اتحدت الدول العربية على كلمة واحدة «لا للتهجير»، فلسطين عربية وعاصمتها القدس الشرقية، ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وحدود 1967، فإن الأراضي الفلسطينية في غزة والقدس والضفة الغربية أراضى للشعب الفلسطيني، وهو وحده من حقه «تقرير المصير»، ورفض العدوان والاستيطان الإسرائيلي، وتوغل الاحتلال واغتصاب الحق والأرض.
رغم اعتلاء نبرة التطرف الغربى، والتهور الأمريكي، وبلطجة إسرائيل، وبجاحة القوة العظمى التي من المفترض أن تحمي حقوق الإنسان، وتلتزم بالقانون الدولي، وتحترم المؤسسات الدولية، ولكن ما يحدث ونراه ونسمعه كل يوم من انفلات في التصريحات والأفعال منذ 7 أكتوبر عام 2023، أصبح أمرا مذريا يدعو للاشمئزاز والشعور بالغضب والانتفاضة المستمرة، لم يكتف رئيس أكبر دولة في العالم بتصريحه في رغبته تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وتشريدهم في بلاد متفرقة، بل فرض عقوبات علي المحكمة الجنائية الدولية، كونها وضعت نتنياهو شريكه المخلص في الإبادة كمجرم حرب، ولم لا وهو نفسه يسعي لعمل جريمة حرب أخرى وهي « التهجير للشعب الفلسطيني من أرضه».
وكان للدولة المصرية قول واحد وثابت لم يتغير منذ اندلاع العدوان علي قطاع غزة، منذ أكثر من خمسة عشر شهراً، عندما نوه نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، عن رغبته في تهجير أهل القطاع إلي الأراضي المصرية في سيناء، إلي أن ينتهي من حربه علي حماس، وتحقيق النصر المطلق، ولكن الحقيقة تقول إن نتنياهو يريد تحقيق الوهم المطلق.
فهو لم يقض علي خصمه حتي هذه اللحظة، ولم يستطع خلع الشعب من جذوره والقضاء علي القضية الفلسطينية، خاصة مع الرفض التام والقاطع من الدولة المصرية بتهجير الفلسطينيين حفاظاً علي القضية ولعدم المساس بالأراضي المصرية ودائماً يعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي في كل القضايا والأزمات التي واجهت الدولة المصرية بأن «أمن مصر القومي خط أحمر».
وعلي الجانب الآخر رفضت المملكة الأردنية الهاشمية، تهجير أهل فلسطين إلى أراضيها، لعدم تصفية القضية، فالقضية الفلسطينية هي أم القضايا العربية، وصدر البيان المشترك فور اجتماع وزراء الخارجية العرب، عقب إعلان الرئيس الأمريكي ترامب رغبته في تهجير أهل قطاع غزة « بيانا موحدا برفض تهجير أهل الأرض العربية، فلسطين ، خارج أراضيهم والمطالبة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة علي حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية»، وضم الاجتماع وزراء خارجية كل من « مصر، والأردن، وقطر، والسعودية، والإمارات» والذى عقد في القاهرة في الأول من فبراير الجارى، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تدعو فيها القاهرة الأشقاء العرب من أجل الاتحاد في مواجهة العدو الإسرائيلي، ومحاولة الوصول إلي حلول سلمية وفقاً لمبادئ القانون الدولي، فكان مؤتمر القاهرة الذى ضم زعماء العرب والغرب فور اندلاع أزمة طوفان الأقصي .
ومع استمرار سيل التصريحات المتهورة وغير المسئولة من قبل رئيس أكبر دولة في العالم، فكان اقتراحه الأخير أن يتم تهجير الفلسطينيين إلي الأراضي السعودية وأن ينشأ لهم وطنا بديلا في المملكة العربية السعودية، هذا أيضاً ما رفضته مصر بشدة وأصدرت بيانا شديد اللهجة، بأن أمن المملكة العربية السعودية من أمن مصر وترفض هذه التصريحات المنفلتة، وكان رفض السعودية التام بإنشاء وطن بديل لأهل فلسطين والتنازل عن حقهم المشروع، وفي هذا السياق أصدرت مصر من قبل بيانا عن وزارة الخارجية المصرية يرفض تهجير الفلسطينيين، ليلحق به بيان آخر يحذر أعضاء الحكومة الإسرائيلية، من تصريحاتهم غير المسئولة حول بدء تنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين من أرضهم، والتأكيد علي وقف إطلاق النار المستدام، وتحديد وقت محدد لإدخال المعدات الثقيلة إلي القطاع لبدء الإعمار في غزة .
مع حرب 1948، بدأ التهجير القسرى للفلسطينيين، حيث تم تشريد ما يقارب 700,000 فلسطيني، أي ما يعادل 55 فى المائة من السكان العرب في فلسطين آنذاك، وكانت هذه العملية جزءًا من خطة صهيونية تهدف إلى إفراغ فلسطين من سكانها العرب وإحلال اليهود مكانهم، تم تدمير أكثر من 400 قرية فلسطينية، وتم تغيير أسماء العديد من الأماكن لتهويدها.
شملت أسباب التهجير المباشرة عمليات الطرد التي نفذتها القوات الصهيونية، وتدمير القرى العربية، والحرب النفسية التي عملت علي ترويع السكان وتنفيذ المجازر مثل «مجزرة دير ياسين»، والتي أدت إلى هروب الكثيرين خوفًا من مصير مماثل، بالإضافة إلى ذلك، تم استخدام أساليب مثل تسميم الآبار وحرق المحاصيل لإجبار الفلسطينيين على التهجير، إرهاب ممنهج مستمر من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
واستمرت عمليات التهجير بعد حرب 1948 إلي 1956، حيث تم تهجير أكثر من 40,000 فلسطيني، خاصة في المناطق الحدودية مع لبنان والأردن، وتم تدمير العديد من القرى وإعادة توطينها بمهاجرين يهود وقوات عسكرية إسرائيلية، وحتي اليوم لم يستطع من هاجروا العودة أو الحصول علي ديارهم مرة أخرى .
وتريد الحكومة اليمينية المتطرفة تهجير ما تبقي من أهل الأرض العربية الفلسطينية، والاستيلاء علي ما تبقي للفلسطينيين من أرضهم بعد الوقوف علي حدود 1967، بتهجيرهم مرة أخرى والتخلص منهم وإسكات صوتهم وصوت العرب، ولكن ما حدث كان عكس ما توقعته إسرائيل، فالفلسطيني متمسك بأرضه والعرب اتحدوا على كلمة واحدة لا لتصفية القضية بطريقة غير عادلة وعلى حساب المساس بأراضى دول أخرى.