أعلن الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أن تطبيق نظام «البكالوريا» على الطلاب، سيكون اختياريًا وليس إلزاميًا، وذلك لفترة محدودة، بهدف تقييم النظام التربوى الحديث، على أن يكون للطلاب الحق بالاستمرار فى النظام القديم إذا فضَّلوا ذلك، مع إمكانية الاختيار بين النظامين، الجديد والقديم، فى بداية التطبيق.
هذا القرار قد يبدو ظاهريًا، وكأنه خطوة نحو التنوع والمرونة فى التعليم، لكن الخبراء من واقع التجربة التعليمية يرون أن هذا القرار يحمل العديد من المخاطر التى قد تؤثر سلبًا على جودة التعليم بشكل عام.
الدكتور محمد كمال الجيزاوى، الخبير التربوى وأستاذ مساعد القيم بجامعة القاهرة، قال إن: «تصريحات رئيس الوزراء بخصوص إمكانية تطبيق نظامى الثانوية العامة والبكالوريا فى نفس الوقت، تأتى فى إطار محاولات التعرف على نقاط القوة والضعف فى نظام البكالوريا قبل تعميمه»، غير أن تطبيق النظامين فى نفس الوقت يثير العديد من التساؤلات، مثل: (هل سيتم تطبيق النظامين بعد الاستجابة للتحفظات على نظام البكالوريا وتعديله أم من دون أى تعديلات فيه؟)، فإن كانت ستتم الاستجابة للتعديلات، فلماذا لا نطبق نظام البكالوريا بمفرده بعد عامين؟، وإن كان لن يتم عمل أى تعديلات فيه، فلماذا تم إجراء الحوار الوطني؟، وإن تم تطبيق النظامين معًا، فما هى المدة التى سيتم تطبيقهما معًا فيها، خاصة أن ذلك يتطلب تخرج دفعة واحدة على الأقل، مما يعنى تطبيق النظامين على ثلاث دفعات قبل دراسة أى النظامين أفضل، وهو ما قد يؤدى للإضرار بالطلاب فى هذه الدفعات، وعدم العدالة فى التعامل معهم.
ويؤكد «الجيزاوى» أن وجود نظامين تعليميين مختلفين يعنى ضرورة تغيير قواعد القبول بالجامعات، وهو ما يصعب حدوثه، كما أن الإبقاء على النظامين يؤدى لمشكلات كثيرة، مثل كيفية تحديد أعداد الطلاب من كل نظام فى دخول الجامعات، وإذا كان ذلك مطبقًا حاليًا بالنسبة لأبناء المصريين بالخارج، أو لطلاب مدارس «ستيم»، فذلك لأن أعدادهم محدودة، كما أنها تتزايد وتقل بنسبة بسيطة، عكس تطبيق النظامين، حيث يمكن أن تختلف نسبة الطلاب فى كل نظام بشكل كبير من عام لآخر، وبالتالى يصعب -إن لم يكن يستحيل- تحديد نسبة مسبقًا لطلاب كل نظام فى دخول الجامعات، كذلك فإن وجود نظامين مختلفين يؤهلان لنفس التخصصات يخلّ بمبدأ تكافؤ الفرص، حيث يجب توحيد الامتحانات حتى تكون هناك عدالة فى دخول الكليات.
واتفق معه فى الرأى الدكتور محمد كمال، قائلًا: إن تطبيق نظامين أمر شديد الصعوبة، فالوزارة تعانى فى تطبيق نظام واحد، فما بالنا بتطبيق نظامين مختلفين فى نفس الوقت، وهو ما سيؤدى لأخطاء إدارية وتعليمية، حيث لا يوجد عدد كافٍ من المعلمين لتطبيق كلا النظامين، كما سيحدث تضارب فى المادة العلمية مما يصعب تدريس نفس المواد فى كلا النظامين، فمثلا (التريبة الدينية داخل المجموع فى نظام البكالوريا وخارجه فى الثانوية العامة، واللغة الأجنبية الثانية والفلسفة وعلم النفس وكذلك اللغة العربية واللغة الأجنبية الأولى وضعها فى النظامين مختلف، كما يوجد تحسين فى نظام ولا يوجد فى الآخر)..
وتساءل د.«كمال»: لماذا الإصرار على التعجل والتجربة؟ لماذا لا تتم دراسة الأمر بشكل كامل والاستماع لآراء المختصين بشكل حقيقى ومراجعة التحفظات الجوهرية على النظام المقترح من أجل تحسينه للأفضل؟، مطالبًا بتأخير تطبيق النظام عامين، ليبدأ مع الدفعة التى طبق عليها النظام التعليمى الجديد، ويكون نظامًا يستمر عقودًا أفضل من الاستعجال ووضع نظام يتغير بعد عام أو عامين مثل كل مرة.
أما الدكتور عادل النجدى، عميد كلية التربية جامعة أسيوط سابقًا، فيشير إلى كمّ الانتقادات العديدة التى وجهتها الأطراف المجتمعية المختلفة حول نظام البكالوريا، ورغم ذلك جاءت تصريحات الدكتور «مدبولي»، بأنه بالإمكان أن يتم تطبيق النظام بشكل تجريبي، بحيث يختار الطالب أيًّا من النظامين للالتحاق، سواء الثانوية العامة أو البكالوريا، لتضع عائقًا جديدًا أمام المقترح.
