د.نهى بكر أن خطة «ريفيرا غزة» التي يروج لها ترامب ليست مجرد طرح إعلامي، فحديثه عن التهجير القسري والاستيلاء على القطاع يحمل أبعادًا استراتيجية ستؤدي بوضعها الراهن لتعزيز الهيمنة الإسرائيلية والصهيونية، لكنها في ذات الوقت تحمل انعكاسات خطيرة على رأسها تصاعد التوترات مجددًا، وزيادة الاستقطاب بالمنطقة، وتقويض جهود السلام والتأثير السلبي على أي مفاوضات مستقبلية.. وإلى نص الحوار:
ترامب لا يزال مُصرًّا على خطته «ريفيرا غزة».. لماذا صعّد من خطابه بشكل مفاجئ في أيامه الأولى بالبيت الأبيض؟
استراتيجية الضغط وأسلوب ترامب في عقد الصفقات قد يفسّران خطابه تجاه غزة وإعلانه عن فكرة إنشاء ريفيرا في غزة لزيادة مظاهر النفوذ الأمريكي، فترامب يرى في الخطاب التصعيدي وسيلةً لتحفيز ردود فعل متماسكة من قِبل القوى العربية، وهو يعتمد على الإعلام والتغطية الإعلامية في عصر وسائل الإعلام السريعة، مما يجعل التصعيد في الخطاب وسيلة لجذب الانتباه الإعلامي والسياسي، مما يساعد على إبراز دعمه لإسرائيل واللوبي الصهيوني في إنهاء وتصفية القضية الفلسطينية.
كما أن ترامب يسعى لإظهار القوة والسياسة الخارجية القاسية التي تُظهر قوة الولايات المتحدة، ويميل إلى تصوير نفسه كزعيم قوي، فهذه الصورة تعزز موقفه داخليًا وأيضًا على الساحة العالمية، وتدعّم علاقته باللوبي الصهيوني.
وبجانب ذلك فهو يفتح أبواب الاستثمارات، فالاستيلاء على غزة يمكن أن يفتح مجالات جديدة للاستثمار، خصوصًا من قِبل الشركات الأمريكية والدول الحليفة، مما قد يزيد من القوة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة، وبالتالي يحقق مصالحه الشخصية في المقام الأول.
ماذا وراء خطة ترامب لتهجير سكان غزة.. ولماذا يرغب في الاستيلاء على القطاع؟
خطة ترامب لتهجير سكان غزة والاستيلاء على القطاع تتعلق بالعديد من العوامل، فهو يرى أن التسوية «الإسرائيلية-الفلسطينية» تعتمد على تخفيض عدد السكان الفلسطينيين في غزة، فغزة رغم صغر حجمها تحتوي على موارد طبيعية ومواقع استراتيجية مهمة، كما أن عدد الفلسطينيين فيها يعزز التفوق الديمجرافي الفلسطيني.
السيطرة على هذه المنطقة قد تمنح الولايات المتحدة وإسرائيل مزيدًا من الهيمنة على هذه الموارد، وتعزيز الأمن الإسرائيلي من خلال تغيير التركيبة السكانية، مما قد يساعد على تحقيق مصالح استراتيجية وسياسية تدعم إسرائيل، وتوفر لها مزيدًا من الأمن، وتقلل التهديدات المحتملة من قِبل المقاومة الفلسطينية المشروعة التي تسعى إلى حق تقرير المصير.
وهذا يأتي في إطار منظومة الإطاحة بالشرعية الدولية وثوابت القانون الدولي والتنظيم الدولي، مما أوصل الحال إلى إصدار تشريع أمريكي يعاقب قضاة المحكمة الجنائية الدولية بل ويدينها.
ما انعكاسات حديث ترامب على الأمن الإقليمي؟
تصريحات ترامب حول مخططات التهجير القسري لسكان غزة أثارت العديد من القضايا المعقدة التي يمكن أن تؤثر سلبًا بشكل كبير على الأمن الإقليمي.
بعض الانعكاسات المحتملة تشمل أولًا، تصاعد التوترات بين فلسطين وإسرائيل، مما قد يؤثر على سير مراحل اتفاق وقف إطلاق النار على غزة.
وثانيًا، أثارت التصريحات ردود فعل عنيفة، فمثل هذه الاقتراحات يمكن أن تؤدي إلى تصعيد العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكذلك فتهجير السكان يُعتبر انتهاكًا لحقوق الإنسان والقوانين الدولية، مما يزيد من احتمالية ردود الفعل السلبية، بما في ذلك إعادة الاحتجاجات والعمليات المسلحة.
