رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

العالم يواجه إشكالية «النوايا الأمريكية»


16-2-2025 | 20:52

العالم يواجه إشكالية النوايا الأمريكية

طباعة
بقلـم: د. وفاء على

لاشك أن مآلات وشواهد المشهد العالمى أن الإدارة الأمريكية الجديدة لم تترك عدوًّا ولا صديقًا في العالم؛ إلا وأشهرت له سيفها من خلال السياسات الحمائية، ومن هنا أصبح العالم والاقتصاد العالمي كله في حالة ترقب وانتظار لقرارات القيادة الأمريكية بفرض رسوم جمركية على بعض الدول سواء كندا أو المكسيك والصين والاتحاد الأوروبي.

مما أدى إلى تزايد المخاوف بفعل أن السؤال العالق هل بات العالم على موعد مع نوع جديد من الحروب وهو الرسوم الانتقامية، فبعد حروب الطاقة والاشتباك المباشر مع أسواق الطاقة أو حتى الاشتباك السياسي جاءت الحروب التي لم تعرفها البشرية من قبل وهى حروب بلا قنابل أو صواريخ وإنما حروب عالمية تجارية.

 

ولا شك أن هذه الحرب سوف تشتد مع هذا العام وبنوع خاص بعد توجهات الرئيس دونالد ترامب، وهو الذي يبني نظريته أمريكا أولًا قبل أى شيء.

 

إننا نرى المشهد وكأنها معركة تكسير عظام تبعًا لمن سيصرخ أولًا، لقد حاولت مجموعة أثرياء العالم من مجموعة العشرين التعبير عن رأيها من قبل :أن هناك حالة من التأجيج ولابد من منع حالة التباين فى ملف التجارة العالمية تفاديًا لإثارة الحروب التجارية خصوصًا مع مآلات الخطر الجيوسياسي. فهناك تهديد حقيقي يهدد النمو الاقتصادي العالمي بشكل مباشر وخطير ويعمل على تآكل الثقة الدولية، وهنا توجد إشكالية في إعلان “النوايا الأمريكية”.

 

مخاطر تنتظر التجارة العالمية

 

من ينظر إلى هذا الملف يجد أن الإدارة الأمريكية وضعت الصين فى الزاوية الضيقة اقتصاديًّا وتجاريًّا ودول الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك في المدى القصير والبعيد، والواضح والجلى للجميع أن الصين لا تريد المبارزة فأمامها مشروعها التنموي الحزام والطريق وتريد التفرغ للبريكس ولا تريد الدخول في مهاترات حروب التجارة العالمية.

 

وخلال الفترة الماضية حاولت الصين أن تتفادى تصريحات الرئيس الأمريكي التي يتهمها ترامب بأنها تغرق الأسواق الأمريكية بالمنتجات الصينية، وأن الصين تسرق أفكار الأمريكان، ولم يتوان ترامب عن إعلانه بفرض رسوم جمركية على بعض الدول ومنها الصين قبل أن يأخذ خطوة إلى الوراء ويؤجل لكندا والمكسيك مدة شهر كأداة للتفاوض، يعلم أن واردات الصين من أمريكا تبلغ 563 مليار دولار سنويًّا، ولم يفلت منه إدراك أن هناك استراتيجية وضعتها الصين لعام 2025 بشأن صنع في الصين.

 

إن أمريكا لم تعد تستطيع مواجهة عدم العدالة فى الملف الاقتصادي بين الصين وصادراتها إلى أمريكا؛ لكن هل يتوقف ترامب عند هذا الحد كي يحدث التوازن الاقتصادي بين الصين وأمريكا، حيث يوجد عجز ضخم لصالح الصين في الميزان التجاري الأمريكي، وهنا نقول إن ترامب لا يلقي بالًا باتفاقية التجارة الحرة أو أي معاهدات دولية، وإذا نظرنا إلى الجانب الآخر من العالم، فإن الصين تنظر إلى قرارات ترامب الحمائية أنها نوع من الابتزاز التجاري بفعل فرض هذه الرسوم الجمركية.

 

لقد شعر المجتمع الدولي أنها سياسات تؤدي إلى «رالي عالمي» نحو القاع، بهذه السياسات الحمائية. والسؤال هنا هل يفعلها ترامب بالفعل ويخسر الشريك الصيني؟ بالطبع لا، والسبب وبمنتهى الوضوح والموضوعية (أن الاقتصاد الصيني والأمريكي اقتصادان متكاملان).

