كشف الرئيس ترامب عن حقيقة مشروعه الخاص بتهجير أهالى غزة حينما قال إنه ملتزم بشراء غزة وامتلاكها وربما إعطاء أجزاء منها لدول فى الشرق الأوسط لتعميرها.. أى أن ترامب لا يسعى كما قال من قبل لإنقاذ أهل غزة من الحياة وسط الدمار والخراب وتوفير مكان آخر آمن لهم يمارسون فيه حياتهم، وإنما بوضوح وعلى بلاطة لأن ترامب معجب بموقع غزة الجغرافى ويريد امتلاكها وتأجير بعض أجزاء منها لآخرين من دول المنطقة، ويرى أنها كما قال مبكرا يمكن أن تصبح «ريفيرا الشرق» يستمتع بها الأثرياء فى العالم!
ترامب إذن لا يتعامل هنا كقائد لأقوى وأكبر دولة فى العالم مهتم بإقرار السلام فيه، إنما كرجل أعمال ينهتز الفرص يبغى إتمام صفقة مربحة تحقق له الربح الوفير.. وتلك هى المشكلة التى تواجه من يخاطبونه من قادة العالم .. فهو لا يكترث لنداءات الاستقلال والتحرر إدارات العدالة وإعادة الحقوق لأصحابها، ولا يهتم بقواعد الإنصاف، وإنما هو معجب بقطعة أرض يريد الاستيلاء عليها بشتى الطرق، مثل أرض جزيرة جرين لاند وقناة بنما.. لذلك لا يستمع لمن ينبهونه إلى أن أرض غزة هى أرض فلسطينية وجزء من الأرض المفترض أن يقام عليها الدولة الفلسطينية التى هى حق مشروع للفلسطنيين، أو أن هذه الأرض يرقد تحت ركام التدمير الذى تعرضت له جثامين الشهداء منهم الأطفال والنساء تعذر دفنها بعد الصلاة عليها مثل غيرهم من الشهداء الذين فقدوا أرواحهم فى حرب إبادة امتدت لنحو خمسة عشر شهرا!
الشىء الوحيد الذى سوف يستمع إليه ترامب هو فقط أن مشروعه يعد صفقة خاسرة وفاشلة وتهدد بوقوع المنطقة كلها فى حالة من عدم الاستقرار وافتقاد الأمن !.. أو الشىء الوحيد الذى سينصت إليه ترامب هو التحذير من عواقب مشروعه لتهجير أهالى غزة عليه وعلى أمريكا!
تهجير أهالى غزة لن يتم بالسهولة التى يتصورها الرجل، وبالتالى فإن امتلاكه غزة وشراءها أمر من قبيل الاستحالة .. فالذين صمدوا أمام حرب الإبادة الجماعية على هذا النحو والتجويع الممنهج والمنظم سوف يتمسكون بأرضهم مهما ارتوت بدمائهم .. ومن سيتم تهجيره سوف يقاوم مجددا من الأرض التى تم تهجيرهم قسرا إليها، وهو ما سوف يتمخض عن اتساع مساحة المقاومة المسلحة لتستوعب أراضى دول أخرى غيرفلسطينية، ويهدد كل خطط إقرار السلام فى المنطقة والحفاظ عل معاهدات السلام الإسرائيلية مع مصر والأردن واتفاقات التطبيع الإسرائيلية مع بعض دول الخليج العربى. وهذا مناخ غير مناسب أو صالح لتنفيذ مشاريع وجنى أرباح من ورائها!
هذه هى اللغة التى يفهمها ترامب ويستوعبها باعتباره رجل أعمال باحث عن التهام الفرص الفريدة من وجهة نظره ..أما لغة الحقوق المشروعة فلا مجال لأن تجدى معه نفعا.. فإن الرجل يدعم المحتل والمعادى ولا يكترث لضحاياه ومعاناتهم وآلامهم ولا تهتز مشاعره لدموعهم وصرخاتهم التى تنشد من يقيهم من الإبادة الجماعية والتجويع الممنهج.
ولذلك القادة العرب وهم يخاطبونه سواء وجها لوجه أو من خلال القمة القادمة عليهم تحذيره أساسا من الكوارث التى سوف تنجم عن مشروعه لتهجير أهالى غزة حتى يتسنى له امتلاكها ربما تأجير أجزاء منها كما قال مؤخرا.
لا يكفى أن يقال لترامب كما قال الفلسطينيون له إن غزة ليست للبيع أو الإيجار، وإنما يجب أن يتم تحذيره من العواقب الوخيمة لهذا المشروع الذى يراه صفقة مربحة جدا.. وتنبيهه أن الفشل هو المصير المحتوم لهذا المشروع، وأن الخسائر الفادحة ستلحق بمن يشرع فى تنفيذه بالقوة .. أى أن ترامب لن يستمع إلى التحذيرات بفشل واحدة من صفقاته العديدة التى يريد فيها الاستيلاء على أراضى الغير .. فالرجل سيهتم وقتها لمراجعة موقفه التاسع عن هذه الصفقة ما دامت ستجلب له المتاعب والمشاكل سيخرج منها خاسرا فى نهاية المطاف!
ما يجدى ليس حديث القانون أو الحقوق مع رجل يرى حدود حقه عندما تطوله يداه، وإنما حديث الخسائر التى سيجنيها إذا تمسك بتنفيذ هذا المشروع ولم يتراجع عنه..