رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

تصريحات «ترامب».. «مرفوضة» عالميًا


16-2-2025 | 18:47

تصريحات ترامب .. مرفوضة عالميًا

طباعة
تقرير: محمد رجب

غضب دولى اجتاح العالم فى أعقاب التصريحات المثيرة للجدل التى أطلقها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن العديد من الملفات الساخنة، على رأسها اقتراحه بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة للدول المجاورة للقطاع، التى قُوبلت بردود فعل رافضة، خاصة الموقف المصرى الذى أَعلن بشكل واضح رفضه لأية محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، ورفض الدولة المصرية قيادة وشعبًا ما تم الإعلان عنه بشأن عملية التهجير خاصة إلى سيناء، كما أعلنت عشرات الدول رفض هذه المقترحات، شكلاً وموضوعًا، واعتبرته مخططًا أمريكيًا إسرائيليًا لتصفية القضية الفلسطينية، كما لاقت تهديدات ترامب تجاه بعض دول أمريكا اللاتينية رفضًا واسعًا، خاصة أن الجميع اعتبرها غير مقبولة ومرفوضة؛ لما تطويه من محاولات للتدخل فى الشأن الداخلى لهذه الدول، وتهدد السلم العالمى.

خبراء أكدوا أن تهديدات «ترامب» لم تقتصر على القضية الفلسطينية، لكنها شملت أيضًا تهديدات لعدد من الدول، خاصة الصين وبعض التحالفات الدولية على رأسها بريكس والاتحاد الأوروبى، وهو أيضًا ما تم رفضه بشكل قاطع من الدول الأعضاء، مؤكدين أن الرئيس الأمريكى يُطلق تصريحاته بشكل غير مدروس، والدول ذات السيادة لن تقبل بها بأى شكل، خاصة أنها تخالف الشرعية الدولية ومواثيق الأمم المتحدة.

 

السفير عاطف سيدالأهل، سفير مصر الأسبق فى تل أبيب، أوضح أن «حديث ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن كان جزءًا من خطته للسلام فى الشرق الأوسط، المعروفة بـ«صفقة القرن»، وهذا المقترح أثار جدلًا واسعًا ونقاشات سياسية واجتماعية، حيث يعتبر تهجير الفلسطينيين مسألة حساسة لها تداعيات كبيرة على الوضع السياسى والاقتصادى والاجتماعى فى المنطقة، وهو اقتراح يواجه معارضة شديدة من الفلسطينيين والدول العربية المجاورة، لأنه بشكل واضح يُعد تهجيرًا قسريًا وانتهاكًا لحقوق الإنسان».

 

وأضاف: أما فيما يخص الوضع السياسى، فالدول مثل مصر والأردن لها موقف رافض تجاه هذا الاقتراح، حيث إن أى تحرك من هذا القبيل يُعتبر تهديدًا لاستقرارها الداخلى بسبب الرفض الشعبى لهذا المقترح؛ لما به من تعدٍّ على سيادة هذه الدول وتصفية للقضية الفلسطينية وتعارض مع إيمان الشعوب بأن الحل والاستقرار يتمثل فى حل الدولتين.

 

وأشار «الأهل»، إلى أن «مقترح ترامب ليس له وجود وفق أى إطار قانونى، حيث لا توجد أسس قانونية أو اتفاقيات دولية تدعم فكرة التهجير القسرى، وأى مقترحات من هذا النوع تحتاج إلى توافق سياسى ودعم من المجتمع الدولى، ودون ذلك فإن احتمال تنفيذها يكون ضعيفًا، وبما أن المقترح لا يوجد ما يدعمه من قبول من القيادة والشعب المصرى أو الأردنى يصبح إمكانية تنفيذ مثل هذه المقترحات شبه مستحيلة»، موضحًا أنه فى «الوقت الحالى يبدو أن فكرة تهجير الفلسطينيين هى فكرة غير عملية وغير قابلة للتنفيذ بسبب المعارضة القوية والتحديات القانونية والسياسية».