 

وهناك بلا شك حالة من التداخل بينهما بنسبة كبيرة وفي حالة غرق أحد هذين الاقتصادين سيغرق الآخر. وتشير كل التقارير المالية الدولية الأمريكية أن الصين هي أكبر مستثمر فى السندات الأمريكية، وعلى أمريكا أن تسدد 1.1 تريليون دولار على الأقل من دين إجمالى يبلغ 6.1 تريليون دولار، وهو أقل من استحقاق الدين الصيني.

 

ومن المتعارف عليه أن الصين طويلة النفس وإذا نفد صبرها وطالبت أمريكا بسداد ديونها كلها أو معظمها فلن تستطيع أمريكا فعل ذلك وفي الوقت نفسه لا يريد الاقتصاد الصيني فعل ذلك، لأن الصين تشتري السندات الأمريكية لتجديد احتياطياتها من الدولارات التي تحصَّل من منتجاتها التى تبيعها إلى أمريكا وأمريكا من الطبيعي تشتري السلع بالدين مع ارتباط عملة البلدين وكلما زادت الصادرات الصينية زادت تبعية الدولار لليوان.

 

القفز على الحقائق

 

يعرف الجميع أن تحييد الاستثمارات الأمريكية المباشرة لن يكون بشكل طويل بالنسبة للصين وأوروبا، فمن المتعارف عليه أن الصين وأوروبا تتفوق في الصناعات التحويلية بينما أمريكا ضعيفة في هذه الصناعات، وليست الصين فقط في الزاوية الضيقة وإنما الاتحاد الأوروبي أيضًا وميزانه التجاري مع أمريكا خصوصًا ألمانيا، والسؤال المهم هل هو اختبار للقوة تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

 

لقد تم تقدير خسائر العالم طبقًا لتصريحات المؤسسات المالية الدولية حوالي واحد تريليون دولار نتيجة هذه الحرب التجارية وبلغت خسائر أوروبا 350 مليار دولار، كندا تخسر 77 مليار دولار، وملف الانبعاثات الكربونية بعد انسحاب ترامب من اتفاقية المناخ 900 مليار دولار، بالإضافة إلى تأثر ملف التضخم وزيادة حجم الرسوم الجمركية والضغط على الدول والأسواق سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار حتى على المواطن الأمريكي نفسه الذي صوَّت من قبل لصالح الاقتصاد قبل السياسة وخدعه ترامب.

 

ولا شك أن خطر فك الارتباط جعل ملف الطاقة في قلب العاصفة، والسؤال هل سيؤثر اندلاع الحروب التجارية على قطاع الطاقة العالمي؟ بالطبع أمريكا لن تستطيع الاستغناء عن طاقة جيرانها بهذه السهولة وسيكون لها عواقب وخيمة وتكاليف باهظة على ملف الطاقة؛ لكن يضغط ترامب في هذا الاتجاه كأداة للتفاوض أيضًا ستنعكس سلبًا على هذا الملف الاقتصادي المهم بعدما رفضت الأوبك بلس تعديل سياستها الإنتاجية وفرض عقوبات على إيران فيما يخص صادراتها من النفط.

 

ومن الصين إلى أوروبا وكندا والمكسيك خصوصًا بعد مطالبته الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو برفع مساهمته المالية التي تبلغ 2 في المائة حتى يخفف عبء مساهمة أمريكا في موازنة الناتو التي تؤثر بشكل كبير على الموازنة الإجمالية وهنا تبرز (فكرة الحروب القومية الاقتصادية من جديد).

 

وعليه بدأت أوروبا تفكر في مقاربة مع الصين لتنجو بنفسها ولو قليلًا وفي كل الأحوال ستكسب أمريكا الجولة من أوروبا ولو بنسبة وهو البعد التكتيكي التفاوضي الذي يبحث عنه ترامب لأنه يعلم جيدًا أن الرسوم الجمركية والضغط على الدول في هذه القصة الأبرز ستخلق ضغوطًا تضخمية جديدة لأمريكا والعالم.