وقال: «الواقع أن وجود نظامين للثانوية العامة يختار بينهما الطالب، سيُحدث الكثير من المشكلات للتعليم الثانوي، ولن يكون حلًا ولا تطويرًا»، وتتمثل تلك العقبات فى الكثير من النقاط، وهي: أولًا وجود نظامين داخل المدرسة الثانوية الواحدة سيُحدث الكثير من التشتت وعدم الانضباط ويحتاج إلى فصول دراسية لنظام البكالوريا ومعلمين، وكذلك للنظام العادي، مما يتطلب احتياج المدرسة إلى عدد أكبر من الفصول والمعلمين، ونحن حتى الآن لم نعالج بشكل جذرى مشكلات العجز فى المعلمين بمختلف المراحل، ومنها الثانوية العامة، كما أن نظام البكالوريا له مقررات لا يوجد لها معلمون بالمدارس حاليًا من الأساس، مثل مقررات البرمجة وإدارة الأعمال والمحاسبة، فماذا ستفعل الوزارة خلال عام لعلاج كل تلك القضايا، لضمان التنفيذ الجيد للبكالوريا؟. ثانيًا: آليات التقويم والاختبارات المختلفة لكل نظام لن تحقق العدالة بينهما، وذلك مخالف للدستور، ففى الوقت الذى يُتاح لطالب البكالوريا التحسين للوصول إلى درجات أعلى، لن يكون ذلك متاحا للثانوية العامة العادية. ثالثًا: هل تستطيع وزارة التربية والتعليم ضمان إعداد امتحانين للثانوية العامة والبكالوريا وتطبيقها وضمان العدالة وعدم التسريب؟، للأسف ولسنوات طويلة تضع الوزارة امتحانًا واحدًا، ولم تعالج مشكلاته حتى الآن بشكل جذري، فماذا سيحدث فى امتحانات نظامين مختلفين؟. أما رابعًا: صعوبة تطبيق نظام البكالوريا لما أثاره للعديد من القضايا التى تستوجب الحل قبل التطبيق، مثل قضية إضافة التربية الدينية للمجموع، وقضية اللغتين العربية والأجنبية وتدريسهما فى عام واحد فقط بالبكالوريا.
«النجدى» أوضح، أن قضية تدريس اللغة الأجنبية الثانية، وقضية الامتحانات بنظام الـ«بابل شيت»، وهو ما يتطلب الأخذ برأى الخبراء فى تلك الإشكاليات، من أجل صياغة مقترح يمكن ضمان نجاحه بنسبة كبيرة، مشيرًا إلى قضية التنسيق، وكيف سيعمل مكتب التنسيق على تحديث آليات التحاق طلاب النظامين بالجامعة؟ وكيف سيتنافس الطلاب على مقاعد الكليات فى ظل وجود نظامين مختلفين وبأعداد طلاب متباينة؟، لن تستطيع الوزارة توقع كمّ هذه الأعداد، حتى كتابة استمارات الثانوية العامة، وتلك مشكلة كبيرة، قد تؤدى إلى أزمات، أو إلى ساحات المحاكم، لطلب إلغاء تلك القرارات، كما حدث خلال الأيام الماضية.
وحول الحلول الممكنة أضاف «النجدى» أنه يجب تنفيذ مقترح الحكومة بشأن تجريب النظام بعد الاستقرار عليه مجتمعيًا فى مجموعة من المدارس التجريبية التابعة للوزارة، والتى يبلغ عددها نحو 3100 مدرسة بنسبة 6 فى المائة من مجموع المدارس المصرية، وأن تخصص نسبة لهم بمكتب التنسيق مثل الشهادات المعادلة، على أن تجرى الدراسات والبحوث العلمية المستفيضة فى ضوء نتائج التجريب بالمدارس التجريبية، وبعدها يمكن تطبيق النظام حال نجاحه فعليًا على أرض الواقع، أو إعادة النظر فيه وتطويره فى ضوء التجربة على عينة محدودة من الطلاب.
فى نفس السياق، ترى الدكتورة إيلاريه عاطف زكى، خبيرة المناهج وطرق التدريس والحوار الوطنى، أن البكالوريا رؤية طموحة لتطوير نظام المرحلة الثانوية، مطالبة بضرورة الوقوف على جميع جوانب النظام، وتقديم حلول لكافة التحديات ورصد الإيجابيات، وهنا يجب علينا السماع لكافة الأطراف المعنية بالتطوير، والأخذ فى الاعتبار كافة الآراء التربوية والأكاديمية ليحقق النظام الهدف الذى طُوِّر من أجله.
وتساءلت منى أبوغالي، مؤسس ائتلاف تحيا مصر، متى يظل التخبط فى نظام التعليم عمومًا، والثانوية العامة خاصة؟)، مشيرة إلى أن مصر -حال تطبيق المقترح- ستكون الدولة الوحيدة التى يوجد بها أكثر من نظام تعليم لنفس المرحلة، ما بين ثانوى عام نظام قديم وآخر جديد ونظام «ستيم».
وتابعت: طالما نادينا بجعل التعليم موحدا لتكافؤ الفرص مع نظام ستيم، لماذا هذا التسرع، ما يحدث الآن لا نعرف مبررا له ولا الهدف منه مشيرة إلى أنه «لعل المميزات الوحيدة لهذا المقترح، وجود التحسين والتخصص ببعض المواد، ولكن العيوب أكثر»، أبرزها: «لا يجب فتح باب التحسين للجميع دون تقييد محدد بشروط، إلا إذا كان جميع الطلاب يقبلون على التحسين رغبة فى الحصول على أعلى الدرجات»، وهنا، لا يوجد تكافؤ فرص.