 

بدوره، قال الدكتور محمود السعيد، أستاذ العلوم السياسية: ترامب عاد إلى البيت الأبيض بأكثر من 100 قرار رئاسى حول قضايا مثيرة للجدل تختلف عن الاستراتيجية الأمريكية التقليدية، وهذه القرارات قد تُعيد تشكيل السياسة الأمريكية داخليًا وخارجيًا، خاصة فى ظل رؤية ترامب التى تركز على المصلحة الاقتصادية للولايات المتحدة، فـ«ترامب» بصفته رجل أعمال واقتصاد، ينظر إلى العالم من منظور المصلحة الاقتصادية أولًا، وهذا يعنى أن سياساته الخارجية ستكون أكثر براجماتية، وقد تختلف عن السياسات التقليدية التى اتبعتها الإدارات السابقة.

 

وأوضح أن «ترامب يعتزم إعادة ترتيب الأولويات الأمريكية، ليس فقط فى الشرق الأوسط أو فى إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بل على مستوى العالم بأكمله، خاصة أن تصريحات ترامب السابقة حول الحدود كخطوط على الخريطة ورفضه الاعتراف بالرسوم التى تدفعها الولايات المتحدة لقناة بنما، بل وتصريحاته عن ضم كندا، تعكس رؤيته المختلفة للسياسة الدولية»، مشددًا على أن الرئيس الأمريكى الحالى ينظر إلى العالم بعين رجل الأعمال الذى يريد تعظيم المكاسب وتقليل الخسائر، وهذا يعنى أن سياساته قد تكون أكثر تشددًا فى فرض العقوبات على الدول التى تُعتبر تهديدًا للمصالح الأمريكية، مثل إيران والصين.

 

وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، أوضح أستاذ العلوم السياسية، أن «ترامب» يعتزم إعادة طرح «صفقة القرن»، التى أثارت جدلًا كبيرًا فى فترته الرئاسية الأولى، وهذه الصفقة تهدف إلى إعادة ترتيب الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، مع التركيز على القضية الفلسطينية والإسرائيلية، كما أن «ترامب» يعتبر أن الحروب تعطل المصالح الاقتصادية، ولذلك فهو يسعى لحلول سياسية بدلًا من العسكرية، ومع ذلك فإن التمدد الإسرائيلى فى المنطقة يظل تحديًا كبيرًا لأى محاولة لإحلال السلام.

 

وتابع: على سبيل المثال اقتراحه بشأن بتهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن يرجع إلى أن «ترامب» يرى أن وجود حماس فى الوقت الحالى فى الأراضى المحتلة يسبب عدم الاستقرار، بالإضافة إلى منع تكرار الصدامات بين إسرائيل وحماس، غير أنه عليه إدراك أن الأرض أرض فلسطينية وليس أرضًا تابعة لحماس، وأن التهجير سيؤدى إلى تصفية القضية الفلسطينية، هذا إلى جانب أن الموقف الشعبى المصرى الرافض للتهجير، ظهر واضحًا من خلال توافد الحشود المصرية التى انطلقت من جميع المحافظات إلى معبر رفح للتعبير عن ذلك الموقف الشعبى، وهى تؤكد أن هناك تحديًا كبيرًا لتنفيذ هذا المقترح، حيث إن الدول المعنية بشئون غزة وفى مقدمتها مصر والأردن لديها خيارات أخرى أهمها حل الدولتين.

 

وعلى الصعيد الداخلى، أشار «السعيد» إلى أن ترامب يواجه تحديات كبيرة مثل الكوارث الطبيعية كحرائق كاليفورنيا التى تسببت فى خسائر ضخمة وتزايد الانتقادات حول سياساته المثيرة للجدل، وأيضًا ملف الهجرة وإغلاق الحدود أمام المهاجرين غير الشرعيين، وإعادة النظر فى التمويلات الأمريكية لحلف الناتو ودعم أوكرانيا، كما أن هناك توقعات بإلغاء وزارة التعليم، وهو قرار قد يُثير موجة من الجدل داخل الولايات المتحدة.