 

المراقبة الصامتة

 

من الجلي أن الاقتصاد العالمي يراقب في صمت وبدقة، في الوقت نفسه جرس إنذار بالسيناريوهات الأكثر واقعية فأمريكا لن تستطيع الاستغناء عن العالم والمواطن الأمريكي تحت الضوء بعدما قال له ترامب إنه سيشعر ببعض الألم الاقتصادي؟ الأمور شائكة فالتضخم سيعود بشراسة، وآلياته شائكة وتجميع المشاكل كلها في حزمة واحدة أمر في غاية الصعوبة.

 

ولا شك أن الشركات الأمريكية التي تستورد المنتجات الصينية أو غيرها التي يريد ترامب فرض السياسات الحمائية عليها سوف تضطر إلى تحميل المستهلك الأمريكي هذه الزيادات والتي قد تكلف الأسرة الأمريكية المتوسطة حوالي أكثر من 2600 دولار وهذا يمثل تحديًا كبيرًا لملف التضخم. وهنا نسأل ما تأثير الصراع بين الصين وأمريكا على العالم كله ونحن معه.

 

فنحن طرف غير مباشر في هذا الصراع؛ لكن هناك نقاط ضعف في الاقتصادات الناشئة ومصر منها تبرز في ظل كل هذه السيناريوهات المتداولة لحركة التجارة العالمية وعلى مصر وشركائها التجاريين تخفيف الآثار السلبية لهذه الحروب التجارية - بتنويع حقيبتها الاقتصادية التجارية سريعًا. عبر تحسين القدرة التنافسية بأقصى سرعة، وتسريع آلية الشراكات الاستثمارية التي تعتمد على الموقع الجغرافي، وتسريع وتيرة إنجاز مزيد من الإصلاحات لتيسير حركة التجارة العالمية أي التكيف الاستراتيجي والمشاركة الاستباقية للتغلب على التوترات التجارية.

 

وعلى مصر الاستفادة الفعلية من الفرص المحتملة في بيئة تجارة عالمية تتسم بالتغيير ولا تأخذ أي وقت باستراحة المحارب، فالوقت لايسعفنا أبدًا وإعداد الأسلحة التي سنواجه بها الحروب التجارية . فلابد من دراسة الأفق الزمني للمستثمرين سريعًا ، والتوفيق بين التحديات والمخاطرة والأمر الواقع .

 

وفي مجمل الأمر أن السياسات الحمائية لها تأثير سلبي ليس على الأسواق الدولية فقط وإنما على الأسواق الناشئة بصفة خاصة مما يؤدي إلى اضطراب سلاسل التوريد العالمية وتباطؤ النمو الاقتصادي المباشر، وقد تضطر الشركات الأمريكية إلى البحث عن مواقع جديدة للإنتاج خارج الأسواق الأمريكية إضافة إلى تقليل الجاذبية للسوق الأمريكي بالنسبة للشركات الصينية وغيرها.

 

وهنا يبرز الحاجز النفسي للاقتصادات الناشئة مثل مصر خاصة أن طبيعة المدرسة الاقتصادية التي ينتهجها فريق العمل الاقتصادي الأمريكي هي سياسة جون مينر كنز «أبو الاقتصاد» في خفض الاستثمار الحكومي وهنا يشهر الاقتصاد الأمريكي سيفه بسحب الاستثمارات المباشرة من العالم، فماذا أعدت الفرق الاقتصادية المصرية أولًا والدول الناشئة بوجه عام خصوصًا هناك بعد لافت للنظر وهو التأثير على دول الخليج وهو وارد مع الضغط على الاقتصاد الصيني بفعل التوترات التجارية بين أمريكا والصين.

 

لذلك سوف نجد بعض دول الخليج تذهب لزيادة استثماراتها في السوق الأمريكي فقد يقل الطلب على النفط الخليجي وترامب يريد إغراق العالم بالنفط الأمريكي وهنا قد تتجه الصين إلى الأسواق الناشئة وتغير بوصلتها، ولكن هناك عقبة أمام الأسواق الناشئة ونحن معهم بالطبع وهو ذهاب جماعي بسبب السياسات الحمائية للمستثمرين إلى الدولار والسندات الأمريكية كملاذ آمن.