ثالثًا، زيادة الاستقطاب، إذ قد تؤدي تصريحات ترامب إلى تعزيز المشاعر المعادية تجاه إسرائيل، وزيادة التأييد للفصائل الفلسطينية التي تتبنى موقفًا متشددًا، ورابعًا، تقويض جهود السلام والتأثير السلبي على أي مفاوضات مستقبلية للسلام، فأي حديث عن التهجير القسري قد يقوّض الثقة بين الأطراف المعنية في عملية السلام، ويدفع الفلسطينيين إلى التشبث بمواقفهم الرافضة لأي تسوية تُعتبر غير عادلة أو غير متوازنة.
بالإضافة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، فإن تهجير السكان بشكل قسري سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة، مما ينذر بأزمة يمكن أن تمتد آثارها إلى الدول المجاورة.
كما يؤدي ذلك إلى إغضاب الدول العربية، مما قد ينتج عنه تضرر العلاقات الدولية، إذ قد تؤدي هذه التصريحات إلى توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والدول العربية، التي تدعم بشكل تقليدي حقوق الفلسطينيين في المنطقة.
وأخيرًا، يمنح ذلك سببًا لوقوف إيران وحلفائها في وجه الهيمنة الأمريكية، حيث ستستغل إيران هذه التصريحات لتعزيز موقفها، مما قد يؤدي إلى زيادة التصعيد العسكري في المنطقة.
ماذا نحن فاعلون إزاء موقف ترامب المتشدد في خطته لتهجير سكان غزة؟
موقف ترامب المتشدد بشأن خطة “تهجير سكان غزة” يثير العديد من ردود الفعل على المستوى العربي، حيث بادرت الدول العربية برفضها وفي مقدمتها مصر، وبالتالي للدول العربية ومنظماتها أن تتبنى عدة استراتيجيات لمواجهة هذه التطورات، التي تُعد تهديدًا للأمن والاستقرار الإقليميين.
بعض هذه الخطوات المُنتظرة تشمل في المقام الأول تحريك الدبلوماسية العربية من خلال تنسيق المواقف السياسية وإجراء مشاورات عاجلة لتنسيق مواقفها تجاه خطة ترامب، وتشمل هذه المشاورات اجتماعات طارئة للدول العربية، والاتحاد الإفريقي-العربي، ومنظمة التعاون الإسلامي، كما يمكن أن تعمل الدول العربية على إعداد عريضة مشتركة تُعبّر عن رفضها للتهجير القسري وتأييد حقوق الفلسطينيين، وتقديمها إلى المنظمات الدولية.
وثالثًا يمكن للدول العربية التعاون مع المنظمات الدولية في هذا الشأن، عبر استخدام المنصات الدولية مثل الأمم المتحدة لإدانة هذه السياسات، والدعوة إلى حماية حقوق الفلسطينيين، وقد يشمل ذلك تحركًا في الجمعية العامة، والدعوة إلى إرسال بعثات دولية، والعمل على إنشاء لجان دولية لمراقبة الوضع وضمان عدم حدوث انتهاكات.
الأمر الرابع والمهم كذلك دعم حقوق اللاجئين، حيث يمكن للدول العربية تعزيز الجهود لحماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين ودعم مساعيهم في الحصول على حق العودة، مع استخدام وسائل الإعلام لتعزيز الوعي، وتعبئة الرأي العام ضد التهجير القسري والتهديدات الإسرائيلية، وذلك من خلال حملات إعلامية تنقل الصورة الحقيقية للوضع في غزة، وإبراز القصص الإنسانية، وتسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني.
كما يمكن العمل في مسار تعزيز وتنشيط العلاقات الثنائية مع القوى الكبرى، لأجل الضغط على إدارة ترامب لتليين مواقفها، وإشراكها في الحوار حول حقوق الفلسطينيين.
قد يمتد الأمر لتنظيم تحركات شعبية، على غرار ما جرى أمام معبر رفح، بحيث تكون هناك دعوات إلى تظاهرات في الدول العربية تأييدًا لفلسطين، مما يُظهر قوة الرأي العام، واللجوء إلى الضغوط الشعبية.
هناك زيارة مرتقبة للرئيس السيسي وملك الأردن إلى واشنطن.. هل تعتقدين أن تلك الرحلة سيكون لها ثمار إيجابية لتعديل موقف ترامب؟
الزيارة المحتملة للرئيس عبدالفتاح السيسي وملك الأردن عبدالله الثاني إلى واشنطن يمكن أن تكون لها عدة آثار إيجابية فيما يخص موقف ترامب وموضوع غزة، حيث سيتم تعزيز الحوار المباشر وتبادل الأفكار، وتمكين الزعيمين العربيين من طرح خطورة طرح فكرة التهجير القسري على أمن واستقرار المنطقة، وتقديم رؤية موحدة في الاجتماعات الثنائية تتعلق بقضية فلسطين، مما يُظهر للإدارة الأمريكية أن هناك إجماعًا عربيًا قويًا على حقوق الفلسطينيين ورفض التهجير القسري.