 

من جانبه، أكد الدكتور أحمد يوسف، أستاذ العلاقات الدولية، أن «تصريحات ترامب كشفت حالة من العدوانية سواء ضد الشعب الفلسطينى بطرحه فكرة تهجير الفلسطينيين أو ضد روسيا بإمداد أوكرانيا بأسلحة متطورة أو ضد كندا وبنما»، مضيفًا: لذلك أتوقع أن يقضى ترامب فترته الرئاسية بشكل صعب مليء بالتحديات الداخلية والخارجية، كما أن ترامب منذ فترة ولايته الثانية وقبل أن يتولى مهامه رسميًا أوجد صراعًا مع عدد من الدول مثل بنما والمكسيك وكندا، وبالتالى سيواجه صعوبات كثيرة، وهنا لا بد ألا ننسى أنه لم ينجح فى تحقيق ما يريده، إلا فى الأشياء التى تعتمد عليه وحده مثل الاعتراف بالقدس ونقل السفارة الأمريكية للقدس، لكنه فشل فى تحقيق صفقة القرن.

 

وحذر «يوسف» من استمرار ترامب فى سلوكه الحالى، سوف يتسبب فى خلق العديد من بؤر التوتر الجديدة التى ليس لها ضرورة، وهذا الأمر سيؤدى إلى كشف وعوده الزائفة للمواطن الأمريكى وقت الانتخابات، وهذا سيتسبب فى فترة اضطراب مستقبلاً.

 

وأضاف أستاذ العلاقات الدولية: أما مسألة إنهاء الصراع فى أوكرانيا فهى تتطلب جهدًا كبيرًا، خاصة أنها سوف تتضمن بالتأكيد تسويات غير مألوفة، من منظور أنها لن تكون تطبيقًا صريحًا لقواعد القانون الدولى المستقرة، وإنما ستوجد أوضاعًا جديدة تقبل تغيير حدود قائمة بحجج تاريخية أو سكانية، إلى جانب ما سوف تتطلبه من معالجة لمعضلة الضمانات الأمنية المتبادلة وتعويضات الحرب، ومواجهة للاعتراضات المحتملة من هذا الطرف أو ذاك، كما أن تصورات ترامب مثلًا عن تهجير نصف سكان غزة على الأقل إلى خارجها غير مقبولة من الأطراف المعنية بهذا التهجير، سواء سكان غزة أنفسهم الذين يرفضون الفكرة بالمطلق، أو الجهات التى يُفْتَرَض أن تستقبلهم وعلى رأسها مصر، وكل هذا دون ذكر مجافاة الفكرة للقانون الدولى أصلًا.

 

وأوضح أنه بالنظر للمطالبات الإقليمية المفاجئة لـ«ترامب» تجاه بنما والدنمارك وكندا، فليس هناك عاقل يتصور إمكانية موافقة هذه الدول عليها، أو احتمال أن يلجأ ترامب للقوة لتنفيذها، لما سوف يترتب على ذلك من تعقيدات ومساس هائل بالمكانة الأمريكية، وبالتالى فإن طريق ترامب لتنفيذ توجهاته لن يكون مفروشًا بالورود، خاصة أن كافة الأطراف المعنية بتوجهاته لا بد أنها تتحسب لخطواته القادمة وتستعد لها».

 

فى السياق، قال الدكتور رضا فرحات، أستاذ العلوم السياسية، إن «تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى مصر أو الأردن غير مقبولة ومرفوضة جملة وتفصيلاً، لما تمثله من تهديد صريح للأمن القومى المصرى والعربى، وانتهاك لحقوق الشعب الفلسطينى، ومحاولة لفرض حلول قسرية تخالف الشرعية الدولية وتضرب عرض الحائط بكافة المواثيق الإنسانية».

 

وأضاف أن «هذه التصريحات تمثل انتهاكًا لسيادة الدول وحقها فى تقرير مصيرها، وهو أمر لا يمكن قبوله من أى طرف ومصر تاريخيًا كانت وما زالت داعمًا رئيسيًا للقضية الفلسطينية، وموقفها ثابت لا يتغير فى دعم حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية، وفقًا للقرارات الدولية»، لافتًا إلى أن الحديث عن تهجير الفلسطينيين ليس فقط مرفوضًا، بل هو تجاوز لكل الخطوط الحمراء، كونه يهدد استقرار المنطقة ويُشعل فتيل الصراعات لعقود قادمة.