 

وهنا لابد أن يكون لدينا خطة واضحة المعالم مستقبلية واستباقية لأن فرض ضرائب على واردات أمريكا من الدول النامية سيسبب خفض الطلب على منتجات الدول النامية مثل مصر ومن هنا خفض العملة المحلية والصورة الفنية الأوسع هي ارتفاع عائد السندات الأمريكية مما يعني عودة شبح التضخم من جديد ونخرج من سيناريو الفيدرالى الأمريكي وسعر الفائدة وخطته لخفض التضخم إلى تجمع بريكس.

 

والأمر الواقع يفرض نفسه وهو أن يأخذ تجمع بريكس قرارات ترامب بعين الاعتبار كذلك تهديداته لأن السياسات الحمائية أربكت الأسواق والعملات الرئيسية فهناك غموض بشأن المستقبل الاقتصادي العالمي، فالدول النامية تائهة والاتحاد الأوروبي يرتجف والصين تستعد وروسيا تتهيأ.

 

ولا ننسى أن الاقتصادات الناشئة هي عصب الاقتصاد العالمي. وأن تدفقات الاستثمارات المباشرة حول العالم لهذه الاقتصادات، ونحن منهم كانت في عام 2024 تبلغ 980 مليار دولار وبوجه عام يدخل الدولار بصورة مباشرة في عمليات التمويل المباشرة للتدفقات الرأسمالية للدول النامية، والسؤال الآن هل تستطيع هذه الدول امتصاص هذه الصدمة إن حدثت حرفيًّا، خصوصًا أن الربع الأخير من عام 2024 خرجت من العالم حوالي 19 مليار دولار إلى السوق الأمريكية.

 

نعود مرة أخرى إلى البريكس ونحن أعضاء بها خصوصًا أن المجموعة لم تصدر إلى الآن عملة موحدة وبعد تراجع السعودية عن الانضمام للبريكس، فلابد لدول البريكس أن تأخذ المبادرة لإصدار عملتها الموحدة حتى نستطيع مقاومة صعود الدولار والحروب التجارية والسياسات الحمائية الجديدة لترامب والتي أربكت المشهد الاقتصادي العالمي وعملية الاستقرار المالي للاقتصادات العالمية والناشئة التي سوف تتحمل خسائر ومنها الدول التي لن تستطيع إيصال منتجاتها إلى الأسواق العالمية وهنا لابد من الإسراع إلى إزالة الدولرة العالمية كحل لدول البريكس.

 

فالواضح أن خريطة المصالح تتم إعادة تشكيلها من جديد تغذية الضغوط التضخمية وترامب لن يستثني أحدًا من أجل أمريكا والحمى الحمائية تجتاح العالم والريح قادمة بعدما سن مخالبه أمام التنين الصيني.

 

ورجل التعريفات الجمركية الذي يشعل الحرب التجارية الثانية لا يدرك أن المنتج الأمريكي فى خطر بسبب عوامل الجودة والتنافسية وسيحدث تشوهات اقتصادية في الأفضلية والكفاءة، بالإضافة إلى المخاطر غير المباشرة للتوترات الجيوسياسية أن سياسة الانعزال التي يقودها ترامب سيكون لها تداعيات سلبية على حضورها في العالم والنتيجة تراجع الناتج المحلي الإجمالي العالمي لذلك الحروب التجارية حديث خارج سياق التاريخ في محاولة من ترامب فرض معادلة اقتصادية جديدة والتأثير على حركة التجارة العالمية وسوق الأسهم والسندات، فكل 5 في المائة زيادة في الرسوم الجمركية تمثل 1 بالمائة تراجعًا في سوق الأسهم مما يربك الأسواق المالية أيضًا والتكالب على الملاذ الآمن الذهب الذي يحتاج إلى حديث منفرد .

 

الشحنة الدلالية في مسألة الحروب التجارية أنها ليس فيها رابح أو خاسر لقد تسببت الرسوم الجمركية في تسطح الأسواق العالمية من نقطة الانطلاق وتعطيل حركة التجارة ويخسر فيها الجميع وأولها أمريكا التي تعاني بعجز ميزانها التجاري أما الصين وكندا والمكسيك فلديها فائض في ميزاتها التجاري. وهنا نقول إن الحروب التجارية التي يشعلها ترامب نوع من التنمر بالعالم والمعادلة الاقتصادية.