وفي تحفيز الحوار مع ترامب من أجل تحسين السياسات، إقناعه وشرح الآثار السلبية لأي سياسات متشددة، مثل التهجير القسري، على الأمن الإقليمي والاستقرار، وتقديم الأدلة المقنعة قد يُسهم في توجيه الإدارة الأمريكية نحو مواقف أكثر اعتدالًا، مع تقديم مقترحات عملية لحل القضية الفلسطينية، علمًا أننا نتعامل مع رئيس أمريكي غير متوقعة ردود أفعاله وتوجهاته.
الرئيس السيسي اتخذ موقفا ثابتا برفض التهجير والتحذير من تبعاته.. ما انعكاسات هذا الموقف التاريخي؟
موقف الرئيس السيسي من مقترح ترامب بالتهجير القسري لسكان غزة يُفهم في سياق المصلحة الوطنية المصرية والمصلحة الفلسطينية والموقف العربي والإقليمي الأوسع تجاه القضية الفلسطينية، حيث تتبنى مصر سياسة دعم حقوق الفلسطينيين وتسعى لتعزيز الاستقرار في المنطقة.
فالرئيس أعلن رفض التهجير القسري والتأكيد على حقوق الفلسطينيين وضرورة احترامها ومعالجة قضاياهم ليس من خلال تدابير قسرية كالتهميش أو التهجير، وأكد أن ثوابت الشرعية الدولية تعتبر التهجير القسري انتهاكًا واضحًا للقوانين الدولية وحقوق الإنسان.
وإضافة لذلك، قام الرئيس السيسي بالتنسيق مع الدول العربية والتنسيق مع الدول العربية الأخرى لوضع موقف موحد لرفض أي مقترحات تُعتبر تهجيرًا قسريًا، وبالتالي فمصر تلعب دورًا مهما في القضية الفلسطينية، وتُعتبر راعية للجهود الدبلوماسية، وتسعى لأهمية استقرار غزة وإعادة إعمارها، مع استمرار الجهود المصرية في الوساطة والدعم الإنساني.
وفي ذات الوقت، يسعى الرئيس السيسي للحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، ويسعى للتأثير على مسارات القرارات الأمريكية من خلال الحوار والتفاوض.
وتعمل مؤسسات الدولة الوطنية على تعزيز الأمن على الحدود لمنع حالات التدفق غير المنظم، بالإضافة إلى التصدي لأي تهديدات محتملة.
ما السيناريوهات المحتملة إذا أصرّ ترامب على تنفيذ رؤيته لقطاع غزة رغم المعارضة الإقليمية والدولية؟
إذا أصرّ ترامب على تنفيذ رؤيته رغم المعارضة الإقليمية والدولية، فإن ذلك يؤدي إلى تأزم الأوضاع الإنسانية، فتنفيذ أي خطة تتضمن تهجيرًا قسريًا يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة، وإضافة ظلم وقهر جديد على من تبقى من أهلها بعد جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبت من قبل إسرائيل، كما أن زيادة عدد النازحين واللاجئين في المنطقة يزيد الضغط على الدول المجاورة، بالإضافة إلى مجموعة من السيناريوهات السياسية والأمنية المحتملة التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الوضع في المنطقة.
أبرز هذه السيناريوهات هو تصاعد التوترات والصراع واندلاع مواجهات عسكرية، فقد يؤدي تنفيذ خطة التهجير أو أي إجراءات قاسية أخرى إلى تصاعد العنف بين الفصائل الفلسطينية من جهة وإسرائيل، مما قد ينتج عنه انتفاضة جديدة أو تصعيدا عسكريا، كما ستتوالى ردود فعل من الجماعات الإرهابية متذرعة بما يحدث، مما يزيد من عدم الاستقرار والأمن في المنطقة وأيضًا على مستوى العالم.
ومن المتوقع زيادة المساعدات الدولية لفلسطين، في إطار زيادة الدعم العربي والدولي، فمن المتوقع أن تؤدي هذه السياسات إلى استجابة عربية ودولية قوية، مما يُفضي إلى زيادة المساعدات الإنسانية والمالية للبسطاء في غزة ودعم قضاياهم السياسية.
وستتوالى الدعوات لإنشاء لجان تحقيق دولية للانتهاكات لحقوق الإنسان، وبالطبع، سينتج عن ذلك تدهور العلاقات الأمريكية مع الحلفاء، خاصة الدول العربية، مما يمكن أن يؤثر سلبًا على العلاقات السياسية والعسكرية.
ويفقد التأثير الأمريكي، ويعزز من نفوذ دول مثل روسيا والصين في المنطقة، ويقلل من دور الولايات المتحدة.
وستتوالى الانتفاضة الفلسطينية في أرجاء مختلفة، مؤججة بروح المقاومة، وانزلاق المنطقة إلى الفوضى وعدم الاستقرار الإقليمي والدولي.