 

«فرحات»، أشار إلى أن «مصر لعبت دورًا محوريًا فى دعم القضية الفلسطينية على مدار عقود، سواء من خلال جهودها السياسية والدبلوماسية أو عبر تقديم المساعدات الإنسانية لأهالى غزة، وكان أبرزها نجاحها فى تحقيق اتفاقيات وقف إطلاق النار الأخيرة رغم التحديات الكبرى»، مشددًا على أن مثل هذه التصريحات تهدف إلى إرباك الحسابات المصرية وإضعاف دورها الإقليمى، إلا أن مصر ستظل صامدة فى موقفها الرافض لأى مخططات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تهديد أمنها القومى.

 

كما شدد على أن «الأمن القومى المصرى لا ينحصر فقط داخل حدود الدولة، بل يمتد ليشمل كل ما يؤثر على استقرار المنطقة العربية وتهجير الفلسطينيين أو المساس بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى لأنه يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمى، ويضع المنطقة بأكملها أمام خطر الفوضى والصراعات ومصر لن تقبل أن تكون طرفًا فى أى مخطط ينتهك حقوق الفلسطينيين، وستظل تدافع عن السلام العادل والشامل الذى يضمن حقوق الشعب الفلسطينى».

 

من جهته، أكد السفير محمد حجازى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن «ردة الفعل الدولية المضادة لتصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وعدد من القادة الإسرائيليين بترحيل الفلسطينيين من أراضيهم والتهجير القسرى كانت سريعة وحاسمة من جميع دول العالم، خاصة أن الجميع استشعر أننا على المحك أمام نظام دولى ينهار بسبب رعونة وتصرفات وتصريحات وإخلال بمبادئ القانون الدولى»، مشيرًا إلى أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لم يقل جملة واحدة فى خطابه وافق عليها أى طرف من المجتمع الدولى، فهو يريد أن يضم كندا وهى تُعتبر تحت التاج البريطانى، ويريد أن يغزو بنما وأشياء كثيرة مستحيلة.

 

وأكد «حجازى»، أن ترامب صرح بأنه يريد أن يُهجر أهالى قطاع غزة حتى يأتى بيهود من أمريكا وروسيا وبلدان أخرى ليأتوا إلى أرض لا علاقة لهم بها ولا أى صلة تاريخيًا ولا قانونيًا وفقًا للاتفاق، موضحًا أن هناك أعضاء فى الكونجرس يطالبون بعزل ترامب لأنه خرج عن الشرعية الدولية بما لا يليق بدولة حجم الولايات المتحدة، كما أن تصريحاته بشأن غزة والضفة الغربية شعبوية ليس فيها أى نوع من أنواع المنطق، مشيرًا إلى أن أهدافها تتمثل فى الضغط على الدول العربية، وخاصة مصر والأردن، لمحاولة تهجير سكان القطاع والضفة إلى أراضيهما.

 

«حجازى»، شدد على أن «هذه الدعوة لا تعكس رغبة حقيقية لدى ترامب فى تهجير الفلسطينيين، بل أرى أنه يسعى إلى فرض إدارة أردنية تدير القطاعين، سواء غزة أو الضفة الغربية، بهدف تجنب أى مشكلة أمنية مستقبلية لإسرائيل»، لافتًا إلى أنه «هناك سيناريوهات كثيرة لحل الأزمة، لكنه يرى أن أفضلها هو أن تقف الدول العربية موحدة وتضع سيناريو واضحًا لإعادة إعمار غزة فى أقرب فرصة ممكنة».

 

وأضاف: الدولة المصرية تصدت للتهجير القسرى، ثم بدأت التحركات الدبلوماسية رفيعة المستوى والاتصالات التى أجراها الرئيس عبدالفتاح السيسى بقادة الدول وسكرتير عام الأمم المتحدة، ليؤكد على أهمية المنظمة الدولية وقواعد القانون الدولى الرافضة لتصريحات ترامب، كما أُشيد كذلك بالتحركات الدبلوماسية النشطة التى يقودها وزير الخارجية د. بدر عبدالعاطي، خاصة أن هناك لقاءات واتصالات عديدة يجريها الوزير مع قيادات إقليمية ودولية، إضافة إلى اجتماعاته مع وزراء الخارجية العرب، ولهذا يجب أن يكون هناك موقف عربى موحد وخطة واضحة لإعادة إعمار غزة وتشكيل سلطة فلسطينية على الأرض، وصولًا إلى إنشاء الدولة الفلسطينية وفق القرارات الدولية.